< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع:باب التعارض، الروايات العلاجية المحمولية

كنا في صدد استعراض الرواية الخامسة ومر أن دلالتها تامة، أنها عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فِي أَمْرٍ كِلَاهُمَا يَرْوِيهِ أَحَدُهُمَا يَأْمُرُ بِأَخْذِهِ وَ الْآخَرُ يَنْهَاهُ عَنْهُ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يُرْجِئُهُ حَتَّى يَلْقَى مَنْ يُخْبِرُهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ حَتَّى يَلْقَاهُ. قَالَ الْكُلَيْنِيُّ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ وَسِعَك[1]

قوله «كلاهما يرويه» دال علی أنه مصب السؤال.

قوله «بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك» هذا نص الرواية التي يعتمد عليها الكليني، تقريبا القدماء كلهم متفقون علی هذا النص وهذا القالب، مع ذلك السيد الخويي رحمة الله عليه يقول هذه الرواية مرسلة فكيف نعتمد عليه؟ هذا تعليق آخر من السيد الخويي علی الذيل أن هذا الذيل مرسل.

أولا الذيل مسند في رواية عيون أخبار الرضا ولم يوردها السيد الخويي في الاستدلال ومسندة ومعتبرة وفيها نفس القالب مع أن السيد الخويي ليس ممن يكتفي بالحوالات في الروايات وعنده تتبع قوي في الروايات وهذا هو أحد الأسباب التي وعظ السيد الخويي تلاميذه بكتاب الحدائق والروايات المأخوذة فيها، رغم ذلك أن التتبع ليس له حد. رواية عيون أخبار الرضا مسندة ولم يوردها السيد الخويي وهي نفس القالب.

ثم لو نفترض أنها ليست مسندة فاتفاق الكليني والصدوق والطوسي وجل القدماءعلي هذا التعبير الوارد في الرواية وبناءهم عليه مما يدل علی أنها موثوق الصدور وأتعجب من السيد الخويي لايبني علی هذه الرواية بينما في كلام النجاشي أو الغضائري في طعن الراوي الذي يروي عشرات روايات أو مآت روايات يعتمد عليه، لأن مصادر النجاشي أو الطوسي مثلا أو غيرهم من أصحاب الأصول الرجالية مستفيضة، هنا يقبل الارسال في كل الرجال، لابأس به ولاننازع السيد الخويي في أن عندهم مصادر كثيرة، هو يقبله في جميع الرجال بلا أي دغدغة وهنا الرواية بخصوصها يعتمد عليه جميع القدماء وذكروها لايعتمد عليه، ماذا الفرق بينهما؟ هذا تدافع بين مباني السيد الخويي رحمة الله عليه و جملة من تلاميذ السيد الخويي. لذلك السيد البروجردي رحمة الله عليه يقول وكلامه صحيح: إذا اتفق القدما علی متن (ما قال النص بل المتن) يدل علی أن هذا المتن حتما موثوق الصدور ويعتمد عليه ويفتی به.

ينقل الشيخ الانصاري عن الشهيد الأول في كتاب قلائد الفوائد أنه إذا خفيت النصوص نفتي بمتون فتاوی علی بن بابويه لأنه لايفتي الا بمتون الروايات وهي مسندة وثابتة عنده، علی أية حال هذه مؤاخذتان أخری في بحث التخيير في مبنی السيد الخويي في نفي التخيير.

بهذا المقدار ثبت التخيير مع أنه مقتضى القاعدة وبحثه جهة مستقلة رواياته وإشكاليات والاجوبة فيه.

الرواية السابعة معتبرة وموثقة للحسين المختار عن بعض اصحابنا. هذا التعبير «عن بعض اصحابنا» ليس ارسالا محضا، صورته ارسال لكن كثير من الرجاليين أو المحدثين أو الفقها يتعاملون معها معاملة شبيه المسندة لأنه يقال أصحابنا فكلهم إماميون يعني يقل لون الارسال فيه وتكاد تكون كالمعتبرة. البحث في الارسال والضعف عند المشهور يزنونه بدرجات.

هذا الحديث السابع مضمونه مستفيض ويعبر عنه بالترجيح بالاحدثية، يعني الحديثان متعارضان أحدهما أحدث والأخر أسبق وأقدم فيرجح الأحدث علی الأقدم ويعبر عنه الاحدثية لكن النادر من المشهور عملوا به وجعلوا الأحدثية مرجحا مع أن رواياتها مستفيضة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أَ رَأَيْتَكَ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ الْعَامَ ثُمَّ جِئْتَنِي مِنْ قَابِلٍ فَحَدَّثْتُكَ بِخِلَافِهِ بِأَيِّهِمَا كُنْتَ تَأْخُذُ قَالَ كُنْت آخُذُ بِالْأَخِيرِ فَقَالَ لِي رَحِمَكَ اللَّهُ.[2]

هذه الرواية مضمونه متكرر، بايهما كنت تأخذ؟ هذا المضمون متكرر في أحاديث كثيرة. قبل أن ندخل في تفصيل هذا المرجح بالأحدثية، هذا اللسان وهذا الطائفة من الروايات فيها فوائد علمية لطيفة.

أولا ان الشخص يسمع حديثا من الإمام في العام الماضي ويسمع حديثا من الامام في العام هذا، فالامام يقول: بأيهما كنت تأخذ؟ يعني مع أنه سمع مباشرة من الامام عليه السلام لكن الامام يقول بالنسبة اليك هذان الحديثان ظنيان، أيهما يصيبك الی الواقع وبأيهما تأخذ؟ يعني كأنما مسلم لاتقدر أن تأخذ بكليهما إما هذا أو ذلك.

هذا هو الذي مر بنا مرارا أن تلقي الرواة من المعصوم مباشرة لايعني أن هذا التلقي وحياني وأن هذا يقين، كلام المعصوم وحي لكن تلقي غير المعصوم لكلام المعصوم ليس وحيا فبالتالي يقول الامام عليه لاسلام بأيهما كنت تأخذ يعني فيه الترديد. فضلا عما بالرؤية أو المكاشفة. لايجعل المتصل والمرتبط بالمعصوم مباشرة في الحضور أنه كل ما يتلقاه وحي لاريب فيه فلا أقل بين المتشابه والمحكم.

القرآن الكريم أيضا بينه في سورة آل عمران «هو الذي أنزل اليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات» يعني الوحي أيضا فيه المتشابه فضلا عن تلقي الوحي. بالتالي دور ثوابت الدين وضروريات الدين ومحكمات الدين دور عظيم جدا في البصيرة. فيجب الالتفات اليه لأن أم البصائر المحكمات من القرآن والمحكمات من سنة المعصومين والمحكمات من العقل والفطرة ولايمكن بيعها والمزايدة عليها بشيء ابدا.

انت لاحظ الان، النبي موسی علی نبينا وآله وعليه السلام أمر من قبل الله وحيانيا أن يذهب ويتعلم من الخضر والخضر في البداية يقول أنت لن تستطيع معي صبرا مع ذلك لما صارا معا ورأی غلطا بحسب الموازين أنكر عليه، لأن الإنكار وظيفته، لقد جئت شيئا نكرا، في الرواية لما رأی النبي موسی عليه السلام الخضر قد قتل الطفل أخذه وجلده في الأرض، بعده الخضر قال ألم أقل لك ... وتذكر أن هذا من محكم فوقي وقال لاتؤاخذني بما نسيت. مع ذلك حكم المحكمات وتحكيمه من النبي موسی صحيح لكن تطبيقه فيه اشتباه، دققوا في نهاية الجواب النبي موسي مع خضر قال لم قتلت نفسا بغير نفس أو لو شئت لاتخذت أجرا أو لتغرق أهلها كلها صحيح، إنما الخضر قال تطبيقك لهذه القواعد لهذه الصغريات خطأ. التطبيق ليس بخطأ لكن ليس سليما وكاملا وهنا تطبيق أتم منه، قضية سورة الكهف ملاحم هذا يدل علی أن قضية الشبهات والالتباسات والفتن والفرق الضالة أو نحن بين أنفسنا و الوسط الداخلي لازم أن تحافظوا المحكمات ولايرفع اليد عنها. المقصود أن المحكمات والثابتات شيء مهم.

حتی الامام الكاظم سلام الله عليه روي عنه في تحف العقول أن الضروريات أعظم من دلالة آية قرانية لأن الدلالة قد تكون ظنية أما الضرورة مقرر ثابت وليس فيه تبديل ومن المحكمات شبيه محكمات القرآن بعض الضرورات بين المسلمين أو بين المؤمنين. علی كل هذه فائدة علمية عقائدية وفقهية

لذلك الامام يقول بأيهما كنت تأخذ؟ يعني الامام عليه السلام يعذر الراوي مع أنه سمع منه مشافهة لكن فيه ترديد حضورا هذا فكيف بك في المكاشفات أو غيره. فقضية المحكمات شيء عجيب وعظيمة.

لماذا المشهور لم يأخذ بمرجحية الاحدث و قليل ممن ذهب الی ذلك؟ لأنهم فسروا الروايات بمعنی آخر، الوجه في ذلك هو أن هناك عدة شواهد علی أن هذا ليس ترجيحا في باب التعارض بل هذا يرتبط بغير باب التعارض وباب الورود أو باب تبدل الموضوع أو باب تعيين الامام عليه السلام الوظيفة الفعلية أو ما شابه ذلك لأن المعصوم أعرف بجهات وزوايا الموضوع و التغيرات التي تطرأ عليه.

هذا التوجيه يعبر عنه كثير من الاعلام مثل التقية والتقية ليست حكما وموضوعا ثابتا. ضابطة ذكروها عليهم السلام في التقية أن التقية صاحبها أعرف بها عند ما تطرأ، يعني موضوعا ومحمولا بحسب الظروف والمناسبات.

فجملة من الاعلام فسروا هذه الروايات بهذا المعنی: الأحدث يعني كل عام له ظروف خاصة و مناسبات خاصة وهذه أحد موارد تأثر الحكم بالزمان والمكان يعني بحسب الظروف التي تطرأ علی الموضوع وما شابه ذلك. فهكذا هنا في الرواية المراد بالأحدث باعتبار ان الامام يشخص وظيفة معينة نتيجة التزاحمات أو نتيجة التقية أو ظرف معين أو عنوان ثانوي، فإذاً ربط الأحدثية بالزمان واضح ان الوظيفة مرتبطة بالوظيفة الفعلية وما مرتبط بالبحث التعارض لأن بحث التعارض تنظير كلي من الأول إما هذا أو ذاك ، لا أن الحكم مقيد ومرتبط بالزمان لأن المرتبط بالزمان يعني تبدل الموضوع والحال أن بحث التعارض لاربط له بالزمان، إنه من الأول إما الف أو من الأول الباء والتعارض تنظيري وكلي وعلي الدوام.

هذا شاهد علی ان الاحدثية لاصلة لها بالترجيح ولاصلة لها بالتعارض بعبارة أخری إما مرتبط بالتقية أو العناوين الثانوية أو تبدل الموضوعات أو ماشابه ذلك. نعم، هي ضمن اختلاف الروايات بالمعنی الاعم فهذا قسم رابع في اختلاف الروايات. إما التعارض غير المستقر أو التعارض المستقر أو اشتباه الحجة باللاحجة أو تبدل الموضوع أو النسخ فالاختلاف في الاحاديث خمسة أو سة أنواع وليس كلها التعارض.

الرواية الثامنة معتبرة معلی ابن خنيس علی الأصح قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِذَا جَاءَ حَدِيثٌ عَنْ أَوَّلِكُمْ وَحَدِيثٌ عَنْ آخِرِكُمْ بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ؟ فَقَالَ: خُذُوا بِهِ حَتَّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ (فهذا نفس المطلب) فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ فَخُذُوا بِقَوْلِه.ِ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّا وَ اللَّهِ لَا نُدْخِلُكُمْ إِلَّا فِيمَا يَسَعُكُمْ[3] .( هذا واضح انه بلحاظ البيئة) قَالَ الْكُلَيْنِيُّ وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ خُذُوا بِالْأَحْدَثِ.[4]

الرواية العاشرة موثقة السكوني ورواية مهمة عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ عَلَى كُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً وَ عَلَى كُلِّ صَوَابٍ نُوراً فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَخُذُوهُ وَ مَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَدَعُوهُ.[5]

ماذا معنی أن علی كل حق حقيقة؟ نفس الامام عليه السلام يفسرها، هذا الحق والخبر عليه حقيقة والمستعلية عليه يعني الفوقية والاصل الدستوري في القرآن فالاصول التشريعية في القرآن حقيقة علی الأخبار التي هي حق. إن علی كل حق في الاخبار حقيقة وعلي كل ثواب نور موجود في محكمات القرآن. هذا هو مدارية حجية المضمون لاالاثبات والصدور.

هذه الرواية رواها الكليني والصدوق والبرقي بطرق متعددة الی السكوني.

الرواية الحادي عشر معتبرة عن ابن ابي يعفور عن حسين ابن ابي علاء: أَنَّهُ حَضَرَ ابْنُ أَبِي يَعْفُورٍ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ يَرْوِيهِ مَنْ نَثِقُ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَا نَثِقُ بِهِ قَالَ إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِداً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ إِلَّا فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ أَوْلَى بِهِ.[6]

قوله: «من نثق به ومنهم من لانثق به» سبحان الله يسأل: روينا من الثقات وغير الثقات؟ أ يقول الامام عليه السلام: خذ بالثقات واترك غير الثقات؟ لا، بهذا البيان عديد من الروايات و كيف يفترض التعارض بين ماهو رواته ثقات وما هو رواته غير الثقات وهذه الرواية معتبرة سندا وتدل علی أن المدار عند الرواة ليس علی الرواة. هذا أحد القرائن علی أن المضمون مهم، والا كيف يفترض الراوي التعارض بينهما؟ لو كان أمرا واضحا وبينا أنه لو كان السند صحيحا يتخذ به ولو كان ضعف سنده لايعبأ به، لماذا يتردد؟ مع أن ابن ابي يعفور فقيه وابن أبي علاء هكذا، هذا شاهد علی مبنی القدما من الشيخ الصدوق والكليني والمفيد والمرتضی الی المحقق الحلي ان المدار في الحجية والركن الركين علی المضمون، ليس فقط هذه الرواية بل روايات عديدة. انظر حديث واحد تستخرج منه عدة فوائد وتستخرج خلفية السائل أو خلفية الجواب من الامام عليه السلام.

الامام يقول خذ بشواهد المضمون. دستورية الحديث ليس بالرواة دستورية كلام المعصوم بكونه مطابقا لوحي الله ووحي النبي. ليس بمعقول أن يكون الرواة قيمون علی كلام المعصوم حتی اثباتا. فلاحظ إذاً القيم علی كلام المعصوم محكمات الكتاب. كيف المحكات من القران قيم علی متشابهات القرآن. هن أم الكتاب و الأم يعني قيم وميزان علی متشابهات القرآن، أنظر، الوحي بعضه قيم علی بعض هذا كلام الشيخ المفيد وابن قبة في اشكاليته. ولو كان الراوي فقيها. شبهة ابن قبة هي هذه، الوحي فقط قيم علی الوحي.

نلتفت هنا جعل المضمون المدار وليس المدار علی الصدور والراوي كما جعله السيد أحمد بن طاووس والسيد الخويي رحمة الله عليهما.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo