< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

{مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ\الواجب المشروط\تفاسير الواجب المشروط}

 

ذكرنا في البحث الثُّبُوتِيّ أربعةَ تفاسير فِي أن تلك الإرادة فِي باب الواجب المشروط فِعْلِيَّة قبل تَحَقُّق الشَّرْط أم لا؟

وهناك بحث آخر تقدمت الإشارة إليه سَابِقاً فِي ذيل التفسير الأَوَّل (وهو تفسير الشيخ & حيث كان يجعل الشَّرْط قَيْداً للمراد) بأن السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & قبل هذا التفسير فِي مرحلة الإرادة وأن هذه الإرادة فِعْلِيَّة وَالشَّرْط قيد فِي الْمُرَادِ، ولٰكِنَّهُ رفض أَنْ يَكُونَ الشوقُ والإرادة حكماً، والحكم هو الوجوب والاعتبار والجعل وهو يمكن أَنْ يَكُونَ الشَّرْط فيه قيداً للوجوب، لا قَيْداً للواجب. وقلنا: إن هذا الإشكال بحث مستقل يجب أن ندرسه بشكل مستقل فِي قالب أوسع هو >ما هو قوام الحكم وحقيقته؟< هل هو الشوق والإرادة؟ أم أن قوام الحكم بالاعتبار ولا حكم قبل أن يعتبر المعتبر. وهذا بحث مهم تَتَرَتَّبُ عليه آثار مهمة فِي مختلف الأبواب الأصولية.

طَبْعاً، إن الكلام لَيْسَ عن معنى لفظ >الحكم< أو >الوجوب< ليكون البحث لَفْظِيّاً، وَإِنَّمَا الْكَلاَم فيما هو موضوع حكم العقل بالتنجز ولزوم الطاعة؟ هل هو ذاك الشوق والإرادة الموجودة فِي نفس المولى (بحيث أن الْمُكَلَّف إذا علم بهذه الإرادة المولوية يجب عليه الإطاعة وَإلاَّ فيكون عاصياً ومستحقاً للعقوبة) أو أنَّ العقل لا يحكم هنا بوجوب الطاعة والانقياد، وَإِنَّمَا يحكم بذلك بعد صدور الجعل مِنْ قِبَلِ الشَّارِع من منطلق شوقه وإرادته، وذاك المجعول المولوي هو الْمَوْضُوع للإطاعة الْعَقْلِيَّة، وهذا البحث قد يُؤَثِّر فِي المقام أَيْضاً.

كما أن لهذا البحث آثار أكثر أهمية سيأتي ذكرها فِي البحوث القادمة، فعلى سبيل المثال إذا تقوم الحكم بالشوق فَسَوْفَ يعطي مفعوله فِي بحوث اجتماع الأمر والنهي وفي بحث الضد. إذن، إن هذا البحث الثبوتي بحثٌ مهم وله تطبيقات كثيرة.

الأقوال المطروحة فِي قوام الحكم

القول الأَوَّل: ما يظهر من عبارات الكفاية من أن روح الحكم هي تلك الإرادة التشريعية التي تعني الشوق المؤكد.

القول الثَّانِي: ما يعاكس القول الأَوَّل وهو ظاهر كلمات السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & وآخرين من الأصوليين حيث ذهبوا إلى أن الحكم والوجوب يتقوم بأمر اعتباري، أي: يقع مجعولاً شَرْعِيّاً. والأمر الاعتباري له صيغ متعددة.

طَبْعاً إن للسَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & نكاتاً أخرى في الرد عَلَىٰ كلام الشيخ & حيث تساءل عن أَنَّهُ ما هو المراد من الإرادة التشريعية؟ لو أريد بها الشوق فيرد عليه بأنه صفة نفسانية وليس حُكْماً ولا يكون مُنَجّزاً ولا تجب إطاعته طالما أن المولى لم يجعل ذاك الوجوب عَلَىٰ وفقه، ولو أريد بها مقولة >الْفِعْل المولوي< (أي: الإرادة التكوينية الَّتِي هي الإقدام أو فعل المريد أو هجمة النفس) فيرد عليه بأنه لا معنى لها ولا يمكن تعقلها؛ لأَنَّهُ لَيْسَ المولى هو الَّذِي يريد الإتيان بالفعل فِي باب الأحكام، بل يريد الْفِعْل من الْمُكَلَّف، وهو فعل شخصٍ آخر ويستحيل أن تتعلق الإرادة وهجمة النفس بفعل الآخر.

إذن، الإرادة بهذا المعنى ليست كالشوق؛ لأَنَّهَا من مقولة >الْفِعْل النفسانيّ< مِمَّا يجب تعلقها بفعل الإنسان نفسه، لا بفعل شخص آخر. وَبِالتَّالِي سوف تكون الإرادة التشريعية بهذا المعنى خاطئاً من الأساس، فالإرادة التشريعية بمعنى الشوق صحيحة، ولٰكِنَّهَا ليست وجوباً وحكماً؛ فَإِنَّ الوجوب أمر اعتباري يمكن جعله مشروطاً وبمعنى الإرادة وهجمة النفس، لا يعقل تعلقها بفعل الغير.

القول الثَّالِث: وهو الظَّاهِر من عَبَائِر المحقق العراقي & و سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ & فِي المقام حيث يريان أن روح الحكم هي ذاك الشوق المؤكد ولكن بشرط أن يُبرَز لِلْمُكَلَّفِ مِنْ قِبَلِ المولى. أَيْ: أَن إبرازها والتصدي لتحصيلها شرط فِي تَحَقُّق الْحُكْمِ، بمعنى أن الشوق المؤكد الَّذِي لا يبرزه المولى لا يكون موضوعاً لحكم العقل بالإطاعة وَالتَّنَجُّز، ولكن المراد من الإبراز ما يعم الإبراز بالإنشاء والاعتبار أو بالإخبار عن الإرادة. أَيْ: لا تَتَدَخَّلُ خصوصيةُ الاعتبار بالإبراز الاعتباري والإنشائي فِي الْحُكْمِ، وما هو يتقوم به الحكم بعد الإرادة هو أن يُبْرِزَ المولى تلك الإرادة بقصد التحصيل والتحريك المولوي، وهذا هو معنى الإرادة التشريعية الَّتِي هي من >مقولة الْفِعْل<، فالإرادة التشريعية تعني الطلب والتصدي لتحصيل المراد من الغير. وهنا يصبح الإبراز ركنا وقواماً أَيْضاً فِي حَقِيقَة الحكم.

والشاهد عَلَىٰ عدم تدخل الاعتبار بما هو اعتبار فِي قوام الحكم ما تَقَدَّمَ من أن المولى إذا أخبر الْمُكَلَّف بإرادته والطلب الكامن عنده لتحصيله من الْمُكَلَّف يحكم العقل بالتنجز ووجوب الامتثال أَيْضاً، حتَّى لو لم يُنشأ المضمون الاعتباري ووضع الْفِعْلِ عَلَىٰ ذمة الْمُكَلَّف، وأساساً لا يوجد مجعول اعتباري فِي الأوامر الشخصية وكذلك العكس، أي: إذا كان اعتبار بلا إرادة كما إذا لم يكن اعتبار المولى خلفه إرادة وبقصد تحصيل الْفِعْل والإتيان به مِنْ قِبَلِ الْمُكَلَّف، كما إذا نذر أن يقوم بالجعل والاعتبار أو كما وعده إنسان بمنح جائزة له إذا أصدر الاعتبار أو كان بنية المزاح أو الامتحان، فَحِينَئِذٍ ينعدم موضوع حكم العقل بالتنجز ولزوم الطاعة. إذن، لا يتقوم الحكم والوجوب بالمجعول الاعتباري.

القول الرَّابِع: وهو مختار سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ & فِي بحث >اجتماع الأمر والنهي< وهو ما يُسقط الإرادة ووجود شوق نَفْسَانِيّ عن التّدخّل فِي قوام الْحُكْمِ حيث يقول & هناك: قد لا يكون المولى مشتاقاً إلى فعل من الأفعال ولكن مع ذلك يأمر به ويتصدى لتحصيله، بل قد يكون الْفِعْل مبغوضاً عنده، وذلك كما فِي الخروج من الأرض المغصوبة حيث يمكن أَنْ يَكُونَ واجباً شَرْعِيّاً وإن لم يكن المولى مشتاقاً لتصرفات الغاصب الخروجية، بل يبغضها؛ لأَنَّهَا تصرفات غصبية قام بها الغاصب من سوء اختياره، فهي مبغوضة لدى المولى، ولكن مع ذلك يأمر المولى بالخروج منها فِي سبيل تخلص الْمُكَلَّف من الوقوع فِي تصرفات غصبية أكثر. بمعنى أن المولى حينما يرىٰ الأمر دائراً بين أحد المبغوضين يأمر بالمبغوض الأخف. وهذا ما يمكن تعقله فِي الإرادة التكوينية بأنَّ الإنسان إذا دار فعله بين محذورين فَسَوْفَ تتعلق إرادتُه بأخف المحذورين مع أَنَّهُ مبغوض ولا يشتاق إليه؛ ذلك لما تَقَدَّمَ من أن الحب والبغض ليسا من >مقولة الْفِعْل<، فيتعلقان بأمور غير مقدورة أَيْضاً.

طَبْعاً هناك من يسمي هذا بالحب العقلي، ويرد عليه سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & بأننا لا نتعقّل معنى الحب العقلي؛ فَإِنَّ الحب والشوق صفتان نفسانيّتان.

إذن، فما هو روح الحكم وما هو المنجز هو ذاك الطلب الَّذِي يعني تصدي المولى لتحصيل الْفِعْل بواسطة الْمُكَلَّف، وهذا قد يكون مبغوضاً فِي نفس المولى ولٰكِنَّهُ أخف المبغوضين.

وعلى هذا القول فسوف لا يتقوّم الوجوب بالشوق المؤكد، وما هو قوام الحكم هو ذاك الطلب الَّذِي هو التَّصَدِّيّ المولوي وهو من مقولة فعل المولى، وهذا التَّصَدِّيّ المولوي ينسجم مع كلٍّ من الإبراز الإنشائي (وجعل الاعتبار) أو الإخبار بقصد التحصيل وتحريك الغير نحو الْفِعْل، وهذا هو القول الرَّابِع وهو الصَّحِيح. والتصدي لِلتَّحْصِيلِ من مقولة الْفِعْل الخارجي الاِخْتِيَارِيّ للمولى، وهذا التَّصَدِّيّ كما يمكن أَنْ يَكُونَ مُطْلَقاً يمكن أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطاً وتحريكا فِي فرض تَحَقُّق الشَّرْط خَارِجاً لا فِي جميع الفروض. أي: كما أن الغرض والملاك والمصلحة مشروط كذلك تصدي المولى فِي الواجب المشروط مشروطٌ ومنوط بفرض تَحَقُّق الشَّرْط فِي الخارج، وليس مُطْلَقاً؛ لأَنَّ التَّصَدِّيّ لِلتَّحْصِيلِ ينتزع من إبراز ما يريده المولى مُطْلَقاً أو فِي فرض خَاصّ، فإذا قيّده المولى بفرض خَاصّ، لا مُطْلَقاً كان تحريكاً وتصدّياً مولوياً فِي ذلك الفرض لا محالة.

والواقع أن المولى كما يمكنه أن يُبْرِزَ طلباتٍ عديدةً لكُلّ مُكَلَّفٍ تَحَقُّق له شرط الاتصاف بالملاك، كذلك يمكنه أن يبرز إبرازاً كُلّيّاً وبنحو الْقَضِيَّة الحقيقية لِكُلّ مُكَلَّفٍ تَحَقُّق له ذاك الشَّرْط فيطلب منه الإتيان بالفعل. وهذا الإبراز (وهذه الْقَضِيَّة) وإن كان واحداً ولكن المبرز فيه انحلالي ومتعدد بعدد تَحَقُّق ذاك الشَّرْط فِي الخارج والَّذِي هو منشأ لانتزاع التصديات والتحريكات الْمَوْلَوِيَّة المتعددة المشروطة، وكل واحد منها موضوع لوجوب الإطاعة وَالتَّنَجُّ

ولو كان مقصود السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & من أن الحكم هو الجعل والاعتبار هذا التَّصَدِّيّ المولوي (وإن كان هذا أَمْراً وَاقِعِيّاً ينتزع من إخبار المولى أو إنشائه وليس أَمْراً اعْتِبَارِيّاً) وهو ينتزع بعد تَحَقُّق الشَّرْط فِي الخارج وإن كان قد يعبر عن نفس الجعل أو الإخبار الكلي بنحو الْقَضِيَّة الحقيقية بالتحريك المولوي المشروط والمعلق، إلا أَنَّهُ تعبير مسامحي والتحريك المولوي ينتزع من مجموع الركنين الجعل أو الإبراز الكلي مِنْ قِبَلِ المولى لتحصيل الْفِعْل وتحقق شرطه فِي الخارج؛ فَإِنَّهُ زمان فِعْلِيَّة التحريك المولوي حَقِيقَة.

وَعَلَىٰ يمكن أن يقال بأن الواجب المشروط يعني طلب الْفِعْل أو التَّرْك المنوط والمعلق عَلَىٰ تَحَقُّق الشَّرْط سَوَاء من خلال الجعل والاعتبار المشروط أو الإخبار عن الإرادة عَلَىٰ ذلك التقدير والَّذِي يوجب انتزاع التحريك المولوي عند تَحَقُّق الشَّرْط فِي الخارج وقد نسمّيه بالتحريك المشروط والمعلق بلحاظ كليته وَالْقَضِيَّة الحقيقية المبرزة مِنْ قِبَلِ المولى بِالنَّحْوِ الَّذِي شرحناه.

فهذا مطلب صحيح ولا يجعل الواجب المشروط مُطْلَقاً حتَّى إذا قيل بأن الإرادة الْمَوْلَوِيَّة من ورائها مطلقة وَالشَّرْط فيها قيد للمراد لا للإرادة وإن كان الصَّحِيح عَلَىٰ ما تَقَدَّمَ أن الإرادة أَيْضاً مشروطة وليست مطلقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo