< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

35/12/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قواطع السفر

وهي امور : احدها : الوطن , فان الامرور عليه قاطع لسفر وموجب للتمام ما دام فيه او فيما دون حد الترخص منه ، ويحتاج في العود الى القصر بعده الى قصد مسافة جديدة ولو ملفقة مع التجاوز عن حد الترخص، والمراد به المكان الذي اتخذه مسكن و مقرا له دائما بلداً كان او قرية او غيرهما , سواء كان مسكناً لابيه وامه ومسقط راسه او غيره مما استجد , ولا يعتبر في بعد الاتخاذ المزبور حصول ملك له فيه , نعم يعتبر فيه الاقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً انه وطنه والظاهر ان الصدق المذكور يختلف بحسب الاشخاص والخصوصيات , فربما يصدق بالاقامة فيه بعد القصد المزبور شهراً او اقل , فلا يشترط فيه الاقامة ستة اشهر وان كان احوط , فقبله يجمع بين القصر والتمام اذا لم ينوي اقامة عشرة ايام .[1]

مسألة 1 : إذا أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجد وتوطن في غيره، فإن لم يكن له فيه ملك أصلاً أو كان ولم يكن قابلا للسكن، كما اذا كان له فيه نخلة او نحوها، أو كان قابلاً له ولكن لم يسكن فيه ستة اشهر بقصد التوطن الابدي يزول عنه حكم الوطنية فلا يجوب المرور عليه قطع حكم السفر، وأما اذا كان له فيه ملك قد سكن فيه بعد اتخاذه وطناً له دائماً ستة اشهر، فالمشهور على أنه بحكم الوطن العرفي، وان اعرض عنه الى غيره، ويسمّونه بالوطن الشرعي ويجبون عليه التمام اذا مرّ عليه بعد الاعراض، فالوطن الشرعي غير ثابت، وان كان الاحوط الجمع بين اجراء حكم الوطن وغيره عليه، فيجمع بين القصر والتمام إذا مر عليه ولم ينو اقامة عشرة ايام، بل الاحوط الجمع اذا كان له نخلة او نحوها مما هو غير قابل للسكن وبقي فيه بقصد التوطن ستة اشهر، بل وكذا اذا لم يكن سكناه بقصد التوطن بل بقصد التجارة مثلاً )[2].

١نعملا اشكال في زوال حكم الوطن العرفي بالاعراض عنه لزوال موضوعه، فلو مرّ المسافر على بلدٍ كان وطناَ له في الزمن الغابر فإنه لا ينقطع حكم السفر عنه لعدم صدق المرور على وطنه الفعلي، وهذا هو الظاهر من الروايات التي تعلق حكم التمام على المرور عليه .
وهذا بخلاف ما نسب الى جملة من الفقهاء عن وجود وطن ثالث أسموه : الوطن

الشرعي فانه حتى لو اعرض عنه ومر عليه فإنه ينقطع فيه حكم السفر وكلما دخله أتم صلاته فيه، وانما ذلك بالشروط التي ذكروها فيه وهي ثلاثة :

أولها : ان يكون له فيه ملك

ثانيها : انه سكن فعلاً

ثالثها : ان تكون سكونته فيه ستة اشهر وبها يتحقق الوطن الشرعي والا فلا وطبعاً هذا مقيد بدوام ملكه فيه وهذا القسم الثالث من اقسام الوطن مغاير للوطنين السابقين من جهة عدم مؤثرية الاعراض عنه في كونه يتم صلاته ويصوم كلما دخل اليه اذا تم الدليل عليه .

الدليل :

والعمدة في الاستدلال على الوطن الشرعي لمن ذهب اليه وتبناه هو صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن ابي الحسن عليه السلام قال : ( سألته عن الرجل يقصر في ضيعة، فقال : لا بأس ما لم ينوي مقام عشرة ايام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت ما الاستيطان ؟ فقال : أن يكون فيها منزل يقيم في ستة اشهر، فاذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها )[3].

ونسب القول بالوطن الشرعي الى العلامة الحلي (قده) وبعض من تأخر عنه وقال: ) إنه اذا بقي له في البلد المعرض عنه ملك – حتى ولو لم يكن قابلاً للسكن كالنخلة – وكان قد أقام ستة اشهر فإن عليه ان يتم صلاته فيه كلما دخله ويصوم اذا حضره الصوم ( .

واستدلوا على ذلك بأنه مقتضي الجمع بين صحيحة ابن بزيع السابقة عنه قوله : فقلت ما الاستيطان؟ فقال ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة اشهر فإذا كان كذلك يتم فيها

متى دخلها، وما رواه في التهذيبين باسناده الصحيح – عن محمد بن احمد بن يحيى
عن احمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ( في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: يتم الصلاة ولو لم يكن له الا نخلة واحدة لا يقصّر، وليصم اذا حضره الصوم وهو فيها )[4].

ولكن عند التأمل بذلك نجد أولاً بان هذه الصحيحة يعارضها جمعٌ من الروايات المتقدمة الصحيحة الظاهرة في الوطن العرفي من كلمات الوطن، والمِصر، وقريتك، وارضك وما شابه ذلك وهي كما لاحظت بأنها في محل العمل والابتلاء، والتي تحاكي ما عليه الفهم العرفي، لا كما في صحيحة ابن بزيع الذي خفي مفهوم الوطن عليه وهو في تلك الدرجة والمرتبة من المقام العالي، وينتظر توضيح مفهوم الوطن من الإمام (عليه السلام) .

فإما أن تكون ناظرة الى الوطن العرفي ويكون التحديد بالستة اشهر من قبيل الحكاية عن ابرز مصاديق المدة لصدق الوطنية عليه أو أن تقول بأن اعراض المشهور عنها كفيل باسقاطها عن الاعتبار، هذا بالاضافة الى كون الصحيحة تقول: )يقيم فيه( بصيغة المضارعة وليس بالماضوية أي يقيم في القرية فعلا ستة اشهر كل سنة ولم يُعرض عنها كما استشكل بذلك الشيخ الصدوق (ره).

وأما بالنسبة الي موثقة عمار فهي تنافي طائفة كبيرة من الروايات الصحيحة التي تنص بوضوح على ان العبرة بالتمام ان يكون مستوطناً فعلا في البلد، وليست العبرة بوجود ملك له فقط.

فقد سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول عن رجل يمرّ ببعض الأمصار وله بالمصر دارٌ وليس المصر وطنه، أيتم صلاته ام يقصّر؟
قال: عليه السلام : ) يقصر الصلاة، والصيام مثل ذلك اذا مر بها )[5] [6]



مسألة 2: (قد عرفت عدم ثبوت الوطن الشرعي، وانه منحصر في العرفي فنقول: يمكن تعدد الوطن العرفي بأن يكون له منزلان في بلدين أو قريتن من قصده السكن فيهما أبدا في كل منهما مقدارا من السنة، بأن يكون له زوجتان مثلا لكل واحدة في بلدة يكون عند كلّ واحدة ستة اشهر او بالاختلاف، بل يمكن الثلاثة أيضاً بل لا يبعد الأزيد أيضاً)[7].

٢- اذا كان المدار حول الصدق العرفي كما حررنا سابقاً في هذه المسألة فحينئذ سواءً كانت ثلاثة أو خمسة، وحتى و قلنا ستة اشهر كما في الوطن الشرعي، بل تقسم عندئذ على سنتين أو اكثر اذا كان له اربعة اوطان أو اكثر، فيقيم ستة اشهر في كل سنتين مثلا .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo