< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/10/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة، الدليل الرابع و الخامس و السادس

المراد من الجمع في القاعدة ليس الجمع العشوائي

كنا في الشواهد و الأدلة الدالة علی أن الجمع مهما أمكن أولی من الطرح و كما مر بنا ليس المراد من هذه القاعدة ما هو المتبادر في أذهان متأخري الأعصار من أنه تكلف و تبرع في الجمع، بل المراد أن مراتب الجمع لاتقف عند حد و بين هذه المراتب للجمع في الخفاء والإخفاء مراتب كثيرة جدا، طبق شواهد مترتبة و متراتبة قد لايصل إليها إلا الفحول من الأعلام، يعني المراتب خفية جدا. علی أي تقدير فإذاً الجمع مهما أمكن أولی من الطرح ليس عشوائيا في الجمع و التأويل كما هو المنسبق في الأذهان و سنبين هي المراتب من الجمع طبق الشواهد المتراتبة ليست في رتبة واحدة و لكنها لاتنتهي عند حد.

الدليل الرابع: الانحلال في الحجية

وصلنا إلی هذا الشاهد و هو قضية التبعيض في الحجية أو الإنحلال في الحجية و هذا أمر التزمه جل من الأعلام إلا من شذ و ندر يعني حتی مدرسة الناييني التي تشدد في تساقط الأمارات مع ذلك هم في موارد التعارض بين العموم و الخصوص من وجه لايبنون التساقط و لايستحلون التساقط إنما مقدار الذي حصل التعارض ان لم يكن ترجيح أو الجمع أو كذا يبنون فيه علی التساقط يعني يفككون المفادات حتی وصل بهم الأمر في التبعيض في الحجية بلحاظ الفقرات أو بلحاظ الجمل أو بلحاظ الجملة الواحدة مثلا القيد فيه تقية والمقيد ليست فيه تقية و التطبيق قدتكون فيه تقية و الكلي ليست فيه تقية أو العكس و هذه الأنماط والأنحاء من التبعيض إلی ماشاءالله، إلتزم به الأعلام طرا في الفقه و الأصول، مثل الإستدلال بقاعدة لاتنقض اليقين بالشك بشكل الإستصحاب في خلل الصلوة مع أن في خلل الصلوة لايبنی علی أن عدم النقص إضافة النقص داخل الصلوة بل يبني علی اكثر ثم يسلم ثم يأتي بالنقص مع ذلك في الرواية استدل في الرواية بلاتنقض اليقين بالشك، الأعلام قالوا: لاالمورد فيه تقية و لاالإستصحاب بل كيفية التطبيق فيها تقية فهذا نوع من التقية، أقصد التبعيض في الحجية سواء التبعيض في الحجية بلحاظ جهة الصدور أو بلحاظ أصل المفاد أو الصدور أو غيرها. فقضية التبعيض في الحجية بالدقة نوع من الإنحلال في الحجية إلتزم به الاعلام إلی ماشاءالله كثيرا.

ماذا شاهد هذا المطلب علی قاعدة الجمع؟

إذا تبين أن الإنحلال متعدد، يجب أن نلتفت إلی أنه في عناصر الظهور أيضا يمكن الإلتزام ببعضها و رفع اليد عن بعضها، مثلا المفادان التصوريان بين الدليلين متناقضان، المفاد الإستعمالي موجود و المفاد التفهيمي موجود و المفاد الجدي موجود. رُفع اليد عن بعض الأصول. تطابق المفادات علی التصوري، إذا رُفعت اليد شيئاما المشكلة تحل و إن کان التناقض علی صعید التصوری و إلا إن کان علی صعید التفهیمی او الجدی لیس هناک تناقض إن لم یتطابق ما بعد من مراتب الدلالة و المدلول مع المفاد التصوری و هذا یحل به التعارض فلم نرفع الید عن الظهور برمته.

فاذا هذا التبعیض فی الحجیة و الإنحلال فی الحجیة‌ الی ماشاءالله، الضرورات تقدر بقدرها، ممتنع التعبد بكلاالدليلين لأنه يوجب التناقض، نرفع اليد بمقدار ما يرفع به التناقض و الباقي ما الموجب لرفع اليد عنها. إلی غير ذلك فهذا إذاً وجه واضح أن الإنحلال سواء بلحاظ مراتب الدلالة أو بلحاظ أبعاد الدلالة أنحاء و كيفيات و كميات كما وكيفا، التبعيض و الإنحلال في الحجية إلی ماشاءالله، فالمساحة الغير المتناقضة و الغير المتدافعة لم نرفع اليد عنها كيفا و كما في مقابل المساحة المتناقضة. هذا هو الوجه الإستدلال بهذا الدليل.

الدليل الخامس في قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح: نستطيع أن نذكر هذا الدليل بهذه العبارة، هذا الدليل عبارة عن أن التعارض بالدقة ليس بين صدوري الخبرين و إنما التعارض حصرا بين دلالتي الخبرين أو الدليلين أو الدلالة و مدلولي الخبرين و ليس بين الصدورين.

لنوضح هذا: قد يكون عندنا دليلان متواتران صدورا و بينهم تعارض بدوي -لأن التعارض الحقيقي بين الأدلة في واقع الأمر ماموجود هذا التعارض كله بسبب ما يقال من الظروف الطارئ علی الحديث أو علی ذهنية نفس المستنبط بعيدة عن جو الروايات. يعني التعارض هو القصور في إدراك مضمون الأدلة غالبا- في موارد الدليلين المتواترين كيف يحل التعارض؟ واضح أن التعارض لايحل بأن نقول أن الخبرين المتواترين متساقطان و المتساقطان يعني جهة الصدور و هذا لايلتزم به، فإلی أين يصار؟ يصار إلی الجمع الدلالي والتأويلي، نرفع اليد عن أحد الظهورين أو كلاالظهورين من زاويتين و من جهتين، يعني يحصر و يمركز التنافي و العلاج في الدلالة والمدلول.

هذان متواتران و متعين و لايرتب و لايشك أحد في الخبرين المتواترين فلايرتاب و لايشك أحد في أن الخبرين المتواترين لايصار إلی التساقط. لايمكن القول بالتساقط. فإذا كان الحال هذا في الخبرين المتواترين نأتي بالخبرين الظنيين لمَ يصار إلی التساقط وعدم صدور أحد الخبرين؟ إذا كانت المشكلة مركزها في الدلالة والمدلول فليس في الصدور؟ الكلام الكلام ما الفارق بين الخبرين المتواترين والخبرين الغير المتواترين؟

أذكر لكم شاهدا علی عدم الفرق: إلتزم جميع المسلمين و علماء المسلمين إلا من شذ الشذاذ، أن الخبر الواحد الصحيح يخصص عموم الكتاب. هذا لم يستشكل فيه أحد إلا الشاذ منهم و منا. العموم الكتابي قطعي الصدور بينما الخبر الواحد ظني الصدور لمَ لم تعالج المسئلة علی صعيد الصدور؟ بل يعالجون علی صعيد الدلالة.

من جهة الصدور عموم الكتاب قطعي الصدور، اتفاقا الذي شذ منا ومنهم في الإلتزام بتخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد يستدل بهذا الوجه، الكتاب قطعي الصدور لايأتيه الباطل من بين يديه كيف الخبر الواحد الظني الصدور يخصص عموم الكتاب؟ لاحظ جهة الصدور بينما كافة علماء المسلمين لم يلاحظوا الصدور و لاجهة الصدور بل أخذوه مفروغا منه و لو لاحظوه لقدموا عموم الكتاب علی الخبر الخاص و المخصص لأن هذا قطعي الصدور و ذلك ظني الصدور فأصلا لم يضعوا الصدور و درجته في موازنة الأدلة. طبعا هؤلاء أخذوا بالكتاب في مقابل السنة الظنية المخصصة بل بعضهم أخذوا بالكتاب في مقابل السنة القطعية المخصصة العياذ بالله. لماذا؟ لأنهم لاحظوا الصدور بينما كافة علماء المسلمين لم يلحظوا الصدور. عدم ملاحظة الصدور في الموازنة ماذا يعني؟ تخريج ذلك صناعيا ماهو؟ لماذا لم يلحظ الصدور في البين في كل الحالات في الخبرين المتواترين أو الخبر المتواتر مع الظني الصدور؟ من الواضح ان جهة التنافي و العلاج عند سيرة العقلاء و في نظام منظومة الحجية جهة العلاج و التنافي هي في الدلالة و المدلول، لذلك في تعريف التناقض ذكر الآخوند انه تنافي الدليلين و الشيخ يقول تنافي مدلولي الدليلين، منطقة الدلالة. إذا كان منطقة التنافي و التناقض هي الدلالة لماذا يسری التناقض و التنافي إلی أصل الصدور؟

شبيه ما هي من مكتشفات متأخري هذا العصر و نِعمَ ما اكتشفوه في باب التزاحم، قالوا لانلتزم بالتعارض فيه، لأن التزاحم هو التنافي في مقام الإمتثال، لماذا نسري التنافي إلی أصل فعلية الحكمين المتزاحمين؟ فضلا عن نساعد ونرقي و نفرط في التعارض إلی التدافع في إنشائي الحكمين كما عند ربما ظاهر عند كلمات القدماء. التزاحم نقصره و نحصره في مرحلة الإمتثال أو إحراز الإمتثال يعني المحذور دوما يقتصر فيه علی مقداره و موطنه و لايسری إلی موطن آخر. هذا لب الإستدلال علی هذا الدليل.

الخبران المتواتران أو عموم الكتاب يخصص بالخبر الظني و لايلحظ الصدور في البين و الموازنة بل تلحظ الدلالة. فإذًا الواضح أن في التعارض النظام الصناعي هكذا يقتضي أن لايلحظ أصل الصدور بل يلحظ الدلالة والمدلول بشهادة هذين المثالين المتسالم عليهما. و إذا حللناهما بالتحليل الصناعي يتبين أن مركز التنافي و العلاج هو الدلالة و المدلول لاالصدور.

الدليل السادس: هذا الدليل دليل رشيق يعني لطيف وهو أن في عالم الدلالة و المدلول أربع مراتب، الدلالة التصورية و الدلالة الإستعمالية و الدلالة التفهيمية و الدلالة الجدية، طبعا الجدية أيضا ذات مراتب و ليست مرتبة واحدة. هذه هي مراتب الدلالة والمدلول.

الشيخ الأنصاري و قبله من الأصوليين في كتاب القوانين للميرزا القمي و غيره كتاب الفصول و الكتب كلها هناك لكل مرتبة من مراتب الدلالة قرائن، فيها قرائن في باب التصور و فيها قرائن في باب الدلالة الإستعمالية و قرائن باب الدلالة التفهيمية و قرائن باب الدلالة الجدية، القرائن يعني العناصر الخاصة و القرائن والعناصر العامة، العناصر العامة يعني الأصول اللفظية. لدينا الأصول اللفظية في مرحلة التصور و الأصول اللفظية في مرحلة الإستعمالية و الأصول اللفظية في مرحلة الدلالة التفهيمية و لدينا أصول لفظية في مرحلة الدلالة الجدية، أربع مراتب.

إصالة الحقيقة إصالة العموم وإصالة عدم المجاز أصول لفظية ذكرها الشيخ الانصاري في الرسائل في بدايات مبحث حجية الظهور وبقية الكتب الأصولية أيضا ذكروها. صاحب الكفاية ذكرها في مباحث الألفاظ و حجية الظهور. مبحث الوضع و الإستعمال في بداية علم الأصول، هذا نظام الظهور طبقات و كل طبقة لها عناصر وأصول لفظية.

نشرح هذه المقدمة لأن كثيرا من أدلة علم الأصول متوقف علی تبيان هذه المقدمة و نظام الظهور. كيف تسمی أصول لفظية؟ هل الأصل الذي يجري عند الشك هل هو من الأدلة الإجتهادية؟ كيف يسير؟ أصالة الحقيقة أشك في أنه الإستعمال الحقيقي أم المجازي؟ أو أشك في أن القرينة موجودة أو لا؟ في أصالة عدم القرينة. أصول لفظية في الطبقات الأربع. هذه الأصول اللفظية كيف يجري عند الشك و هي أدلة إجتهادية شرحه رواد الأصول. قالوا: هذه ليست بالدقة أصول عملية إنما هذه بناءات إجتهادية و آليات و عناصر الظهور يبني عليها العقلاء عند الشك في عناصر الظهور، فهي بمثابة القرائن العامة نُظُم في باب الحوار عامة.

قال الأصوليون: أنها لها مراتب دائما، إثباتا (لاثبوتا) الدلالة التصورية مقدمة علی عناصر الدلالة الإستعمالية و الدلالة الإستعمالية بقرائنها العامة أو الخاصة مقدمة علی الدلالة التفهيمية. و الدلالة التفهيمية بقرائنها العامة (الأصول اللفظية) و الخاصة مقدمة علی الدلالة الجدية و الجدي لها مراتب كذلك كل مرتبة أسبق و مقدمة إثباتا لاثبوتا. ثبوتا بالعكس. الجدي هو المقدم ثم التفهيمي ثم الإستعمالي ثم التصوري.

ماذا يعني ثبوتا؟ يعني عند المتكلم شيء جدي بعده يصوغ له ديكور تفهيمي ثم يسبك سبيكة إستعمالية ثم يسبك سبكا و سبيكة و قالبا لفظيا و تصوريا. ثبوتا هكذا لكن إثباتا عند السامع علی العكس. الظهور عند السامع أولا التصور ثم الإستعمالي ثم التفهيمي ثم الجدي هذا ناموس باب الظهور. أسس نظام منظومة الظهور. علماء البلاغة يقرون به و علماء الأصول يقرون به.

إذا اتضح هذا المطلب و هذه المراتب، هناك وارد ومورود وحاكم ومحكوم، هذه المراتب إثباتية.

لابد أن تتضح: أولا إثباتا التصور حاكم و وارد علی المرتبة الإستعمالية و الإستعمالي علی التفهيمي و التفهيمي علی الجدي. ليست هذه المراتب في عرض بعضها البعض. نكتة جدا مهمة.

علاوة علی ذلك المراتب بين الدلالة والمدلول، أن الدلالة التصورية لفظية و هذه جدا نكتة نفيسة ذكرها الأصوليون. أما الدلالة الإستعمالية و التفهيمية و الجدية و مراتب الجدية هذه كلها دلالات لبية و ليست دلالات لفظية و نصية. ماذا الثمرة؟ الدلالة اللفظية دائما أقوی و مقدمة علی اللبية. الدلالة اللبية يقتصر فيه علی القدر المتيقن.

هذه النقاط إذا اتضح في المقدم يتضح لنا أنه عند تنافي الدلالة التصورية بنحو التناقض والتعارض، لاموجب للبناء علی ان هذا التناقض و التعارض هو في الدلالة الإستعمالية والتفهيمية و الجدية لأنها دلالات لبية و التناقض في صورة تطابق هذه الدلالات مع الدلالة التصورية، المفروض أن الدلالة التصورية بالدقة ترجع إلی نفس حجية الصدور صدور هذه الألفاظ، فالدلالة التصورية ترجع إلی أصل الصدور، ما الموجب للبناء علی التعارض في الدلالة التصورية و هو الصدور، التعارض لايتم بها إذا حلحل التعارض في الدلالة الاستعمالية و التفهيمية و الجدية لن يبقی التعارض.

هذا الوجه مهم ونوكله إلی الغد إن شاءالله

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo