< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض، الاقوال في مقتضی القاعدة، القول المختار

كنا في شرح الأقوال من التوقف أو التخيير، تخييرا أصوليا أو فقهيا و كذلك الترجيح علی قسمين و كذلك الإحتياط علی قسمين و كذلك الجمع إما في المسئلة الأصولية أو الجمع في المسئلة الفقهية و الجمع العملي و مر بنا أن هناك طائفة من الروايات واردة في تعارض البينات في باب القضاء علی التفصيل المذكور في كتاب القضاء باب الثاني عشر من أبواب كيفية الحكم، مفاد تلك الطائفة عدم تساقط البينات و إنما يجمع بينها جمعا عمليا و هو يختلف عن الإحتياط العملي والفقهي أو التخيير الفقهي، هذا نوع من الجمع العملي بالروايتين.

القول المختار

إجمالا هذا نوع من الأقوال مع اختلاف التفسيرات التي مرت بنا من انشعاب كل قول إلی عدة تفسيرات و الذي نختاره وفاقا لما هو المشهور من طبقات الفقهاء سيما المتقدمين و الأقدمين هو القول الأخير يعني الجمع، إن لم يمكن تصل النوبة إلی الترجيح و الترجيح يرجع إجمالا إلی الجمع، الرجيح الأصولي يرجع إلی نوع من الجمع بجعل المرجحات قرينة بتأويل المرجوح و عطفه علی الراجح فلذلك القول بالترجيح الأصولي يتطابق مع الجمع لاسيما الجمع الدلالي. القول بالتخيير الأصولي أيضا هو إجمالا يمكن إرجاعها إلی الجمع باعتبار أن الذي يختار يجعل الآخر الذي لم يتم اختياره مؤولا و معطوفا علی الذي تم إختياره. علی كل، كل قول ينشعب إلی أقوال.

مر بنا أن الإحتياط الأصولي و الترجيح الأصولي و التخيير الأصولي، التفسير الثالث لهم يرجع إلی نوع من الجمع الأصولي. فبالتالي هذا هو المختار أن مقتضی القاعدة ليس التساقط و هو الجمع والجمع بمراتب حتی تصل إلی مرتبة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح» هذه القاعدة أيضا عقلائية و ليست فقط شرعية فكيف يعرف في باب الشرع وباب خطاب الشرع الذي يعتمد علی هذه القاعدة بقوة؟ فإجمالا المختار إذاً في مقتضی القاعدة هو الجمع الدلالي والتأويلي و الأصولي وبقية الأقوال تصل اليها النوبة مع إمتناع هذا الجمع التأويلي الأصولي، طبعا لاتصل النوبة إلی التساقط وهو مما لانتفق معه بحال. المقصود الأقوال الأخرى التي ليست تستبطن و لاتنطوي علی الإسقاط فهذا هو المختار.

كيفية الشواهد علی القول المختار

فهنا نذكر جملة من الشواهد علی هذا المدعی و فيه مراحل يعني هذا القول بالجمع التأويلي إذا دققنا فيه صناعيا هو عبارة عن اشتماله علی جميع الأقوال من التوقف والتخيير و الإحتياط والترجيح. لذا هذه الشواهد التي سنأتي بها يعني هذه الأقوال من القول الثاني إلی آخره علی نقيض القول الأول من التساقط هذه الشواهد التي سنأتي بها في الحقيقة ليست بالضرورة أن يكون كل شاهد دليلا علی المطلوب النهايي و هو الجمع الدلالي الأصولي يعني هذا القول كما مر بنيان ذومراتب، مثلا شاهد يدل علی عدم أصل التساقط و شاهد آخر يدل علی أن الترجيح سنخه جمع و تأويل و هلم جرا ففي الحقيقة هذه الشواهد تدفع إلی الأمام مرتبة مرتبة إلی أن تصل إلی المرتبة النهايية و هو الجمع التأويلي، بعضها بطي المراتب توصلنا إلی نفس الشاهد الأخير فلايلتبس علی الأخوة أن الشواهد التي نحن بصددها و هي عديدة جدا و كثيرة أننا في صدد إثبات المطلوب النهايي بكل شاهد. بعض الشواهد توصلك إلی المطلوب النهايي. فهذه النكتة مهمة و لازم أن نلتفت اليه.

اجمالا من تاريخ القول المختار

قبل أن ندخل في الشواهد و هي ليست قصة إثبات الشواهد والأدلة و إثبات المدعی بقدر ما هو التعرف علی ماهو أصر عليه المشهور من القديم و الأصحاب ورواة الائمة إلی الشيخ الانصاري و صاحب الجواهر كل هذه السلسلة المباركة علی هذا المبنی و هذا تاريخ القوم، طبعا هذا القول لاينفي ما قبله من الأقوال وإنما يقرر أن القاعدة الأولية هذا و إن امتنع تصل النوبة إلی الترجيح و الإحتياط و التخيير لكن لاتصل إلی التساقط و هو القول الأول فهذا القول الأخير هو قول حاوي لكل الأقوال بمعنی.

أيضا من تاريخ هذا القول أنه حتی الشيخ الطوسي في التذهيب و ماأوصاه في ديباجة التذهيب أو ديباجة الإستبصار وأن هذا المنهج هو منهج الشيخ المفيد و يمارس الشيخ الطوسي في التذهيب أو الاستبصار قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح إلی ماشاءالله يعني بشكل مفرط أو وسيع. و جيد واحد لو يراجع أنه يلتفت إلی حقيقة هذا القول و سعته و هذه الممارسة من الشيخ الطوسي بعينها نجده عند الصدوق في الفقيه يعني حتی الصدوق عنده قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح. مع ذلك الصدوق عنده هذه التأويلات و لو بعيدة سواء في الفقيه أو الكتب الأخرى. الكليني رحمه الله في تضاعيف كتاب الكافي ولو قليل جدا يشير إلی أنحاء الجمع التأويلي بين الروايات المتعارضة مثلا في بحث النكاح ينقل ثلاثة صفحات تقريبا ينقل عن فضل بن شاذان ويونس بن عبدالرحمن و غيرهما كيفية الجمع بين الطوائف من الروايات المتعارضة في الطلاق و غيرها، المهم في بحث النكاح و مرتبط بالنكاح و هناك جموع تأويلية و إذا ينظر إليها الانسان ينظر أنها جموع تبرعية و بعيدة مع ذلك هم يسوغون الشواهد علی ذلك و يتبناها الكليني . هذا علی كل من جهة التأويلي أو الجمع مهما أمكن أولی من الطرح بما يشمل حتی الجمع التبرعي في نهاية المطاف. حتی تلاحظ صاحب الجواهر عنده هذا المبنی إلی ماشاءالله أو الشيخ الانصاري في المكاسب. نادرا يطرحون الرواية و يطرحونها بمعنی التوقف و التجميد لابمعنی التساقط و إنما الطرح يقصدون منه القول الثاني و التوقف في الرواية و التجميد.

اجمال من مسير الشواهد و الأدلة

أما بنسبة الأدلة سنسوغها طباعا إن شاءالله. في ضمنها نسوغ الأدلة و الشواهد الصناعية و التحليلية خطوة خطوة. جملة من الشواهد تصب في الخطوات الصناعية التحليلية و بعد ذلك سنأتي إلی ربما ثلاث قواعد أيضا تصب في نفس المدعی قاعدة التعريض أو المعاريض و القاعدة الثانية قاعدة الدلالات الخفية و القاعدة الثالثة مدارية المضمون و صحة المتن يعني المحكمات. هذه الثلاث قواعد ستصب في هذا البحث. هذه القواعد لها شواهد وفي نفسها مهمة. حينئذ سنستخلص من هذه الشواهد الصناعية التحليلية والقواعد الثلاث سنستخلص قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح. الجمع التاويلي. هذا إجمال مسير الشواهد والأدلة.

قبل الخوض في الشواهد نعاود التذكير أن أصل المدعی هو أنه لاتساقط في الروايات المتعارضة وإن استحكم التعارض و إنما يصار إلی الجمع و لو الجمع التاويلي. و ينطبق علیه قاعدة الجمع مهما أمكن أولی من الطرح و الجمع علی مراتب. الجمع العرفي و الجمع الصناعي الإجتهادي و الجمع الصناعي الإجتهادي النظري و المبهم و الجمع التأويلي الغامض والجمع التبرعي و الجموع مراتبها ربما خمسة أو ستة أو اكثر. المدعی إذا لم يكن واضحا الخوض في الشواهد عبث و لايصير مجدية.

ذكرنا في النقاط الإبتدائية لبحث التعارض مثلا قديما كانوا يبنون علی أن اجتماع الأمر و النهي تعارض بينما أن تحقيقات الأصوليين اكتشفت أنها ليست تعارضا بل تزاحم أو التزاحم تنافي و تعارض لكن تحقيقات الأصوليين اكتشفت نظرية الترتب و غيرهما من كثير من تحقيقات الأصوليين مثل الورود كانوا يبنون علی انه التعارض و التوارد أعقد من الورود بينما الآن اكتشفوا انه ليس تعارضا و هو الجمع الصناعي لكنه معقد. يعني العرف لايفهمه حتی المتوسطين من المجتهدين لايفهمونه. في النظرة الأولی الفضلاء يقولون انها تعارض مستحكم لكن تقدم المسيرة العلمية أوصلهم إلی أن بينها ليست التعارض بسبب نظرية الورود و نظرية التوارد و نظرية الحكومة قرون من الزمان العلمي كانوا يبنون علی التعارض.. هم ينظرون بنظرة غير غائصة علی أنها تعارض. لكن إجمالا نلتفت إلی هذا المطلب أن الجمع بين الأدلة عند المسير العلمي عند علماء الإمامية أخذ مراتب لا فقط الجمع العرفي و الجمع الإجتهادي بل فيه جمع إجتهادي نظري و فيه جمع اجتهادي أبهم من النظري، إنقلاب النسبة إلی أن جاء المحقق العراقي اكتشف انقلاب النسبة في المورد أو الموردين و الأعلام عمموه إلی خمسة موارد أو ستة أو سبعة. و هو نوع من الجمع النظري المعقد لكن جمع. كثير ماقبلوه و الحذاق قبلوه. هل هذا جمع تكلفي؟ لا، هذه طبقات من الجمع. فإذاً هناك نوع من الجموع الكثيرة.

السيد الخويي رحمه الله اكتشف الترتب في الجعل مع أن الترتب معروف في الإمتثال لكنه اكتشف الترتب في الجعل و حل التعارض بين طائفتين من الأدلة قديما يظن التعارض بينهما و هو من إبتكارات السيد الخويي، الترتب في الجعل. هذه الموارد التي ابتكر به السيد الخويي ابتكارا محضا. و من هذا القبيل الأساتذة قبل الأساتذة اكتشفوا وليكن، لكن هذا لايعني أن الجمع ليس بصحيح و بسديد.

إستصحاب العدم الأزلي اسمه إستصحاب لكن علماء الأصول لم يبحثوه في بحث الإستصحاب و بحثوه في بحث العام و الخاص و أشاروا اليه برائحة في الإستصحاب و عمدة بحثهم في العام و الخاص لأن حقيقته و ثمرته و فائدته هو في صيغة العام و الخاص و يحل المشكلة بين العام و الخاص كأنما أصل لفظي ويجيء فيه عشرات ومأت و مسائل معينة لبحث الإستصحاب خصوص الإستصحاب العدم الازلي. مثل الشهيد الصدر مع نبوغه ماقبله و قال ليس عرفيا ويقول متين لكن ليس عرفيا بينما الكبار اجابوا عن هذه الشبهة بانه ليس بضروري ان يكون الجمع عرفيا إستصحاب العدم الازلي ليس شيئا سهلا بل في يوميات الفتوا تحتاجه و ليس الأصل العملي بل كأنما بالدقة ضميمة للدليل الإجتهادي و بحث معقد إلی ماشاءالله. فهذا البحث بهذه المثابة لايلزم أن يكون عرفيا و الجمع لايلزم ان يكون عرفيا، الجمع شيء آخر ضابطته، حتی الكثير ممن انكروا الإستصحاب العدم الازلي لاينكرون لهذه النكتة التي منع الشهيد الصدر بل المانع شيء آخر لأنه ليس من شرط الجمع أن يكون عرفيا. و يجري في يوميات مباحث الفقه.

كل هذه الأمثلة موجودة لاجل بيان أن الجمع مراتب أخفی فأخفی و قد لايصل اليه إلا الفحول لكن هذا لاينفي كون مرتبة من مراتب الجمع. فإذاً المدعی أن مقتضی القاعدة الجمع بمراتبها الوسيعة حتی التي لم يقبلوه متأخري الأعصار. حتی هذه المرتبة من الجمع الخفي حجة. هذه الشواهد لأجل ان تبني و تؤسس لنا هذ الأرض الطويل الممتد من الجمع و لسنا في صدد الجمع العرفي و لا في الجمع النظري البسيط أو الإجتهادي المتيسر حتی الإجتهادي الغامصة و الخفي. كثير من هذا موجود حتی في الفقه مثلا في باب معين أحد الحذاق المعين يتوصل إلی الجمع و الكل يرد عليه و هو ينفرد عليه. لكن إذا تاملنا في قوله ننظر أن الشواهد عنده جدا قوي ربما في زمانه ما لقی أنصار هذا القول و بعده ننظر أن بلورته جدا كبيرة. من هذا القبيل من الجمع جدا موجودة إلی ماشاءالله.

لذا الشواهد في الحقيقة نريد أن تصب في هذا المجال لا في مرتبة معينة و هذا في الحقيقة يهيمن علی مبحث التعارض كله و كل ماحشدنا في قبل تهيئة لهذا المبحث. الأدلة العلاجية الموضوعية أو المحمولية تصب في هذا القول لذلك البحث في الشواهد بروية و التمعن والتدبر و بنحو يأنس الإنسان بهذه الخطوات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo