الموضوع: باب التعارض و التعادل و التراجیح، النقاط التمهیدیة.

کان الکلام في تمهیدات لبحث التعارض و وصلنا إلی هذه النقطة أن هناک مفارقة بین مشهور القدماء و مشهور متأخري هذا العصر -وبینهما طبقات- في تعریف التعارض بین الأدلة، الآیات و الروایات، فالقدماء بنوا علی أن مطلق التنافي و لو غیر المستقر بین الأدلة -آیة و روایة أو روایة و روایة أو آیة و روایة- أدرجوه في التعارض، یعني عندهم توسعة في موضوع التعارض علی خلاف المتأخري الأعصار، لأنهم قسموا التعارض إلی التعارض المستقر و التعارض الغیرالمستقر و جعلوا موضوع بحث التعارض التعارضَ المستقر، فهذا خلاف حساس بین المتقدمین أو الأقدمین و بین المتأخري الأعصار و بینهما طبقات.

مطلق التنافي عند المتقدمین یدرج في التعارض حتی من قبیل العام و الخاص و کثیر في کلماتهم الصدوق و الشیخ الطوسی حتی في التهذیب مبناهم علی ان هذا نوع من التنافي و هلم جرا فضلاً عن مثل الحکومة و الورود و غیرهما مثل التنافي بین الأصل العملي و الدلیل الإجتهادي و الحال أن هذا عند المتأخري الأعصار أصلاً لیس من التعارض لکن عند المتقدمین من التعارض و أیضاً مراتب الأدلة اذا تنافت، عندهم من التعارض و ربما التزاحم و ربما الورود و ربما کثیر من التعارض التي عالجها المتأخرون بمعالجات عدیدة مثل إجتماع الأمر و النهي و الحکومة وانقلاب النسبة لم یدرجها المتأخرون في التعارض المستقر الذي هو موضوع الأدلة في التعارض بینما المتقدمون أدرجوه في التعارض. هذا خلاف موضوعي موجود بین المتقدمین و بین المتأخري الأعصار و بینهما طبقات.

في الجانب الآخر مر بنا أن المتقدمین بل مشهور علماء الإمامیة عدا متأخري هذا العصر عندهم قاعدة الجمع مهما أمکن أولی من الطرح و لو الجمع التبرعي و سنبین أن هذه القاعدة متینة و إن کان في النظرة الإبتدائیة لیست هي قاعدة الجمع العرفي الصحیح و مع ذلک هم افرطوا حسب نظرة متأخري هذا العصر في هذه القاعدة و سنبین في ما یأتی أن هذه القاعدة صناعیة متینة جدا حتی التکلف في التاویل کلها صحیح. اما کیف، فسیاتی بحثه مفصلا.

مع الإلتزام بهذه القاعدة سنبین أنها قاعدة للعلاج الموضوعي للتعارض، فهم یفرطون -الافراط في نظرة المتأخري الأعصار- في العلاج الموضوعي و من الواضح أن العلاج الموضوعي نوع من تبدد و زوال موضوع التعارض، لأن موضوع التعارض هو التنافي و إذا یمکن الجمع فموضوع التعارض ینتفي فدائما العلاج الموضوعي بلاشک مقدم رتبتا و صناعیا علی العلاج المحمولي.

هذا شيء مهم بأنه کیف یمیز الفقیه و المجتهد بین العلاج الموضوعي و المحمولي؟ و بهذا اللحاظ نستطیع أن نقول أن المتقدمین یضیقون التعارض. نعم، في النظرة الأولی أنهم یوسعون لکن بالدقة، المتقدمون یضیقون التعارض إلی ما هو أضیق مما عند المتأخري الأعصار یعني کثیر مما عده المتأخري الأعصار من التعارض المستقر، عند المتقدمین لیس من التعارض و یمکن الجمع التأویلي فیه و یعالج بالعلاج الموضوعي فنستطیع أن نقول هم في صدد مطلق التعارض الأعم من المستقر و الغیر المستقر و المستقر عندهم أضیق من المستقر عند المتأخري الأعصار. هذه ملاحظة ضروریة و فهرسیة في مصار البحث.

نعم، الانصاف لابد ان نذکر هذه النقطة ان المتأخري الأعصار جهدو و سعوا إلی عنونة العلاج الموضوعي کي یکون منضبطا. مثلاً إنقلاب النسبة و الورود و التوارد والحکومة و إجتماع الأمر والنهي والترتب کلها علاجات موضوعیة و أیضاً أقسام الحکم و سیأتی أنه أحد بوابات العلاج الموضوعي و ترتب الأدلة هو أن الأدلة بینها رتب حتی الأدلة الإجتهادیة. هذا من ضوابط المتأخري الأعصار و هم عنونوها و قولبوها بضوابط. هذا إنصافا إنجازات من المتأخري الأعصار لم یقم بها المتقدمون لکن إجمالاً التعارض المستقر عند المتقدمین ضیق جدا، کأنه آخر الدواء و علیها أیّ جمع تبرعي مقدم موضوعاً علی العلاج المحمولي المذکور. هذه عدة نقاط مهمة و فهرسیة و هیکلیة خطیرة في باب التعارض. هذه النقاط تعطي خارطة صناعیة في مصار بحث التعارض.

أبواب علاج التعارض ذکرها صاحب الوسائل في کتاب القضاء، في مقدمات أبواب القضاء في مجلد ۲۷. فهذه الأبواب أربعة أو خمسة أبواب ربما اکثر في مقدمات القضاء. هذه أبواب نظریة المعرفة في العلوم الدینیة، بغض النظر عن مباني صاحب الوسائل. هذه الروایات التي حشدها صاحب الوسائل في مقدمات أبواب القضاء خارطة کبیرة جدا لنظریة المعرفة و منهج البحث في کل العلوم الدینیة، الکلام و الرجال والحدیث و غیرها، یعني من لم یقرأها و یدبرها عشر مرات أو عشرین مرة خاسر خسرانا کبیرا في مصار معرفة العلوم الدینیة و الأقوال فیها. هذه معادلات نوریة و وحیانیة عجیبة و غریبة و جدا مهم.

إذا ترید منهج التفسیر و منهج الکلام و منهج الأخلاق فهنا موجودة، منطق الاستدلال فی علم الحدیث و علم الرجال و أبواب نظریة المعرفة ومنهج المعرفة في العلوم الإسلامیة طرا هنا موجودة و محشودة. ثلاثة عشر بابا في الحقیقة من الباب الخامس یبدأ إلی الباب الثالث عشر کل باب علی خمسین أو سبعین روایة. تاریخ المذهب المنهجی موجود في هذه الأبواب مثل الفقهاء في زمن الإمام الصادق و هل بنیان موجود أم لا؟ نظام النشر العلمي في زمن الأئمة أهل البیت موجود في هذه الأبواب، تاریخ المذهب کنظام مذهبي و دیني و نظام مجتمع مؤمن وتابع لولاء الأئمة أهل البیت کلها موجود في هذه الأبواب، لمن تدبر و لمن تمعن. نظام الحجج في العقائد موجود في هذه الأبواب. لیس فقط في علاج التعارض بل یبین نظام الحجج في العلوم الدینیة و العلم الدیني یتبع الحجة في الأخلاق و في التفسیر و في الدرایة و في تاریخ السیرة و علم تاریخ الشرعي و بحث المهدویات و الحجج موجودة هنا. فهذه الأبواب نظریة المعرفة لکل العلوم الدینیة. إذاً مصدر مهم و تحتاج إلی قراعات عدیدة .

صاحب البحار حشد هذه الأبواب في کتاب العلم في البحار بعد کتاب العقل و الجهل و بین الروایات التي یأتی بها صاحب الوسائل و صاحب البحار عموم و خصوص من وجه دائما. حتی کتاب العلم في الأصول الکافي. بغض النظر عن استظهارات صاحب الوسائل و صاحب البحار. کلامنا لیس في تقلیدهما.

إن الروایات العلاجیة للتعارض الواردة عرضت خدمتکم قریب من مأتین روایة أو اکثر من مأتین کلها أو جلها في العلاج الموضوعي و عشرین روایة باللتیا و التي في العلاج المحمولي و هذه الظاهرة اذا نرید نقرأها صناعیا ماهی العلة في ذلک؟ لماذا؟ لماذا حشد الشارع العلاج الموضوعي مأتین، أضعاف العلاج المحمولي؟ لیس صدفة و لیس من باب العبث أو الجذاف أو رجما بالغیب. إجمالا سره واضح لأن العلاج الموضوعي مقدم علی العلاج المحمولي و صراحتا دققوا، أن القدماء عندهم الجمع مهما مکن اولی من الطرح و عندهم علاج واسع و العلاج المحمولي یجعلونه آخر الدواء و المتقدمون و طبقات الفقهاء و الأصولیون یشیرون إلی هذه الحشود من الروایات العلاجیة في الکتب الأصولیة القدیمة في القوانین و الذریعة و حتی کتاب المعارج و تهذیب الأصول للعلامة الحلی و عدة الشیخ الطوسی و ذریعة السید المرتضی و ان کان مرارا ذکرت الإخوان أن کتاب العدة للشیخ الطوسی و الذریعة للسید المرتضی في الأصول لیسا کتابین في الأصول الفقه بل هذان کتابان لنظریة المعرفة في العلوم الدینیة طرا، لذلک مباحث العلوم القرآني فیه محشدة اکثر و مباحث منهجیة الرجال و الکلام موجودة في کتاب العدة. و هذان الکتابان مصدران أصیلان و أساسیان لمصادر مذاهب اهل السنة و العامة لأن فیهما مصادر و أقوال من کتبهم لایجدونها إلا عند السید المرتضی و الشیخ الطوسي لأن مصادرهم إنقرضت بعضها. وهما کتابان یستحقان التدریس و کانا یدرسان في الحوزة قدیما لأن فيهما علوم القرآن و منهجیة الکلام و منهجیة‌الرجال و لیس فقط أصول الفقه و هذا برهان علی أن أصول الفقه أصول لمعرفة الدینیة لکل العلوم الدینیة و لیس خاصا للفقه الفروع. و هو أصول فهم الدین.

نرجع إلی نفس النقطة أن قدماء الأصولیین یذکرون العلاجات الموضوعیة المذکورة في الروایات لکن متأخري الأعصار من صاحب الکفایة إلی بعده حتی الشیخ الأنصاري في تقریرات درسه و هي أکثر بسطا مثل بحر الفوائد إقتصروا علی العلاج المحمولي و هذا شبیه علی الترکیز علی الأصول العملیة و ترک الأدلة الاجتهادیة و ذکرنا مرارا نقلا عن أستاذنا المیرزا هاشم الآملي عن أستاذه الآغا ضیاءالدین العراقي أن التمسک بالأصول العملیة من المجتهد و الفقیه دلیل عجز الفقیه عن أحاطته بالابواب الفقهیة و أدلتها و یعبر عنها الأغاضیاءالدین بأصول العجزة. المقصود أن التمسک بالعلاج المحمولي دلیل ضعف فقاهة الفقیه و لو في تلک المسألة و لو في ذلک الباب. و هو مثل المسکن لمن لم یکشف الداء. فالتمسک بالعلاج المحمولي لیس شاهدا علی أعلمیة الفقیه بل یدل علی الضعف.

لازلنا في التمهیدات و هي اخطر من الدخول في البحث.

في النقاط التمهیدیة في التعارض تساءل خطیر جدا و مهم جدا.

هل التعارض هو بحسب فهم العرف العام؟ أو بحسب فهم الشخص؟ أو بحسب التحلیل الأدبي الثاقب و الناقد؟ أو بحسب واقع العلوم الأدبیة؟ هذه أربع أحتمالات و یکون أکثر.

هذا یرتبط بنظام الظهور. أن حجیة الظهور یعني ماذا؟ هذه أقسام أربعة ترتبط بالأدلة و التنافي بین الأدلة و دلیلیة الأدلة و دلالة دلیلیة الأدلة و الدلیل. هذه کلها علاجات دلیلیة الأدلة و فیه علاجات بلحاظ المضمون و الحکم إذاً هناک مقسمین. مقسم بلحاظ الدلیل و مقسم ثاني بلحاظ المدلول.

هذه نقطة تمهیدیة أرمرمیة و أصل تصورها و فهمها عمدة و مهم جداً.