< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض و التعادل والتراجيح، القاعدة: عدم التصرف أولی من التصرف

النقطة اللاحقة في بحث التمهيدات لبحث التعارض، ربما هذه النقطة تعتبر بحثا محموليا في التعارض يعني من احكام الأدلة، هذه النقطة هي أن المشهور أو المعروف عند الفقهاء أن عندهم قاعدة مفادها «عدم التصرف مهما أمكن في الدليل أولی من التصرف» هذه غير قاعدة «الجمع مهما أمكن أولی من الطرح» بل قاعدة تهيمن علی هذه القاعدة و هي قاعدة «عدم التصرف في الدليل أولی من التصرف في الدليل» و لازم أن نبحث عن هذين القاعدتين و عن دليلهما.

قاعدة أخری لابد أن نبحث عنها بالترتيب و قاعدة الجمع ستكون ثالثة. القاعدة الثانية هي قاعدة نظام الحجية، فثلاث قواعد لدی الأصوليين و فيها اختلاف بين المتقدمين من الأصوليين و المتأخرين في هذه القواعد الثلاث و الأقل في القاعدة الثانية و و الثالثة و لو قاعدة نظام الحجية شيئاما في النقاط السابقة تم التعرض إليه لكن ليس بشكل مستوفی و إن شاء الله نستوفي أكثر.

هذه القواعد الثلاث إذا تم إن شاء الله إستعراضها بعمق و تفصيل و تبيين، سيتبين أن مسلك مشهور القدماء كم هو فائق و جدير بالقوة عن مسلك المتأخري هذا العصر حدود قرن من بعد صاحب الكفاية. أيّا ما كان فهذه القواعد الثلاث لازم أن نبحث عنها.

طبعا لايخفی أن الشيخ الطوسي في مقدمة التهذيب صفحة أول و الشيخ الطوسي في أول الإستبصار يتعرض لنظام التعارض بين الروايات يعني باب التعارض و كيف العلاج فيه، حتی الكافي و الكليني في مقدمة كتابه تعرض إلی علاج التعارض و ان شاءالله نتعرض لكلمات العلمين و الصدوق و الطوسي طبعا الشيخ الطوسي ينقل كلام الشيخ المفيد في أول التهذيب فعلی أي تقدير الصدوق أيضا موجود كلامه فنظام علاج التعارض عند المشهور يختلف تماما عن متأخري هذا العصر و هذا لاينسحب فقط في اختلاف المتقدمين أو المشهور في التعارض عن متاخري هذا العصر بل هذا ينسحب أيضا منهج المشهور أو المتقدمين في منهج تفسير القرآن الكريم عن المتأخرين في هذا العصر، ينسحب علی نفس المطلبين يعني البحث ليس فقط في التعارض يعني البحث كما مر مرارا البحث مرتبط ببنيان الظهور و بنيان الحجة كليهما و هذا البنيان يختلف تماما عن ما يقرره متأخرو هذاالعصر لاسيما الناييني بل الاصح لاسيما السيد الخويي يعني أن البنيان جدا يختلف. حتی علی أصل الإستظهار بغض النظر عن التعارض كيف يستنبط الفقيه من الاستظهار؟ و لو لم يكن في البين معارض. هذه المباني تؤثر علی عملية الإستنباط و شيء مهم.

نتعرض الآن إلی هذه القاعدة: عدم التصرف مهما أمكن أولی من التصرف، هذه القاعدة عند الفقهاء ليست في مقام التنظير فقط يعني التنظير في الأولی بل هذه القاعدة لديهم حتی في مقام التطبيق يعني عندهم مثلا العلاج بالتزاحم، الأولی أن لايقع التزاحم في الأدلة و في مقام التطبيق و مقام الحكم الفعلي، فعندهم أن الفقيه الماهر و المفتي الماهر أو السائس الماهر أو القاضي في قضائه يجب أن يراعي عدم وقوع التزاحم و يوقي سياسته القضائية أو سياسته التنفيذية الإجرائية و إدارته في أي مجال في المجالات الثلاثة يوقي الواقع عن التزاحم لأن التزاحم فيه نسبة من التفريط و لو في المهم أو في أحد الطرفين و هذا ليس بالكمال السوي. فالمفروض ان مقدار التزاحم أيضا لايقبل فضلا عن غير التزاحم إجمالا سواء إفترضنا التزاحم أو عدم التزاحم، عندهم كلما أمكن عدم التصرف حتی في مقام التطبيق و مقام الحكم الجزئي و مقام التطبيق الموضوعي عدم التصرف في أحد الأدلة أولی من التصرف و التصرف عبارة عن إضطرار و ضرورة تقدر بقدرها، فليست هي حالة أولية و الحالة الأولية هي أن لايكون هناك إصطكاك و لاتنافي و لاتدافع بين الأحكام بتاتا.

أترجم لكم هذه القاعدة في الفكر العصري، الان في الحقول العديدة في العلوم العديدة الاجتماعية أو السياسية أو القانونية يعبرون عنه التنمية (واحد) العدالة (اثنين) النجاح (ثالثة) العدالة و الموفقية (أربعة) شعارها أن لايكون هناك إصطكاك أو تمانع بين أي قابلية للاستثمار أو للتكامل بين بعضها البعض بين أفراد المجتمع أو البيعات التي تحيط بالبشر، أن لايكون هناك إصطكاك و لاتمانع لذلك عندهم في النزاعات أفضل حلحلة للنزاع أن يكون كلاالطرفين رابحين لا أن يكون أحد الطرفين رابحا و الآخر خاسرا. هذا ليس حلحلة للنزاع مستقلة.

العدالة هي أن تتفجر، تتنامی و ترتقي القابليات في الأفراد من دون تمانع و اصطكاك و طبعا هم يقرون أن هذه تحتاج إلی مجتمع و نظام و دولة نموذجي يحلم به البشر.

تعريف الإمام في الوحي هو دور الإمام هذه، لولب و مركز يوقي من التمانع و اصطكاك في رقي و تكامل الطاقات إلی كماله الممكن لكل قابلية. أحد و أعظم تعاريف العدل والعداالة و الإدارة الموفق النموذجية للمعصوم و الإمام باللغة العصرية هي هذه، فهذه القاعدة في الحقيقة عقلائيا و عقليا و مقرب بها حتی في العقل البشري فإذاً عدم التصرف أولی من التصرف في أي مرحلة من مراحل الاحكام. فالتصرف عبارة عن حالة غير أولية تقدر بقدره هكذا يبني المشهور حتی في مقام التنظير، مثلا إلی درجة عندهم عجيبة أن عدم التصرف بالجمع العرفي أيضا أولی من التصرف بالجمع العرفي، يعني الفقيه الماهر هو الذي يستطيع أن لايتصرف في الأدلة تنظيرا حتی بدون الجمع العرفي يعني فسر الأدلة بتفسير حتی لم يكن هناك تنافٍ غير المستقر بينها، يعني حتی التنافي الغير المستقر هذا نوع من التصرف و الجمع العرفي و الفقيه كل الفقيه إذا كان عنده فقاهة يستطيع -لا في كل المسائل و كل المجالات و كل الأبواب- يستطيع أن لايرتكب حتی الجمع العرفي و يستطيع أن يجد الحل أمامه و يرفع حتی التنافي غير المستقر و من أساس يقلب الظهور بحيث لم يكن هناك التنافي الغير المستقر لاأنه هناك التنافي الغير المستقر و يعالج بالجمع العرفي. إلی هذه الدرجة و هذه درجة أخری من قاعدة عدم التصرف أولی من التصرف.

مرتبةثالثة عندهم: -دليل هذه القاعدة و مراتبه ماذا نتعرض اليه- المرتبة الثالثة ما مر بنا مرارا أن حقيقة التخصيص أو التقييد عند القدماء تختلف عن حقيقة التخصيص عند المتاخري الأعصار و هو تصرف و هذا التصرف الذي يرتكبه المتاخري الأعصار في التخصيص و التقييد أكثر من التصرف الذي يرتكبه القدماء في التخصيص. القدماء يفسرون التخصيص بنحو أقل التصرف من الخاص في العام بينما المتأخري هذا العصر أو قل في القرنين أو الثلاثة بعد سلطان العلماء يفسرون التخصيص و التقييد بنحو يتصرف الخاص في العام تصرفاً زائدا.

الفرق عند المتاخري الأعصار يعتبرون التخصيص ارتفاع العام عن مورد الخاص من رأس فلاحكم انشاءي موجود فضلا عن وجود الحكم الفعلي في العام في مورد الخاص و هذا هو مبني معروف في التخصيص و التقييد، أن الخاص يكشف عن أن العام في أيّ مرتبة من الجعل ليس له مورد الخاص و هذا هو التخصيص والتقييد المعروف، أما مشهور الفقهاء والأصوليين و القدماء إلی ما قبل المتأخري الأعصار عندهم التخصيص ليس الخاص برفع العام من لوح التشريع أو المقيد ليس يرفع أو يكشف عن عدم وجود المطلق أو العام في لوح التشريع، إنما يكون الخاص أو المقيد يجمد العام أو يجمد المطلق في مرتبة إنشائية فوقية يعني يرفع الخاص العام عن المرتبة الإنشائية الثالثة دون المرتبة الانشائية الثانية أو الأولی و هذه النكتة مهمة. أن الخاص لايرفع العام من لوح التشريع تماما حتی في مورده و لاالمقيد يرفع المطلق عن مورده تماما من لوح التشريع بل إنما يجمده. نعم عندنا مجمد و عندنا غير المجمد. و ترتب عليه آثار عجيبة وغريبة و كثيرة جدا. كرارا مرارا مر علينا الآثار.

ليس هذا فقط في العام و الخاص حتی في الناسخ و المنسوخ، الناسخ عند المتأخري الأعصار أيضا مثل التخصيص غاية الأمر هو مثل تخصيص الزمان، الناسخ تخصيص زماني و التخصيص تخصيص أفرادي و الناسخ مقيد زماني و المقيد المصطلح مقيد أفرادي و عند المتاخري الأعصار بالضبط مثل التخصيص لكن في عمود الزمان، يختلف طبعا عن تخصيص الازمان.

بينما القدماء نفس التخصيص و التقييد عندهم ليس رفع العام و المطلق من لوح التشريع من منطقة الخاص و ليس يدفعه تماما بل يجمده و هذه نكتة مهمة، أن النسخ ليس محوا من لوح التشريع، هذا المبنی إلتزم به البلاغي في النسخ و السيد الخويي، قالوا هذه ظاهرة موجودة في الآيات التي زعم أنها ناسخة و منسوخة لكن هذا ليس النسخ و إن كان ظاهره النسخ يعني النسخ بمبنی القدماء أن المنسوخ يجمد و لايمحی من لوح التشريع. فلاحظ القدماء في التخصيص و التقييد و النسخ يجعلون الناسخ أو المقيد أو الخاص يتصرف، لكن الضرورات تقدر بقدره، فعدم التصرف في الأدلة أولی من التصرف.

لابأس أن اذكر هذا و هذه الأصول متشبك بالعقائد، يقال قدرة المعصوم هذا، و هي أن المعصوم يستطيع أن يحافظ علی الأدلة كما في التطبيق أن المعصوم هو الذي يقيم العدل والتنمية و السعادة ،كذلك في مقام التنظير المعصوم هو الذي يستطيع أن يوجد وفقا و وفاقا بين الأدلة من دون أي تمانع و تدافع حتی غير المستقر. فرق قدرة المعصوم عن المجتهدين والعلماء هذه. لذلك إذاً كأنما الطبيعة الأولية أن الأدلة والحجج و الجعل سواء في الظاهر أو الواقع ثبوتا وإثباتا لايسوغ التصرف به زائدا عن الضرورة بل عدم التصرف أولی من التصرف و هذه القاعدة واقعا عظيمة. حتی الورود عندهم خلاف القاعدة مع أن الورود علاج مطابق للقاعدة لكن عدم رفع المورود أولی من رفع المورود بالوارد أو الحاكم والمحكوم.

اجمالا هذه هي القاعدة و هذه القاعدة مرتبطة بمبناهم في نظام الحجية و هي أن الحجج و التشريعات و الجعل الظاهري أو الواقعي انما أسست و أنشئت و شرعت لأن لايتصرف فيه. مثلا عقدت النطفة لايسير السقط بل لازم أن يجد طريقا لعدم السقط. هذا نظام الحجية عند المشهور و دليلها تقريبا صار واضحا و إن شاءالله ندخل في القاعدة الثانية و هي نظام الحجية عند المشهور و نحن تبع للمشهور من القدماء

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo