< قائمة الدروس

بحث الأصول آيةالله السيد محمود الهاشمي‌الشاهرودي

32/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

كانَ الكلامُ في وجوه إجزاء الأمر الاِضْطِرَارِيّ، وقد تقدّمت وجوه أربعة.

5- الوجه الخامس: ما ذكره السيد البروجردي & وهو فِي واقعه إِشْكَال عَلَىٰ منهج الكفاية أَيْضاً والصّور الأربع الَّتي صوَّرها لملاكات الفعل الاِضْطِرَارِيّ، استفادة ما تستلزم منها الإجزاء، وكلامه يقسم إلى قسمين:

1- القسم الأوّل من كلامه عبارة عن الإشكال فِي أَنَّهُ لا يوجد لدينا أَمْرَانِ واقعاً فِي موارد الوظائف الاِضْطِرَارِيّة، حتّى يقال بأَنَّ الأمر الاِضْطِرَارِيّ هل يجزي عن أمر آخر هو اختياري أم لا؟ ويقال: إذا كان وافياً بتمام ملاكه أو بجلّ ملاكه أو أَنْ لاَّ يَكُونَ المقدار المُتَبَقَّىٰ صالحاً للاستيفاء، يكون مُجْزِياً؛ إِذْ أَنَّ المسألة ليست هكذا، بل لا يوجد لدينا فِي الواقع وعالم الثُّبوت أكثر من أمر واحد، وهو الأمر بالمركب الشَّرْعِيّ، بل لاَ يُعْقَلُ أن يكون لدينا وجوبان وواجبان يكفي امتثالُ أحدهما عن امتثال الآخر؛ لأَنَّ المقطوع به أن كل أمر تعييني يتطلب امتثاله الخاصّ، وهذا نظير أن يقال: إن امتثال وجوب الصَّلاة امتثالٌ لوجوب الصيام أيضاً.

ودعوى إمكانية وفاء ملاك أحد الأَمْرَيْنِ بملاك الآخر مرفوضة؛ لأَنَّنَا كيف نشخّص ملاكات الأوامر الشّرعيّة؟ إذن، هذا الفرض خاطئ من الأساس فِي باب المركبات الشَّرْعِيَّة، بل المتوفر لدينا هو واجب واحدٌ ومركَّب شَرْعِيّ واحد قد تعلّق التَّكليف بطبيعة ذاك الْمُرَكَّبِ الشَّرْعِيِّ، وَالَّذِي يُعَيِّنُ الشَّارعُ أجزائه وشروطه.

إذن، يجب أَنْ لاَّ يَكُونَ البحث منصبّاً فِي مسار إجزاء أمرٍ عن أمرٍ آخر، كما سلكه صاحب الكفاية وآخرون ممن تبعوه، فلا موضوع لذاك المنهج والصور الأربع المذكورة فيه.

2- القسم الثاني هو أَنَّهُ لطالما تبين أن لدينا أمر واحد قد تعلّق بالمركب الشَّرْعِيّ، يجب أن نلاحظ دليل الإجزاء وشروط ذاك المركب الشَّرْعِيّ وقيوده الَّتي عَلَىٰ الشَّارع بيانُها، لا الأمر بالمركب. أي: يجب أن ننظر إلى أدلّة القيود والإجزاء لحال التعذّر لنرى بأَنَّ دليل بيان الإجزاء وقيود المركب فِي حال العذر والوظيفة الاِضْطِرَارِيّة مطلق أو لا؟ فإذا كان الدَّلِيلُ الاِضْطِرَارِيُّ يقول هكذا: إذا كان شخص مضطراً فِي تمام الوقت فَسَوْفَ يكون مركبه الشَّرْعِيّ وصلاته اضطراريةً، أي: الصَّلاة الواجبة عليه هي الصَّلاة متيمما أو الصَّلاة عن جلوس. ففي هذه الحالة لا يوجد إجزاء بِالنِّسْبَةِ إلى من يرتفع عذره داخل الوقت، لا من باب عدم وفاء الفعل الاِضْطِرَارِيّ بالملاك (كما يقوله صاحب الكفاية)، بل من باب عدم الأمر وعدم تحقّق ذاك المركب الشَّرْعِيّ. وأمّا إذا كان دليل الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة والعذرية مطلقاً يشمل المُكَلَّف المضطر فِي أوَّل الوقت وَالَّذِي ارتفع عذره أثناء الوقت ويجعل صلاته التيممية صلاةً ذات طهور، أو يجعل صلاته الَّتي أتى بها عن جلوس صلاةً تامَّة، فمن الطَّبِيعِيّ أن يكون هذا الإِطْلاَق مستلزماً للإجزاء، لا من باب وفاء الأمر أو وفاء المأمور به عن الأمر أو عن مأمور به آخر، بل من باب تحقّق ذاك المركب الشَّرْعِيّ حقيقة.

إذن، ما هو الضروري هو استفادة الإِطْلاَق فِي أدلّة الإجزاء والشروط وأدلة بيان المركبات الشَّرعيَّة، فإن استفيد الإِطْلاَق وجواز البِدار للمكلَّف الَّذي ارتفع عذره أثناء الوقت من الأَدِلَّة البيانية الَّتي تبين الوظائف الاِضْطِرَارِيّة (أي: تلك الَّتي تبين المركبات الشَّرعيَّة فِي حال الاضطرار)، فمعنى هذا أَنَّهُ تَتُِمّ أجزاء وشروط ذاك الْمُرَكَّبِ الشَّرْعِيِّ (الَّتي صرف وجودها واجب) فِي حال الاختيار بالصَّلاة متوضئاً أو بالصَّلاة عن قيام فِي حال الاضطرار بالصَّلاة متيمماً (أو الصَّلاة عن جلوس)، وهذه الأجزاء بملاك التَّحقُّق لِلْمُرَكَّبِ الشَّرْعِيِّ والامتثال للمأمورِ به الواحد الواقعي ولا يبت بصلة إلى تعدّد الأمر والبحث عن الملاكات، ومن هنا أفاد & بأَنَّهُ: يلغو البحث عن تلك الصور الأربع وإجزاء الأمر عن أمر آخر، ويكون منهجاً خاطئاً، وَإِنَّمَا المنهج الصَّحِيح أن يبحث عن إطلاق أدلّة الجزئية وشرطية الأجزاء والقيود الاِضْطِرَارِيّة، فإذا كانت مطلقة يثبت الإجزاء لا محالة، وتكون من إجزاء المأمور به عن أمر نفسه، لا عن أمر آخر.

ويرد عليه أن كلا القسمين من كلامه مرفوض وذلك:

أَمَّا القسم الأوّل: حيث يقول إِنَّه لا يوجد لدينا تعدّد فِي الأمر، فجوابه أن أولئك الَّذين ذكروا الصور الأربع الثُّبوتيّة إِنَّمَا يقصدون من تعدّد الأمر التَّعدُّد الإثباتيّ، أي: وجود دليلين فِي مرحلة الإثبات، أحدهما دليل الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة والآخر دليل الوظيفة الاِخْتِيَارِيّة. أَمَّا أن الواجب هل هو متعدّد ثبوتاً أو هو واحد، فهذا لَيْسَ مفترضاً ولا ملزم به، بل إن من الممكن أن يكون هناك أَمْرَانِ عرضيان وفعليان عَلَىٰ عاتق المُكَلَّف، كالأمر الظاهري والأمر الواقعي حيث يجب كلاهما عَلَىٰ المُكَلَّف وجوباً فعليّاً فِي زمان واحد، ولا يمكن أن يكونا واحداً لأَنَّ أحدهما طريقي وظاهري والآخر واقعي. وكذلك أمر القضاء الْمُتَعَلَّق بالأمر الاِضْطِرَارِيّ إِنَّمَا هو أمر آخر.

وأمّا ما يقال من وجود أَمْرَيْنِ: الأمر الاِخْتِيَارِيّ والأمر الاِضْطِرَارِيّ فِي الأداء وارتفاع العذر أثناء الوقت، فإن المقصود منه عالم الإثبات، وأمّا ثبوتاً فبناءًا عَلَىٰ الإجزاء يمكن أن يكون هناك أمر واحد، ويمكن أن يكون هناك أمران: أحدهما مشروط بعدم الآخر؛ لأَنَّنَا إن قلنا باستفادة الإجزاء من الأمر الاِضْطِرَارِيّ وجواز الْبِدَار فِي أوَّل الوقت يمكن لهذا أن يكون من باب التوسع فِي المأمور به الاِخْتِيَارِيّ (أي: الملاك الأوّل للإجزاء وفق تعبيرنا) وَالَّذِي نكتشف لا محالة أن الأمر الواقعي إِنَّمَا هو أمر واحد قد تعلّق بأحدهما. أي: بالجامع بين الوظيفتين، فيصبح من التَّخْيِير بين المتباينين. فَسَوْفَ يصبح هذان الإطلاقان الإثباتيان كاشفين عن الملاك الأوّل للإجزاء والأمر الواحد بالجامع ثُبُوتاً.

ويمكن افتراض أَمْرَيْنِ يكون كل واحد منهما مشروطاً بترك الآخر. أي: الأمر بالصَّلاة متوضئاً مشروط بِأَنْ لاَّ يَكُونَ قد أتى بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة، مثل مسألة القصر والتمام الَّتي تُتَصَوَّر لها صورتان:

أحدهما أن يكون أمراً واحداً لجميع المكلفين ويكون متعلّقه هو الجامع بين الركعتين المقيّدة بحال السفر وبين الركعات الأربع المقيّدة بعدم السفر.

والآخر أن يكونا أَمْرَيْنِ أحدهما يَدُلّ عَلَىٰ أن القصر واجب عَلَىٰ المسافر معيّناً، والآخر يَدُلّ عَلَىٰ أن التمام واجب عَلَىٰ الحاضر مُعَيَّناً. إذن، بناء عَلَىٰ الإجزاء يُعقل كل من وحدة الأمر وَتَعَدُّده بنحوٍ مشروطٍ كُلٌّ منهما بعدم امتثال الآخر من غير أن يكونا عرضيين ثبوتاً وواقعاً، كما أَنَّهُ بناءًا عَلَىٰ عدم الإجزاء يمكن أَنْ يَكُونُ كلا الأمرين الإِثْبَاتِيّين تَامَّينِ عَلَىٰ نحو التخيير بين الأقل والأكثر أو الأمر بالجامع والأمر بالفرد كما يمكن أَنْ يَكُونُ عَلَىٰ نحو أمر واحد تعييني بالوظيفة الاِخْتِيَارِيَّة ويكون الأمر الاِضْطِرَارِيّ لإدراك فضيلة أول الوقت الاِسْتِحْبَابِيَّة.

فالمقصود من تَعَدّد الأمر الاِضْطِرَارِيّ والاختياري هو التعدد الإِثْبَاتِيّ للأمر. وهذا كلام صحيح لا يخالف الواقع فِي باب المركبات الشَّرعيَّة ولا أَنَّهُ مستحيل، وإن سرد الصور الأربع وذكر أحكام كل واحدة منها كان مقدّمة للاستفادة الإثباتية من دليل الأمر الاِضْطِرَارِيّ وتعيين مفادهما بناء عَلَىٰ نكتة عَقْلِيَّة أو استظهارية تستلزم الإجزاء، ثم الكشف عن الوحدة الثُّبوتيّة للأمر عَلَىٰ نحو الأمر بالجامع والتخيير بين الوظيفتين وتوسع الأمر إلى المركب أو عَلَىٰ نحو تعدّد الأمر بالبيان المتقدّم.

وفي ضوء هذا تبينت صحَّةُ منهج الْمَشْهُور فِي هذه المسألة وأن مقصودهم وكذلك مقصود الخُراسانيّ من افتراض تعدّد الأمر إِنَّمَا هو افتراض التَّعدُّد بلحاظ عالم الإثبات، لا عالم الثُّبُوت. وتعدد الأمر ووحدته فِي عَالَمِ الثُّبُوتِ تابع لاستظهار الإجزاء وكيفيته. فإذا كان عَلَىٰ أساس التوسع فِي الملاك الأوّل للإجزاء، يَتَعَلَّقُ الأمر بالجامع ويكون تَخْيِيرِيّاً، وإذا كان عَلَىٰ أساس الملاك الثَّانِي للإجزاء (أي: أن استفدنا وفاءَ الفعل الاِضْطِرَارِيّ بالملاك أو عدم إمكانية تدارك المقدار المُتَبَقَّىٰ يمكن أن يكون أمراً ثبوتيّاً متعدّداً. بمعنى أن يكون الأمر الاِخْتِيَارِيّ مشروطاً ومقيداً بالمكلَّف) الَّذي لم يأت بالوظيفة الاِضْطِرَارِيّة، بل إن تعدّد الأمر والواجب التَّعْيِينِيّ الاِخْتِيَارِيّ والاِضْطِرَارِيّ عَلَىٰ مُكَلَّف واحد ثابت فقهيّاً فِي باب المركبات ووظائفها الاِضْطِرَارِيّة؛ لأَنَّ الوظيفة الاِخْتِيَارِيّة فِعْلِيَّة بحق المُكَلَّف الَّذي يورط نفسه فِي الاضطرار والعجز بسوء اختياره، وقد عصى تلك الوظيفة الاِخْتِيَارِيّة الفعليّة، كما أن الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة بعد عجزه يصبح واجباً عليه مُعَيَّناً، وبالطبع يقبل السيد البروجردي & ذلك ولا ينكره، وهذا لا يُعد نقضاً عَلَىٰ كلامه؛ لأَنَّ بحث الإجزاء خارج عن بحث الاضطرار بسوء الاختيار، وكانت الإشارة إليه تهدف إلى إثبات أن مقصود الْمَشْهُور من تعدّد الأمر إِنَّمَا هو التَّعدُّد فِي عَالَمِ الإِثْبَاتِ، ولكن نتيجتها ثبوتاً تختلف باختلاف الموارد وكيفية استفادة الإجزاء وملاكه، ولم يلتزم الْمَشْهُور بوجود أَمْرَيْنِ تعيينين ثبوتيّين عَلَىٰ المُكَلَّف فِي آنٍ واحد حتّى يقال: كيف يمكن لامتثال أحدهما أن يكون امتثالاً للآخر. وهذه المسألة واضحة وإشكاله & عَلَىٰ المُحَقِّق الخُراسانيّ والمشهور إشكال لَفْظِيّ.

وأمّا القسم الثَّانِي من كلامه حيث يقول فيه: لا يوجد لدينا أَمْرَانِ خارجيان متعلقان بالمركب حتّى نلاحظ دليليهما بِالنِّسْبَةِ إلى بعضهما البعض، بل يوجد لدينا أمر واحد تعلّق بمركب الصَّلاة مثلاً، فيجب أن نبحث عن أدلّة الجزئية والشرطية لذاك المركب الشَّرْعِيّ لنرى ما هي القيود الَّتي فرضها الشَّارع لتحقّق ذاك المركب الشَّرْعِيّ فِي حالات الاختيار والاضطرار؟ وبهذا الأسلوب إذا لمسنا من دليل القيد الاِضْطِرَارِيّ كالتيمم أو الصَّلاة عن جلوس أو وضوء الجبيرة وأمثالها، إطلاقاً يشمل المُكَلَّف المضطر فِي أوَّل الوقت، ولا يكون موضوعه مقيّداً باستمرار العذر إلى آخر الوقت، فمن الطَّبِيعِيّ أن يكون هذا الإِطْلاَق مستلزماً للإجزاء، ولا يلزمه البحث عن شيء آخر؛ لأَنَّ معناه عدم الْجُزْئِيَّةِ أو الشَّرْطِيَّة للقيد الاِخْتِيَارِيّ فِي المقام، وإنَّما القيد الَّذي يوجِد المركب الشَّرْعِيّ هو الوظيفة الاِضْطِرَارِيّة، وهذا هو الإجزاء بمعنى تحقّق الامتثال والمأمور به للأمر الواحد حيث قلنا: إن الإجزاء بديهي فيه ومسلم ولا مجال للشك والريبة فيه، فلم تعد هناك حاجة إلى البحث عن وفاء الملاك أو عدم إمكان تدارك الملاك المُتَبَقَّىٰ؛ لأَنَّهُ أساساً لا يوجد لدينا تعدّد فِي الأمر، بل إنَّ قيود المركب الشَّرْعِيّ واحد قد اختلف فِي حال الاضطرار عن حال الاختيار.

ويرد عليه أوَّلاً: كما أن الإِطْلاَق فِي دليل القيد الاِضْطِرَارِيّ (كالتيمم أو الجبيرة وأمثالهما) ينفي تَقَيُّد الواجب بالوضوء فِي تمام الحالات، ويجعل التَّيَمُّم فِي حال الاضطرار قيداً للمركب والطهور، كذلك يثبت الإِطْلاَق فِي دليل القيد المتعذر إِنَّ الوضوء قيد للصَّلاَة الَّتي هي المركب الشَّرْعِيّ، وهو طهور لكل من يقدر عَلَىٰ الصَّلاة بين الظهر والمغرب بالظّهور، وهذا المُكَلَّف قادر عليها؛ لأَنَّ عجزه واضطراره إِنَّمَا هو فِي أوَّل الوقت لا أكثر. إذن، أصبح اقتضاء هذا الإِطْلاَق فِي دليل جُزْئِيَّة القيد أو شَرْطِيَّته لمن يتمكّن من الوضوء أَنَّهُ الْمُرَكَّبُ الشَّرْعِيّ فِي حقّه وعدم تحقّق ذاك الْمُرَكَّبِ الشَّرْعِيِّ بالفعل الاِضْطِرَارِيّ المأتي به فِي أوَّل الوقت.

وهذا هو التعارض بين الإطلاقين الإثباتيّين الَّذي ورد فِي تعابير الْمَشْهُور حيث لاحظوا الإِطْلاَقَ فِي دليل الأمر التَّكليفيِّ بِالْمُرَكَّبِ، بينما نقل السيد البروجردي & الإطلاقَ إلى دليل الجزئية والشرطية وَالَّذِي هو حكم وَضْعِيّ، وهذا لا يُحدث أي تغيير فِي النَّتِيجَة. أي: سوف يعود إلينا إطلاقان لا محالة فِي دليل جُزْئِيَّة أو شرْطِيَّةِ القيد لحال الاِضْطِرَارِ والاِخْتِيَارِ؛ فكما أن إطلاق دليل التيمم أحد الطهورين للمتعذر منه الوضوء فِي أول الوقت يقتضي تَحَقُّق الْمُرَكَّب الشَّرْعِيِّ به كذلك إطلاق دليل شرطية الوضوء فِي الظُّهُور للمتمكن منه ولو فِي بعض الوقت وبعد الإتيان بالتيمم فِي أول الوقت عدم تَحَقُّق الظُّهُور بذلك، فيقع التعارض بينهما ويجب أن يسقط أحدهما وهذا بحاجة إلى وجه لتقديم الإِطْلاَق الأوّل، وَالَّذِي يجب فيه الرجوع إلى إحدى الفروض الأربعة المتقدّمة وإثباتها بنكتة ثُبُوتِيَّةٍ أو إِثْبَاتِيَّةٍ اِسْتِظْهَارِيَّة كما تَقَدَّمَ فِي منهج المشهور.

وثانياً: إن الجزئية والشرطية من الأحكام الانتزاعية الْعَقْلِيَّة، وإذا وردتا فِي لسان أدلّة المركبات الشَّرعيَّة فَسَوْفَ ترشدان إلى الأمر بالمركب الَّذي وقع ذاك القيد أو التَّقَيُّد به جزءاً فيه وأصبح مَأْمُوراً به. إذن، هذان الإطلاقان المذكوران فِي أدلّة الجزئية والشرطية عادا يكشفان عن أَمْرَيْنِ تكليفيّين تعلقا بمركبين لا محالة؛ فالمجعول الشَّرْعِيّ المفاد للأدلة لَيْسَ إلا ما ذكره المشهور.

لا يقال: لا يعقل التَّخْيِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلى دليل الجزئية والشرطية أو مطهريّة التَّيَمُّم والوضوء ليُبحث عن كونه بين متباينين، فيكون من الإجزاء أو من التخيير بين الأقل والأكثر أو الأمر بالجامع والفرد؛ لأَنَّ التَّخْيِير معقول بِالنِّسْبَةِ إلى الأوامر التكليفيّة، لا الْوَضْعِيَّة كالجزئية والطَّهوريَّة، أي: أنَّ التعارض فِي المقام بين إطلاق دليل مطهرية التَّيَمُّم فِي أوَّل الوقت وإطلاق دليل مطهرية الوضوء أو التَّقَيُّد به فِي المركب فِي آخر الوقت تعارض ذاتيّ، وَلاَ يُعْقَلُ الأخذ بكليهما، خلافاً للأمر بمركبين الاِضْطِرَارِيّ والاِخْتِيَارِيّ، وهذا فرق بين المنهجين من عرض البحث.

فَإِنَّهُ يقال: مضافاً إلى أن هذه النكتة لا يغير منهج البحث لا تعارض ذاتي بينهما؛ لأَنَّ دليل مُطَهَّرِيَّة التَّيَمُّم أو شرطيته يجعل إثبات مُطَهَّرِيَّة التَّيَمُّم أو شَرْطِيَّته بنحو القضية الشَّرْطِيَّة، أي: كلما كان أمر بِالْمُرَكَّبِ سَوَاءٌ كان تعيينياً أو تخييريّاً بنحو التخيير بين الأقل والأكثر. أي أَنَّهُ يقول: كُلَّمَا كان الأمر بالمركب فعليّاً (ولو كان الأمر تَخْيِيرِيّاً) وكان المُكَلَّف معذوراً عن الوضوء، يكون التَّيَمُّم طهوراً لامتثال ذاك الأمر لا أكثر. وهذا لا ينافي عدم الإجزاء ووجوب إعادة المركب متوضئاً بعد ذلك لأمره التعيينيّ، بناءًا عَلَىٰ إمكان التَّخْيِير بين الأَقَلّ والأكثر، أو الأمر بالجامع والأمر بالفرد، فتدبّر جيّداً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo