< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

41/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، انقلاب النسبة، المثال الثاني لانقلاب النسبة، تعرض الدليل لشئون المحمول وعمومية المحمول

كنا في المثال الثاني لتعدد الألسنة ما ورد في الإفضاء، إذا أفضی زوجٌ زوجته قبل تسع سنين -لأنه يحرم وطي الزوجة قبل تسع سنين- فإذا أفضاها -أي جعل مسلك الرحم مع البول متحدا أو مع مسلك الغائط يعبر عنه الافضاء- فإذا أفضاها -طبعا فيه إفضاء يندمل و فيه إفضاء لايندمل، الكلام فيما اذا ادي الافضاء إلی عدم الإندمال- حينئذ المشهور أفتوا أنه تحرم المرأة علی الرجل مؤبدا. هنا اختلاف في أنه يحرم وطيها أو هي تحرم بمعنی انه تبين منه وتنفسخ زوجيته؟ وإن كان المشهور لعله أفتوا علی أنها تبين منه. هذا حكم من احكام الإفضاء. بعد تسع سنين لايترتب هذا الحكم يعني دخولها في العاشرة.

أيضا يترتب علیه الدية لها، وأيضا يترتب علی هذا الحكم أنه تجب عليه نفقتها إلی آخر العمر أو إلی أن تتزوج أو إلی أن تطلق أو إلی أن تكون ناشزة طبعا الغاية بالطلاق أو النشوز تبني علی أن هذه المرأة المفضاة لاتحرم مؤبدا ولاتبين، أما علی القول بأنها تبين لامعنی لفرض الطلاق.

هذا الإختلاف في الأقوال والأحكام يعني الحكم بالبينونة والحرمة المؤبدة والحكم بأنه عليه الدية أو ليس عليه الدية والحكم بأنه إلی متی تستحق النفقة؟ -يعبر عنه بالإجراء، إجراء النفقة إلی متی، هذا أيضا مختلف فيه. هذا الإختلاف سببها تعدد الألسن في الروايات.

الروايات واردة في كتاب النكاح أبواب مايحرم بالمصاهرة الباب الأربع وثلاثين. باب أن من دخل بامرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأفضاها حرمت عليه مؤبدا. يمسكها أم لا؟ البعض الذي ذهب إلی أنها تبين منه فقال يجب عليه أن يسكنها في بيته يعني من ضمن النفقة يعيلها مع أنها حرام عليه مؤبدا، يعني أنه هل البينونة بمعنی انفساخ الزوجية أو الحرمة المؤبدة بمعنی يحرم عليه وطؤها وان كانت زوجته؟ في هذه الأقوال نلاحظ أنواع الأحكام المترتبة علی المفضاة التي بين الأعلام فيه الإختلاف،

هذا الإختلاف في الدقة في المحمول وليس فقط في الموضوع. هنا يأتي كلام السيد الخويي. قبل أن نقرأ الروايات والألسن نذكر كلام السيد الخويي رحمه الله وهو أن التعارض بين الأدلة ليس فقط بلحاظ الموضوع بل التعارض بلحاظ المحمول أيضا يعني نسبة المحمول.

مر بنا أن النسب الأربع إجمالا و ابتداءا إنما تلاحظ بين موضوعات الأدلة، مايأخذ موضوعا ولا تلاحظ بين المحمولات، لكن في كثير كثير جدا من الموارد التنافي قد يكون بين المحمول. أصلا التنافي بين المحمول محمول سالب ومحمول موجب أو ضدين، ليس الكلام في أن التنافي بسبب المحمول طبعا، إنما الكلام في شيء آخر وهو أن المحمول نسبته مع محمول آخر أيضا قد تكون تباينا وقد تكون من وجه وقد تكون مطلقا أو متباينة، فالنسب الأربع التي تقرر والمعهود أنها تقرر في الموضوع قد تفرض هنا في المقام في المحمول. إتفاقا هنا الارباك بلحاظ المحمول، إطلاق المحمول أو عدم اطلاقه. هذا المثال مثال بارز لابتكار السيد الخويي أن النسب الأربع ليس من الضروري أن تلاحظ بين موضوعات الأدلة بل ربما قضية النسب إرباكها و تقديرها و توزينها يكون من ناحية المحمول.

مر بنا مثال هذا المطلب: «كل شيء لك طاهر» أي طهارة؟ الطهارة في الشبهة الحكمية أو الطهارة في الشبهة الموضوعية؟ الطهارة الثبوتية و الفقهية أو الطهارة الظاهرية؟ الطهارة الذاتية أو الطهارة العرضية؟ الطهارة التبعية أو الطهارة الثانوية مثل الجلل؟ ربما ثمان أقسام أو أكثر من أنواع وأسناخ الطهارة موجود. هل كل شيء لك طاهر يشمل كلها؟

مر ذكر ذلك في أن موثقة عمار الساباطي في كتاب التهذيب قرابة صفحة أو أكثر من صفحة، يسأل عمار شقا بعد شق من هذه الفروض، بعد ذلك يقول الإمام عليه السلام: كل شيء لك طاهر كأنما واضح وصريح أنه يطبق هذا العموم محمولا علی كل أنواع الطهارة، ثمان أنواع من الطهارة والنجاسة. الإمام عليه السلام يقول: كل شيء لك طاهر.

أيضا يستفاد من هذه القاعدة ثلاث قواعد واحدة فقهية واثنتان من قواعد علم الأصول، النراقي إستفاد منها. ثلاث قواعد مختلفة السنخ من جملة واحدة. هذا المبحث ليس فقط في الطهارة، بل يجري في الحلية، «كل شيء لك حلال حتی تعرف أنه حرام» أو «أحل الله البيع» أحل يعني الحلية التكليفية أو الوضعية أو ماذا؟

«حرم عليكم الميتتة» العلامة الحلي يقول خمس أنواع من الأحكام يستفاد من هذا الدليل بدون التنافي، حتی لو قيل بامتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنی هذا الإستعمال هنا جائز. كيف؟ من قال بامكانه أو بالوقوع وكثرة الوقوع فالأمر سهل عنده، «حرمت عليكم الميتتة» يستفاد منها خمس أنواع من الحرمة، لكن من يقول بامتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنی مع ذلك هذا الإستعمال صحيح لأنه يقول أن هذا ليس من باب استعمال اللفظ من أكثر من معنی، بل هذا من استعمال اللفظ في ألفاظ في جمل. كأنما الشارع هنا حرم عليكم أكل الميتة وحرم عليكم بيع الميتة وحرم عليكم الإنتفاع من الميتة، قدّر أفعال عديدة عبر عنها وخمس جمل بلفظ تصوري واحد.

كلامنا الان ليس في تفاصيل بحث الظهور، كيف يستعمل محمول واحد في جملة واحدة إلی أنواع من الحرمة أو من الحكم؟ ليس كلامنا في بعد الظهور، هذا بحثه في بحث الألفاظ، بل الكلام يقع في هذا المطلب؛ كيف نستفيد العموم والاطلاق؟ هذا ليس عموم أفراد الطبيعة الواحدة بل غير العموم المعهود، هذا عموم لأنواع و التنوع،كيف يستفاد؟ ربما يكون بين هذه الأنواع جامع جنسي. كلامنا ليس في كيفية الإستعمال و الظهور بل كلامنا في الالفاظ.

الان فقط البحث يتركز في أن هذا المحمول الذي يفيد أنواعا من المحمولات التي النسب بينها من وجه. يمكن ان يتعرض الدليل للعموم وإطلاق الموضوع فيقال دليل مطلق ودليل عام، هذا معهود، لكن هل يمكن أن يتعرض الدليل إلی عموم المحمول نوعا لاأفرادا أو قل حتی الأفراد؟ -أفراد المحمول غير أفراد الموضوع-

فصار عندنا عمومان وإطلاقان عموم في طرف الموضوع وعموم في طرف المحمول. كل شيء في طرف الموضوع و أيضا الطهارة عموم، كل أنواع الطهارة عموم ففيه عمومان وإطلاقان. كما قال المناطقة: الموضوع له قضية جزئية أو كلية يعبرعنه العموم في الموضوع أو له قضية جزئية أو كلية في المحمول لأن المحمول فيه قضية. إذاً في القضية عندنا عمومان عموم في طرف الموضوع وعموم في طرف المحمول. الموضوع المفرد يحمل في طياته قضية تركيبية لماذا يدعي المناطقة عقد الوضع أو عقد الحمل؟ عقد يعني الجملة. أصلا نفس الموضوع يقولونه العقد بغض النظر عن المحمول. فيه عموم، نفس الكلام في المحمول عقد الوضع و عقد الحمل تجمعهما القضية الملفوظة.

السيد الخويي رحمه الله عنده ابتكار وإن كان السيد مانقحه بشكل كامل لكن انصافا شيء بديع من السيد الخويي، بالتالي يتعرض إلی دائرة الموضوع ودائرة المحمول أم لا؟ طبعا الناييني أثار هذا البحث و السيد الخويي بلوره من إثارة الناييني، هو أثار هذا المطلب لابشكل بلوره السيد الخويي.

أثاره الناييني في مسئلة أصولية في مسئلة دوران الأمر بين التمسك بعموم العام الأزماني أو إستصحاب المخصص. هذا محل ابتلاء كثيرة في الأبواب الكثيرة. مثلا عموم المعاملة لزوم البيع المخصص بالخيار، نشك أن الخيار فوري أو متراخي، فبعد فترة المتيقن من الخيار هل نتمسك بأوفوا بالعقود الدالة علی اللزوم والعموم الأزماني أو نتمسك باستصحاب الخيار؟ العموم دليل إجتهادي كيف يمكن الترديد بينه و بين الأصل العملي؟ قالوا: الترديد من جهة أن دليل أوفوا بالعقود هل له عموم أزماني كما له عموم أفرادي؟

قال الناييني: العموم الأزماني يأتي من ناحية المحمول بينما العموم الأفرادي يأتي من ناحية الموضوع، فإذا كان من ناحية المحمول هل الدليل يتكفل عموم المحمول وشئون المحمول أم لا؟ قال الدليل الإجتهادي لايتكفل عموم المحمول و دائرة المحمول. هذا مبنی الناييني. هذه قاعدة تندرج تحت قاعدة. الدليل لايتكفل شئون المحمول أولا؟ إثبت أن العموم الأزماني ثابت في المحمول أوّلا. الناييني أخذ إرسال المسلمات أن الدليل لايتكفل شئون و دائرة المحمول. إذا قصر الدليل الإجتهادي عن الدلالة تصل النوبة إلی الأصل العملي واستصحاب المخصص. الشيخ الأنصاري أيضا يتوقف في العموم الأزماني بسب رجوع العموم الأزماني إلی المحمول. البعض يشكل بأن العموم الأزماني لايرجع إلی المحمول بل يرجع إلی الموضوع. هذا بحث آخر صغروي.

نرجع إلی الكلام الذي كنا فيه. هذا إدعاء الناييني أن الدليل لايتكفل شئون المحمول وعموم المحمول، السيد الخويي قال: هذه الدعوی لانقبلها من الأستاذ. بعض الأدلة في صدد بيان المحمول وبعض الأدلة لا، التفصيل عنده. الأصل الاولي هو أن الدليل لايتعرض بشئون المحمول. هنا في مسئلة الإفضاء إشكاليته من جهة المحمول كيف يجمع بين ثلاث أو أربع ألسن من الأدلة فيه إرباك والأقوال من الاعلام. لابد من حل هذه الضوابط في الدلالة كي يعالج التعارض.

الناييني بنی علی هذا المطلب بضبط البلاغيين في المعاني، ذكره أكثرهم هذا المبنی. ماهو الدليل؟ قال الناييني القضية الحملية هي مآله ترجع إلی الجملة الشرطية، إذا تحقق الشرط وهو الموضوع تحقق الجزاء وهو المحمول، القضية الشرطية هي في صدد بيان دائرة الشرط وحدود الشرط وبعد ذلك التلازم وترتب الجزاء والمحمول من دون التعرض إلی شئون المحمول والجزاء. أصل ترتب الجزاء والمحول علی الشرط. مثلا كلما طلعت الشمس فالنهار موجود. ليس المعنی كل نهار موجود. بل في صدد بيان أن كل طلوع الشمس يترتب عليه وجود النهار. أي نهار؟ ليس في صدد ذلك. إن الدليل لايتعرض للمحمول.

دليل السيد الخويي علی أن الدليل يتعرض للمحمول: يستدل بالإستدلالين و الجوابين.

الجواب الأول الذي في جوفة وهذا الجواب يعتمد عليه السيد الخويي في موارد عديدة خلافا لأستاذه الناييني: اذا تم هذا الجواب ممتاز. يقول ترجع دائرة المحمول إلی دائرة الموضوع. هذا وجه. هذا الوجه إذا تم ممتاز وجيد. يعني جميع الأدلة يصير هكذا، ان الدليل دائما يتعرض للموضوع، لو تم.

الوجه الثاني: من قال بأن الدليل لايتعرض إلی المحمول؟ لم؟ أي آية نزلت علی البلاغيين أن الدليل لايتعرض لشئون المحمول؟ هذا محل ابتلاء مثمر.

غدا نذكر هذا المطلب ونذكر المختار ثم نورد روايات المفضاة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo