الموضوع: تنبیهات الاستصحاب، تعارض الاستصحابین

مر بنا في بحث التعارض بین الأصول العملیة، فتراعی الرتب بینها فیما اذا کانت التعارض تعارضا بالذات ای اذا کانت الأصول العملیة متواردة فی موضوع و مورد واحد أما اذا کانت فی موضوعین و موردین و تعارضهما بالعرض فحینئذ لاتراعی الرتبة، إلا بلحاظ واحد عند الشیخ الانصاری و النایینی -و هو الصحیح- فی اطراف العلم الاجمالی أما الآخرون مثل صاحب الکفایة و العراقی لایقبلونه.

علی کل، ملاحظة الرتبة کما مر بنا مثالها بأنه إما یعلم بطلان صلوة الصبح او صلوة الظهر فهنا مراتب الأصول العملیة تجری فی الصبح و مراتب الأصول العملیة تجری فی الظهر، فالکلام فی بحث الرتبة فی تعارض الأصول العملیة بالعرض، یکون فی أنه هل الرتبة هنا موجودة ام لا؟ رتبة خطوریة فی مورد واحد و موضوع واحد متصور، قاعدة الفراغ متقدمة علی قاعدة الحیلولة و قاعدة الحیلولة مقدمة علی قاعدة الإستصحاب و الاستصحاب مقدم علی البرائة فأربعة أصول فی موضوع واحد و فی مورد واحد، مثل صلوة الصبح متصور، لکن الکلام فی أنه هل ینجر هذه الطولیة فی الأصول العملیة فی صلوة الظهر التی هی موضوع آخر و مورد آخر بسبب التعارض بالعرض؟ فالشیخ الأنصاری و المیرزا النایینی یقبله و اما الآخوند و تلامیذه لایقبلوه و ذکرنا ان الشهید الصدر ایضا لایقبله بینما السید الخویی کالنایینی و الشیخ الانصاری یقبله وهو الصحیح.

هذا مبحث جدا مهم، فی التعارض بالعرض یمکن تصویر الرتبة علی أحد القولین، هذا البحث کما مر بنا مفتاح بحوث العلم الاجمالی فی خلل الصلوة او خلل الحج او الخلل فی الأبواب الأخری من فروع العلم الاجمالی فی الفقه و حلال مشکلاتها هو هذا البحث، مراعاة ‌الرتبة من طرف الی طرف آخر بسبب التعارض فتساقطان الذان فی الرتبة الواحدة فی الطرفین و تأتی نوبة الرتبة الثانی. مثل الجیش تأتی الکتیبة الأول و ثم الکتیبة الثانیة و هلم جرا وهذا ایضا من هذا القبیل.

علی کل، هنا نرجع الی محل البحث انه فی الصورة الثالثة ‌فی التعارض بالعرض، هل هو تعارض مطلقا ام لا؟ یعنی متی الأصول العلیمة تتعارض بالعرض؟ -لا بالذات و هو مفروغ عنه- هل لکل أصل عملیة ضابطة ام لا، فیه ضابطة عامة؟ او فیه ضابطة لبعض الرتب و بعض اقسام الأصول العملیة؟ نعم، مثلا فیه تعارض متفقا علیها فی تعارض الأصول العملیة بأنواعها و هی ما اذا استلزم العمل بالاصول العملیة مخالة عملیة للعلم الاجمالی بالتکلیف، اذا استلزم من العمل بالأصول العملیة مخالفة عملیة للعلم الاجمالی بالتکلیف فلاریب انه حینئذ یسبب التعارض سواء کان الأصول العملیة محرزة او التنزیلیة مثل اصالة الحل و اصالة الطهارة او الوظیفیة المحضة مثل البرائة الشرعیة و الاحتیاط الشرعیة ( لکن الاحتیاط لایستلزم المخالفة القطعیة) هذا متفق علیه عند الکل و هی ضابطة عامة.

فیها ضوابط أخری مختص لبعض الأنواع و هذه الضوابط هی فی التعارض بالعرض. هذه التقسیمات یجب ان یرکز علیها الباحث کی لاینسی یومیات الفقه و یومیات الأصول.

مر بنا أن الأصل المحرز یعارضه و یسقطه أصل متأخر رتبتا عنه فی المحمول اذا کان تعارضا بالعرض.

لما یقال: الأصول العملیة ‌أربعة مراتب -محرزة و تنزیلیة و وظیفیة و عقلیة- ما مقصود الاصولیین من أربعة مراتب؟ مقصودهم لیس المراتب و تراتبهم و رتبها و تقدم و تاخرها بحسب الموضوع بل بحسب المحمول. و بینهما فرق، هناک حکومة بحسب المحمول و هناک حکومة وعنوان ثانوی بحسب الموضوع مع ان الحاکم مقدم علی المحکوم تارة الحاکم یحکم علی المحکوم محمولا و مثاله البین هو العناوین الثانویة مثل «رفع ما اضطروا علیه و ما یعلمون و غیره» ستة عناوین، هذه الثانویة حاکمة محمولا علی الاحکام الاولیة و لیست حاکمة موضوعا -حسب مبنی المشهور- فهی مقدمة محمولا علی المحکوم.

ذکرنا ابتکارا خطیرا للسید الخویی و هو قال: اذا قیل دلیل عام و دلیل خاص یقصدون العام و الخاص موضوعا او محمولا او مجموعهما؟ هذا ابتکار خطیر و مؤثر جدا و ابتکره السید الخویی فی الدورة الثانیة ‌او الثالثة، کیف؟ ذکر السید الخویی: بالدقة‌ ان النسب الأربعة هل تلاحظ بین موضوعات الأدلة ‌او محمولاتها او بین المجموع؟ عام و خاص او متباین او غیره و البحث جدا صعب. الخاص مقدم علی العام ای الخاص؟ خاص الموضوع او خاص المحمول او خاصهما مجموعا؟ هذه القاعدة جدا ثمینة و نفیسه و مبتلی بها فی یومیات الفقه.

المقصود ان البحث سیاتی فی بحث التعارض و لعل السید الخویی التفت الی هذه القاعدة الجدیدة‌ و هو انقلاب النسبة بأن النسبة بین الأدلة تنقلب و کیف تنقلب او لاتنقلب نکاتها تقریبا نفس االقاعدة، و قاعدة الانقلاب هی ابتکار النراقی، لکن هذا الابتکار الذی ذکره السید الخویی بعینه نستطیع ان نورده فی الحکومة و الورود و الرتب. بأن الرتب بین الأدلة بلحاظ الموضوع او بلحاظ المحمول او بلحاظهما مجموعا.و هذا نجعله فی المحفوظات و هو غامضة و شیئا ما من الصناعیات ذکرنا فی الشعائر الجزء الأول و الاخوة یقدرون ان یرجعوا.

هنا عندما یقولون ان الأصول العملیة أربع مراتب مراد الاصولیین هو بلحاظ المحمول لا بلحاظ الموضوع، الاصل المحرز یعنی محمولا یعنی کاشفیته مقدم و التنزیلی محمولا و الوظیفی المحض محمولا و العقلی محمولا فهی اربع مراتب بلحاظ المحمول و هذه الأربع مراتب بلحاظ المحمول، انما إذا کان تراعی الرتبة محمولیا اذا کان فی الموضوع الواحد فی التعارض بالذات لا ما اذا کانت التعارض تعارضا بالعرض و فی التعارض بالعرض الربتة المحمولیة لاقیمة لها و الاستصحاب یعارضه البرائة العقلیة فی الطرف الآخر.

افترض ان عندنا علما بالخلل فی احد الصلوتین فی رکنهما، فی صلوة الصبح یجری قاعدة البرائة العقلیة و فی صلوة الظهر یجری الاستصحاب، فی التعارض بالعرض لاتلحظ الرتب بین الأصول العملیة ‌الا تلک الرتبة التی مرت فی التعارض و هی ان المراتب فی الطرف الواحد مع المراتب فی الطرف الثانی فی العلم الاجمالی، فی الصبح و الظهر اصلان ایا کانا، یتعارضان فی رتبة و یتساقطان و تجیء مرتبة اخری یعنی تلاحظ المرتبة الطولیة فی الطرف الواحد ثم المرتبة ‌الطولیة فی الطرف الواحد ثم ترتب بحسب التعارض، یکون مزیجا فی التعارض بحسب الرتب الطولیة بحسب الطرف الواحد.

مثالا آخر: مثلا صلی الظهر و هو قبل صلوة الظهر کان علی یقین من الحدث، لکن یشک فی انه هل اغتسل من الجنابة ‌ام لایغتسل ؟ الان صلی الظهر و فرغ من الظهر یجری قاعدة الفراغ او لا؟ یجری قاعدة‌الفراغ فی صلوة الظهر یجری قاعدة الفراغ لکن فی صلوة العصر و هو یرید ان یصلیه یجری استصحاب عدم الغسل و لیس فیهما تعارض والمخالفة‌عملیة ‌لایوجد، لکن ایا ما کان نلاحظ هنا الاستصحاب بلحاظ صلوة‌ العصر یجری و قاعدة الفراغ بلحاظ صلوة الظهر یجری و لیس بینهما تعارض.

مثال آخر للتعارض: صلوة الصبح و صلوة الظهر و صلوة المغرب. لدینا علم اجمالی بأن إما صلوة الصبح باطلة ‌او صلوة الظهر او صلوة المغرب و المغرب الان فی الوقت صلی المغرب لکن علم بالخلل بین ثلاثة الأطراف اذن قواعد الفراغ فی ثلاثة اطراف صبح و ظهر و مغرب تتعارض و تتساقط و تصل النوبة الی قاعدة ‌الحیلولة فی الصبح و الظهر و قاعدة الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی، و هنا قاعدتی الحیلولة و الاشتغال جعلناهم فی الرتبة الواحدة ‌مع ان الاشتغال قاعدة عقلیة.

کیف یصیر فی رتبة واحدة قاعدة الحیلولة و هی اصل محرز مع قاعدة الاشتغال؟ لانه لیست فی طرف واحد نعم فی طرف واحد تلاحظ الرتب الطولیة للأصول العملیة. اذن کیف صاروا فی رتبة واحدة؟ الذی رتبهم فی رتبة واحدة لیس هو التعارض فقط، بل التعارض و شیء آخر و سبب آخر.

قاعدة الفراغ فی المغرب مقدمة علی قاعدة الاشتغال فی المغرب کلما فرغت من شیء و شککت فیه فامضه کما هو، هذه مقدمة علی قاعدة الاشتغال هذه الطولیة بین قاعدة الفراغ و قاعدة الاشتغال بضمیمة التعارض بالعرض سببت وحدة الرتبة بین قاعدة الاشتغال و قاعدتی الحیلولة التان هما متاخران عن قاعدة الفراغ فی الظهر و الصبح. فلم صارت قاعدة الاشتغال فی المغرب فی رتبة قاعدة الحیلولة فی الصبح و الظهر؟ لماذا لاتکون فی رتبة قاعدة الفراغ فی الظهر و الصبح؟ لماذا قاعدة‌الاشتغال التی هی فی الرتبة الثانیة فی المغرب صارت فی رتبة ما هو فی رتبة ثانیة فی الصبح و الظهر لماذا؟ بسبب التعارض فالتعارض یجرجر الرتب فی الموضوع الواحد الی الموضوعات المتعددة و المتغایرة فتراعی الرتب الطولیة التی هی فی المضووع الواحد مع التعارض کانما نوبات رتبیة فی الموضوعات المتغایرة نوبات رتبیة کالصفوف.فالتعارض مع الرتبة الطولیة تسبب الصفوف و النوبة فی الرتب.

کلمة اخیرة : اذن عندنا رتبیة محمول و رتبیة موضوع و رتبیة مجموعهما فی التعارض بالعرض و التعارض بالذات و هذه حسابات یجب ان نضبطها.