< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/12/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تفاصيل في الأحكام الالزامية الأخلاقية - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

مرَّ بنا أنَّ هذه قاعدة عدم حرمة السب وغيره وطبعاً هذه الحرمة في دائرة مجدود وإلا الفدم وعرض النساء والأموال هي محترمة حتى لأصحاب البدع والفجور إنما الكلام في هذه الأمور المرتبطة بالتعامل الأخلاقي لأهل الريبة وأهل البدعة وأهل الفجور، وتوجد في ذلك نصوص خاصة، والنصوص لم نقرأ سوى بعضها ودعونا نقرأ بقية النصوص فإنه أفضل، وقد قرأنا النص النبوي، وحتى الأخلاق لها احكام إلزامية فإنَّ السب خلق ولكنه حرام إلزامي والغيبة خلق ولكنها حرام، وتفاقاً إن المعروف بأن هذا حكم اخلاقي وليس إلزامي فهذه عبارة غير علمية ابداً وغنما توجد مساحة كبيرة من الأخلاق كلها أحكام إلزامية كحرمة الاهانة للمؤمن هي اخلاقية وكلها مرتبطة بآداب العشرة ولكنها أحكام إلزامية، وكذلك حرمة الفحش قضية اخلاقية ولكنها إلزامية كما أن جملة منها من الكبائر وليس حرمة إلزامية فقط، ومثلاً حرمة الهجاء والهجر واللمز هذه منصوصة في القرآن الكريم، فتوجد مساحة من الأخلاق كلها حرمة إلزامية وحتى أنها من الكبائر وكذلك الحسد جهة أخلاقية ولكنه كبيرة وغير ذلك الكثير، فهذه العبارة اصلاً هي غير علمية قطعاً، فما أن يرى شيئاً أنه أخلاقي يقول إن هذا من الآداب المندوبة وغير الالزامية ولكن هذا مسامحة كبيرة، مثل ما اشتهر خطأً أبواب المزار كلها مندوبة، والحال أن هذا ليس بصحيح فإن ابواب المزار فيها أحكام إلزامية، هذه المائة وعشرة باباً التي جمعها صاحب الوسائل فهيا احكام إلزامية أولية، بل أكثر من إلزامية أولية وإنما الزامية فرعية فقهية وليس فقط أحكام إلزامية فقهية فقط بل تركها من الكبائر، بل أكثر من ذلك فإنه في هذه الأبواب توجد أيضاً أحكام أشد من الكبائر أي هي من اركان الدين وركن الدين فوق الكبيرة، فمن الخطأ جداً أنه في الأبواب الروائية أو من الكتب الدينية الأخرى غير الروائية نظن أن هذا من علم الأخلاق ومن المندوبات كلا بل الكثير من مساحة الأخلاق فيه إلزاميات، مثلاً فقه القلوب فهذا بعد آخر عن فقه الأخلاق، يعين الفعال النفسانية والأفعال القلبية فإنَّ المعروف أنَّ هذه رياضات ومندوبات شرعية أخلاقية ومن أراد أن يصل إلى مرتبة أهل اليقين أو أهل التقوى فيفعل هذا، ولكن الصحيح أن الأمر ليس هكذا بل جملة من الأفعال القلبية أفعال القلوب وهذا المدهش أن ثلثي الكبائر كلها من أفعال القلوب المذكورة والمتفق عليها فقهياً، أنا أقول ثلثين ليس بالدقة وإنما سبعين أو خمسة وسبعين بالمائة أو أكثر أو أقل، ترجع إلى الأبواب الروائية التي عقدها صاحب الوسائل في الكبائر في أبواب جهاد النفس وهي أربع او خمس أبواب وقد ابتلى بها جلّ العلماء فهذه قريب الثلثين منها هي من أفعال القلب وهي بعد أخلاقي ولكها من الكبائر، بل الأفعال البدنية ثلث الكبائر فيها أو أقل أو أزيد بقليل، بينما أكثر الكبائر هي في الأفعال القلبية، فإذاً كيف في المهام الفقيهة يكون الاعتناء بالصغائر أكثر من الاعتناء بالكبائر؟!! بل الكبائر تنقيحا أولى، وفعلاً هي غير منقحة لأنَّ أفعال القلوب هي غامضة ومبهمة وقد مرّ بنا سابقاً ومن المهم التذكير به وهو أنَّ أحد أسباب عدم التربية الأخلاقية للإنسان سواء كان عالماً وفاضلاً أو حتى من عام المؤمنين فإنَّ أحد الأسباب الرئيسية لعدم بناء الانسان وتهذيب وترويض نفيه الغفلة لغوياً عن المعاني الأخلاقية، فنفس عدم الوعي اللغوي وعدم الوعي بمعاني عناوين الفضائل أو عناوين الرذائل هو يسبب عقبة امام بصيرة الانسان في كيفية تربية نفسه أو تربية الآخرين، مع أنه فيها كبائر لا أنَّ فيها صغائر فقط، فالمقصود أن هذه العبارة فهي وإن اشتهرت وهي أنَّ هذا بحث اخلاقي وليس بحث إلزامي هذه العبارة ليس لها اساس علمي صحيح.

نعود إلى الروايات قبل الدخول في فذلكة هذه القاعدة وتفسيره هذه القاعدة التي كنا فيها فلا بأس أن نذكر جملة الروايات الواردة في هذه القاعدة الاستثنائية من الحرمة والاحترامات: -

ونقرأ الرواية النبوية مرة أخرى المروية عن الصادق عن جده صلى الله عليه وآله وسلم قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم )، ومر بنا أنه وإن كانت هناك جهات عديدة في البحث في هذه القاعدة سنستعرض مفاصلها بشكل موجز أن ملخص كلمات الأعلام أن المراد من هذه البراءة والسب وغير ذلك هو في دائرة الهوية الباطلة في تلك الفئة وليست الهويات غير الباطلة في تلك الجهة ككونهم مسلمين أو كونهم مؤمنين وإنما توجد عندهم ظاهرة أخلاقية باطلة أو ظاهرة في مسألة من المسائل العقائدية انحرفوا بها أو مسألة سياسية خلاف ضرورة وتسالم مدرسة اهل البيت التزموا بها مثلاً تولي الأداء ومن هذا القبيل فبمقدار هذه الهوية الباطلة الانحرافية هنا مصب عدم الاحترام كما مرَّ لا أنَّ بقية الهويات لا تحترم، قال:- ( فأظهروا البراءة منهم وأثروا من سبهم والقول فيهم )، أي في هذا المجال وهذه الهوية ولذلك هذا ينفي أنه كيف باهتوهم وكيف هي البراءة منهم فكيف يكون هذا خلقاً اسلامياً؟! ولكن نقول إنَّ الخلق الاسلامي هو مع الأمور التي هي حق وحقيقة وخير وخيريات أما السرطانيات فهذا لا يمكن ان تتعامل معه بخلق اسلامي بل لابد من استئصال الغدّة السرطانية لا أنك تروج لانتشارها في البدن فتقضي على البدن وهذا منطق واضح، فإنَّ الخلق السمح والسماحة مع ما هو خير وخيري وحق وحقيق اما ما هو شر وفساد كيف يمكن أن يتسامح معه، بل بالعكس يكون هذا انتشار للسرطان، فهذا الحكم يصب على هذه البقة فلابد أن تزال هذه البقة السرطانية وتستأصلها وليس بقية هوياتهم السالمة، بل هي فئة واحدة وهذه الهوية الخاطئة فيهم تستأصل أما بقية هوياتهم الصحيحة فلا يقع التطاول عليها، وهذه نكتة مهمة لأصل تفسير هذه القاعدة أو الرواية النبوية وربما غفل بعض الأجلة عن هذه الزاوية التي اتفق عليه الأعلام لأنَّ المورد هو هذا فيستبشع ويستبعد مفاد هذه القاعدة وهذه الرواية والحال أنَّ الأمر هو هذا، وهذا منطق مطابق حتى للعقل والعقلاء، فالبقعة الميكروبي الوبائية ترفعها أما بقية المساحات السالمة تبقى على حالها، وهذا هو أصل فكرة التبري والبراءة، أما ان تحصل مغالطة في هذه الأبحاث فهذا ليس بصحيح فإن التبري هو من الجهة الانحرافية فقط، سلم للسالم وعدو للمنحرف ... وهكذا، فيلزم أن تميز الجهة المريضة السرطانية من الجهة السالمة، مثلاً الآن مجموعة كائنات حية فهل تجعل المريضة مع السالمة أو أنك تضع الفاكهة الفاسدة مع السالمة؟! كلا بل العزل هو تبري، فتجعل السالمة لوحدها أما الفاسدة فعليك أن تبعدها لأنها تفسد البقية وهذا هو معنى منطق التبري والبراءة، والتولي لما هو سالم وصحيح وحق، فالتبري ابتعد عن هذا المرض والانحراف هذا بلغة عصرية، وهذا ليس شيئاً مخيفاً أما أنك تقول لابد أن يكون هناك تسامح فهذا غير صحيح وغير مقبول لأنه كيف يصير تسامحاً مع المرض وغيره ألا تلاحظ الاستنفار الحاصل من هذا الوباء وكيف أنهي وجد استنفار بشري معه فإنه لا يمكن التسامح والتساهل فيه فإنه غير صحيح، وطبعاً لا افراط ولا تفريط وذلك مع حفظ الواجبات الأهم ولكن المقصود هنا لم يقولوا يوجد تسامح كلا فإنه لا يوجد تسامح، فلاحظ أنه حتى أن المريض يحجر عليه ولماذا يحجر عليه ولماذا يعزل فهل هذا خلاف الأخلاق ؟! كلا بل هذا لصالحه ولصالح الآخرين وإنما هذا دواء للمريض أن يعزلن فبالتالي إذاً قضية القطيعة أو التبري أو البراءة من البقعة المرضية هذا منطق عقلي وعقلائي وليس مستبشعاًن نعم نريد أن نخلط الخطأ بالصحيح والحق بالخطيئة فهذا بحث آخر وهذا ليس خطأَ فقط وإنما هذا خطأ، فإن الخطأ ربما يكون عن غير عمد أما الخطيئة فيه خطأ بعمد فهذا لا يصير خطأً وإنما يصير خطيئة والخطيئة أثمها كبير، فالمقصود إذا هذا هذا الحديث المبارك أو هذه القاعدة لا يوجد فيه نشاز وإنما قراءته صارت نشاز إنما مورده في الهوية الباطل الموبوءة فهه يلزم أن يحجّر عليها، والتحجير هو عبارة طبية وهي نفسها عبارة عقائدية وهي القطيعة ولا فرقن ولذلك هذا المنطق العقلائي وقراءة قانونية عقلائية هو تفسير عصري لكل مبحثنا وليس فقط لهذه القاعدة وهو أن الاحترام لطبقات البشر إنسان ومسلم ومؤمن متقي وعادل وورع وتقي هي درجات لأن الانسان بما هو إنسان ليس ملتزماً بكل الأمور الصحيحة السالمة وإذا لم يكن ملتزماً بكل الأمور الصحيحة السالمة كيف نؤدي إلهي الصحة وتصحيح وإمضاء صحة حتى لهوياته الخاطئة فإن هذا لا معنى له وليس بصحيح بل لابد أن نفصّل، أو أنه مسلم ولم يلتزم بقضايا الإيمان فمقدار ما ألتزم بأمور صحيحة نحترمه أما بمقدار ما لم يلتزم فليس من الصحيح أن نصحح كل عمله وإمضاؤه، وهذه ضابطة صناعية تجد نفسها بنفسها، وكذلك المؤمن فإنه يوجد مؤمن عادل ويوجد مؤمن فاسق ويوجد مؤمن ورع ويوجد مؤمن غير ورع، فغير الورع قد يحوم حول الشبهات فلابد من التفرقة بينهما، والتعبير حسنات الأبرار سيئات المقربين، فإن المقرَّب لو صدرت منه فهي سيئة وتصعد الأمور، فإذاً لاحظ أنَّ درجة الاحترام والتصحيح لا يمكن أن تكون واحدة مع اختلاف كيان الانسان، بالتالي بهويات وطبقات ودرجات فلا يمكن ذلك ولذا اختلف الاحترام، ولذلك هذا التساؤل الذي يثار في هذه المجموعة من الأحكام المرتبطة بالعشرة والتعايش وهلم جرا، إما أن تثبت كلها أو لا تثبت وهذا غير صحيح فإما داعشية وتثبت استباحة مطلقة أو لا، ولكن الأمر ليس كذلك بل لابد من التفصيل فإنَّ هذا هو الصحيح فإنهم درجات، والعقل والعقلاء يحكمون بذلك، وهذا لخص كل هذا المبحث كمنظومة صناعية.

فهذا الحديث الشريف والقاعدة وتوجد روايات كثيرة بنفس المضمون أو بعضه ( إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم ) يعني في ريبهم وبدعهم لا في غيرها من جهات شخصيتهم أو خصوصيات شخصنتهم الخاصة فإنَّ المقصود ليس هذا، ( فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس )، فلاحظ أن الحكم معلل محّي أي كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام، فواضح أين مصب هذه الأحكام وهذه القاعدة فإنه مقيد وليس مطلقاً حتى تقول كيف نؤول ونعالج هذه الروايات وإنما هو مقيد من البداية، ( كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم ) وليس من فوائدهم الصحيحة فإن ذاك بحث آخر، كأن يعامل معهم في المعاملات المالية فإن هذا لا ربط له فإنَّ هذا جانب وذاك جانب فهو قال ( لا يتعلموا من بدعهم ) ولم يقل لا يستثمروا من فوائدهم المالية فإن هذا بحث آخر، مثلا يقال هل نتعامل مع الفئة الفلانية ونبيع ونشتري؟ نعم لا مشكلة في ذلك لأنَّ هذا لا ربط له في احرافهم الأخلاقي أو مسألة عقائدية أو في مسألة سياسية فهذا التعامل لا ربط له بذاك وإنما هذا تعامل صحيح فأنت تتعامل مع الكفار معاملة مالية بكيف بهؤلاء من الفئات، فلاحظ أن هذه التعميمات التوهمية الخاطئة هي التي تسبب خلط واشتباه في المباحث، بل من الأول الأحكام مقيدة سواء كانت سلباً أو إيجاباً وليست مطلقة فلماذا أنت تعمم بل هي مقيدة ومددة بهه الدائرة وهذا الحد، نعم مارسه عموم المكلفين بشكل خاطئ فهذا خطأً ولكن هي الأحكام من الأصل هي مقيدة ومحيّثة ولا يوجد فيها تعميم حتى تقول فيها تعارض وتناقض، بل من الأول عليك أن تقرر والمسألة بشكل غير بمهم فتصير واضحة، هذا التدبر والتأني في قيود المضوع وتحرير الفرض شيء مهم جداً، ( ولا يتعلموا من بعدهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة )، لأنكم تأتون بالعمل بهذه القاعدة فأنتم تقومون بتحجير صحي فإن الوباء ليس الوباء والفيروس البدني فقط وإنما يوجد فيروس ووباء أخلاقي أو عقائدي أو سياسي أو غير ذلك فتلك الأوبئة أعظم كالاً وتداعيات، الصحة معالجة للأوبئة عبارة أخرى عن التبري في الجانب البدني، اصلاً الصحة هي تبين الجانب السالم والسلامة كيف هي والغذاء الصحي وغير ذلك وأيضاً في الصحة فيها تولّي وتبري، تولي للغذاء السليم وللممارسات الصحية السلمية وتبري من الأمراض، فحتى الصحة فيها تولي وتبري، ففيها ولاء وفيها براءة، وهذا ناموس تكويني في كل شيء ولكن بحسبه وليس بإفراط ولا تفريط، ( ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة ).

وهناك رواية أخرى في هذا الجانب أيضاً: - وهي ما رواه في قرب الاسناد وغيره عن أمير المؤمنين عليه السلام: - ( ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوىً مبتدع والامام الجائر والفاسق المعلن بالفسق )، وهذا الحديث نفس مضمون الحديث النبوي وهذا اللسان كثيراً متقارب في تلك الروايات.

وطبعاً هذه من أحكام أبواب العشرة الباب المائة والرابع والخمسون وأيضاً في الباب التاسع والثلاثون من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحكام العشرة في كتاب الحج من السوائل وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو باب كتاب مستقل الباب التاسع والثلاثون، والباب المائة والرابع والخمسون من أبواب احكام العشرة من كتاب الحج ن وأيضاً توجد أبواب قبل وبعد مقاربة لهذه الأبواب.

وهناك رواية أخرى: - ( إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة ) يعني هذه الأحكام الاحترام لا تثبت له.

وهناك رواية لابن أبي يعفور ولعلها معتبرة: - عن الامام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: - ( لا غيبة إلا لمن صلى في بيته )، يعني أنَّ الذي يصلي في بيته يستغاب لأنه ترك شعار في العلن، فإن صلاة الجماعة مستحبة ولكن الكثير من المستحبات إذا لم تلتزم بها فسوف تفقد حقوقاً إلزامية، يعني أليس حسن الظاهر يكفي؟ نعم حسن الظاهر هو بهذه المستحبات، فإذا فقدت حسن الظاهر فلا تكون لك ميزة العادلة فلا تستشهد في باب الشهادة ولا تكن إمام جماعة ولا تكون قاضياً لأنه لا يوجد عندك حسن الظاهر، صحيح أنَّ هذه مندوبات ولكن هذه المندوبات رتّبت عليها أحكاماً إلزامية واستحقاقات إلزامية وهذا شيء مغفول عنه في المندوبات، فصحيح أنَّ الشيء نفسه مندوب ولكن هو موضوع وعلّة وسبب لأحكام إلزامية إلى ما شاء الله، فلا تستسهل بالمندوب، فهذا عدم دراسة المندوب من حيثيات وجهات مختلفة، وهذ نكتة أخرى في المندوب غير أن المندوب في هويته تنطوي فيه إلزاميات وهذا ليس مكان لبسط هذا المبحث الآن، فإذاً ( لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ) وإلا يعني له غيبة إذا تركها، ( ورغب عن جماعتنا ) وإن كانت هذه الرواية في صلاة الجماعة لها تأويلات متعددة من الفقهاء فهي أصلاً ليست في هذا الصدد، ( ومن رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته )، فهنا وجب بمعنى تقرر وليس بمعنى الالزام، فالمقصود هذا المطلب وهو أنَّ هذه الأمور المندوبة مهمة ولذلك الفقهاء عندهم هذه الفتوى موجودة وهي أن من ترك كافة المستحبات ارتكب كبيرة، الآن لاندراجه في الاستخفاف أو الاستهانة أو لاندراجه في عدم حسن الظاهر فعدة وجوه صناعية لذلك، كذلك من ارتكب كافة المكروهات أيضاً فإنَّ مشهور طبقات الفقهاء يقولون تزول عدالته لأجل عدم حسن الظاهر أو لأجل ذهاب المروّة وأخذ المروة في العدالة أو لأجل أنَّ هذه مجموعها يعني حتى بالعض فسّرها هكذا أن المستحبات هي مستحبات اما مجموعها واجب وليس مستحب، أما فرد فرد فهو مستحب أما مجموعها فهو إلزامي، فالمهم أن هذه عد وجوه صناعية فقهية في تلك البحوث لا نريد الخوض فيها، فالمهم أنه توجد لدينا روايات عديدة على هذه القاعدة.

نعود إلى تفسير الفقهاء للمحمول: - فتوجد عندنا جهات عديدة للقاعدة نتعرض إليها بشكل موجز فقط وبصناعة فقهية، فلاحظ أن هذه نصوص خاصة ولكن مسلك الفقهاء والفقاهة لا يقرأ النص ويجمد على لفظه وإنما يحلل معناه فهو يقوم بالتحليل والغور في معناه، ومر بنا أن القول الثاني لدى الأعلام أنَّ هذا الباب وجوب إنكار المنكر وليس تعبد بنص خاص جديد وتشريع جديد وهذا مرَّ بنا أمس، ومرَّ أن هذا التفسير مطابق لمبنى القدماء في الخاص أن الخاص عدهم بالدقة ليس تشريع مبتدأ وإنما يشير إلى عموم أو عمومات أخرى.

وهناك قوال ثالث لهذه القاعدة عند الأعلام: - فهم قالوا إنه من باب قطع مادّة الفساد، ومعنى ذلك ما هو فهل هذه قاعدة فقهية أو هي عموم غير باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ماذا؟ إنَّ هذا مبحث حساس، وكيف أدخله الفقهاء فهم من قاعدة حرمة أهل الريبة والفجور أدخلونا في قاعدة قطع مادة الفساد، فما هي هذه القاعدة فهل هذه القاعدة تندرج تحت تلك القاعدة وهذا يعبرون عنه بالنسبة بين القواعد الفقهية، فلاحظ البعد الفذلكي التحليلي الصناعي فهذا هو الفقه لا أنك تتمركز وتحصر لي أنه ثقة أو صحيح السند أو معتبر أو موثق فأنا لا أريد أن أنفي البعد الرجالي ولكن هذا ليي فقهاً وغنما هو رجال أما الفقه فهو التحليلات الفقهية المعنوية الصناعية وهو هذا نعم بعد انجاز مقدمات الاستدلال لغةً وحديثاً ورجالاً لا أنك تستغرق البحث الفقهي ثمانين بالمائة منه رجال فعليك أن تسميه بحثاً رجالياً ولا تسمّه بحثاً فقهياً، بل هو بحث رجالي مع التطعيم الفقهي، ولكن هذا إماتة للبحث الفقهي ولدروس الفقه، أو مثلاً يفتح شخص مبحثاً كلامياً أو مبحثاً تفسيرياً ولكن كلّه رجال فهل هذا درس تفسير أو هو درس رجال؟!!، أو أنه فتح مبحث كلامي ولكن ثمانين بالمائة منه رجال فهل هذا مبحث كلامي أو هو مبحث رجالي؟!!، أو ثمانين بالمائة منه مبحث حديث ولكن هل هذا مبحث كلامي أو هو من فنون الرواية والدراية؟!! إنَّ هذا بحث آخر، فيوجد إفراط وتفريط، فصحيح أنَّ علم الحديث ضرورة وعلم الرجال ضرورة وغيرها ولكن يجب المحافظة على الخصوصيات، فعلم الفقه له خصوصياته فيجب المحافظة عليها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo