< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

33/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الفصل الثَّانِي: تقسيمات الواجب

 

انتهينا إلى الفصل الثَّانِي من فصلي مُقَدَِّمَةِ الْوَاجِبِ بعد أن أشبعنا الحديثَ فِي الفصل الأَوَّل عن تقسيمات الْمُقَدَِّمَة، وقد عقدنا الفصل الثَّانِي لدراسة تقسيمات الواجب بلحاظ شروطه ومقدماته؛ فإن للواجب تقسيمات أخرى أَيْضاً لا ترتبط بمقدماته وشروطه كتقسيمه إلى التَّخْيِيرِيّ والتعييني أو تقسيمه إلى الكفائي والعيني. وقد قسّموا الواجب بلحاظ مقدماته وشروطه إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأَوَّل: الواجب المطلق والواجب المشروط بتحقق الشَّرْط.

القسم الثَّانِي: الواجب المنجز والواجب المعلق عَلَىٰ تَحَقُّق الشَّرْط فِي المستقبل مع فِعْلِيَّة الوجوب.

القسم الثَّالِث: الواجب النَّفْسِيّ والواجب الغيري (وهو مُقَدَِّمَةُ الْوَاجِبِ النَّفْسِيّ وَالَّتِي تصبح وَاجِباً لأجل الغير).

ولنبدأ أوَّلاً بدراسة الواجب المطلق والمشروط ثُمَّ المعلق والمنجز لندخل بعد ذلك إلى البحث عن الواجب النَّفْسِيّ والغيري والَّذِي يُعَدُّ المحور الأساس فِي البحث عن مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ؛ فَإِنَّ البحث عن الواجب الغيري هو نفس البحث عن وجوب مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ.

 

التقسيم الأول: الواجب المطلق والمشروط

إذا كان الواجب مَشْرُوطاً بشرط أو بمقدمة يُسمى بالواجب المشروط، أي: وجوبه مشروط بِالشَّرْطِ كالاستطاعة لوجوب الحج أو الزوال لوجوب صلاة الظهر حيث أن وجوب الحج مشروط بالاستطاعة فلا يجب الحجُّ عَلَىٰ الْمُكَلَّفِ ما لم يملك الزادَ والراحلةَ، فإذا لم يكن الواجب بهذا اللِّحَاظِ مَشْرُوطاً بهذا الشَّرْط لكان الحج وَاجِباً مُطْلَقاً كوجوب الصَّلاَة الَّذِي لَيْسَ مَشْرُوطاً بالاستطاعة الْمَالِيَّة فيكون مُطْلَقاً بلحاظ الاستطاعة ولٰكِنَّهُ بلحاظ الزمان مشروط بتحقق الزوال وكما قلنا سَابِقاً ويأتي فِي المستقبل: إن ما هو شرط للوجوب لا يتعلق به الوجوب الغيري حتَّى لو قلنا بوجوب الْمُقَدَِّمَة؛ لأَنَّهُ قد وقع شرطاً للوجوب، فلا يوجد وجوبٌ قبل تَحَقُّق ذاك الشَّرْط، والأمر به بعد تَحَقُّقه تحصيلٌ للحاصل.

ومن هنا قلنا: لا تتوفر فِي شرائط الوجوب شروطُ الوجوب الغيري، والمقدمات الواجبة مخصوصة بما يكون شَرْطاً للواجب فقط كالطهور للصلاة. ومن هنا إذا أصبح وجوب الصَّلاَة فِعْلِيّاً بتحقق الزوال يجب عَلَىٰ الْمُكَلَّف أن يُوجِدَ الطهور إذا لم يكن متطهراً فلا يكون الطهور شرطاً فِي إيجاب الصَّلاَة بل عَلَىٰ العكس فِعْلِيَّة وجوب الصَّلاَة يوجب تحصيل قيود الواجب.

إذن، إن البحث عن الواجب المشروط لا يدخل فِي نطاق البحث عن مُقَدَِّمَة الْوَاجِبِ ووجوب الْمُقَدَِّمَة الغيري، ولكن بلحاظ شبهة أثارتها الشيخ الأنصاري & فيه، وقع إمكان الواجب المشروط مورد النقاش والبحث عند الأصوليين. وهناك إشكالان يمكن استفادتهما من مجموع كلمات الشيخ والآخرين فِي إمكان الواجب المشروط أحدهما ثبوتي فِي أَنَّهُ هل يمكن أَنْ يوجد واجب مشروط ثُبُوتاً وفِي عالم نفس المولى وبلحاظ مبادئ وروح الوجوب أم لا؟ وثانيهما إثباتي وبلحاظ رجوع الشَّرْط إلى الوجوب الَّذِي هو مدلول صيغة الأمر وهذا الإشكال هو محط اهتمام الشيخ حيث يذكر الإشكال الثبوتي ضمن الإشكال الإِثْبَاتِيّ.

والإشكال فِي مرحلة الإثبات يدور حول دلالة الجملة الإنشائية؛ لأَنَّ الوجوب عَادَةً ما يُفهم من صيغة الأمر الَّتِي هي هيئة الأمر، وقد تَقَدَّمَ أن دلالات الهيئات ومداليلها من المعاني الحرفية وَالْجُزْئِيَّة وليست معان اسمية ومستقلة، وقد أفاد الشيخ أن مدلول هيئة الأمر إذا كان معنى نسبياً وجزئياً لا يمكن تقييده وإرجاع الشَّرْط إلى مفاد هيئة الأمر وصيغته، أي: لكونه جزئياً أو غير مستقل، فلا يقبل الإِطْلاَق وَالتَّقْيِيدَ؛ فَإِنَّ الإِطْلاَق وَالتَّقْيِيد إِنَّمَا يتصوران فِي مفهوم يكون جامعاً ويمكن تصوره مستقلاً حتَّى يمكن تقييده، بينما المعنى الْحَرْفِيّ معنى جُزْئِيّ أو آليّ وغير مستقل، إذن يمتنع تقييده. وهذا إشكال فِي مقام الإثبات وليس إِشْكَالاً ثُبُوتِيّاً؛ ؛ لأَنَّهُ لو كانت الدِّلاَلَة عَلَىٰ الوجوب بنحو المعنى الاسمي لم يرد هذا الإشكال.

أَمَّا البحث الأَوَّل (الإشكال الثبوتي) فيرتبط بالواجب المشروط فِي نفسه بأن المولى هل يمكنه أن يجعل الوجوب مَشْرُوطاً بشرط أم لا؟ وأنه هل ترجع شروط الوجوب إلى الواجب وتكون قيوداً له لبّاً أم لا؟ وهذا الإشكال متوقف عَلَىٰ موقفنا من الحكم ومبادئه فِي عالم الثبوت، وفي أية مرحلة من مراحل الحكم يجري هذا الإشكال؟ فإنَّنَا قلنا سَابِقاً إن للحكم الشَّرْعِيّ ثلاث مراحل وهي كالتالي:

المرحلة الأولى: مرحلة الملاك والمصلحة أو حاجة الآمر إلى فعل من الأفعال.

المرحلة الثَّانِيَة: مرحلة الإرادة التشريعية الَّتِي وهي الإرادة أو الشوق المؤكد المماثلة للإرادة التكوينية ولكن متعلقه فعل الآخرين لا فعل المريد نفسه كما فِي التكوينية. وهاتان المرحلتان أمران تكوينيان وليستا باعتباريتين. أَيْ: أَن الملاك أمر تكويني كالعطش الَّذِي يستدعي شرب الماء، أو المرض الَّذِي يحتاج إلى تناول الدواء، والإرادة أو الشوق النفساني أَيْضاً من الصفات الحقيقية والتكوينية فِي عالم النفس.

المرحلة الثَّالِثَة: مرحلة الجعل والاعتبار وَالَّتِي تُوجَد أو تُبرَزُ بالإنشاء، وهذه المرحلة من الحكم إِنَّمَا هي فِي الأحكام الكلية القانونية وفي القضايا الحقيقية الَّتِي يجعل المولى فيها الوجوبَ ويعتبر الإلزامَ أو يجعل الْفِعْل عَلَىٰ ذمة الْمُكَلَّف، وَحَيْثُ أَنَّ الجعل أمر اعتباري يمكن ذكر تعابير مختلفة فِي كَيْفِيَّة الاعتبار وصياغته، فعلى سبيل المثال تَارَةً يقول: {لله عَلَىٰ النَّاس حج البيت} فيجعل الحج عَلَىٰ ذمة الْمُكَلَّف وأخرى يقول: >عَلَىٰ اليد ما أخذت< أو يجعل الوجوبَ ويقول: >الزكاة واجبة< وأمثالها. وقد وقع البحث (فِي هذه المرحلة الاعتبارية من الحكم) فِي أن قوام الحكم بها أم لا؟ فإن الحكم يتحقق مِنْ دُونِ المرحلة الثَّالثة؛ فَإِنَّهُ يكفي فِي تَحَقُّق الحكم أن يبرز المولى المرحلة الأولى والثانية كالأوامر الشخصية الَّتِي لا يجعل فيها أي اعتبار، وهذا بحث نتناوله أَيْضاً.

دراسة الإشكال في هذه المراحل الثَّلاَثة:

ولمّا كان الإشكال حول إمكانية الواجب المشروط وتعقّله كان علينا أن ندرس مصب الإشكال لنرى أَنَّهُ فِي أية مرحلة من تلك المراحل الثَّلاَثة، فهل هو فِي مرحلة الملاك الَّذِي هو أمر تكويني ومصلحة خارجية أم فِي الحاجة التكوينية للمولى؟ وكان من الواضح أن المصلحة قد تُناط بشرط بحيث لا تَتَحَقَّقُ المصلحةُ والحاجةُ فِي الخارج ما لم يتوفر ذاك الشَّرْط وهذا ما لا ينبغي الإشكال فيه؛ فَإِنَّ المولى - مثلاً - إِنَّمَا يحتاج إلى الماء حينما يكون عطشاناً، وحينما تكون هناك مصلحة وحاجة مشروطة بشرطٍ مّا، لا تَتَحَقَّقُ تلك المصلحة والحاجة ما لم يتواجد ذاك الشَّرْط.

كما أن المرحلة الثَّالثة لا كلام فيها؛ لأَنَّنَا قلنا فِي البحث عن الشَّرْط المتأخر: إن الحكم أمر اعتباري، وما يكون شَرْطاً فِي الجعل والاعتبار إِنَّمَا هو لحاظ الشَّرْط والفرض وتقديره، وَاللِّحَاظِ فعليٌّ، وما يقال بشأن المجعول الفعلي من أَنَّهُ >مشروط بتحقق الشَّرْط فِي الخارج< أمر تصوري وبالحمل الأَوَّلِيّ وليس أَمْراً حَقِيقِيّاً، وإناطته بشرطٍّ مّا أو بقاؤه مُطْلَقاً تابع لكيفية الاعتبار والجعل. إذن، بلحاظ عالم الجعل والاعتبار لا نواجه مشكلة ثُبُوتِيَّة فِي إنشاء واعتبار وجوب مشروط بشرط، وهذا ما سوف ندرسه فِي المستقبل بشكل أوسع أَيْضاً بحوله وقوته.

وما هو محل الإشكال والبحث هنا هو الاشتراط فِي المرحلة الثَّانية للحكم (أي: الإرادة)؛ لأَنَّ الإرادة أمر حَقِيقِيّ وتكويني وليست أَمْراً اعْتِبَارِيّاً، ومن هنا أشكل عَلَىٰ الواجب المشروط فِي مرحلة الإرادة بأنه كيف تكون الإرادة التشريعية الَّتِي هي روح الجعل مشروطةً؛ فَإِنَّ هذه الإرادة إن وُجدت بالفعل تكون مطلقةً ولا تكون مشروطةً؛ وإن لم تحصل الإرادة التشريعية قبل تَحَقُّق الشَّرْط بالفعل فِي نفس المولى فَسَوْفَ لا توجد إرادة، وهذا خلف الفرض؛ لأَنَّ للمولى إرادة تشريعية فِي الواجبات المشروطة، لا أَنْ يَكُونَ فاقداً للإرادة؛ لأَنَّ المفروض أن المولى هو الَّذِي جعل الواجب المشروط، ومعنى ذلك أن إرادة المولى التشريعية قد تعلقت به، فلو لم تكن لديه الإرادة (كالمولى الَّذِي لا يريد الحج أساساً) لم يكن يجعل الوجوب المشروط.

إذن، الإرادة التشريعية فِعْلِيَّة فِي الواجبات المشروطة قبل تَحَقُّق الشَّرْط. وهنا أصبح الأصوليون بصدد بيان كَيْفِيَّة هذه الإرادة المشروطة فِي موارد عدم تَحَقُّق الشَّرْط؟ وأنه كيف يَتُِمّ تصوير شرط الوجوب فِي مرحلة الإرادة بحيث يكون الشوق والإرادة مَوْجُوداً بالفعل ولا يكون مُطْلَقاً؟ وبالأحرى بأي معنى من المعاني يمكن تعقل الاشتراط فِي الإرادة؟ وقد ذكروا فِي هذه النُّقْطَة من البحث أجوبةً عديدة وتفاسير مختلفة يمكن ذكر تفاسير أربعة منها لننتهي فِي النهاية إلى الرأي المختار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo