< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: باب التعارض، الروايات العلاجية المحمولية، صحيحة عمر بن حنظلة، قاضي التحكيم

كنا في صحيحة عمر بن حنظلة وبداية الرواية هكذا؛ قلت فكيف يصنعان؟ قال ينظران الی من كان منكم ممن قد روی حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما.

هذا التعبير والاسناد «فليرضوا به حكما» يعني أن الائمة عليهم السلام لم يعينوا شخصا بعينه مثل النواب الأربعة وإنما هذا قالب عام في الحكومات، سواء قضائية أو تنفيذية أو سياسية أو فتوائية تشريعية تابعة لمنهاجهم، يعينون مواصفات ويوكلون ذلك الی الامة وعموم المومنين، هم يُحرزون ويُشخّصون توفر المواصفات. فالشارع أوكل انتخاب الفقيه الواجد للشرائط الی الأمة، فكما أن للفقيه مسئولية تجاه الأمة للأمة أيضا مسئولية تجاه الفقيه.

كثيرا ما القدماء يعبرون عن هذه الصلاحية للأمة في تعيين الفقيه ابتداءا وبقاءا ببسط اليد، بسط اليد يعني تحكيم الأمة وتنفيذ الأمة وتطبيق الأمة لتنصيب الامام عليه السلام علی الفقيه أو الفقهاء. «ينظران» أي يفحصان و«مَن» عموم استغراقي وليس عموما بدليا، «فليرضوا به حكما» يعني بسط اليد لذلك بسط اليد نسبي وليس دفعي وفجأة.

«فإني قد جعلته عليكم حاكما» أصل الجعل وأصل الشرعية و أصل الصلاحيات من الله عزوجل ثم رسوله ثم الأئمة صلوة الله عليهم وليست منطلقة من الناس، هذا اصل المنطق الديني في قبال المنطق الوضعي الذي ينطلق من العقل الإجتماعي وهذا افتراق مسار الدين عن مسار الوضع البشري. «فإني قد جعلته عليكم حاكما»[1] سواء في صلاحية الفتيا أو في صلاحية القضاء أو في صلاحية التنفيذ والسياسية. هذا القالب ليس في خصوص هذه الرواية بل روايات الباب كلها بهذا القالب وتبين أصل نظام الحكم عند الأئمة عليهم السلام مع تولد الفقهاء.

هنا في خصوص هذه الرواية أو الروايات الأخرى المشهور حملوا هذا المفاد علی قاضي التنصيب لا قاضي التحكيم. قاضي التنصيب يعني القاضي الذي نصبه الإمام المعصوم قاضيا ويعطيه صلاحية القضاء وسلطة القضاء ومر بنا في بداية الرواية أن التحاكم الی غير منهاج أهل البيت وغير من نصبه أهل البيت تحاكم الی الطاغوت، لذلك في الأحوال الشخصية التي يمكن إقامتها بقضاة من الموالين لأهل البيت لا معنی لتأخيرها أبدا في أموال الناس وأعراضهم وأوقافهم، تأخيرها بلامبرر مع هذا التشديد من الائمة عليهم السلام بان الرجوع الی منهاج آخر ولو وضعيا بناء ومسار لمنهاج وبنيان الطاغوت يعني غير مسار الله عزوجل ومنهاجه تبارك وتعالی. الأمر ليس بسهل يعني من الكبائر جدا.

هل هذه الرواية يعني نوع إقامة لمنهاج أهل البيت أو لا، تجميد لمنهاج أهل البيت؟ لامعنی لتجميد منهاج اهل البيت عليهم السلام ولاترديد فيه ولاريب. فهنا اختلف الفقهاء في هذه الرواية «فإني قد جعلته عليكم حاكما» هل هذه الرواية وأمثالها من الروايات مثل معتبرة أبي خديجة وصحيحة داود بن حسين -عدة روايات بنفس التعبير- حتی الرواية «أما الحوادث الواقعة فارجعوا...»[2] هل هذه الروايات بصدد أن الإمام يعطي سلطة للقاضي والفقيه الواجد للشرائط فإذاً يعبرون عن هذا القاضي بأنه قاضي التنصيب يعني منصوبا من قبل الإمام وصلاحيته من الإمام لا أن المتنازعين الخصمان أعطاه المنصب أو لا، قول آخر غير مشهور منهم السيد الخويي رحمه الله أن هذه الرواية وأمثالها ناظرة الی قاضي التحكيم يعني نفس الخصمين هما يحكّمان هذا القاضي من باب الصلح والمصالحة. يصطلحان علی أن يكون حكم هذا الشخص الذي يحكم بموازين أهل البيت عليهم السلام نافذا في حقهما.

هل هناك قاضي التحكيم أم لا؟ هل قاضي التحكيم مشروع أم لا؟ مختلف فيه بين الفقهاء، في قبال السيد الخويي الذي يزعم أن قاضي التحكيم هو المجعول في هذه الرواية وقاضي التنصيب مجعول ربما في بعض الروايات أو يتأمل فيها السيد الخويي في قبال المشهور شهرة عظيمة الذين عندهم كلام في مشروعية قاضي التحكيم في باب القضاء.

كأنما المشهور يقولون أن قاضي التحكيم يحتاج الی المشروعية وإلا لايمكن أن يستمد القدرة القضائية والسلطة القضائية ولو علی صعيد فردي بين المتنازعين لايمكن أن تستمد من نفس الخصمين، لابد أن يمضيه الشارع. المشهور يستظهروا من هذه الروايات تنصيب الإمام بينما القائلين بقاضي التحكيم يقولون «فإني قد جعلته عليكم حاكما» يعني إذا حكّم المتخاصمان شخصا واجدا للشرائط فالإمام يمضي ذلك التحكيم ويجعل له االمشروعية. فمنشأ صلاحية ومشروعية قاضي التحكيم مختلف فيه هل هو الصلح «فليرضوا» أو امضاء الامام عليه السلام؟

طبعا هذا الاختلاف علی صعيد الفردي أما علی صعيد العام بحث آخر، الكلام في قاضي التحكيم علی صعيد الفردي يعني أنه في الشئون العامة ليس من صلاحية الامة بحسب الأدلة في الإمامة وحاكمية الله وحاكمية الرسول وحاكمية الأئمة ومنظومة الآيات والروايات المتواترة وليست الأمة مصدرا شرعيا للصلاحيات بل المصدر هو الله عزوجل، فلما يجيء شأن عام، فالقضية تخرج عن «الناس مسلطون علی أنفسهم وعلي أموالهم». [3]

فإذاً فيه نزاعات عند الفقهاء وعدة اختلافات؛ أصل دلالة هذه الروايات هل هي في قاضي التنصيب أو في قاضي التحكيم؟ ثم قاضي التحكيم عند من يقول به هل منشأ شرعيته هو عقد الصلح أو إمضاء الشارع؟

طبعا حتی عقد الصلح لابد أن يمضيه الشارع وإلا ليس ملزِم له شرعا، العقل الاجتماعي لا الملزِم له شرعا. فالصلح يرجع الی إمضاء الشارع للصلح حتی عند العامة وكل مذاهب المسلمين ممن يتدين بأصل الإسلام يقولون أن العقل الإجتماعي ليس منشأ للشرعية ولا الشورا بل الله أمضی الشورا بالمعنی الذي يفسرونه أو أمضی العقلَ الاجتماعي يعني انتخاب الناس، حتی في السقيفة ما ادعوا أن جمهور المسلمين مصدر للشرعية في قبال الله أبدا، بل السقيفة ادعت لاتجتمع أمتي علی الخطأ، يعني المصدر الشرعي هو الله والرسول. أما إن نقطع الطريق عن المصدر الشرعي هذا ماموجود لا في تاريخ المسلمين و لا في دساتير الأمة العربية. ذكرت لكم أمس كلهم يقولون هويتنا هوية الإسلام والمصدر الشرعي لابد أن يكون الله ورسوله. اما الأمة ذاتا لاتتفق مع هوية الإسلام في أي صلة ولامذهب من مذاهب المسلمين يقول بذلك. فالمصدر الشرعي لابد أن يرجع الی الله ورسوله.

هم يقولون «المؤمنون بعضهم أولياء بعض» وأعطوا الصلاحية للامة، فالله ورسوله أعطيا الصلاحية للشوری بالتفصيل الذي هم يدعونه ولو هذه التفاصيل ليست بصحيحة. بالتالي لايخرجون عن أن مصدر الصلاحية والشرعية هو الله ورسوله. لذلك ليس للأمة أن تتخلف عن الشرائط التي حددها القرآن أو السنة القطعية. هم يعترفون بهذا الشيء. لذا الفقهاء في قاضي التحكم قالوا: إما منشأه الصلح والصلح يرجع الی الله ورسوله لا صلحهم في نفسه.

بحوث القضاء أصل هوية نظام الحكم عند المسلمين وعند مذهب أهل البيت، اسمه كتاب القضاء لكنه في الحقيقة يتضمن مباحث عظيمة في الفقه السياسي. ليس عبطا أن سيد الأنبياء يقول: أحد المناقب الاصطفائية والعليا والخاصة بعلي بن ابي طالب صلوات الله عليه أنه أقضاكم، ماذا ربط القضاء بامامة علی عليه السلام وبالدين؟ باب القضاء في الحقيقة بحث يعطي هوية الدين وهوية الفقه وهوية منهاج أهل البيت عليهم السلام. فإذاً القول الثاني في قاضي التحكيم هو ليس منشأه الصلح بل منشأه نفس إمضاء الإمام «فإني جعلته عليكم حاكما». بشرط أن يكون قاضي التحكيم واجدا لهذه الشرائط. ذكرت لكم عدة خلافيات وعدة قطعيات.

هل قاضي التحكيم يشترط فيه أن يكون فقيها ومجتهدا أو يمكن أن يكون فاضل و ملما بالأحكام؟ هذا أيضا محل الخلاف بين الأعلام في بحث القضاء. طبعا محل الوفاق بين الأعلام في باب القضاء أن قاضي التحكيم لابد أن يحكم بحكم أهل البيت والا إذا لم يحكم بميزان اهل البيت باطل وعاطل، هذا أيضا محل تسالم.

فائدة معترضة في نفس المطلب: علماء الامامية عندهم خلاف في أن غير مجتهدين من الفضلاء سواء المتجزء أو المراهق للاجتهاد أو من له الفضيلة هل يمكن أن يتصدوا للقضاء؟ القضاء في الإرث و كذا، إذا نطلب في كل قضية وكل موارد القضاء الفقيه والمجتهد صعب علينا، كل المدن بالنسبة الی تعداد سكانها يحتاج الي قاض مجتهد وفقيه. هذا يدل الی احتياج الحوزات العلمية الی العلمية وإخراج الفقهاء في علوم عديدة. فيه كلام عندهم ربما خمسة أو ستة أو سبعة تخريجات لديهم أن غير الفقيه و غير المجتهد هل يمكنه القضاء بالوكالة أو بالاجتهاد أو كذا؟ في قاضي التحكيم في كلام من شرعه خلاف، يجب أن يكون واجدا للشرائط أو لا؟ نفس الكلام. فهذا بحث في باب القضاء.

الصحيح في هذا المقطع من الرواية ماذهب اليه المشهور أن القاضي قاضي التنصيب وليس قاضي التحكيم و إن كنا نذهب الی مشروعية قاضي التحكيم لكن بأدلة أخری وبروايات أخری أما هذه الرواية فدالة علی قاضي التنصيب «فإني قد جعلته عليكم حاكما» تعليل ليس إمضاءا متأخرا، «فلينظرا الی رجل منكم نظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما»[4] هذه العبارة «فليرضوا» ليس تنصيبا وإنما انفعال وقبول وانقياد.

لسان هذه الرواية متكررة في الروايات الأخرى وظيفة الأمة في إقامة الحكم الإسلامي ذكر ذلك المفيد والصدوق والطوسي والمرتضی والحلبي وابن براج كلهم ذكروه في باب القضاء وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يجب علی عموم المومنين دعم الفقهاء لإقامة أحكام الإسلام، طبعا فقهاء الإمامية يقرون بحجية أهل الخبرة يعني أن نخب الأمة لها دور وليس الفقيه أو الفقهاء قول مطلق لهم. أهل الخبرة حجة بهذا المعنی سواء في القضايا العسكرية أو القضايا السياسية أو مالية البنكية أو الزراعية أو الصناعية العلوم المختلفة الثقيلة التي يراد لها الأجيال والنخب، دور النخب محفوظ أيضا، تركيبه كيف يتم بحث آخر بين علماء الامامية والا بلاشك قول أهل الخبرة علی أقل التقدير في البعد الموضوعي والموضوعات العامة والأمور العامة لايمكن للفقيه أن يستبد من دون النخب فقها كضرورة فقهية، ليس للفقيه أن يستبد برأيه بل يجب أن يحكّم قول أهل الخبرة في الموضوعات العسكرية الأمنية التوازنية المالية الصناعية الزراعية. هذا الأمر شرحها الميرزا الناييني في كتاب تنبيه الامة وتنزيه الملة وغيره من الفقهاء بعده و قبله. حتی الفقهاء أجمعون يستبدون دون النخب لامجال له الا المعصوم سلام الله عليه مع أن المعصوم سيد المعصومين أيضا هو مأمور بأن يشارك النخب من الأمة لاأنه يحتاج لهم بل من باب تفعيل دورهم «شاورهم في الامر» فكيف بالفقيه. باب المشورة لايغلق. لابد من تحكيم النخب. طبعا حجية اهل الخبرة عموم مذاهب المسلمين متفقين عليها ليس فقط لخصوص الامامية لذلك حتی في السقيفة رجوعهم الی أميرالمومنين في القضاء والعسكر والأزمات حتی هروب الردة مصادرهم مليئة بأنهم افتاقوا وافتقروا الی اميرالمؤمنين. أصلا كل زلزال حدث للأول في سلطته استعان عسكريا و إداريا و اقتصاديا بأميرالمؤمنين من مصادرهم. ذكرت شيئا ما في عدالة الصحابة. حتی في الفتوحات مصادر عديدة عندهم المخطط المدبر لفتح فارس و فتح روم كله بيد تخطيط اميرالمؤنين من مصادرهم اكثر من مصادرنا. هذه المصادر مثل ما يقولون مغيب عن ذهنهم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo