< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة، الأدلة، قاعدة المعاريض

تتمة لقرائة شواهد المعاريض من باب الاستعمال.

في كتاب سليم القيس يروي سليم عن سلمان و أبوذر و مقداد حديث رسول الله صلی الله عليه و آله حين رأی ثلاثة من اهل البدر من المهاجرين من قريش مقبلين، قال: «تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق فسموك -يعني اميرالمؤمنين- و سموا سعدا و ثالث لم يسموا إلا بالمعاريض -يعني لم يصرحوا باسمه- حتی علمت من عنوا.» المقصود هذا التعبير بالمعاريض مع أنهم بصدد إخبار سلمان و أبوذر و مقداد في صدد نقل حديث النبي مع ذلك أبدلوا حديث النبوي بلفظ أخری من باب المعاريض،

أيضا في حديث نبوي من كلمات القصار في كتاب شرح شهاب الأخبار من القضائي محمد بن سلامة حديث سبعمأة و تسعة عشر، أن في المعاريض لمنوحة عن الكذب. هذا الحديث مشهور في كتب الفريقين ينسب إلی النبي صلی الله عليه و آله.

إبن أبي الحديد يقول في شرحه: «يجوز عند شيعة و أصحابنا أن يقول الانسان كلاما ظاهر الكذب علی وجه المعاريض» و نقل الاتفاق.

في كلام لاميرالمؤمنين عليه السلام في زبير: «يزعم أنه قد بايع بيده ولم يبايع بقلبه فقد أقر بالبيعة و ادعی الوليجة، -الوليجة يعني الإخفاء- فليأت عليه بأمر يعرف و ألا فليدخل فيما خرج منه» -يعني الباطن الخفي يقبل لكن يريد له شاهد.

أيضا من الموارد التي ذكر ان الأنبياء استعملوا المعاريض قول النبي موسی للخضر لاتؤاخذني بما نسيت و لم ينس بل يعني أطلب مني المعاذير و ما كان المقصود حرفية الكلام. كما يقول النبي إبراهيم: إني سقيم وفي الرواية والله ما كان سقيما في بدنه و أما متعذر حيا من استشهاد سيد الشهداء من إنباء الله تعالی أو قول النبي يوسف أيتها العير إنكم لسارقون.

في بحث أثاره الشيخ المفيد فكانوا يطعنون علی أميرالمؤنين أنه يستعمل المعاريض وهذه المعاريض تلبيس و الشيخ المفيد و السيد المرتضی حتی ابن ابي الحديد ردوا علی عمروابن ابي عبيد و كان ناصبيا شديدا مع انه كان يأتي الامام الصادق و يستفيد منه عليه السلام. المقصود فعمرو ابن عبيد و النظام يطعنون بما لم يطعن فيه أحد من العالمين عبر المعاريض فأجاب السيد المرتضی و الشيخ المفيد حتی ابن ابي الحديد عن ذلك المعاريض أولا كان يستخدمها سلام الله عليه في الحرب و القضايا السياسية حتی يستخدمها النبي صلی الله عليه و آله في موارد عديدة يتكلم صلی الله عليه و آله بتكلم أن العدو يفهم منه أنه خارج من جهة، فالحرب خدعة و هذا الباب اين و ذلك الباب اين؟

نواصل الشواهد التي كنا فيها في بحث المعاريض. فإذاً بحث المعاريض و الدلالة الخفية فمر بنا أن البعض اعتبروها من الدلالة العقلية الغير المستقلة والبعض اعتبروها من الدلالة العقلية المستقلة. طبعا في باب عقده حتی الفيض الكاشاني أورد روايات كثيرة دالة علی أن الائمة عليهم السلام يستخدمون تركيب المعاني الخفية في الأخفی فالأخفی و إن كلامهم كالقرآن فيه أخفی فأخفی كروايات قرأناها أمس، «حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه» و هذه الرواية في الكافي و الخصال موجودة «و لايكون الرجل منكم فقيها حتی يعرف معاريض كلامنا» الفقيه يعني الفهيم الذي عنده علم بمعاني الدين و معارف الدين وأحكام الدين، لايكون هكذا حتی يعرف معاريض كلامنا يعني المعاني الخفية لاالمعاني الجلية. صرف المعاني الجلية عملية الراوي لا الفقيه و الفقيه هو الذي يبحر بسفينة الفهم. هذا هو المميز بين علم الرجال و علم الحديث من جهة وعلم الفقه من جهة، علم الفقه يحتاج لاعمال سفينة الفهم. هذا هو الخطأ الحاصل عند الأخباريين، يظنون أن النص يعني لفظ الحديث و المعنی الجلي من الحديث بل النص في مقابل مدرسة الرأي يعني الوحي و ليس خصوص الدلالة النصية التصريحية.

ابوحنيفة كان يظن هكذا عندما أراد أن يطعن في أستاذه الإمام الصادق عليه السلام، قال: إنه رجل صحفي يعني أخباري. فوصل كلامه إلی الامام فابتسم الإمام الصادق عليه السلام وقال نعم، صحف السماء. يعني لايلتفت إلی أن المراد من الصحف يعني الوحي و وحي السماء غير متناهية. الأخباريون و الفلاسفة خطأوا فيها حتی العرفاء و هم بنوا علی أن مدرسة النص يعني ألفاظ الوحي و الدلالة التصريحية في الوحي بل المراد منها يعني الوحي و الوحي لامتناهي من المعاني. فإذاً تنصيص مدرسة النص في مقابل مدرسة الوحي خطأ مدرسة الوحي لامتناهي في مقابل نتاج بشري سواء الفلاسفة أو المفسرين و الفقهاء بالرأي و في مقابل النتاج البشري المحدود. إذاً النص ليس كما يتخيل، حتی جملة من الأصوليون هويتهم أصولية و منهجهم ليس أصوليا لأنهم لايغوصون في المعاني.

نعم، طبعا الغوص في المعاني بشواهد كماسياتي في نتيجة المطاف، إن الوصول إلی المعاني الخفية ليست بالتحكم و التبرع و القريحة و ان يسمونه كثير من الجمع أنه جمع تبرعي بل المقصود أنه بالشواهد و سيأتي ان الشواهد منتظمة ضمن مراتب. هذا ليس الكلام فيه و انما الكلام إن النص و الفظ الشرعي الواصل لاينحصر معناه في المعني التصريحي فقط.

وقفة مهمة: ليس المرد من قاعدة المعاريض ان المعنی المصرح به لايكون مرادا، هو مراد لكن ليس هو المراد الحصري، بل المراد الخفي أيضا مراد، مثل ما ورد منهم: «إن الكلمة من كلامنا لتنصرف إلی سبعين وجها لنا من جميعها المخرج» يعني كلها مراد. لذلك في باب التفسير قررنا هذه القاعدة و قرره كثير من الأعلام إن القرآن الكريم أو كلمات أهل البيت إذا كان هنا وجوه من الإعراب أو وجوه الإشتقاقات أو الوجوه من البيانات الإشتقاقية فكلها مرادة لأن المتكلم عالم يعلم أن هذا الكلام يوزن نحويا بخمسة وجوه و عشرة وجوه فلو أراد أحدها دون الآخر لنصب القرينة و عدم نصبه القرينة يدل علی أنه يريد كلها لا أنه مجمل طبعا. علی الموازين لاتخالف محكمات الكتاب و السنة.

الشيخ الطوسي في قاعدة الجمع مهما أمكن، حتی الصدوق و الكليني يبنون علی الحجية التخييرية في تنوع الدلالة لاالحجية التخييرية في الخبرين المتعارضين بل في الخبر الواحد إذا كان الكلام يحمل علی وجوه. يقول: كل دلالة يمكن أن يبني عليه الفقيه بنحو التخيير. في الفقيه موجود. شرطها أن يكون كلاالدلالتين موزونا صرفيا و نحويا و بقواعد الفقه. هذا التعبير مستفيض إن الكلمة من كلامنا لتنصرف إلی سيبعين وجها و لنا لجميعها المخرج لأن المتكلم عنده قدرة الوحي. هذا المتكلم ليس مثل البشر و هذا من مناهج التفسير يصر عليه أهل البيت لكن كثير لايبنون عليه. هذا غير بحث استعمال اللفظ في أكثر من معنی واحد يعني نمط من توسعة الاستعمال أكثرمن معنی أوسع من المعهود و المعروف مادام كلها علی الموازين وقواعد علوم الأدب و اللغة و أيضا علی الموازين الفقهية و تطابق خطوط الفقه و المحكمات الثابتةو غيرها. لاأنه مجمل و مردد بل كله يأخذ به. هو المتكلم العادي يحاج بكلامه فكيف بالوحي و هو عالم بمثارات الكلام. هذه نكتة مهمة وطبعا هذه نفسها قاعدة متولدة من قاعدة المعاريض بغض النظر عن التعارض.

عدة قواعد مواليد من قاعدة المعاريض و هذه قاعدة تصرف الكلام علی سبعين وجها. السبعين يعني عدد لامتناهي. و أيضا قاعدة أن التأويل من الظاهر.

معتبرة داود بن فرقد قال سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: «أنتم أفقه الناس ( يعني الأعلم والأفهم، أعلم بسبب الفهم و أفهم بسبب العلم كلاهما يعرض لآخر لأن الفقه في الروايات ليس الفقه الإصطلاحي بل المراد به هو المعني اللغوي) إذا عرفتم معاني كلامنا.» من الإشتباهات التي تقع عند الأخباري أو مدرسة الرأي أو التفسير بالرأي أو الفلاسفة أو العرفاء أنهم يتخيلون أن النص الديني المراد به يعني التصريح و هذا خطأ. النص ليس المراد به اللفظ بل النص يعني الوحي. نص الوحي يعني أشار الوحي. هذا العلم أتی به الوحي و ليس المعنی خصوص اللفظ. الفلاسفة ظنوا أنكم إذا تمسكوا بالنص يعني لاتغوصوا في بحر المعاني بل بالعكس الوحي معاني لامتناهية. فلذا هذا المعنی يؤكد علی المعنی. كثير من الأخباريين و منهج حتی عند بعض الأصوليين يريدون اللفظ الموجود. المقصود من النص يعني المعنی الوحياني ولو وصلت إليه بعشرين واسطة. هذا هو النص. لذلك قال الإمام: «أنتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا.» القرآن يعني لفظ التنزيل؟ معاني القرآن ليس القرآن؟ تأويل القرآن ليس من القرآن؟ بل تأويل القرآن أعظم من تنزيل القرآن فهذا القرآن هو التنزيل فقط أو هذا طرف و رأس خيط؟ حبل ممدود طرف منه هو التنزيل و الطرف الآخر هو المعاني و الحقائق ولذلك الشيخ المفيد يقول كثير من الروايات التي يظن أن مفاده تحريف القرآن ليس المراد منه تنزيل لفظ القرآن بل المراد يعني تأويل القرآن و معاني القرآن. في بعض الروايات؛ هكذا نزلت يعني هذا هو المعنی الذي نزلت به. هذا هو التاويل التنزيل. الشيخ جعفر كاشف الغطاء تابع الشيخ المفيد في هذا المعنی و كثير من الروايات تشير إلی هذا المعنی. هناك تأويل للقرآن من الله و هو أعظم رتبتا من التنزيل القرآنية للقرآن. إن تاويل القرآن أحق بالقرآنية من تنزيل القرآن. لأن الله عزوجل يباهي بالتأويل اكثر ما يباهي بالتنزيل. و ما يعلم تأويله إلاالله. كله طبقات و الوحي لا أن القرآن نص و التنزيل. الوحي ماخص القرآن بالتنزيل.

«أنتم افقه الناس ( لاأنتم أسمع أصوات الكلام، المدار إعمال الفقه و إذا الفقيه لايعمل آلية الفهم يصير راويا) إذا عرفتم معاني كلامنا إن الكلمة لتنصرف إلی وجوه و لو شاء الإنسان كلامه إلی مايشاء و لايكذب. فواضح فيه معاني. صرف يعني التغيير. يعني فيه التنوع و التكثر و التبدل.

أيضا في صحيحة أبي عبيدة عن كتاب التوحيد للصدوق عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّا لانعد رجلا فقيها حتی يعرف لحن القول» يعني الفقيه الذي يقتصر علی ظاهر الروايات و الأدلة القريبة هذا مبتدأ و ليس بفقيه أما إذا يتقلب في المعاني من طبقة إلی طبقة بالموازين والقواعد والضوابط هذا هو الفقيه. إذا لم يكن هكذا يصير خللا في الفقاهة. الفقيه يعرف لحن القول وهو قول الله عزوجل و لتعرفنهم في لحن القول.

هناك روايات عديدة في لحن القول و التعريض و المعاريض. قال عليه السلام: أقدار الرجال علی قدر رواياتهم و دراياتهم. قيل ما معنی الدرايات؟ قال يعقلون عقل المعنی لاعقل اللفظ فقط.

هذا البيان الخالد النبوي في حجة الوداع: رب حامل فقه و ليس بفقيه أو رب حامل فقه إلی من هو أفقه منه. هذا مما يدل علی أن الحديث النبوي قابل للمعاني بالموازين.

الضوابط هي قواعد العلم لاقدرة العلماء و لاقدرة البشر بل يتحكم فيه القواعد قواعد علوم اللغة أو قواعد العلوم الأخرى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo