< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة، قاعدة المعاريض و التعريض، الاقوال في مدرك حجية القاعدة

كنا في سلسلة استعراض كلمات الفريقين في دلالة التعريض ووصلنا إلی كلام لسان العرب، طبعا لانستقصي و الا لزم أن نعرف معنی الايماء و معنی اللحن و لفظة الإشارة و الإقتضاء و التعريض و المعاريض. فعدة ألفاظ؛ لحن وإشارة وإيماء والإقتضاء والتعريض والمعاريض وهذه الألفاظ إذا تستقصونها في كتب اللغة مهمة جدا معانيها اللغوية.

يقول في لسان العرب: رجل لحن، عاقل بعواقب الكلام، ظريف يعني يلتفت إلی خفايا الكلام. ألحن بحجته أي أفطن لها و في مجمع البيان للطبرسي قال: التعريض ضد التصريح وهو تضمين الكلام الدلالة علی شيء غير مذكور له مع أنه ليس في الكلام شيء مذكور له لكنه يضمنه بشيء في الكلام تضمين بلارأس خيط -كما يقال- أي أن المعرض له لارابط له بالمعنی المطابقي بخلاف الكناية، هناك تلازم. هذا فارق أساسي بين باب الكنايات حتی الخفية و باب التعريض أو المعاريض ومن ثم في بعض الأبواب لايحتج بالمعاريض مثلا في باب الإقرار، لكنه قد يرتب علیه الأثر كما في التعذير في الحدود دون الحد.

في مفردات الراغب عرف اللحن بصرف الكلام عن سننه و من السنن إزالته عن التصريح، تزيل عن التصريح غير المصرح به تقصد.

القرطبي في جامع أحكام القرآن في ذيل الآية ذكر تفسيرا حسنا للتعريض، قال: الحوم -حام يحوم حوما- حول الشيء و لايظهره، انت لمّا تحوم حول الحمی تلقائيا تشير له مثل الإضائات يعني أن نوعا من الإشارة موجود لكن خفيفة غير المصرح بها. دائما أهل المعنی أسلوبهم في التربية هكذا يعني التعريض الخفي.

الزركشي في علوم القرآن قال: -باعتبارٍ التعريض بحث من بحوث الدلالة في علوم القرآن و كتاب الزركشي قواعد في التفسير و لمّا يعرف التعريض في ضمن مباحث التفسير والدلالة ودرجة من درجات الدلالة- قال: أنه مفهوم و سمي تعريضا لأنه يفهم من جنب اللفظ يعني من حواشيه لامن متنه. فإجمالا هم أطبقوا علی وجود الدلالة الخفية بهذا النظام.

اقوال الاعلام في مدرك حجية المعاريض

الآن لنذهب إلی أقوال الأعلام في دلالة التعريض، قسم من الأعلام لم يعتبروها من حجية الظهور. هي حجة و دلالة و يعتمد عليه لكن لامن باب حجية الظهور. المظفر رحمه الله في أصول الفقه لم يعتبر الإيماء والإشارة و الإقتضاء من باب الظهور. لو يعقد كتاب في دلالة الإشارة والايماء والاقتضاء والتعريض يستحق لأنها نظام كبير يحتاج إلی البحث. فالشيخ المظفر إعتبرها من الدليل العقلي فمدرك حجيته عنده ليس الظهور بل مدركه حجية الدلالة التحليلية العقلية و كان هذا هو المبرر لعدم خوض علماء الأدب و البلاغة حول نظام دلالة التعريض و ضوابطها حتی الإشارة، تطرح في كتب البلاغة أو كتب الأصول و ماتوسعوا فيها كثيرا، لكن لو تجمع كلمات الاصولين في كتاب هذا مشروع جدا مفيد لعلم التفسير و العلوم الدينية.

ربما العلامة الحلي ينسب اليه أو غيره أن دلالة التعريض تعتبر من غير المستقلات العقلية. عندنا أحكام مستقلات عقلية مثل الحسن و القبح وأما مقدمة الواجب فتعتبر من غير المستقلات العقلية لأنها تنتج من الوجوب الشرعي لذي المقدمة. خمس مسائل عقلية غير المستقلة أعقدها الأصوليون، مقدمة الواجب و اجتماع الأمر والنهي والضد والنهي يقتضي الفساد والتزاحم، فخمس مسائل سموها أحكاما عقلية غير المستقلة لأنها ينطلق من الحكم الشرعي يتوصل إلی حكم شرعي آخر بتوسط العقل وكشف العقل، فيقال هذه أحكام عقلية غير المستقلة وغالبا هذه من أحكام العقل النظري و ليس أحكام العقل العملي، أما احكام العقل العملي من الأحكام العقلية المستقلة. -مبحث حجية العقل في كلا المقامين سواء العقل النظري أو العقل العملي و هذا بحث آخر-

إذاً جملة من الأعلام جعلوا دلالة التعريض من الدلالات العقلية، لكن الأحكام العقلية الغير المستقلة، يعني ينطلق من نفس مدلول الكلام المطابقي أو الإلتزامي إلی شيء غير ملازم، لكن بمناسبات و قرائن خفية يترامی في الدلالة بتوسط العقل. يتوسع في الدلالة بالشواهد العقلية و يعتمد عند العقل. بالتالي تكون عند من يبني علی هذا المبنی تكون دلالة المعاريض أو الإشارة أو الايماء هي عبارة عن توسع الفهم العقلي في المفاد بالموازين والشواهد لابالإنفلات. هذه أحكام تعتمد عليها العقل لكن أي درجة من درجات الحكم العقلي هذا بحث آخر. طبعا لابد أن يكون موزونا.

لنذكر الآن الدلالات التي اعتمدها الفقهاء و الأصوليون، مثل علاج الورود أو الحكومة أو انقلاب النسبة أو تقدم الدليل الإجتهادي علی الأصل العملي، هذه المعالجات الصناعية التي ابتكرها علم أصول الفقه و نظمها و رتبها عبر قرون من جهود العلماء هذه المعالجات ماكانت جلية لدی طبقات من الفقهاء في القرن الخامس و السادس و السابع، شيئا فشيء تبلورت. هذه المعالجات ليست يحصرها حجيتها علماء الأصول أو علماء الفقه بان تكون من الظهور الأدبي للدلالة . علماء الادب لايفهمون الورود والحكومة والتوارد والترتب أو انقلاب النسبة، انقلاب النسبة أثارها الملاأحمد النراقي صورتين لها أو صور ثلاث و أكد علی صورة واحدة وبعده وسعها علماء الأصول و الان بحث انقلاب النسبة و شواهدها التي بنی عليها الأعلام صار جليا، مثلا عندنا طوائف من الأدلة أربع أو خمسة بشكل عشوائية هي متعارضة لكن إذا تقدم و تؤخر في تناسب الطوائف الخمسة أو العشرة من الأدلة تنظر تتركب بتركيب متعاقب ومترامي ومنتظم، هذا علاج صناعي أصولي غامض. بأي دليل بنی عليه الأصوليون؟ بعض نكاته بشكل ترتب عقلية بعضها قواعد فقهية، تطبيقها بشكل خفي، قد يكون مدرك حجيتها قواعد فقهية لم يدرك كيفية استثمارها الفقهاء السابقون أو القواعد الأصولية. لاهي قواعد عقلية ولاهي قواعد أدبية بل هي قواعد علمية، هذه القواعد منظومة والتمسك بها بشكل هندسي و متفنن تطلع منها فذلكات عجيبة و غريبة بدون أن تكون هناك تلاعب بالموازين. هذه أيضا شواهد للدلالة الخفية فالدلالة الخفية للتعريض لاتنحصر بالدليل العقلي المحض. إن كان المراد من الدليل العقلي هو الادراك العقلي للضوابط و القواعد المعينة بعبارة أخری إذاً دلالة التعريض هي مساحة يتحرك فيها الفهم يسبح فيها الفهم ضمن ضوابط و موازين، هل هي عقلية محضة أو علمية قواعد أصولية أو قواعد فقهية؟ ربما ذكرت الإخوان هناك قواعد يفتي بها علماء الإمامية بشكل متسالم عليه لازم الإفتاء بثلاثة أو أربعة، منها نتائج عجيبة و غريبة ربما ينفونها، لكن إذا يلتفتون اليه لازم عليهم ان يفتون باللوازم. هذه نتيجة رياضية علمية محتمة، سيما إذا كان القواعد متفقا عليها. كثير من احتجاجات أهل البيت عليهم السلام علی الطرف الآخر من هذا القبيل، يقولون أنت تسلم هذه النكتة وهذه النكتة وهذه النكتة و نتيجتها تكون هكذا و من هذا القبيل كثير، فالمقصود دلالة التعريض لابد أن تكون ضمن الشواهد لكن هذه الشواهد لاتكون فقط من البحوث العقلية من سنخ الفلسفة بل قد تكون من القواعد الفقهية أو القواعد الأصولية أو قواعد التفسير أو القواعد في علم الآداب و الاخلاق. إجمالا لابد أن تستند إلی الشواهد. تكون هذا هو الرأي الأول في دلالة التعريض. طبعا ستستعرض الأدلة الكثيرة لهذه القاعدة.

الرأي الآخر أيضا ليس بعيدا لدلالة التعريض و الإيماء: إنها من الظهور غاية الأمر ما عرف و اشتهر أن التاويل و الدلالة الخفية يقابل الظهور هذا هو الرأي المشهور لكن رأي آخر يتبناه الرواد و الفحول من العلماء من الفريقين أن التاويل درجة من الظهور لكن هو الظهور الخفي. يعني أنك تصل إليه بترامي من سطح الكلام و المنطلق من سطح الكلام. هذا هو التعريف الآخر للظهور؛ أن المراد من الظهور ما يكون من سطح الكلام، فعلی هذا للظهور معنی واسع يشمل التأويل، الظهور يعني ماتصل إليه ولو بخفاء و تدبر صعب غامض صناعي لكن أنت وصلت إليه من سطح الظهور. غاية الأمر سطح الظهور والترامي شيئا فشيء إذا برز للأذهان يصبح جليا، فتسميته بالظهور إما بلحاظ المآل يعني أنه إذا التفت إلی الشواهد والقرائن يصبح جليا إنطلاقا من سطح الكلام، إما بهذا اللحاظ يعني الظهور بالقوة أو بلحاظ أن الإنطلاق من سطح الكلام لها ربط بسطح الكلام و ظهور الكلام و هذا رأي لابأس به في الظهور و بنينا عليه من قديم الأيام أن التاويل درجة من درجات الظهور. كل درجات التأويل هي درجة من الظهور.

من ذلك تعبير الإمام الباقر عليه السلام في الرواية لو شئت لاستخرجت الشرايع و الدين و الايمان و الإصلاح و... (الأبواب الكبيرة العجيبة ذكرها الامام الباقر) من لفظة الصمد. فهو يركز أن الإنطلاق من نفس لفظة الصمد. علی أية حال هذا هو المعتمد لدينا ومن ثم عبر عن التعريض وا لمعاريض من الدلالات.

نذكر جملة من الروايات: في معاني الأخبار للصدوق في رواية معتبرة عن إبراهيم الكرخي عن ابي عبدالله عليه السلام وفي الكشي أيضا موجود قريب هذا المضمون، أنه قال: «حديث تدريه خير من ألف حدیث ترویه» هناک منهج روایی فی معالجة الدین وهو منهج السید الخویی أو ربما غیر السید الخویی شیئاما صاحب الریاض مع احترامنا العظیم لصاحب الریاض أو المقدس الاردبیلي إلی حد ما أو الشهید الثاني بسبب مدرسة السید أحمد بن طاوس، یعالجون الروایات بعلم الرجال یعالجون الدلالات والاستنتاج و الاستنباط الفقهي بعلم الرجال. هذا قوي أو هذا ضعیف و هذا أرجح سندا و لکن هنا معالجات بتوسط علم الفقه لابتوسط علم الرجال یعالج التعارض او تعالج طوائف الروایات بقرائن علم الفقه ومن المتأخرین بشکل ممتاز کاشف اللثام رحمة الله علیه و هو عجیب و نابغ فحل فی الفقاهة، یعنی ابدا لایتوصل بالأصول العلمیة أو علم الرجال. دوما بالقرائن الموجودة‌ فی متون الروایات و القواعد الفقهیة و کلمات الفقهاء بعنوان الشروح. عنده كتاب فقهي آخر ماتبع، شرح علی اللمعة كتاب الصلوة و كتاب الطهارة كاملا، ربما يصير عشرة مجلدات و للأسف ماتبع. و كثير ممن شرح علی هذا الكتاب قال مليء بالدرر. يعالج البحث بالمنهج الفقهي لابالمنهج الرجالي. تارة أنت تستنبط بتوسط علم الفقه و تارة تستنبط بتوسط علم الرجال.

هذه الرواية تقول: حديث تدريه (علم الفقه و الفهم) خير من ألف حديث ترويه و لايكون الرجل منكم فقيها (لايقول راويا بل يقول فقيها) حتی يعرف معاريض كلامنا (ولايقول ظهور كلامنا و ما قال كنايات كلامنا، الفقيه من هو يعرف المعاريض) و لايكون الرجل منكم فقيها حتی يعرف معاريض كلامنا وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف إلی سبعين وجها. قال كلمة وماقال جملة. لنا لجميعها المخرج.

ان شاءالله التتمة غدا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo