< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

40/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: تنبیهات الإستصحاب، تعارض الإستصحابین.

مبني الشيخ اللأنصاري و الناييني في التعارض بالعرض

كنا في الضابطـة الثانية ألتي تبناها الشيخ الأنصاري و الميرزا الناييني للتعارض بالعرض لخصوص الأصول المحرزة، فمر أن مبنی الشیخ الأنصاري في هذا التعارض في ما إذا أوجب المخالفة الإلتزامیة، -لاالمخالفة العملیة- في ما إذا کان الأصلان المحرزان موجبان للمخالفة الإلتزامیة في مورد المخالفة العملیة مع أنه لایستلزم العمل بهما مخالفة عملیة مع إمکان المخالفة لکن یستلزم المخالفة الإلتزامیة.

مثاله ما مر بنا من إستصحابي النجاسة في کلا الإنائین في طرفي العلم الإجمالی، فهنا هذه مخالفة إلتزامیة و لیست في البین مخالفة عملیة، لأن المفروض أن کلا الإستصحابین منجزان و لیسا معذرین، فمع ذلک یلتزم الشیخ الانصاری و الناییني بالتعارض بالعرض لوجود المخالفة الإلتزامیة.

معنی المخالفة‌ الإلتزامیة و بیان القید الإحترازي في مبنی الشیخ: المخالفة الإلتزامیة فی مورد إمکانیة المخالفة العملیة.

هذا، و فی مقابل هذا المبنی، أنه قد توجب الأصول المحرزة مخالفة إلتزامیة في غیر موارد المخالفة العملیة، في هذه الموارد لم یلتزم الشیخ و الناییني بوجود التعارض، کما هو مسلم في علم الأصول من أن المخالفة الإلتزامیة المجردة بما هي‌هي في غیر مورد إمکانیة المخالفة العملیة، هذه لاتوجب التعارض، فی الأصول المحرزة و لا في غیر المحرزة. في مورد المخالفة ‌الإلتزامیة المجردة عن إمکانیة المخالفة العملیة. هذه المخالفة‌ الإلتزامیة کأنما تسالم الفقهاء علی أنها لاتوجب التعارض، مثل مامر بنا في صلوة الظهر و صلوة العصر أو صلوة الظهر و صلوة الصبح لما بنوا علیه المشهور تسالماً أن المخالفة الالتزامیة المجردة لیست منشأً للتعارض.

هذه ما یعبرون عنها بأن الشارع في الظاهر یفکّک بین المتلازمات الواقعیة أو بین الملازمات الواقعیة و هذه التفکیک بین الملازمات الواقعیة تعني المخالفة الإلتزامیة في غیر مورد المخالفة ‌العملیة و التفکیک بین الملازمات الواقعیة في غیر مورد إقترانها مع إمکانیة‌ المخالفة العملیة. هذا أمر مبده و متسالم علیه عند الأعلام و الشیخ الأنصاری في تنبیهات القطع ذکر جملة کثیرة من تلک الموارد، مثلا في القضاء، الزوج یدعي الزوجیة علي الزوجة و الزوجة کذلک تحلف بعدم الزوجیة، هنا القاعدة هي أنه یلزم الزوج بالنفقة و الزوجة مع ذلک لایجوز لها التمکین مع أن النفقة و التمکین متلازمان.

التفکیک بین الملازمات الواقعیة الی ماشاء الله في باب القضاء و غیر باب القضاء، مثلا، الودعي (یعني الذی یقبل الودیعة) أودَع عنده شخص درهما و شخص آخر درهمین و تلف بعد ذلک أحد الدراهم الثلاثة بدون التفریط، هنا یعطي الودعي لصاحب الدرهمین درهما و نصفا و یعطي لصاحب الدرهم نصف الدرهم. مع أن الدرهم من أحدهما تلف و هذا مخالف الواقع. من هذه القاعدة کثیراً من الموارد العدیدة ذکرها الشیخ الانصاري في تنبیهات القطع، کلها تفکیک الشارع في الظاهر بین الملازمات او المتلازمات في الواقع و لم یستشکل فیه المشهور بل عملوا بذلک حتی یعبروا عنه بأن الشارع یفرق بین المتلازمات و یجمع بین المتفارقات. اذًا في موارد مجرد المخالفة الإلتزامیة غیر المقرونة بإمکانیة المخالفة العملیة هذا أمر متسالم علیه و ممکن، طبعا في غیر الأمارات اللفظیة بل في الأمارات الفعلیة، الأمارات الأفعالیة مثل قاعدة الید و أصالة الصحة، هي أمارات لکن لیس أمارات لفظیة اجتهادیة بل أمارات عملیة و فعلیة یعني في جانب الفعل أو هی منشأه الفعل أو مورد آثارها و أحکامها هو الفعل أو قل منشأ کاشفیتها هو الفعل.

علی هذا فمثل أصالة الید و أصالة الصحة وقاعدة التجاوز و الفراغ و الإستصحاب، هذه الأمارات مع أنها أمارات إلا أن هذه الأصول المحرزة تفکّک بین المتلازمات الواقعیة، فضلًا عن الأصول العملیة الغیر المحرزة و الغیر الأماریة مثل البرائة و الإحتیاط وأصالة الطهارة و أصالة الحل فهي أیضاً تفکّک بین المتلازمات الواقعیة، مثلا في مورد معین أصالة الحل تجري و فساد البیع أیضا یجري مع أنهما متلازمان، إذا کان طاهرا فالبیع صحیح و من هذا القبیل من الموارد، فالأصول العملیة برمتها بل و الأصول المحرزة التی هي أمارات فعلیة و عملیة یمکن أن تفکک بین المتلازمات الواقعیة‌ و هذه التفکیک یعبر عنه بالمخالفة الإلتزامیة وهذه شائعة في کل الفقه ونص علیه الشارع بیده، یعني هو طبق الشارع في موارد عدیدة.

هذه فائدة لطیفة، نص علیها الشارع أو طبق الشارع بیده یعني لیس تعبدا جدیدا بل إنما إرشاد من الشارع لتطبیق القواعد. لیس کل مورد یتصدی له الشارع هو تعبد جدید و تأسیسی بل یمکن أن یکون تدریبا و إرشادا لکیفیة تطبیق القواعد و یقولون: نص علیها الشارع بتطبیق منه.

فجواز المخالفة الإلتزامیة في الأصول العملیة -او قل بعبارات أخری عدیدة‌، مثلاً نفس هذا المطلب یعبرون عنه: تفکیک الشارع بین المتلازمات في الواقع الی ماشاءالله یعني الذي یتدرب علی الإستنباط في بدایات الأمر دائما یفکر أن هذا تعارض أو تناقض أو کذا لکن هذا لیس بصحیح. نعم، هذا التفکر صحیح بحسب الواقع و الأمارات الإجتهادیة، أما بحسب الأصول العملیة و الأمارات العملیة یمکن التفکیک بین المتلازمات. مثلا من هذه الجهة، الوظیفة هکذا لشخص واحد و من هذه الجهة الوظیفة مناقضة بحسب الظاهر، لامانع من ذلک لانه لیست في البین مخالفة عملیة بل مجرد المخالفة ‌الإلتزامیة. لامانع من ذلک کل یعمل بوظیفته.

مثل ما یلتزمون به الأعلام في إمام الجماعة، مثلا إمام الجماعة إما إجتهادا او تقلیدا یبني علی شرائط و الماموم -إما یقلد أو هو مجتهد- وظیفته وظیفة أخری، هل یمکن أن یاتم بعضهم ببعضهم؟ نعم، إختلاف الإمام و المأموم إجتهادا و تقلیدا في غیر اختلافهما في الأرکان لایوجب بطلان الصلوة و لابطلان صلوة الجماعة وهلم جرا و لیس فقط في صلوة الجماعة. نعم في الأرکان لیس هکذا مثلا بنی الإمام علی أصالة الطهارة و توضؤ و الماموم یعلم أن هذا الماء نجس، لایجوز أن یاتم الماموم بالامام، لانه یدري أنه بدون الوضوء و الطهاریة الحدثیة رکن. أما في غیر الأرکان، فاختلاف الإمام و الماموم لاإشکال فیه، مثلا الماموم یقلد واحدا لایجوز فعلا معینا في الصلوة بینما الإمام یقلد من یجوز فعله، اذا لم یخلل بالرکن لیس فیه مانع، مثلا هذا بحسب وظیفته أن العمل الفلان مستحب و هذا بحسب وظیفته أن ذاک العمل مبطل و مانع للصلوة لکن لیس مبطل رکني بل مبطل مع العمد و مع السهو و الجهل لیس بمانع أو في البیع و الشراء و غیره، ملخص الکلام أن التفکیک بحسب الظاهر بین المتلازمات الی ماشاء الله بحسب الوظائف و إلا لم یستقر الحجر علی الحجر و یسمون تفکیک الشارع بین الأصول العملیة او الأمارات الفعلیة تفکیکه بین المتلازمات إن لم یکن في البین مخالفة ‌عملیة فقط. هذا امر متسالم بین الفقهاء و هذا بحث -علی کل- ابتلائي في أبواب عدیدة و یعبر عنه بالمخالفة ‌الإلتزامیة. یعني أنت تلتزم بحسب الظاهر بخلاف الواقع و ما فیه مانع و لیس تناقضا و تعارضا من دون أن یکون في البین مخالفة عملیة. نعم، في ذهنیة العوام هذا تناقض لکن بحسب التعبد الظاهری من الشارع في الأصول العملیة و الأمارات العملیة لاإشکال في ذلک و هذا مشهور بل متسالم علیه.

بل المشهور حتی في مورد إمکانیة المخالفة العملية إذا کانت الأصول العملیة‌ لاتوجب المخالفة ‌العملیة مع امکانیتها مثل إستصحابي النجاسة ‌في الإنائین، هنا إستصحابي النجاسة منجّزان و لاتوجب المخالفة العملیة مع العلم بأن أحد الإنائین طاهر. هنا العمل بالإستصحابین لایوجب المخالفة العملیة القطعیة لکنه یوجب المخالفة الإلتزامیة، بأنه کیف نلتزم بأن کلا منهما نجس مع أنا نعلم أن أحدهما طاهر واقعًا فالإلتزام بنجاسة کل منهما یخالف الواقع. هنا لاحظوا، المخالفة االإلتزامیة في مورد تنجیز المخالفة العملیة لکن نفس الإستصحابین لایؤدیان الی المخالفة العملیة، المخالفة العملیة موجودة و منجزة لکن العمل بالإستصحابین لایستلزم المخالفة العملیة مع وجودها، بل هما منجزان للمخالفة العملیة، لکنهما یسوغان المخالفة الالتزامیة فقط، هذا نمط من المخالفة الإلتزامیة غیر الموارد المخالفة الإلتزامیة الأخری. في موارد کثیرة من المخالفة الإلتزامیة، لاتقترن بالمخالفة العملیة و المخالفة الإلتزامیة التی لاتقترن مع المخالفة العملیة‌ تسالم الفقهاء علی أن مجرد المخالفة الإلتزامیة لاتنجز و الأصول العملیة و الأمارات الفعلیة لاتکون منجزة یعني لاتکون مانعة، نعم المخالفة الإلتزامیة مطلقا مانع و منشأ للتعارض في الأمارات اللفظیة و الإجتهادیة. سواء التعارض بالعرض أو التعارض بالذات. بالنسبة إلی الأمارات اللفظیة‌ توجب التعارض أما بالنسبة الی الأمارات العملیة یعني الأصول المحرزة لاتوجب التعارض.

لابأس بذکر فائدة فقهیة صناعیة و هي أنه في الفقه غالبا الفقهاء لایطلقون علی الأصول المحرزة أصلا عملیا بل غالبا یطلقون علیها أمارة و قد یطلقون علیها الأصل و لیس المراد من الأمارة أمارة لفظیة او الإجتهادیة بل هي أمارة عملیة أفعالیة.

المهم هذا المخالفة ‌الالتزامیة لاتوجب التعارض و لاتکون منشأً للتعارض و لاتکون منجزة في مورد الأصول العملیة أو الأمارات العملیة و في مورد الأمارات الإجتهادیة تکون مانعة.

هذا قاموس و ناموس في علم الأصول و في علم الفقه و یجب أن لایغفل عنه الباحث و یجب أن یمیز الصغرویات بأنه هل هنا المخالفة الإلتزامیة أو العملیة؟ هنا الأصول العملیة أو الأمارات اللفظیة؟ أمارات عملیة او أمارات لفظیة؟

إذا کان من البینات فمن الأمارات اللفظیة، أما إکمال العدة الی ثلاثین یومًا فأمارة عملیة و لیست أمارة لفظیة. المهم في بحوث کثیرة و موارد کثیرة یجب أن یمیز الباحث و إنما أکرر لانه یحصل الخلط الکثیر في الأبواب الفقهیة.

إذًا تسالم المشهور في المخالفة الإلتزامیة الغیر المقرونة مع المخالفة العملیة، تسالم علی أنها غیر منجزة ‌في الأصول العملیة و الأمارات العملیة أما في الأمارات اللفظیة هي مانع کما أن المخالفة ‌العملیة ‌مانعة، حتی أن الشارع شیده بیده. یعنی في بعض استنتاجات الفقهاء، الشارع نفسه یأخذ بید العلماء و الفقهاء و یرشدهم الی الدرب و یصیر بعد الاستنتاج و الاستنباط بیّناً و واضحا.

إذاً هذا متسالم المشهور و السؤال هو أن الشیخ و الناییني خالفا المشهور في ماذا؟ بهذا المقدار ما خالفا المشهور، بل خالفا المشهور في أن المخالفة الإلتزامیة‌ المقترنة بالمخالفة العملیة، إذا عمل بالأصلین المحرزین کالأمارات اللفظیة، المخالفة الإلتزامیة توجب التعارض مع أنهما الأصلان. مثلاً هنا الإستصحابان في مثال الإنائین منجزان و غیر مسوغین للمخالفة العملیة بل هما موافقان لتننجیز المخالفة العملیة لکنهما یوجبان المخالفة الإلتزامیة، هنا الشیخ والناییني قالا: خصوص هذه المخالفة الإلتزامیة توجب التعارض لخصوص الأصول المحرزة فقط، کالأمارات اللفظیة، یعني الشیخ و الناییني فصّلا في المخالفة الالتزامیة، ‌قسم متسالم عند المشهور بأن المخالفة‌ الالتزامیة لاتوجب التعارض حتی في الأصول المحرزة و هي إذا کانت غیر المقرونة للمخالفة‌ العملیة، أما إذا اقترنت المخالفة الإلتزامیة بالمخالفة‌ العملیة یعني صار توأمیة و تقارنا موردیا فالأصلان المحرزان لایوجبان المخالفة العملیة ‌و إن أمکن المخالفة العملیة. هنا المیرزا الناییني و الشیخ الأنصاري قالا: هنا خصوص المخالفة الإلتزامیة هنا في مثال الاستصحابي النجاسة و هما لایوجبان المخالفة ‌العملیة مع امکانیة ‌وجودها، قالا بأن المخالفة الالتزامیة بمجردها توجب التعارض بین الأصلین المحرزین فتصیر مضیقا و مقیدا بقیود ذکرناها فی الجلسة السابقة و أعید بسط بیان المورد لان فی تفاصیل الأبحاث فی الفقه و الأصول ممکن ان ینسی اختلاف المبانی و الأقوال.

الشیخ إستند إلی وجه و الناییني إستند إلی وجه آخر و سنتعرض الی هذین الوجهین ثم سنتعرض الی الخلل في هذین المبنیین لهذین العلمین و الصحیح ما هو عند المشهور. هذا علی کل تفصیل مجاري الأصول العملیة و موارد جریان الأصول العملیة ضروري التدقیق فیها لأنها صناعة أصولیة و فقهیة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo