< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/11/12

بسم الله الرحمن الرحیم

6- الوجه السَّادس: ما جاء فِي >المقالات< بتقريب أن الأمر الاِضْطِرَارِيّ والاِخْتِيَارِيّ ظاهران فِي تعلّق كل واحد منهما بخصوص الفعل الاِخْتِيَارِيّ والاِضْطِرَارِيّ، لا بالجامع بينهما. وحينئِذٍ إن أردنا أن نحافظ عَلَىٰ هذين الظهورين لا يمكننا أن نقول لا بالإجزاء من باب وفاء الأمر الاِضْطِرَارِيّ بتمام الغرض ولا بعدم الإجزاء، بل يَتَعَيَّنُ علينا أن نقول بإجزاء الفعل الاِضْطِرَارِيّ من باب التفويت. للمقدار اللُّزُومِيّ من الغرض فِي الفعل الاِخْتِيَارِيّ عَلَىٰ نحو لا يمكن تداركه، أي: الصُّورَة الثَّالثة من الصور الأربع الثُّبوتيّة المتقدّمة وَالَّتِي كانت تستلزم الإجزاء. أي: تلك الصُّورَة مجزية لكن لا من باب الوفاء بتمام الملاك للفعل الاِخْتِيَارِيّ، بل لأَنَّهُ لا يمكن تحصيل المُتَبَقَّىٰ وإن كان لُزُومِيّاً.

إذن، نتمسك بهذين الظهورين فِي الأَمْرَيْنِ الاِضْطِرَارِيّ والاِخْتِيَارِيّ، ونثبت أن هذه الصُّورَة واقعة ثبوتاً. أَمَّا لماذا ذينك الظهوران يقتضيان ذلك؟ لأَنَّ الفعل الاِضْطِرَارِيّ إذا كان كالفعل الاِخْتِيَارِيّ، فكان يجب أن يكون المأمور به هو الجامع، لا كل واحد منهما بخصوصه كالأمر بالجامع فِي مواقع التخيير. وهنا كان يجب أن يَتَعَلَّقُ الأمر بالجامع لا بخصوص الفعل الاِخْتِيَارِيّ أو الاِضْطِرَارِيّ، وهذا خلاف ظهور تعلّق كل واحد من الأَمْرَيْنِ بخصوص متعلّقه.

وإن صحت الصُّورَة الرَّابعة الَّتي تتطلب عدم الإجزاء (لكون الملاك اللُّزُومِيّ الزَّائِد قابل للتدارك) لم يصحّ الأمر بخصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ، لأَنَّ الإتيان به لَيْسَ وَاجِباً، بل يجب عَلَىٰ المُكَلَّف أن يأتي بالفعل الاِخْتِيَارِيّ عَلَىٰ أي حال، وإن أتى به وحده فيه الكفاية أيضاً.

وعليه، لا عدم الإجزاء يناسب هذين الظهورين ولا الإجزاء بوفاء كل واحد منهما بتمام الملاك، فتتعيَّن الصُّورَة الثَّالثة؛ لأَنَّ خصوص الفعل الاِخْتِيَارِيّ هو المأمور به وَفقاً لهذه الصُّورَة؛ لما يحتوي عَلَىٰ ملاك لُزُومِيّ زائد، فلا يجوز تفويته بسوء الاختيار؛ كما أَنَّ خصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ أيضاً مأمور به لكي يرتفع بالأمر الشَّرْعِيّ قبح تفويت ذاك المقدار الزَّائِد عَلَىٰ الغرض اللُّزُومِيّ الممنوع والمحظور عقلاً لولا التَّرْخِيص الشَّرْعِيّ؛ لأَنَّ حكم العقل يرتفع بالتَّرخيص من الشَّارع، وهذان الظُّهُورَانِ حيث أنهما أقوى من الإِطْلاَق المَقَامِيّ أو إطلاق الأمر الاِخْتِيَارِيّ يقدمان عليهما، فيثبت الإجزاء من باب عدم إمكان تدارك الملاك اللُّزُومِيّ للفعل الاِخْتِيَارِيّ.

وبعبارة أخرى: الهدف من الأمر بخصوص الفعل الاِخْتِيَارِيّ هو إثبات الغرض اللُّزُومِيّ فِي القيد وحرمة الإيقاع فِي الاضطرار. والأمر بخصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ يهدف إلى رفع المنع العَقْلِيّ للتفويت والقول بأن للمكلَّف أن يأتي بالفعل الاِضْطِرَارِيّ بلا منع عقلي. وهذان الظُّهُورَانِ أقوى من الإطلاقات الأخرى ويجب الأخذ بهما، فثبتت الصُّورة الثَّالثة من الصور الأربع وهو الإجزاء بملاك عدم إمكان تدارك الباقي.

كما أنَّ الفتاوى قد تدعم ذلك؛ ؛ لأَنَّهُ لا يجوز الإيقاع فِي الاضطرار، فليس الفعل الاِضْطِرَارِيّ فِي حال الاضطرار وافياً بتمام الملاك لِلاِخْتِيَارِيِّ كما فِي مثل القصر والتمام حيث تعلّق الأمر بالجامع وله أن يختار ما يشاء منهما مقيداً بقيده من السفر والحضر. فليس الْمُكَلَّف مخيَّراً فِي المقام بأن يورّط باختياره نفسَه فِي الاضطرار.

ويجاب عنه:

أوَّلاً: هو أن الأمر الاِضْطِرَارِيّ تخييري عَلَىٰ كل حال، وليس خصوص الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة فِي أوَّل الوقت واجباً تَعْيِينِيّاً؛ لأَنَّهُ إن كان تَعْيِينِيّاً يجب عَلَىٰ المُكَلَّف أن يَمْتَثِلُهُ، وإن ترك الاِضْطِرَارِيّ ثم أتى بالاِخْتِيَارِيّ يجب أن يُعاقَب، أو إذا ترك كليهما يجب أن يُعاقب بعقابين، ولا أحد يلتزم بهذه الأُمُور، ومن هنا عُبِّر عنه بجواز البِدار، لا وجوب البِدار.

وإن أجاب عنه بأن مقصودنا هو أن الجواز اللاَّزِم للأمر قد تعلّق بخصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ، أي: يجب أن يَتَعَلَّقُ الجواز الكامن فِي الأمر بخصوص الفرد الاِضْطِرَارِيّ (كالصَّلاة عن جلوس) الذي هو المفوِّت للغرض اللُّزُومِيّ فِي القيام، ويجب علينا أن نحمل الأمر عَلَىٰ ترخيص خصوص الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة لكي نحفظ ظهور الأمر فِي التعلّق بخصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ، مثل الأمر فِي موارد الحظر الَّذي هو ترخيص وتجويز. وكذلك الشأن هنا؛ إذ الموجود هو الحرمة العَقْلِيَّة للتفويت فيجب أن يَتَعَلَّقُ الأمر بمعنى التَّرْخِيص ورفع الحظر العَقْلِيّ بخصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ، فيحافظ عَلَىٰ الظُّهُور فِي خصوص مُتَعَلَّق الأمر ولو بعد حمله عَلَىٰ التَّرْخِيصِ.

كان الجواب عنه وَاضِحاً؛ لأَنَّ معنى ذلك حملُ الأمر عَلَىٰ التَّرْخِيص والجواز، وهذا مخالفته أكثر من حمل الأمر عَلَىٰ التَّخْيِير. مضافاً إلى أَنَّ إطلاق الأوامر الاِضْطِرَارِيّ فِي أوَّل الوقت لا ظهور لها أساساً فِي التَّعْيِينِيَّة ولزوم خصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ فِي أوَّل الوقت وعدم تأخيره ووجوب الإتيان بالصَّلاة فِي آخر الوقت؛ لأَنَّ الواجب موسع وتخييري من هذه الناحية. أي: أَنَّهُ أمر بالجامع بينه وبين الفعل الاِخْتِيَارِيِّ، لا خصوص الاِضْطِرَارِيِّ فِي مقابل الاِخْتِيَارِيّ.

إذن، لا يصحّ أساس ظهور تعلّق الأمر الاِضْطِرَارِيّ بخصوص الوظيفة الاِضْطِرَارِيَّةِ، لا الجامع.

وثانياً: ما ذُكر من أَنَّهُ >لأجل رفع الحظر العَقْلِيّ نحتاج إلى تعلّق الأمر الشَّرْعِيّ بخصوص الفعل الاِضْطِرَارِيّ< غير تَامّ؛ لأَنَّ المأمور به الاِخْتِيَارِيّ إما هو مقيِّد بعدم سبق الفعل الاِضْطِرَارِيّ عليه، وإما لَيْسَ مقيّداً بذلك، وعلى الثَّانِي لا يكون الفعل الاِضْطِرَارِيّ قبله محرَّماً ولا يكون ممنوعاً وإن كان مفوِّتاً للغرض؛ ذلك لأَنَّ المولى لم يأخذ مثل هذا القيد فِي المأمور به الاِخْتِيَارِيّ، وكل قيد لم يؤخذ فِي الواجب لا يكون تحصيله واجباً، وإذا فُرض أنَّ له ملاكاً فِي الواقع لا يكون تفويت ذاك الملاك مُنَجِّزاً عقلاً حتّى يكون قبيحاً. وإذا أُخِذ تركُ الاِضْطِرَارِيِّ قيداً فِي الواجب الاِخْتِيَارِيّ فَسَوْفَ لا يكون الأمر الاِضْطِرَارِيّ بنقيضه معقولاً. أي: >عدم الصَّلاة عن جلوس< مثلاً يصبح قيداً للواجب ويصير واجباً؛ لأَنَّ قيد الواجب واجبٌ، فسوف لا يَتَعَلَّقُ الأمر بالفعل الاِضْطِرَارِيّ؛ لأَنَّ معناه وجوب الفعل الاِضْطِرَارِيّ وحرمته فِي الوقت نفسه، وهو محال.

إذن، لا يصحّ أصل هذا التَّقريب من الناحية الثُّبوتيّة.

7- الوجه السَّابِع: هو الوجه الَّذي يذكره فِي التقريرات وهو أضعف من سابقه حيث ورد فيه: إن الإطلاق المَقَامِيّ لدليل الأمر الاِضْطِرَارِيّ يقتضي أن يكون للأمر الاِضْطِرَارِيّ تمام ملاك الأمر الاِخْتِيَارِيّ، وفي المقابل: تعلّق الأمر الاِخْتِيَارِيّ بالقيد المتعذر ظاهرٌ فِي أن ذاك القيد إذا كان مقدوراً عليه يتدخل فِي تمام الغرض من الفريضة ولا يحصل تمام الغرض ما لم يمتثل بخصوصه، وهذان الظُّهُورَانِ (كما نقلناه عنه سابقاً فِي الرَّدّ عَلَىٰ بعض الوجوه السَّابِقَة) يعارضان بعضهما البعض، فيمكننا بعد التعارض والتساقط أن نأخذ بمدلول الأمر الاِضْطِرَارِيّ الَّذي هو الإجزاء؛ لأَنَّ الواقع أَنَّهُ كان للأمر الاِضْطِرَارِيّ مدلولان:

     الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ الَّذي هو الإِطْلاَق المَقَامِيّ أو إطلاق التنزيل وهو وفاء الفعل الاِضْطِرَارِيّ بتمام الملاك.

     الْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ الَّذي هو الإجزاء ونفي لزوم الإعادة بعد الإتيان به.

والآن بعد أن سقط الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ ودلالته بسبب التعارض، يمكن للْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ للأمر الاِضْطِرَارِيّ (أي: الإجزاء) أن يبقى عَلَىٰ حُجِّيَّته، وإن كان لأجل عدم إمكانية التدارك، لا لعدم الوفاء بتمام الملاك. والأمر الاِخْتِيَارِيّ لا ينفي مثل هذا الإجزاء ولا يقول: يمكن تدارك ملاك القيد الاِخْتِيَارِيّ، بل يقول: إنَّ ذاك القيد دخيل فِي تمام الملاك ولم يُمتثل تمامُ الملاك بالفعل الاِضْطِرَارِيّ، ولكن قد يكون مُجْزِياً فِي الوقت نفسه لعدم إمكان تدارك المقدار المُتَبَقَّىٰ من الملاك. فتبقى هذه الدِّلاَلَةُ المحتملة الصدق عَلَىٰ الحُجِّيَّةِ.

طبعاً، إن الْعِرَاقِيّ & يذكر هذا الوجه فِي >المقالات< ثم يرد عليه بأن الْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ بمقدار الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ لا أكثر منه. أي: أن الأمر الاِضْطِرَارِيّ بالالتزام يَدُلّ عَلَىٰ الإجزاء من حيث تحقّق الملاك، لا من حيث عدم إمكانية تدارك ملاك القيد، وينفي الأمرُ الاِخْتِيَارِيّ الإجزاءَ من حيث تحقّق تمام الملاك. إذن، يدخل الْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ دائرةَ التعارض ويسقط. وهذا فِي واقعه إنكار لعدم تَبَعِيَّة الدِّلاَلَة الاِلْتِزَامِيَّة لِلْمُطَابِقِيَّة فِي الْحُجِّيَّة، وَالَّذِي هو مخالف لمبناه المختار؛ لأَنَّهُ لا يعتقد بِتَبَعِيَّة الدِّلاَلَة الاِلْتِزَامِيَّة لِلْمُطَابِقِيَّةِ فِي السُّقوط عن الْحُجِّيَّة وأحد الوجوه المذكورة فِي التَّبَعِيَّة هو هذا الكلام الَّذي أورده فِي >المقالات<. أي: من جملة الوجوه الَّتي يذكرها القائلون بالتبعية - وهو الصحيح - هو هذا الوجه الَّذي يقول بأن الْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ لَيْسَ مطلقاً بل هو خاصّ بحصةٍ ناشئة من الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ، وهذه الحِصَّة أيضاً تدخل فِي نطاق التعارض مع الدَّلِيل النّافي للمدلول الْمُطَابَقِيّ ويسقطان معاً، ولعله & لهذا السَّبَب فِي >المقالات< وافق عَلَىٰ هذا الوجه؛ لأَنَّهُ التفت إلى أن مبناه هو عدم التَّبَعِيَّة وهذا الْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ مطلق، لا خصوص الحِصَّة المقرونة بالمدلول الاِلْتِزَامِيّ.

ولكن يرد عليه أوَّلاً: الصَّحِيح هو التَّبَعِيَّة نفسها، فتسقط دلالة الأمر الاِضْطِرَارِيّ عَلَىٰ الإجزاء أيضاً.

وثانياً: بناء عَلَىٰ عدم التَّبَعِيَّة وإطلاق الْمَدْلُول الاِلْتِزَامِيّ للأمر الاِضْطِرَارِيّ، يسري التعارض إليه أيضاً؛ لأَنَّ الأمر الاِخْتِيَارِيّ لَيْسَ فقط ينفي وفاء الأمر الاِضْطِرَارِيّ بتمام الملاك والذي ينفي الإجزاء أيضاً، بل إن دلالة إطلاق الأمر الاِخْتِيَارِيّ دلالة مطابقيّة عَلَىٰ فِعْلِيَّة الأمر ووجوب الإعادة حتّى لمن أتى بالفعل الاِضْطِرَارِيّ، وهذا مدلول مطابقي وأولي لإطلاق الأمر الاِخْتِيَارِيّ وَالَّذِي ينفي كلا النحوين من إجزاء الفعل الاِضْطِرَارِيّ، سواءٌ كان من باب الوفاء بتمام الملاك أو من باب التَّفْوِيتِ وعدم إمكانية تدارك ما بقي من الملاك. وهذا مطلب واضح جِدّاً، والغريب صدور عبارات من هذا القبيل منه &.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيح هو إحدى تلك الوجوه الاستظهارية المذكورة لحكومة إطلاق الأمر الاِضْطِرَارِيّ ونظره إلى إطلاق الأمر الاِخْتِيَارِيّ. وهي تقتضي الإجزاءَ ولو فِي طول فرض التعارض بين إطلاقيهما؛ لعدم إمكان التخيير بين الأقل والأكثر وعدم تَعَدّد الأمر والواجب عَلَىٰ مكلف واحد.

وفذلكة الكلام هي أن أدلّة الأوامر الاِضْطِرَارِيّة عَلَىٰ ثلاثة أقسام:

1- أدلّة جعل البدل مثل الأمر بالتيمم بدلاً عن الوضوء أو الأمر بالجبيرة وأمثالهما، حَيْث أَنَّ مثل هذه الوظائف الاِضْطِرَارِيّة ظاهرة فِي الإِطْلاَق المَقَامِيّ لبيان تمام الوظيفة أو إطلاق التنزيل أو التوسع فِي المأمور به الاِخْتِيَارِيّ وناظرة إلى الأوامر الاِخْتِيَارِيّة وأدلة جزئية وشرطية قيودها، ومن هنا يكون حاكماً ومقدّماً عَلَىٰ إطلاقها ويثبت الإجزاءَ، سواء بالتوسع أم بالوفاء بالملاك.

إن قلت: يلزم من ذلك أن يكون المأمور به جامعاً ومخيراً بين وظيفتين، مَعَ أَنَّ الثَّابِت فقهيّاً عدم جواز الإيقاع فِي الاضطرار تعمداً، وإن قام بهذا يكون عاصياً للأمر الاِخْتِيَارِيّ إلى جانب وجوب الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة عليه.

قلت: الجواب عن هذا واضح؛ لأَنَّ ما يقع طرفاً لهذا التَّخْيِير هو ذاك الفعل الاِضْطِرَارِيّ الَّذي لا يكون اضطراره بسوء الاختيار، لا مطلق الفعل الاِضْطِرَارِيّ.

2- أدلّة رفع الحكم الاِضْطِرَارِيّ أو الحرجي، وتستفاد منها في الواجبات الَّتي نعلم بعدم سقوطها بسقوط بعض قيودها وأجزائها، وأنَّ المقدار المُتَبَقَّىٰ واجب ولا يسقط أصل المركب الشَّرْعِيّ عن المُكَلَّف. ومن جملتها قاعدة >الميسور< و>الصلاة لا تسقط بحال< القائلة بعدم سقوط الصلاة بتعذر بعض أجزائها وقيودها؛ فإنَّ مثل هذه الأَدِلَّة عَلَىٰ الوظائف الاِضْطِرَارِيّة أساساً لا تشمل الاضطرار غير المستمر إلى آخر الوقت؛ لأَنَّ موضوعها ما إذا كان التَّكليف الأوّل متعسرا أو متعذراً وغير مقدور عليه، وهذا إِنَّمَا يَتُِمّ فيما إذا كان الْمُرَكَّبُ الواجبُ متعذراً أو متعسراً فِي تمام الوقت، لا فِي بعض منه، فلا يصل الدّور إلى قاعدة >الميسور< أو >الصَّلاة لا تسقط بحال<، إلاَّ إذا تعسر أو تعذَّر الفعل الاِخْتِيَارِيّ عَلَىٰ المُكَلَّف فِي تمام الوقت وأصبح عاجزاً عن الإتيان به؛ فإنَّ مثل هذه الأوامر الاِضْطِرَارِيَّة لا يثبت بها جواز الْبِدَار أصلاً.

3- أدلّة الأمر والترغيب بامتثال الفعل الاِضْطِرَارِيّ الواردة فِي باب التقية حيث قال الشَّارع: >صلِّ معهم<، فهذه الأَدِلَّة وإن لم ترد بلسان البدلية ولكنها ظاهرة فِي الإجزاء أيضاً؛ لأَنَّهُ يستفاد بوضوح من الترغيب نفسه والتشجيع ذاته عَلَىٰ الإتيان بالفريضة معهم وعدم ذكر لزوم الإعادة قبله أو بعده، أَنَّهُ هو الفريضة الواجبة عَلَىٰ المُكَلَّف، بل ظاهرها القوي كالصريح أن الفريضة لاَ بُدَّ وأن يؤتى بها معهم، لاسيما الروايات الَّتي ورد فيها: >من صَلَّىٰ خلفهم كمن صَلَّىٰ خلف رسول اللٰه صَلَّىٰ اللٰه عليه وآله وسلم<؛ فمثل هذه الأَدِلَّة عَلَىٰ الأفعال الاِضْطِرَارِيَّة تدل عَلَىٰ الإجزاء قطعاً، وقد ذكر تفصيله فِي بحوث الصَّلاة فِي الفقه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo