< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب التعارض و التعادل و التراجيح

مر بنا أن تعريف التعارض المستقر أمر جوهري وحساس، فلنكن نتعرف علی الأقسام الأربعة في تعريف التعارض ذكرناها بحسب الدلالة، إما هو التنافي المستقر بحسب الظهور العرفي أو التنافي بحسب فهم المستنبط أو التنافي بحسب روّاد الأدب أو التنافي بحسب واقع المعادلات، طبعا هذا المبحث حساس جدا كما مر بنا في الجلستين أو ثلاث جلسات سابقة لأنه يرتبط بأصل بنية بيان الظهور و مرتبط أيضا بمعرفة حقيقة إعجاز القرآن، يعني أحد جهات إعجاز القرآن الكريم هي البلاغة، كيف هو معجز في حين هو بيان للناس؟ وكيف الجمع بين هذين المطلبين؟ هو بيان للناس و لو في درجاته النازلة و من جهة أخری هو معجز. هذه البحوث الأصولي لابد أن يبدي تفسيراً لها علم الأصول و إذا أتقن الباحث هذه الأقسام الأربعة يهيئ إلی معرفة هذه التساؤلات.

أمس مر بنا التمثيل بالإجزاء، بأن فيه حكما ظاهريا و حكما تخيليا من المجتهد و مربنا بحوث الحكم الظاهري و الحكم التخيلي و إستظهار المجتهد، فهذا الاستظهار إذا كان موزونا حتی لو ما أصاب الواقع، علی هذا الفرض طبعا يكون إستظهارا ظاهريا و أما إذا كان الإستظهار غير موزون فيكون تخيل الظهور و ليس بالظهور. مربنا التمثيل بهذا الجانب و هو أن أحد الظنون هو الإستظهار و الأمارات والأدلة عند المجتهد و فرق بين إجزاء الحكم الظاهري إذا أخطأ الواقع و بين الحكم التخيلي.

إجمالا ذكروا أن الحكم التخيلي هو الذي لايبتني علی الموازين، طبعا ربما يكون لقصور المجتهد و المستنبط و ربما يكون لتقصيره، أيا ماكان فالتخيلي شيء و الظهور شيء آخر. الآن يمكن أن يتبدل الظهور إلی الظهور الآخر و مع ذلك، الإستظهار السابق ظهور موزون. من باب المثال و لو هذا المثال محل جدل و خلاف لكن الكثير يقبلونه، مثلاً شخص يفحص كثيرا و ما وجد الرواية، فحص و لو فيه قصور لكن هذا القصور لايصل إلی التخيل، -البعض قال: لا، هذا القصور يجعله التخيل- المهم فبعد ذلك يفتي ثم بعد أمد طويل يجد رواية حاكمة و مخصصة و يتبدل الظهور، هذا المثال صار جدلا عند الأعلام، هل هو تخيلي أو إستظهار و ظهور؟ لكن الكثير يقولون هو تبدل الظهور و فيه جدلية بين الأعلام. علی أي حال، هذا الذي مر بنا هو تعريف الظهور.

أصلا، الظهور واحد أحد موحّد أو متعدد و ذومراتب؟ هذا أيضا محل جدل و خلاف، تارة يقال: هو ذومراتب، لكن ليست متنافية، بل المراتب بالإجمال و التفصيل و الأفصل. هذا القول قابل للقبول لكن إذا كان متنافي الظهور هل يمكن أن يكون للنص الواحد عدة ظهورات متنافية موزونة أو لا؟ علی كل، هذه جدليات من أسرار علم الأصول و بحث الإستنباط و من أمور غامضة لأن إدراج شيء في الإستنباط هل هو من قبيل القسم الثالث في الإجزاء و عمل بالحكم الظاهري أو إدراج شيء من باب الحكم التخيلي و الحكم التخيلي لايتوهم فيه أحد بالإجزاء إلّا بالأدلة الخاصة.

بحث الظهور، هل هو بنيان بحسب العرف العام أو بحسب قدرة المستنبط أو بحسب روّاد البلاغة أو بحسب نظام قواعد علوم اللغة؟ هذه القواعد آفاقها لامتناهية و عادةً البشر لاقدرة له عليها و إعجاز القرآن هو هنا و أحد براهين إعجاز الأئمة اهل البيت عليهم السلام و خضوع كل البشر دونهم هو أن الائمة اسروا بالبداية أن الظهور له خيارات عديدة و متباينة و متخالفة. أما كيف هذا؟ فهو مما لم يستطع جل المفسرين فهمه الّا القليل. كيف هذا النظام الصناعي الذي يدعيه اهل البيت عليهم السلام؟ لذا يرمون مدرسة اهل البيت بالباطنية و القنوصية إلّا أن البشر في هذه الخمسين سنة من السنوات الأخيرة تفتح تطور عقله قليلا تعدد قرائة النص و هذا بحث الحداثويات و الفلسفات الألسنية تعدد قراعة النص علموا بأن هذه قدرات متطورة و نظام متطورة أن يقرأ النص بقرائات عديدة، هذه ليس مؤاخذة علی الائمة اهل البيت بل هذه معجزة عجز عنها كل أجيال البشر. علی كل، كلامنا في أن الظهور بحسب مجموع تشابك قواعد علوم اللغة، النحو لها قواعد و الصرف لها قواعد و كذا البلاغة و تشابكه تحت قدرة رب العالمين أو من يقدره رب العالمين، إذاً فيه ظهور بحسب قواعد اللغة و قواعد اللغة لامتناهية، ظهور واحد أو ظهورات متعددة و أحد تفسيرات قدرة اهل البيت في التشريع هو هذا، «هذا عطائنا فامنن أو أمسك بغير حساب» يعني قدرتهم في الخيارات المختلفة، أن الكلام يتصرف سبعين وجها و لايكذب فيه الانسان. هذا لاندخل فيه و قليل من العلماء بالقياس إلی الأغلبية أو الاكثيرية قليل من العلماء شرحوها.

إذاً الظهور بحسب النظام الواقعي لقواعد علم اللغة، هذا بنيان سواء ظهور واحد أو متعدد. الظهور بحسب رواد اللغة أو رواد الادب أو الظهور بحسب العرف العام، أصحاب كل لغة من العلوم الأدبية يقومون مسابقات أدبية منذ الجاهلية و يجعلون ناقدا ادبيا ماهرا متضلعا يحكم، مثل المعلقات السبع الشعرية إذاً طبقات الفهم للظهور و بنيان الظهور ليس بيد العرف العام محصورة. -سوق العكاظ في موسم الحج يقيمون المشاعرة للقدرة البلاغية و معروف عند العرب و إفازة المعلقات السبع بحسبه أو في لغات أخری- علی كل، الكلام الكلام. فاذاً أنظروا، الظهور بحسب الرواد و علماء الادب في كل لغة و هذه أيضا مراتبه متفاوتة و هناك الظهور بحسب المستنبط و قد يراعي الموازين لكن قد يحصل عنده قصور لا القصور للفاقد لشرائط الإجتهاد، بل مجتهد و راعي الشرايط و راعي الموازين و لم يخل بالجهد اللازم للاجتهاد لكنه لم يقف.

رحمة الله علی الوحيد البهبهاني و هو أستاذ الكل في زمانه و ابن أخت صاحب الرياض، هو الوحيد البهبهاني من سلالة المجلسي فبلحاظ إعتبار من خوال المجلسي و صاحب الرياض أيضا من خوال الوحيد البهبهاني، المهم الوحيد البهبهاني في صحيحة علی بن مهزيار في بحث المسافر و الإتمام و القصر، قال: «إن صحيح علی ابن مهزيار يدل علی الإتمام في كل مراقد الائمة اهل البيت عليهم السلام لا فقط في الأربعة، لكني أخاف أن أجزم به و أفتي به لماذا؟ لان مشهور الفقهاء لم يقولوا به.» لكن الوحيد لم يطلع علی أن الأكثرية عند المتقدمين و الأقدمين قائلون بعموم تخيير المسافر في مراقد الائمة اهل البيت لا فقط في الأربعة، المفيد و السيد المرتضی و ابن قولوية أستاذ المفيد و ابن جنيد و ابن بابويه و ابن أبي عزاقر و غيرهم لكن ما وجدوا، لأن المفيد مثلا ما ذكرها في المقنعة بل ذكرها في المزار و ابن قولويه ليس عنده كتاب فقهي وذكرها في كتاب كامل الزيارات. إذاً التتبع صعب مع أن الوحيد البهبهاني أستاذ الكل لكنه لم يقف و صار عنده قصور في التتبع و صاحب الرياض قال مختار خاله وقال: «لولا مخافة المشهور لجزمنا بالإتمام في كل مراقد الأئمة.» المقصود انه يمكن ان يحصل القصور عند المجتهد و هذا بحسب المجتهد والمستنبط . وصل بالرواية لكن ما وجد أقوال العلماء فيه. كل النجف فيه التخيير و الشيخ الطوسي في المبسوط خصوص النجف و مدينة كربلا كلها لاخصوص الحائر و مشهور الفقهاء من الأقدمين و المتقدمين قائلون علی الإتمام في الكربلاء كلها و غاب كما غابت أمور كثيرة عن الوعي العلمي في مسيرة الأبحاث

فالقصور قابل للتصور حتی لو كان أعلم المجتهدين فهذا الظهور للإستظهار هل الحجية بحسب الظهور أو التخيل؟ أو بحسب العرف العام.

إذاً لنستقر علی شيء هل التعارض نسبي أو الواقعي ؟ لنخرج النتيجة من هذه الأقسام الأربعة، التعارض شيء واقعي أو شيء نسبي و إضافي؟ صفة واقعية لكن صفة واقعية نسبية و إضافية. هل الظهور و التعارض هكذا أم لا؟ أم أن الظهور شيء واقعي بحسب الكل و لاتتبدل؟ هذا بحث مهم وحساس و هذا كله يرتبط ببنيان الظهور و من أسهل و أوضح الأبحاث الأصولية وضوحا و من أغمضها حقيقة.

هذه أربعة اقسام في تعريف التعارض بحسب الأدلة. كلها بحسب الأدلة.

فيه التعارض لا بحسب الأدلة بل بحسب الثبوت أو يعبرون عنه بحسب القانون بحسب الحكم الفقهي و ذاك كان يعبر عنه بحسب الحكم الظاهري يعني بشئون دليلية الدليل و ذاك الأربعة أقسام بحسب علم الأصول و الحكم الأصولي و الحكم الظاهري. الآن في تقسيمات وخيارات التعارض بحسب القانون والحكم الفقهي. هذا التقسيم الان و أربعة اقسام ستأتي بحسب القانون و في الحقيقة تناف قانوني أو التنافي في الدلالة و الدليل في مقابل العلاج و التوفيق.

مربنا تارة العلاج موضوعي و تارة العلاج محمولي وتارة المعالج دلالي و التارة المعالج قانوني، عكس التنافي هو المعالج يعني الوفاق و الجمع بين الأدلة كما أن عندنا الجمع بين الأدلة عندنا التنافي بين الأدلة. فكيف أن التنافي فيه تقسيمات، الجمع أيضا فيه تقسيمات، المعالج سواء المعالج في التنافي البدوي و المعالج في التنافي المستقر، المعالج إما موضوعي أو محمولي، كل من المعالج الموضوعي و المحمولي ينقسم إلی المعالج الدلالي و المعالج المدلولي. و المعالج القانوني أيضا إما معالج دلالي أو معالج قانوني و المحمولي. لازم أن نلتفت إلی هذه التقسيمات. فالمعالج إما موضوعي أو محمولي فكل منهما إما دلالي أو محمولي.

ماذا هو المعالج القانوني؟ يقولون المعالج القانوني نظير الترتب و التزاحم و كان يظن أن بينهما تعارض مستقر لكن الأبحاث الأصولية تطورت و دقق فيها و فهم فيها و أن هذه المساحة، الشرع أوكله إلی العقل علی خلاف الأخباريين، يقولون أن العقل لامساحة له في الإستنباط، قضية التزاحم و قضية الإتحاد بين الأحكام و قضية الإجتماع بين الأمر و النهي و المسائل العقلية الغير المستقلة فهذا معالج قانوني يكتشف العقل أنها ليست تعارضا و تكاذبا بحسب الجعل و بحسب الحكم الإنشائي و مر بنا أن التعارض مركزه في الجعل و الإنشاء أما أي تناف بين الحكم و الأحكام ليس في مرحلة الإنشاء، التنافي سنخه و حقيقته ليست التعارض، لذلك مراحل الحكم الشرعي أصبحت حلال مشاكل عند التحقيقات الأصولية المتأخرة، مرحلة الفاعلية و الفعلية والإنشاءية و التنجيز والإمتثال اكتشفها الأصوليون أنها مرتبطة بشئون أخری و ليس مرتبطة بالتعارض بل تزاحم و توارد و ورود و حكومة و ما شابه ذلك من الأمور كلها لاترتبط ببحث الإنشاء و الجعل، فهذه علاجات قانونية يعني العلاجات بين الأدلة و الأحكام بحسب مراحل الحكم و مراحل الحكم يعني القانوني و هذا المقسم صار واضحا

هنا يغوص الأصوليون غوصا أكثر عمقا، هذا العلاج القانوني، الطبقات المتقدمة من الأصوليين و الفقهاء. ورود و كذا و الحكومة و الحكومة قسمين قسم دلالي إثباتي و هو أكثر اقسام الحكومة و قسم قليل ثلث أو ربع أقسام الحكومة، ثبوتية و قانونية فتكون من سنخ الورود يعني نظير الورود و ثبوتي، هنا البحث في العلاج و المعالجة القانونية أو التنافي القانوني سابقا الفقهاء ما التفتوا اليه و النراقي ابتكرها أو الشيخ أو قبلهما أو بعدهما، إذاً كيف استنباطهم؟ كان التخيلي أو لا، بل تبدل الظاهر إلی ظاهر آخر؟ نفس المبحث يجيء في المعالجة القانونية بحسب واقع القواعد القانونية أو بحسب قدرة المستنبط أو بحسب العرف العام التخصصي للفقهاء؟ هذه كلها تجيء، موزون أو لاموزون، قصور أو التقصير هذه الإحتمالات كلها تجيء وفوق كل ذي علم عليم.

فاجمالا إذاً تقسيم التعارض بالتعارض المستقر و غير المستقر، المستقر عند من؟ طبعا العرف العام للفقهاء و الأصوليين أو بحسب قدرة فهم المستنبط أو بحسب واقع القواعد القانونية؟ الان علم أصول القانون استكشف ما كان بشكل علم مركب ملتفت اليه، لم يكن في القرون السابقة، الان لااقل عند الحذاق ألتفت إليه، فاذن في التنافي هذه النكتة ننهي بهذا المقدار بأن التعارض فيه عدة خيارات في التعريف تارة بحسب الدلالة و تارة بحسب القانون

هنا نقطة أخری تمهيدية غير النقاط التي مرت بنا. نقطة أخری خلافية جوهرية بين الشيخ الأنصاري و صاحب الكفاية . صاحب الكفاية يصر علی أن التنافي بحسب الدلالة و الشيخ الأنصاري يقول بحسب المدلول لا الدلالة. أيّما صحيح؟ و يترتب عليهما آثار. تنافي مدلولي الدليلين أو تنافي دلالة الدليلين؟ شجار عجيب و غريب بين الشيخ و الآخوند. له آثار و ثمرات في التعارض و علاج التعارض

ان شاء الله الجلسة اللاحقة

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo