< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم اللٰه الرحمن الرحيم

بحث أصول سماحة آية اللٰه العظمى السيد محمود الهاشمي الشاهرودي حفظه اللٰه

{الإجزاء}

الجلسة الـ199، الأحد 18-11-1432 (الموافق لـ16-10-2011)

 

كانَ الكلامُ في مُقْتَضَى الأَصْلِ الْعَمَلِيِّ عند الشَّكّ فِي إجزاء الفعل الاضطراري بعد ارتفاع الاضطرار داخل الوقت. ذهب الْمَشْهُور إلى أن الأصل الْعَمَلِيّ هو البراءة وقد أورد الْعِرَاقِيّ & إِشْكَالاً وَفقاً لمبناه ومبنى صاحب الكفاية حيث يجعلان العلمَ الإِجْمَالِيَّ عِلَّةً تَامَّةً للمنجزية ولا يُجريانِ الأصلَ فِي طرف من طرفي (أو من أطراف) العلم الإِجْمَالِيّ. فإذا كان العلم الإِجْمَالِيّ مُنَجِّزاً فِي نفسه، اختارا الاشتغالَ وذلك وَفقاً لهذا المبنى فِي الدَّوران بين التّعيين والتخيير. فهو وَفقاً لذاك المبنى يقول: إن الشَّكّ فِي الإجزاء عَلَىٰ نحوين:

النَّحْو الأوّل: احتمال أن يكون الفعل الاضطراري وافياً لتمام الملاك أو لا يكون وافياً لذلك.

النَّحْو الثَّانِي: أَنَّنَا نعلم بأَنَّهُ غير وافٍ لتمام الملاك ولكن مع ذلك نحتمل الإجزاء وذلك لأَنَّنَا نحتمل أن الملاك المُتَبَقَّىٰ لا يمكن تحصيله.

وَفقاً للفرض الأوّل تُعتبر مواردُ الشَّكّ فِي الإجزاء من موارد الدَّوران بين التّعيين والتخيير؛ لأَنَّ الفعل الاضطراري إن كان وافياً فَسَوْفَ يكون تكليف الشَّارع منصبّاً عَلَىٰ الجامع ويكون اختياريّاً. وإن لم يكن وافياً فَيَكُونُ الشَّارع قد أمر تعييناً بخصوص الأمر الاختياري. وهذا من موارد الدَّوران بين التّعيين والتخيير ومجرى لأصالة الاشتغال، دون البراءة.

أَمَّا فِي الفرض الثَّانِي (وهو احتمال الإجزاء بملاك التفويت) فيقول: إِنَّنّا نعلم أن الملاك الإِلْزَامِيّ يبقى فِي الفعل الاختياري ولكننا نحتمل أَنَّهُ لا يمكن تداركه، وهذا من الشَّكّ فِي القدرة عَلَىٰ الإتيان بالغرض اللُّزُومِيّ وفي موارد الشَّكّ فِي القدرة تجري أصالة الاشتغال، دون البراءة.

وقد أجاب سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & عن هذا الإشكال فِي شِقّه الأوّل بأَنَّهُ لا يمكن القول فِي موارد احتمال الوفاء بالملاك بأن الدَّوران عَلَىٰ جميع المباني من الدَّوران بين التّعيين والتخيير. وقد ذكر فيما سبق ثلاثةَ مباني وأفاد أَنَّهُ وَفقاً لمبنى الأمر بالجامع والأمر بالفرد الاختياري، بناء عَلَىٰ أن عدم إجزاء الشَّكّ فِي الإجزاء وعدم الإجزاء، من موارد الدوران بين الأَقَلّ والأكثر الانحلاليين والشك شكّ بدوي فِي الأمر التَّعْيِينِيّ بالفرد (الَّذي هو الوظيفة الاختيارية)، وهو مجرى البراءة لدى الجميع، لا الاشتغال. ووَفقاً لمبنى الأمر التَّخْيِيرِيّ بين الأَقَلّ والأكثر بناء عَلَىٰ عدم إجزاء الشَّكّ فِي الإجزاء وعدم الإجزاء، يرجع إلى الدَّوران بين الأَقَلّ والأكثر الارتباطيين فِي عِدل الواجب التَّخْيِيرِيّ، وهو أيضاً مجرى أصالة البراءة، دون الاشتغال. وَوَفْقاً لمبنى السيد الخوئي القائل بعدم إمكان التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر يرجعُ الشَّكُّ فِي الإجزاء وعدم الإجزاء إلى الدَّوران بين التّعيين والتخيير، كما أفاده المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ &.

وقد تقدّم منّا أن هناك نقطتين يجب ذكرهما فِي المقام:

النُّقْطَة الأولى: وهي ما تقدمت منّا سابقاً من أَنَّهُ إن أمكننا أن نستظهر من أدلّة الاضطرار أن الاضطرار والاختيار قيدان للواجب لا موضوعين للوجوب، بناء عَلَىٰ المبنى الثَّالث (امتناع التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر) أيضاً يكون الأمر من الدَّوران بين الأَقَلّ والأكثر فِي عِدل الواجب التَّخْيِيرِيّ ولا يَتُِمّ ما أفاده المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ.

النُّقْطَة الثَّانية: إذا كان شكنا فِي الإجزاء عَلَىٰ هذا النَّحْو (الفرض الأوّل)، بأن نحتمل أنَّ الفعل الاضطراري لَيْسَ مُجْزِياً ولا مأموراً به، ونحتمل أن الفعل الاضطراري مأمور به ومجزي، فحينئذٍ وَفقاً لجميع تلك المباني الثَّلاثة المذكورة فِي كلام سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & فَسَوْفَ يكون الشَّكّ فِي الإجزاء من موارد الدَّوران بين التّعيين والتخيير. لأَنَّهُ يحتمل من أوَّل الأمر وجودُ أمر تعييني واحد بالفعل الاختياري فقط، أي: لا يكون للفعل الاضطراري أمرٌ أساساً.

إذن، يدور أمر الوجوب التَّعْيِينِيّ للفعل الاختياري فِي طرف العلم الإِجْمَالِيّ بين التّعيين والتخيير، حتّى بناء عَلَىٰ مبنى إمكان التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر، أو احتمال الأمر بالجامع والفرد؛ لأَنَّ إمكانهما أو احتمالهما لا يستوجب العلم بالأمر التَّخْيِيرِيّ حتّى يقال: إن الشَّكّ فِي الأمر الزَّائِد أو في دوران عِدل الواجب التَّخْيِيرِيّ بين الأَقَلّ والأكثر، وإنَّما يحصل هذا العلم فيما إذا كان الفعل الاضطراري مأموراً به، أَمَّا إذا احتمل عدم كونه مَأْمُوراً به فَسَوْفَ يكون كل واحد من أنحاء التكاليف المذكورة محتمَلاً. وحيث أَنَّ لدينا علم إِجْمَالِيّ بأحدها وأحدها أمر تعييني، فَسَوْفَ يكون من الدَّوران بين التّعيين والتخيير الَّذي هو مجرى أصالة الاشتغال، ولا يختلف الأمر في أن يكون طرف العلم الإِجْمَالِيّ احتمالاً واحداً أو أكثر من احتمال. فَيَكُونُ كلام المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ فِي هَذَا الْفَرْضِ تامّاً وَفقاً لمبناه، ولا يرد عليه إِشْكَال آخر غير الإشكال عَلَىٰ مبناه، إلاَّ أن نستظهر من أدلّة الاضطرار ما قلناه فِي النُّقْطَة الأولى، وقد قلنا إن المفروض عدم وضوح ذاك الاستظهار.

ولكن إذا فرضنا أن الفعل الاضطراري مأمور به وأن جواز البِدار ثابت واقعاً عَلَىٰ كل حال، ومع ذلك شككنا فِي إجزاء وعدم إجزائه (وَالظَّاهِر أن سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & اختار هذا الفرض، وعليه أورد الإشكال عَلَىٰ المُحَقِّق الْعِرَاقِيّ)، فَسَوْفَ يصحّ ما تقدّم وَفقاً للمبنى الأوّل والمبنى الثَّانِي. أي: وَفقاً للمبنى الأوّل سوف يكون الدَّوران بين الأَقَلّ والأكثر الانحلاليين، كما يكون الدَّوران وَفقاً للمبنى الثَّانِي بين الأَقَلّ والأكثر الارتباطيين فِي طرف الواجب التَّخْيِيرِيّ وعِدله. وكلاهما مجرى لأصالة البراءة لا الاشتغال حتّى عند الْعِرَاقِيّ &. ولكن وَفقاً للمبنى الثَّالث فَسَوْفَ لا يكون لإشكال سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & عَلَىٰ الْعِرَاقِيّ مجال؛ لأَنَّهُ وَفقاً لذاك المبنى إن كان الفعل الاضطراري مَأْمُوراً به فيثبت الإجزاء (كما استفاده أصحاب ذاك المبنى واستفادوا من إطلاق الأمر الاضطراري الإجزاء بِالدِّلاَلَةِ الْعَقْلِيَّة). إذن، لا نشك فِي الإجزاء حتّى يقال: إن الدَّوران بين التّعيين والتَّخْيِير.

وبعبارة أخرى: إذا لم يكن جواز البِدار والأمر بالفعل الاضطراري محرزاً، بل كان مشكوكاً، فَسَوْفَ يكون من موارد الدَّوران بين التّعيين والتخيير وذلك وَفقاً لمبنى عدم إمكان التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر. كما أَنَّهُ وَفقاً للمبنيين الآخرين (إمكان التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر أو الأمر بالجامع والفرد) يكون الدَّوران من الدَّوران بين التّعيين والتخيير ويكون كلام الْعِرَاقِيّ صحيحاً عَلَىٰ جميع المباني الثلاثة، ولا يورد عليه إِشْكَال آخر غير الإشكال عَلَىٰ مبناه. وإذا كان جواز البدار والأمر بالفعل الاضطراري فِي أوَّل الوقت محرزاً، فَسَوْفَ يصحّ إِشْكَال سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & عليه وَفقاً للمبنيين الأوّل وَالثَّانِي، ولكن وَفقاً للمبنى الثَّالث سوف لا يكون لدينا شكّ فِي الإجزاء، بل نقطع به.

وحاصل النُّقْطَة الثَّانية الَّتي ذكرناها هي:

أوَّلاً: لعلّ الْعِرَاقِيّ & افترض الشَّكّ فِي الإجزاء مع عدم إحراز الأمر بالفعل الاضطراري، حَيْث يكون بعض موارد وصور الشَّكّ فِي الإجزاء من هذا القبيل إِنْ لَمْ يَكُنْ كُلّهَا كذلك، ويكون الدَّوران فيها بين التّعيين والتخيير.

وثانياً: إذا لم يكن الأمر الاضطراري محرَزاً وكذلك جواز البِدار، وبنينا عَلَىٰ عدم إمكان التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر، فَسَوْفَ يكون الشَّكّ فِي الإجزاء من الدَّوران بين التّعيين والتخيير. إلاَّ أَنَّهُ عَلَىٰ المبنيين الأخريين أيضاً يكون كذلك، وإذا كان الأمر الاضطراري وجواز البِدار واقعاً محرزاً صَحَّ ما ذكر عَلَىٰ المبنيين ولم يصحّ ما ذكر عَلَىٰ المبنى الثَّالث؛ فهناك تهافت فيما ذكره السيد الشهيد & عَلَىٰ المباني الثَّلاثة من هذه الناحية، فكان من الضروري أن يبحث بناءًا عَلَىٰ كل من فرضي إحراز جواز البِدار أو الشك فيه، ليمنع حدوث هذا التهافت.

1046 كلمة

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo