< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: باب التعارض و التعادل و التراجیح

کان الکلام في الوجه الذي اعتمده المیرزا النائیني و الشیخ الأنصاري وقد تبين أنه غير خالي عن الخدشة و التأمل و المؤاخذة، فبنینا علی ما بنی علیه المشهور و هو الصحیح من أن الموجب لتعارض الأصول العملیة أو الأصول المحرزة هو ضابطة واحدة و هي إذا لزم من ذلک، المخالفة العملیة القطعیة، أما المخالفة الإلتزامیة بمجردها فهي لاتوجب المعارضة بین الأصول العملیة المحرزة أو قل بین الأمارات الفعلیة. هذا تمام الکلام في بحث تنبیهات الإستصحاب

باب التعارض و التعادل و التراجیح

نبدأ بمبحث التعارض بین الأخبار و الأدلة و هذا البحث لیس خاصا بتعارض الأخبار، حتی التعارض بین ظاهر الآیات و ظاهر الأخبار أو ظاهر آیة و ظاهر آیة أخری. ما هو مقتضی العلاج في هذا التعارض؟ سواء بحسب القاعدة الأولیة أو بحسب الأدلة الخاصة فمبحث التعارض مبحث حساس و هام.

مبحث مهم یدل علیه باب التعارض إبتدائاً

مبحث التعارض إن دل علی شيء فیدل إبتدائًا علی أن الحجج لدینا في الشریعة لیست مستقلة عن بعضها البعض، بالدقة لیس لدینا حجة مستقلة و إنما الحجج دومًا هي منظومة مجموعیا یعني حالة بین‌بین، بین أن تکون عموما إستغراقیا و مستقلًا و بین أن تکون عمومًا مجموعیاً. یعني الإستغراقی بقول مطلق بالدقة لیس لدینا و إن توهم ذلک و إلّا الحجج هي کلها مجموعي و منظومیة. هي

مثلا حجیة الکتاب، مع أن الکتاب لایغادر صغیرة و لاکبیرة و هو تبیان کل شيء، هذه في نفسه للکتاب صحیحة لکن بالنسبة لحجیته علی العباد لیس بإمکانهم أن یستخرجوا کل أحکامهم من الکتاب و إنما هذا من قدرة الراسخین في العلم و لایعلم تأویله إلّا الله و الراسخون في العلم فبالتالي الحجیة لابد أن تکون مقرونة بالسنّة، سنة المعصومین، سنة النبي و أهل بیته علیهم السلام و کذلک أیضا الأخذ بالکتاب و سنّة المعصومین هي أیضا مشروطة بضمیمة حجیة بدیهیة العقل و بدیهیة الفطرة.

طبعا العلاقة بین حجیة الفطرة و حجیة العقل مع حجیة الکتاب و السنة یعني الوحی، علاقة المتعلم مع المعلم، هذا صحیح و ربما هذا أنضجُ تصویرٍ للمعیة، معیة الحجج الأربعة، حجیة الکتاب و حجیة سنّة الأئمة أهل البیت و حجیة بدیهیات العقل وما في حکمها و حجیة بدیهیة الفطرة. فبالتالي، حجة مستقلة ماموجود بالدقة، یعني مبحث التعارض یعني في ما یعني أن الأدلة ‌في نفسها لیست مستقلة، بل دومًا الحجج مجموعیة. فالنظام المجموعي هو نظام غالب علی الأدلة الشرعیة أو غیر الشرعیة.

هذا -سبحان الله- حتی في العلوم هکذا، یعني إذا قال: «دلیل مستقل» فمسامحة و إلا أن الأدلة في العلوم منظومة و نظام، لذلک لایظن ظان أن في الخبر الصحیح، صحة الطریق حجیة مستقلة أو یقال: الجبر ما عندنا فی الأدلة أصلا بل نظام الأدلة قائم علی الضمیمة. علی هذا، المستقل بقول مطلق لیس عندنا.

طبعاً في نص للسید الخویی، یقرّ لحجیة الخبر الموثوق به و إن کان عملاً السید الخویی قلیل الإتکاء علیه، أیًّا ما کان قضیة تراکم القرائن و الظنون و الضمائم في الأدلة هذا أمر لامحالة منه، لذلک أی دلیل من آیة کریمة أو روایة ‌شریفة إذا أراد أن یعمل الإنسان به فمضطر أن یفحص. فلیس أی دلیل حجة -حتی لو کان آیة قرآنیة قطعیة و دلالتها صریحة- و کذا لایسوغ العمل بها في کل علم من العلوم الدینیة من دون فحص عن بقیة الأدلة، هکذا في الروایات، لماذا؟ مما یدل علی أن القرار علی الحث الشرعي و البتّ الشرعي لیس بید الدلیل الواحد بل بیَد المجموع الأدلة، لأن طبیعة الأدلة أنها في الأصل منظومیة و من توهم أن عندنا أدلة‌ إستقلالیة هذا التوهم لیس بصحیح، بل الأدلة طبیعتها إنضمامیة، مضمون المجموع. إنما المیزان أن تنظم تلک القرائن و تبرمج تلک القرائن و لیس رکاما عشوائیا بل بلحاظ مرتب منظم.

علی کل أول ما یفید التعارض هو هذا المطلب، أن الحجج کلها مجموعیة، حتی في المعصومین لیس الإنسان أن یومن بسید الأنبیاء ولایومن بأوصیاءه أو یؤمن بسید الأوصیاء و أصحاب الکساء ولایؤمن بتسعة المعصومین، لایمکن، بل هم مجموع أو لایمکن أن یؤمن بنبيّ و لایؤمن بنبيّ آخر مع أن سید الأنبیاء هو الأفضل و أفضل المعصومین و لدیه علم فوق علم المعصومین، لکن مع ذلک هو إیمان بالله و بالتوحید. إن الله تعالی لم یکتف بالشهادة الأولی، بل لابد من ضمنه بالشهادة الثانیة والشهادة الثالثة مع أن الله تعالی لم یکن له کفوا أحد و هو خالق کل شيء، لماذا؟ لأنهم سبیل إلی الله تعالی و هو عزوجل جعلهم سبیلا إلیه و یشترط في دینه و له الدین واصبا، مع ذلک الله عزوجل یقرن بذکره ذکر نبیه و یقرن بذکر نبیه ذکر أوصیاءه وهذا الإقتران هو مظهر عظمة الله و مظهر قوة الله و مظهر جلال الله و مظهر کمال الله و إلا الشهادة الله لاتمثل کلّ کمال الله بل الشهادة الثانیة لازمة و الشهادة الثالثة لابد منها. الشهادة الثانیة مخلوق لم یقرن بالخالق؟ هذا المخالوق هو تجلي قدرة الله وتجلي کمال الله و هلم جرا و کل سلسلة الأنبیاء و الرسل هکذا و أصلا طبیعة الدین هکذا، کله منظومة الحجج في العقائد و في الفروع و لیس عندنا حجة مستقلة بل دائما ضمائم، غایة الامر في الضمائم تعرف أن الشهادة الأولی رتبتها هي الأول و الشهادة الثانیة رتبتها ثانیة و الشهادة الثالثة رتبتها ثالثة، رتب یجب أن یحفظها الإنسان لأنه کما یقول المحققون: أن الکفر بالرتب کفر و إنکار الرتب کفر فلابد من الرواتب، الخالق و المخلوق، القطع و الظنون و الأصول العملیة و غیرها، هلم جرا و إلا فحجة مستقلة لیس عندنا کلها تراکم و یجب علی الباحث الصناعي أن یضبط صناعة المنظومة و هذا أول شيء یطالعنا بحث التعارض بین الأخبار أو قل بین الأدلة، آیات و روایات. بسملة و فاتحة باب التعارض ان الأدلة بطبیعتها منظومیة.

رحمة الله علی الشیخ الأنصاري و هو أبو الصناعة الأصولیة، مبناه في الإجماع المنقول کمبنی تلمیذ الوحید البهبهانی الشیخ أسد الله تستری صاحب کشف الغنی في حجیة‌ الإجماع، کتاب ذو فوائد کثیرة جدا، بغض النظر عن مبحث الإجماع مباحث صناعیة فقهیة کثیرة فیه وظاهرا طبع ألآن و هو صهر الشیخ جعفر کاشف الغطاء و من الطبقة الثانیة من تلامیذ الوحید البهبهانی.

الشیخ أسد الله تستری ذهب في حجیة الإجماع إلی أنه جزء الحجة. نفس المبنی عینا و قالبا تبناه الشیخ الأنصاري في الرسائل، جزء الحجة أو قرینة من القرائن تتراکم و تولّد الحجیة. هذا الإصطلاح من أین أتی به؟ الشیخ أسدالله تستری و الشیخ الأنصاري هذا عبارة أخری عن أن القرائن و الضمائم تتراکم و تنضم مع بعضها البعض و تشکل الإطمئنان وهذا لاینحصر علی الشیخ أسدالله تستري بل هذا المبنی إلتزم به کافة الأصولیین، إلتزموا به في التواتر و المستفیض، التواتر یعني القطع یعني تراکم الظنون الصحاح أو غیر الصحاح و لمّا تنضم وتتراکم مع بعضها البعض، تتولد تواتر نظام مجموعي و کذلک إلتزم به الأصولیون و بقیة العلوم الدینیة في الخبر المستفیض سواء التواتر اللفظي او التواتر الإجمالي، التواتر المعنوي و تشکیلات مختلفة عن بعضها البعض التزموا بها، هذا نوع من التراکم. هذا الظن التکویني کیف تتبدل تکوینا إلی القطع؟

هذا التراکم أیضا إلتزموا کافة به في حجیة القول اللغوي، غالب الأصولیین في متأخر الأعصار لا یلتزمون بحجیة القول اللغوي في نفسه. هذا الظهور یبنی علیه کل الآیات والتفسیر والإستنباط و منهج العلمي حتی السید الخویی. یا أیها السید الخویی، أنت من أین تستنبط الظهور؟ ظهور کل الروایات في الفقه من أین تستنطبه؟ قول اللغویین؟ قول اللغویین کلها مراسیل. أین مسندها و کیف تعتمدون علیها؟

یقول: تتراکم عندنا الإحتمالات والقرائن و تتوصل عندنا الی درجة الإطمئنان و الظهور غایته الصدور و بعد أن تثبت أن الطریق صحیح و جهة الصدور أیضا جید، بعده دلالتها تعتمد علی قول اللغوي مع أن کلها مراسیل بلاأسانید أصلا. یقول: بالتالي یحصل الإطمئنان. هذا الاطمینان یحصل عشوائیا؟ عقلائیا او لاعقلائیا؟ کیف الباء هنا تجر و في باب الرجال لاتجر؟ لایسیر، هذا منهج واحد و نظام واحد صناعي.

السید الخوئي لایشدد في التوثیق أو عدم التوثیق في باب الرجال، یرید میزانا و مصدرا، إما نعم أم لا. مثل المیزان العقلي، السید الخوئي في باب مباني الرجال أراد المیزان العقلیة لا العقلاییة. یرید نعم و لا. شیخ الاجازة لایدل و صاحب الکتاب لایدل وقرائن التوثیق لایدل.

طبعا هو في باب القضاء و الشهادات ماتبنی علی هذا المبنی و مبناه غیر مبناه في الرجال. هذا عجیب من السید الخوئي في باب الشهادات، یقول: حسن الظاهر قرینة، مثلا یصلي جماعة و لایغتب. یقول هذا المقدار قرینة و قرینة و قرینة و تنضم القرائن و یحصل الإطمئنان علی العدالة و أیضا في الشهادات و الحدود و القصاص. کیف بنی علیه في باب الشهادات و مابنی علیه في باب الرجال؟ هذا خلاف المبنی المشهور من الأولین و الآخرین.

أنت الآن في باب الظهور تقرأ أن صاحب الکفایة قال في باب اللغویین، الإطمئنان کاف و الشیخ الأنصاري نفسه یقول: قول اللغوی في نفسه لیس بحجة لکن من باب القرائن تنضم الی القرائن و القرائن في باب الرجال أعظم من القرائن في باب اللغوي. کذلک في باب الإستدلال، یعني هذا المنهج في قضیة انضمام القرائن و تراکم القرائن، هذا منهج ریاضي، کما أشار الیه تراکم الاحتمالات للمیرزا النائیني إجمالا و بلوره الشهید الصدر، فی العلوم هکذا یعمل به. إجمالا هذه فاتحة مفتتحة بها ترید أن تقول أن الحجج منظومیة و لیس تراکما عشوائیا بل مرتب و تدرس درجة الکیف و درجة الکم و إلا التواتر أیضا لایدرس عشواییا، بل یدرس فی الکم و الکیف و الإستفاضة هکذا. هذا یدل علی مسلک المشهور کیف یستندوا إلی الروایات الضعیفة أو الشیخ الأنصاري یستند ألی الروایات الضعیفة لابمفردها بل إما هي ضمن منظومة الأدلة، منظومة الروایات و منظومة الشواهد. السید الخوئي لایعتبر الجبر و لایعتبر الوهن هذا بحث آخر و لا هو نفسه یعتبر في باب إستظهار اللغویین مع أنه مرارا دعوی السید الخویی علی توثیقات او تضعیفات أصحاب أصول الرجالیة السبعة أیضا هي مامذکورة الأسانید.

یعتمد السید الخوئي علی النجاشي او البرقي او الکشي و کثیر من الموارد الکشي یذکر الأسانید و أکثر الموارد لایذکر السند ولماذا مراسیل الرجالیین یعتبر؟ قال: لاتتناقش، مراسیل الرجالیین تواتر، هذا مصادرة و دعوی محضة ما قلنا لیس لها شواهد بل شواهد، کلها إجمالیة و یحتاج الی الضمائم. یعني لماذا تتشدد بسلسلة السند بمستند لیس له سند؟ عجیب.

نرید ان نقول ان السید الخوئي ملجأ عن هذا المبنی، مبنی تراکم الإحتمالات و إلا من أین تستخرج الشواهد؟

دعوی عند السید الخوئي في أول معجم علم الرجال، أن أسانید أقوال الرجالیین متواترة. روایات کتب الأربعة لیست متواترة لکن أسانید أقوال الرجالیین متواترة، هذا الاهتمام بعلم الرجال هل یعقل أن یکون أشد من الإهتمام بعلم الحدیث؟ قطعا لا، من ذیول الإهتمام بعلم الحدیث علم الرجال و علم الدرایة، هنا یدعی التواتر من دون أن یکون لها مستند. طبعا یستند السید الخویی و صحیح کلامه یستند الی کلام الآغا بزرگ طهرانی، أن سید بن طاوس کان عندها مأة و نیف من مصنفات علم الرجال و یقبله السید الخوئي و یقول أن المصنفات قبل النجاشی کثیرة لکن ما موجودة و لیس کل أسماءها موجودة و لا أسانیدها و أنت تقبل حوالة علی سند غیر معروف کیف لاتقبل الحوالة‌ من الصدوق إلی سند غیر معروف. و الصدوق ابوالرجال و هذا نوع من التحکم بلا أی موازنة. فی الظهور مراسیل فی اصل اقوال الرجالیین مراسیل و فی الوسط جسور؟

المقصود إجمالا أن أصل نظام الحجج کلها منظومي لاعشوایي بل منظومي تتراکم و تزداد الإحتمالات و هذا نظام عقلائي. هل نظام العقلاء بحجیة الصدور بمفردها؟ لا، بل بحجیة الظهور معها حجج تجتمع. ذکرت الإخوان أن في حجیة ‌الخبر الواحد سبع جهات و هذا تعلیم إبتدایی. حجیة الخبر الواحد فیها سبع جهات و بالدقة احدی عشر جهة. سبع جهات لازم أن تتراکم حتی یصیر الخبر الواحد حجة یعنی تراکم و منظومة و المقصود هذه فائدة مهمة.

هذا بیت قصید في کل هذا الحدیث في بدایة باب التعارض. أصلا باب التعارض بالدقة هو مکمل لمبحث حجیة الخبر الواحد وحجیة الظهور، حجیة صدور الخبر الواحد و حجیة ظهور الخبر الواحد و بالدقة بدون هذا المبحث مبتور و ناقص یعني لیس مبحث نهایی بل مبحث الی نصف الطریق و تمام الطریق باب التعارض. تتمة مبحث الظنون هي باب التعارض، لماذا الأصولیون بحثوا الأصول العملیة قبل التعارض لاندري لعل کان لمناسبة و إلا مناسبة باب التعارض هي أن یبحث عنها في آخر مبحث الظنون و هو عبارة عن تاج و قمة مبحث الحجج الظنیة یعني تأتلف و تجتمع فیصیر مبحث التعارض فمبحث التعارض بالدقة مکمل و متمم و من نهایات مبحث الظنون، حجیة الخبر الواحد و حجیة الصدور و حجیة الظهور و حجیة جهة الصدور و غیرها و هذا بیت قصید، التعارض یعنی نظام و منظومة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo