< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، القول المختار في مقتضی القاعدة و ادلتها.

كان الكلام في شرح هذا القول و هو أن مقتضی القاعدة هو الجمع و أن الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، فهذه القاعدة كما مر لها أدلة كثيرة و هذا هو الذي ذهب اليه المشهور شهرة عظيمة وإن كان المتاخري الأعصار من الشيخ الأنصاري إلی يومنا هذا ينكرون أو ينفون و لايتبنون علی هذه القاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح» لكن الصحيح أن هذه القاعدة متينة و سليمة و سنتعرض إلی أدلتها ثم سنتعرض إلی أدلة النافين إلی هذه القاعدة.

أدلة هذه القاعدة كما مر قسم منها لبعض مراحل هذا القول و سنستعرضها و قسم منها قواعد أخری دالة علی هذه القاعدة كقاعدة التعريض أو المعاريض و قاعدة أدبية في الدلالة الخفية في الإيماء و التلويح و الإشارة و ما شابه ذلك. علی كل هذه القواعد جدا متشابكة و متداخلة كأنها قاعدة واحدة و إن كانت بينها فوارق و لكن جدا متقاربة مضافا إلی قاعدة عمومة محكمات الكتاب و محكمات السنة هي قاعدة أخری ثالثة أيضا تصب في هذه. المدعی في هذه القاعدة انطبع لذلك كثير من الأعلام كما ذكرنا الان الشيخ الانصاري في الرسائل يقيم الأدلة النافية بقوة علی هذه القاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح» مع أن مبنی الشيخ الانصاري عند التعارض ليس التساقط بل التوقف و التوقف مرحلة من مراحل هذا القول يعني عملا سيرة عملية للشيخ الانصاري في كتبه هي هذه القاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح، لكن صناعيتا رفض الشيخ الأنصاري هذه القاعدة و أقام الأدلة علی نفيها و سنأتي بالأدلة التي ذكرها الشيخ الأنصاري.

هل المراد من الجمع هو الجمع التبرعي و التحكمي بالتشهي؟

قبل الدخول في أدلة هذه القاعدة يجب أن نلتفت إلی أن المدعی في هذه القاعدة وقع فيه التباس، «كثير الجمع مهما أمكن» ربما عبر كثير من المخالفين من أنها جمع تبرعي والجمع التبرعي لاشاهد له و تكلف و نوع من التصرف في الأدلة من دون موجب و شاهد، لكن عمدا ذكرت هذا الدليل لأجل أن أوضح أن هذه القاعدة فهمت خطأ لأن هذه القاعدة ليست تبرعيا أو تكلفا، هذه القاعدة بالدقة فيها نظم كثيرة و ضوابط كثيرة كعنوان عام لهذه القاعدة نستطيع أن نقول هي نوع من الجمع التأويلي و نقول أن الجمع مهما أمكن ولو بالجمع التاويلي الخفي جدا أولی من الطرح، فلايصار إلی التساقط و لا إلی التجميد، محصل هذه القاعدة هذا، ففي هذه القاعدة هناك مراتب من الجمع و الجموع. و ليس المراد إعتماد الجموع المتاخرة رتبتا ابتداءا كما قد يتخيل الكثير من النافين لهذه القاعدة في المرحلة الأولی. ليس المراد هذا، بل المراد أن الجمع بين الأدلة لاينحصر بالجمع العرفي أو الجمع الصناعي اليسير أو الجمع الإستنباطي المعتاد بل تمتد الجمع إلی مراتب بعيدة جدا و بينها مراتب و نظم بشواهد و قرائن لاأنه بالتشهي و التحكم بل بالقواعد والشواهد. فإجمالا المراد من هذه القاعدة هذا، لكن يتخيل أنه نوع من الجمع التبرعي أو التحكمي أو بالتشهي و ليس المراد من هذه القاعدة.

الأدلة علی قول المختار

الآن ندخل في أدلة هذه القاعدة شيئا فشيء، هذه الأدلة ليست أهميتها من جهة أنها أدلة بقدر أهمية أن تبين زوايا البحث و هذه نكتة مهمة في الأدلة، الأدلة في كل مسئلة ليست من جهة تعدد الأدلة و تكثرها بل زوايا البحث وجهات البحث المختلفة يجب أن يقتنصها الإنسان.

الدليل الأول: نستطيع أن نصوغ هذا الدليل الذي ذكرنا في باب القضاء و أبواب كيفية الحكم في باب الثاني عشر، روايات مستفيضة -خمسة عشر رواية- لم يكن مقتضی القاعدة فيها التساقط بل جعل مقتضی القاعدة هو العمل و أن الفقهاء لم يقتصروا علی مورد تعارض البينات بل عمموا ذلك مثلا في موارد تعارض قول أهل الخبرة مطلقا في الشبهة الموضوعية بأن أقوالهم لاتتساقط بل بنحوما يجمع بينها و لايسوغ إطراحها.

كذلك عمم الفقهاء في موارد تعارض الأمارات مثلا في القيمة السوقية، أخذوا القول بالمؤدی الوسطي و هو نوع من العلمل بمجموع الأمارات في باب القضاء وغير باب القضاء، فإذاً هنا شاهد علی هذا القول و هو ما ورد في باب الثاني عشر من الجمع العملي بين الروايات، طبعا الجمع العملي لعله أصعب من الجمع التأويلي سنبين في ما بعد. هذا إجمالا الدليل الأول علی أنه لم يكن تساقطا.

الدليل الثاني: دليل تحليلي و هو أن اأامارات كشيء أمضاه الشارع، هي في الحقيقة كواشف تكوينية و عقلائية هذه الكواشف العقلائية أولا تكوينية و في الرتبة الثانية عقلائية و في الرتبة الثالثة أمضاه الشارع و نظام الأمارات ليس تأسيسي بل جلها إمضائية، نعم فيها تاسيسية موجود، لكن جلها إمضائية، نعم للشارع حين الإمضاء أن يهذب و يقيد و يشترط.

إذا كان حال الأمارات أنها تكوينا كواشف وعقلائي قبل أن تكون إمضائية، هذه الكواشف التكوينية كالمرايا و المرآة عندما تتدافع النتيجة المحصلة منها بين إحداها و أخری، تكوينا هذه الكواشف لاتنعدم كاشفيتها بل و لاإعتبار العقلاء فضلا عن إعتبار الشارع بل تكوينا لاتنعدم كاشفيتها غاية الأمر يحصل الإلتباس في النتيجة المحصل منها، فإذاً أماريتها لاتسقط و كاشفيتها لاتسقط و الطريق التكويني لعلاج هذا التدافع لكاشفيتها ليس هو التساقط بل و لابالتخيير بل بالدقة دأب العقلاء غير ذلك.

من باب المثال باب التحريات الجنائية عند العقلاء و هو علم عجيب و غريب في المجالات العديدة حتی في مجالات الفساد المالي أو مجالات النزاعات التي تقع مسلحة و غير مسلحة، إذا أرادوا التحريات الجنائية خيوط خفية. أنا أتعجب من الأخوة في تاريخ الأئمة و النبي صلوات الله عليهم و تاريخ العاشوراء لايريدونها إلا الجلية، إذاً أنت لست محققا لأن المحقق لايكتشف رأس الخيوط. وقفت علی بنود في هذا العلم عند البشر بل التحريات تقص من التتبع. عندهم تحريات و تقصص لا فقط في رؤوس الخيوط بل يتتبعون رؤوس الخيوط الخفية لانهاية الخيط لأن رؤوس الخيوط الخفية مع الخيوط الغير الخفية ثم يوصلون إلی النهاية لافقط رؤوس الخيوط لايمكن ان يريدوا شيئا جليا، المحقق يكشف عن رأس الخيط الخفي. علی كل نرجع. فالمقصود هذا المطلب و هو أن المرايا و الأمارات لاتسقط كاشفيتها التكوينية بمجرد الإلتباس و التدافع بل يحاول العقلاء أن يكتشفوا لغز التدافع و ما فيه التدافع بل يترائی فيه التدافع، التدافع حتی لو كان مستحكما سببه عدم قدرته لحلحلة هذا التدافع.

من باب المثال اذكر أمثلة الأمارات التكوينية تقرير أخير في DNA و الجين الوراثية كم يعتمد عليها؟ و كذا و كذا. المهم القصة طويلة و لاأريد أن أذكرها و موجودة تقريرها، إمرأة راجعت عند خلافها مع الزوج، قال: الأولاد كلها ليست منك. و اكتشفوا انها ليست أولادها، ثلاثة أولاد لكن هي أولدتهم بعد ذلك أتت برابع و صارت حاملا و عيانا أتت به و اكتشفوا من الجين نفس الجين واستغربوا، بعده ظهر أن جين الرحم تختلف عن جينة بدنها و هذه الأمارات لايستقطونها العقلاء بل بالعكس يسعون في حل اللغز فيها أين سر التدافع؟ فمقصودي لايفرطون الأمارة مع الأمارات و إنما هذا التدافع يكون ثروة علمية لهم لاكتشاف مزيد للواقع لاأنه لإسقاط و لتفريط المعلومات بل بالعكس يستخدمون مزيد ثروة لأنه يعكس لهم جهات خافية عنهم. فإذاً تكوينا عرفا و عقلائيا الكواشف التكوينية لاتتساقط كاشفيتها بل تكوينا تبقی علی حالها غاية الأمر الباحث يجب أن يلتفت إلی سر التدافع.

إذاً مقتضی القاعدة ليس التساقط بل و ليس التخيير و لاالتوقف بل مزيد من الفحص للفهم ليبلغ نتيجة متفاهمة مع كل الأمارات هو الجمع تكوينا و عقلائيا هكذا هذا هو الدليل الثاني التحليلي.

الدليل الثالث: هنا الورطة للقائلين بالتساقط و غيرهم من القائلين بغير الجمع هناك دعوی أن التعارض بنفسه دليل و برهان علی تكوّن العلم الإجمالي بكذب أحد الخبرين، هذا غاية الإستدلال للتساقط أو الأقوال الأخرى وإن كان التساقط فيه إفراط كثير. إن نفس التعارض دليل بكذب أحد الخبرين هذه الدعوی جدا واهية. لماذا؟ هذه الدعوی هي بسبب أن من قال أن هذين الخبرين أو هذين الظهورين، من قال بأن مفادهما النهايي الجدي هو نفس المفاد التصوري في كلا الطرفين هذا أول الكلام. صورة هذا الكلام مع صورة هذا الكلام بينهما تناقض لكن من قال بأن المراد الجدي والنهايي هو هذا؟ أصلا من قال بأن المفاد التصوري هو هذا؟ كثيرا ما يكون وهم الراوي حتی في نقل الألفاظ. أولا ثبت العرش ثم انقش. ثبت أولا أن هذا هو المفاد التصوري و المرتبة اللاحقة ثبت أن المراد الإستعمالي علی طبق التصوري ثم ثبت أن التفهيمي علی طبق الإستعمالي ثم ثبت أن الجدي كذا، كم مرتبة ومرحلة؟ فمن أين ندعي أن عندنا علما إجماليا بأن أحد الخبرين أصلا ليس صادرا و قطعا أحدهما ساقط؟ هذا العلم من أين يجيء؟ بمجرد تدافع التصوري نقطع بعدم الصدور؟ لعل بين الدلالة التصوري تدافعا لكن المراد الاستعمالي شيء آخر. كما أن في الموارد العديدة يقول الامام عليه السلام: ثمن العذرة سحت و ثمن العذرة لابأس به. الظاهر الأولي من الصدور إلی ماشاءالله في الروايات في مجلس واحد بتكلم بكلامين. الراوي و تلميذ جالس و يجيء سائل سئل و أجاب الامام عليه السلام بأن ثمن العذرة سحت و جاء سائل آخر و قال الإمام لابأس به. الإمام يريد أن يربي علميا. يقول لاتكن ساذجا. الجواب الأول بلحاظ كذا و الجواب الثاني بلحاظ كذا.

المقصود أنه لاتنساق مع الدلالة التصورية بل بعدها دلالات أخری فمن أين و بمجرد تناقض المفاد التصوري نقول عندنا علم إجمالي باتّ بأن أحدهما قطعا ليس صادرا؟ سببه تخيل أن نظام الحجية كأنما فقط في المقطع التصوري هذه هي الغفلة عن أن نظام الحجية في الأمارات نظام متركب و متراكم و مترامي من منظومة. فأصل دعوی العلم الاجمالي خاطئ و دعوی واهية لاشاهد لها. طبعا هذه الأدلة كما ذكرت لكم كلها حوار عن زوايا و هي قصة كثرة الزوايا. و بعد ذلك تصير الأدلة غامضة و صعبة.

الدليل الرابع: ما تسالم عليه حتی الناييني و لايمكنه الفرار منه و تلاميذه و السيد الخويي و تلاميذه، نظام تبعيض الحجية مثل التعارض في العموم و الخصوص من وجه وغيرها تبغيض في الحجية نظام مستشري في أبواب الفقه. نشرحه شرحا وافيا و معه انحلال الحجية و لازم أن نشرحها و إذا هذا النظام موجود فدعوی التساقط لاوجه لها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo