< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/08/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب التعارض، مقتضی القاعدة في التعارض، القول بالتساقط، المقتضی الاثباتي و المقتضی الثبوتي

كنا في الأقوال في مقتضی القاعدة الأولية في التعارض، ليست الأقوال في علاج التعارض و حكم التعارض بل الأقوال في مقتضی القاعدة الأولية في التعارض و هذا يغاير الأقوال في حكم علاج التعارض بحسب الروايات العلاجية الواردة، فالأقوال في هذا المقام تختلف عن الأقوال في مقام تحليل الوظيفة الآتية من الروايات العلاجية، فهنا الأقوال بحسب مقتضی القاعدة يعني بحسب العمومات الدالة علی الحجج مثل الخبر الواحد و هلم جرا و هي تقريبا سبعة أقوال أولها عنونّاه التساقط والقول الثاني التوقف و القول الثالث الترجيح و القول الرابع التخيير و القول الخامس الاحتياط فعلی كل قريب بسبعة أقوال في البين.

القول الأول هو التساقط الذي ذهب اليه المعاصرون يعني في القرن الأخير من علماء العصر و طبعا لاالشيخ الانصاري و لاالآخوند إنما ذهب اليه الناييني و تلاميذه الأكثر و إلی الان رائج و هو من أقل الاقوال قائلا في الطبقات المتقدمة يعني من الأولين و الآخرين القول بالتساقط ليس مبناهم و عندهم القول بالتساقط أضعف الأقوال لكن عند الناييني و أكثر تلاميذه و السيدالخويي و تلاميذه عندهم التساقط أقوی الأقوال والحال أنه بلحاظ الطبقات المتقدمة من اعلام الامامية هو من أضعف الاقوال.

كما مر القائلون بالتساقط هم الفريقان، فريق يقول بقصور الأدلة عن شمول التعارض و المقتضي ما موجود و فريق آخر يقول المقتضي موجود لكن المانع موجود و هذه نكتة تحليلية مهمة في معنی التعارض، شبيه الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي، القائلون بأن العلم الإجمالي علة في التنجيز بالموافقة القطعية يقولون بأن الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي ليس لدليلها عموم و شمول و فيها قصور في شمول الأدلة في أطراف العلم الإجمالي بناءا علی العلية و هو مسلك الآخوند و مسلك العراقي والإصفهاني، بناءا علی العلية يقولون نفس أدلة الأصول العملية فيها قصور لاأنها يشمل فتتساقط الأصول أما علی مسلك الناييني لمنجزية العلم الإجمالي للموافقة القطعية -لأن منجزية العلم الإجمالي لها مقامان مقام تنجيز المخالفة القطعية هذه اكثرا يبنون عليه بنحو العلية- اما بالنسبة إلی الموافقة القطعية الميرزا الناييني و السيد الخويي و هو الذي نتبناها منجزية العلم الإجمالي للموافقة القطعية بنحو الإقتضاء إذاً لايكون قصورا لأدلة الأصول في اطراف العلم الإجمالي فتتعارض و تتساقط فيعبر عن الأصول العملية في اطراف العلم الإجمالي بالتساقط لأن الدليل موجود. هذا علی كل فكرة في شمول الأدلة الإثباتية من الأحكام الظاهرية لمواردها، تتعارض و تتساقط بخلاف ما إذا قلنا بالقصور.

امس وصل بنا الكلام و التمحيص و التساؤل إلی أنه ما الفرق؟ معنی وجود الأدلة لخبر الواحد لموارد التعارض أو أدلة الأصول العملية في أطراف العلم الإجمالي -والعمدة أدلة حجية الخبر الواحد أو حجية الظهور- دلالة استعمالية موجودة و الدلالة التفهيمية موجودة. أما الدلالة الجدية موجودة أم لا؟ أي منها موجودة بحث آخر لان الدلالة الجدية مراتب و ليست مرتبة واحدة، عندما يقال المقتضي للادلة لحجية الخبر الواحد موجود أو للظهور موجود و المقتضي بلحاظ الأدلة موجود، هل يراد من ذلك أن المرتبة الإنشائية من الخبر الواحد موجود أو هنا الاصطلاح، المقضي موجود، المقضي الاثباني غير المقتضي الثبوتي و يغايره؟

الحكم الإنشاءي من مراحل الحكم في قبال الحكم الفعلي هو مقتضٍ ثبوتي. أما الأدلة اذا كانت موجودة علی الشيء -يعني الحكم- أيا ما كان الأدلة إذا كانت موجودة علی الحكم بدرجة الدلالة الإستعمالية و التفهيمية دون الجدية يعبرون عن ذلك بالمقتضي الإثباتي.

ما الفرق سنخا و صناعتا؟ -بحوث التعارض تفاصيلها أهم من حتی نهاية بحث التعارض- ما هو الفرق بين المقتضي الإثباني للشيء و المقتضي الثبوتي للشيء؟

قبل أن نوضح هذا المطلب يجب ان ندقق أن إصطلاح الثبوت والاثبات أمر نسبي، مثلا الحكم الظاهري إثبات للحكم الواقعي معنی الحكم الظاهري يعني الإثبات للحكم الواقعي و هذا صحيح، الحكم الظاهري إذا قايسته بالحكم الواقعي هو الإثبات، لكن نفس الحكم الظاهري له ثبوت و إثبات. كيف له ثبوت واثبات و كيف للحكم الواقعي ثبوت و إثبات؟ ثبوت يعني نفس هذه المراحل الإنشاءية للحكم و هي ليست إثباتا بل ثبوت، أصلا مراحل الحكم السبعة كلها مراحل الثبوت إلا التنجيز وهو الإثبات. مثلا يقولون وجوب صلوة الظهر. نفس وجوب صلوة الظهر له مراحل إنشائية و مراحل فعلية إلی مرحلة التنجيز كلها مراحل ثبوتية فليست مراحل اثباتية فالمراحل الإنشائية للحكم هي المراحل الثبوتية للشيء يعني الحكم في نفسه، نعم دلالة و ظهور الآية في وجوب الصلوة هي الاثبات و ليس الثبوت. الدلالة اثبات. فاذاً الفرق بين المقتضي الثبوتي و هو الأحكام الانشائية مع المقتضي الاثباتي سنخا يفرق، المقتضي الثبوتي ثبوت الشيء من المراحل الإنشائية أما المقتضي الإثباتي هو الدلالة علی الحكم الإنشائي ثم الفعلي ثم ثم ثم، فهناك ثمرة المقتضي الثبوتي كما أن هناك ثمرة المقتضي الاثباتي لأن الدلالة موجودة، غير ما إذا قلنا أن المقتضي الإثباتي ما موجود فالحكم الظاهري إذا قيس و قوبل و نسب إلی الحكم الواقعي هو إثبات لكن هو في نفسه له ثبوت و اثبات. الحكم الظاهري هو حجية خبر الزرارة مثلا لها إثبات، مثلا الأدلة الدالة علی حجية الخبر الواحد، أما ماذا عن كبری حجية خبر زرارة؟ هي إثبات أو ثبوت؟ هي ثبوت، حجية الخبر الواحد كبری و ثبوت و مراحل إنشاءية لخبر زرارة أما تقييد الخبر بزرارة و تفرد الخبر بزرارة هذه مرحلة فعلية لحجية الخبر، أما الأدلة الآيات الدالة علی حجية الخبر الواحد والروايات المتواترة الدالة علی حجية الخبر الواحد هي إثبات لحجية الخبر الواحد فإذاً حجية الخبر الواحد مع أنها حكم ظاهري في نفسه لها ثبوت وإثبات، ثبوتها هو الحكم الإنشاءي والحكم الفعلي كلها.

فماذا عن الأدلة الدالة علی حجية الخبر الواحد، هذا حكم ظاهري ثاني فوقي في طول الحكم الظاهري لحجية الخبر الواحد لأن الأحكام الظاهرية تترامی و لها ثبوت و إثبات. إذا أن يصل إلی حجية الخبر الواحد إذا قيس إلی وجوب صلوة الظهر و الحكم الفقهي المعين يصبح هذا الحكم الظاهري إثبات بالقياس إلی الحكم الفقهي لا لنفسه و نفسه هو الثبوت و الإثبات. طبعا هناك بين الأصوليين اختلاف في أن الحكم الظاهري هل له ثبوت واثبات؟ أو إن ثبوت واثبات الحكم الظاهري مرحلة واحدة فقط اثباته و ثبوته واحد؟ هذا ليس صحيحا طبعا. هذا التحليل مهم في باب الإجتهاد والتقليد و لايمكن تنقيحه إلا بهذا البحث، باب القضاء و نقض حكم القاضي كلها تتأثر بهذا البحث أن الحكم الظاهري له ثبوت أم لا؟ حيثية مهمة و الصحيح و المشهور هكذا، أن الحكم الظاهري له الثبوت والإثبات إجمالا فاذاً المراحل الإنشاءية للحكم الظاهري تختلف عن الأدلة الدالة عن الحكم الظاهري لأن الأدلة الدالة علی الحكم الظاهري مقتض إثباتي أما نفس الحكم الظاهري بغض النظر عن الحكم الواقعي هو مقام ثبوتي له، فاذاً لانخلط بين المراحل الإنشاءية للحكم و الأدلة الإثباتية أو الأدلة الدالة علی الحكم الظاهري فالمقتضی الثبوتي يختلف عن المقتضی الإثباتي وفيه ثمرة لمقتضی الإثباتي.

إذاً القائل بالتساقط يصر علی التساقط، السيد الخويي و اكثر تلاميذ الناييني واكثر تلاميذ السيد الخويي رحمهم الله يقولون المقتضي الإثباتي يكون و المقتضي الثبوتي ما موجود، هذه نكتة مهمة و يجب أن نعرف الأقوال سيما مبحث التعارض من من أخطر و أعظم بحوث علم الأصول و يؤثر في يوميات الفقه. و التأني و التروي فيه شي مهم و هو مثل باب القضاء في الفقه و يقال باب القضاء في الفقه يهيمن علی كل الأبواب في الفقه «أقضاكم علی» يعني أعلمكم علی، يعني هو جامع كل شيء و باب التعارض شبيه باب القضاء في الفقه يعني كل الأبحاث في علم الأصول من أوله إلی اخره تستثمر هنا. فباب التعارض باب مهم وحساس جدا.

علی أي تقدير، فالقائل بالتساقط الميرزا الناييني يقول المقتضي الثبوتي ما موجود لكن المقتضي الإثباتي موجود، هذا الإختلاف في الأقوال في مقتضی القاعدة في التعارض التساقط أو لاتساقط مطلقا أو نسبيا. ماذا الفرق بين هذه الاقوال؟ فرق هذه الأقوال التي تاتي مع هذا القول بالتساقط هو أن هذه الأقوال تقول أن الحكم الإنشائي الثبوتي لحجية الخبر الواحد أو اللظهور موجود. تقول مقتضی الثبوتي و الإثباتي موجود. فرق كثير و جوهري.

أما هذا القول بالتساقط يقول المقتضی الثبوتي ما موجود بل فقط المقتضی الإثباتي موجود، علی أحد القولين في التساقط لأن القائلين بالتساقط فريقان الفريق الذي يقول بالقصور هذا لامتقضی إثباتي و لاثبوتي موجودا عنده و الفريق الآخر بالتساقط يقول المقتضي الاثباتي موجود لكن المتقضي الثبوتي ما موجود. هذه نكتة مهمة إذاً فارق جوهري سنخي بين تلك الاقوال، لاتقول بان المقتضي الثبوتي ما موجود بل موجود علی تفاصيل فيها ستأتي.

هنا نكتة أعمق هذا القول الذي تبناه الميرزا الناييني في التعارض و تبنی التساقط، هذا المبنی راجع إلی مبنی عند الميرزا الناييني في تعريف التعارض و مر بنا في النقاط التمهدية أن أحد الإختلافات في تعريف التعارض هو أن المركز في التعارض عند القدماء مطلق التنافي أما عند الميرزا الناييني و المتأخري الأعصار مركز التعارض التناقض في الحكم الإنشاءي، التعارض مركزه مطلق التنافي أيّ تناف عند القدماء هو التعارض و متأخري الأعصار و بالذات الميرزا الناييني يقولون التعارض فقط التناقض والتكاذب في الحكم الإنشاءي هو التعارض أما التناقض في الحكم الفعلي و التنجيز هذه صورةً التعارض وليست حقيقة التعارض. مربنا هذا البحث.

لاحظوا هذه الضابطة في معني التعارض هنا يجريها الميرزا الناييني، إن كان التكاذب في الحكم الإنشاءي يعني أن مقتضي ثبوتي غير موجود في المتعارضين بناءا علی أن هذه الضابطة في التعارض أنه التناقض و التنافي و التكاذب في الحكم الإنشاءي إذاً في مورد التعارض الحقيقي لاوجود للمقتضي الثبوتي لأن التعارض هو التناقض في المرحلة الإنشائية و الجعل، هذا تعبير شائع للميرزا الناييني و تلامذته و المظفر و الصدر حتی العراقي هذا مبناه الی حد ما. بناءا علی هذا المبنی في تعريف التعارض إذاً المتعارضان لاوجود لحكم إنشاءي فيهما سواء في التعارض في الحكم الفقهي أو التعارض في الحكم الظاهري. نعم فيه تعارض في الحكم الظاهري الأول و التعارض في الحكم الظاهري الثاني. هو اختلاف الشيخ الأنصاري و المرحوم صاحب الكفاية ان التعارض ماهو؟ هل تنافي المدلولين المدلولين يعني الحكم الفقهي و الشيخ يقول هو التنافي في الحكم الفقهي يسري إلی الأدلة. الآخوند يقول التعارض في الأدلة و لو بلحاظ المدلول بالتالي الشيخ يجعل التعارض في الحكم الفقهي و الآخوند يجعل مركز التعارض في الحكم الظاهري. إذاً التعارض علی مسلك متأخري الأعصار و هو التنافي في الجعل و الحكم الانشاءي، الجعل في الحكم الفقهي أو الجعل في الحكم الظاهري. أصل التعارض هو التنافي في الجعل و مرحلة لاحقة التعارض في الحكم الإنشاءي الظاهري أو التعارض في الحكم الإنشاءي الواقعي لأن كلا من الاحكام له مراحل انشاءية و مراحل فعلية ظاهريا أو فقهيا. إذاً مركز البحث في قضية تعريف التعارض.

ان شاءالله بعد التعطيل نرجع إلی هذا البحث. مقتضی القاعدة في اقوال التعارض.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo