< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/11/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تعدد الهويات المجتمعية وآثارها - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

كنّا في هذه القاعدة الاستثنائية من منظومة احترام الطرف الآخر- حرمة جملة من الأفعال كاحترام للطرف الآخر- فهذه قاعدة استثنائية منها، وهي أنَّ هذه الاحترامات أو الحرمة لا تراعى في أهل الريب أو الريبة والبدع والفجور، وطبعاً هذا الاستثناء ليس استثناءً من حرمة دمائهم أو عراضهم - أي نسائهم - أو أموالهم وإنما هذا في منظومة الاحترامات الأخرى كحرمة السب وحرمة الريبة وحرمة الهجاء والهجر والفحش وغير ذلك وإنما المقصود هو هذه المجموعة الأخرى من الاحترامات فهذه يستثنى من القاعدة، وأيضاً بحث البدعة اجمالاً كقاعدة قد تم في ذلك، ولا بأس أنَّ نشير إشارة الاصطلاحية صناعية حتى تقفوا عليها.

إذاً الاختلاف في الاجتهاد مرَّ بنا أمس وهو أنَّ الاختلاف في الاجتهاد لا يوجب أن فتوى مجتهد ولو كان أعلم العلماء - على فرض أنه أعلم العلماء - فإن مخالفته في الرأي العلمي أنه يكون بدعة فإنَّ هذا ليس هو مبنى الامامية، وإنما مبناهم على التخطئة، يعني أنَّ احتمال الخطأ موجود في كل طرف من الاجتهادات، وحتى مخالفة المشهور وإن كان المشهور له درجة من الرعاية وغير ذلك وكذلك العلمية وهلم جرا ولكن مع ذلك هذا لا يوجب البدعية، والمعروف عن السيد الخميني أنه لا يأبه بالمشهور والشهرة وغير ذلك سواء كان في الفقه أو في الأصول أو في علم الرجال وقد مرّ بنا هذا الحديث، ولكن هذا لا يوجب أن يكون الرأي الآخر بدعة فإنَّ هذا غير صحيح، وهذا اصطلاح علمي أحببت أن أنبه عليه.

إذاً الاختلاف في الفتاوى مادام كل اجتهاد هو على الموازين الاجتهادية فإنَّ الموازين الاجتهادية لا تقتضي الوحدة والتوحد في الرأي وإنما يتعدد الفهم ولكن مادام على الموازين وقد روعيت فيه موازين وضوابط الاجتهاد وهو أنه لا يخالف الضروريات وأنه يستند إلى دليل ولو كان الدليل هو يقنع به ولكنه دليل موزون اجمالاً.

فإذاً توجد ضابطتان مهمتان في الاجتهاد مهمتان عند علماء الامامية

الضابطة الأولى: - ألّا يخالف الضرورة لا ألّا يخالف المشهور، فليس ألّا يخالف الأعلام ولكن يلزم ألّا يخالف الضرورة، والضرورة يعني وحيٌ معصوم أو اجماع قطعي يعني يرتبط بالمعصوم، فالمهم هو عدم مخالفة المعصوم وليس عدم مخالفة مجتهد أو فقيه آخر أو فقهاء فإن هذه ليست ضابطة.

الضابطة الثانية: - أن يستند فيما يقول ولو إلى صورة استدلال فبالتالي ليس من جيب الهوى ورجماً بالغيب وتشهي رأي.

هاتان الضابطتان للاجتهاد وهذه ليست بعدة، هذه نكتة.

وهناك نكتة أخرى في بحث البدعة والسنَّة - لأنها مأخوذة في هذه القاعدة -:- ونحن لسنا في صدد التعرض للقاعدة مفصلاً ولكن باعتبار أنها موضوع لموضوع ما نحن فيه فلا أقل نلفت إلى المفاصل، فالنقطة الأخرى يقال إنَّ أن ابن إدريس حينما أخذ يخالف الشيخ الطوسي صارت تجاهه حساسية ولكن قام بدور إحياء المسار الاجتهادي وإن تكبل ما تبل لأنَّ مثل ما مرَّ بنا أنه وضعت هالة زائدة للشيخ الطوسي باعتراف نفس علماء الامامية في تراجمهم فإنَّ الشيخ الطوسي مؤسس المذهب ومن زعماء علماء المذهب وهذا أعظم به ولكن هذا امر وبين ان تقول إن آراءه لا تخالف فهذا شيء آخر فإنَّ مناقشة الشيخ الطوسي علمياً ليس كفراً، ولذلك المعروف أنه مائة سنة صار الجو العلمي مثل المقلدة للشيخ الطوسي فصورة هو اجتهاد وفقاهة ولكن واقعاً هو تقليد وهذا خلاف حقيقة مسار علماء الامامية، وهذا خلاف حقيقة مذهب الامامية بل إنَّ باب الاجتهاد مفتوح ولا يمكن سدّه فهذه نكتة جداً، فإن بحث السنة والبدعة يجب الالتفات إليه وأن الاجتهاد أعظم وأعظم وأكرم وبجّل الشيخ الطوسي ودوره لا ينسى ولكن أن تكون آراءه قدسية كالمعصوم فإن هذا شيء خطأ وهو انحراف علمي وليس بصحيح، وهذا كنموذج في حياة علماء الامامية وقد مرت نماذج من هذا القبيل أكثر واكثر ولكن يبقى المسار الصحيح هو هو فإنَّ العلماء مجتهدون يصيبون ويخطئون سواء كان على مستوى التنظير أو على صعد التدبير الادارة وهلم جرا نعم هناك موازين ترعى في التدبير والادارة وغير ذلك ولكن هذا بحث آخر ولكن أن تقول هو وحي منزل فإنَّ هذا ليس بصحيح وهذا لا يقول به علماء الامامية.

وهناك اصطلاحان آخران نذكرهما ثم نرجع إلى قاعدتنا الأصلية - يعني نفرغ من قاعدة البدعة والسنَّة -:- هناك فرق بين البدعة والشذوذ أيضاً، فما هو الشاذ وما هو البدعي، فكثيراً ما يخلط كاصطلاح صناعي بين الشاذ والبدعة، مثلاً هذا اصطلاح الشاذ موجود حتى في علم الحديث وعلم الدراية وعلم الفقه والعلوم الدينين عموماً ، هذا خبر شاذ وهذا قول شاذ وهذا راي شاذ في هذا الباب أو في هذا الفصل، فما معنى الشاذ؟، وتعبير السيد الخوئي في بحث ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر ) فتارة يراد من الشاذ وكثيراً ما يرد في الفتاوى هو الاصطلاح الأول فإن الشاذ هو فتوى من أحد المجتهدين ولكنها مخالفة لمعظم وجلّ علماء الامامية ومخالفة لما قد يكاد يكون اطبقا علماء الامامية، فهي ليست مخالفة لما هو قطع وإنما مخالفة للظن القريب جداً من القطع حينئذٍ هذه الفتوى يعبر عنها بأنها شاذة، وشاذة لا يعني أنها بدعة وإنما هي ضعيفة المستند مثلاً أو ضعيفة المدرك أو ضعيفة الاستدلال ولنكن تبقى هذه الفتوى لا أنها بدعة وإنما البدعة شيء آخر فهناك فرق بين الشاذ وبين البدعي وإنما هذا احتمال الاستدلال ضعيف ولكنه يبقى ليس ببدعة، هذا هو الشاذ في الفتوى، كيف انه يوجد عندنا شهرة في الفتوى والشهرة في الرواية والشهرة في العمل فهذا هو الشاذ في الفتوى، وأيضاً يوجد عندنا شاذ في الرواية مثلاً الشيخ الطوسي يقول هذه الرواية شاذة أو الشيخ الصدوق أو الكليني أو أيّ واحد من الأعلام يقول هذه رواية شاذة، وجملة من الأعلام ربما انسبق إلى ذهنهم أن الشاذ في الرواية يعني الضعيف المتروك المقطوع بطلانه وهذا خطأ بل لس معنى الشاذ في الرواية هو هذا بل في كتاب نحن نقحنا فيه مفصلاً ان الشاذ في الرواية لا يستعمل عند الأعلام المحدثين كالشيخ الطوسي فإنَّ الشيخ الطوسي محدث وفقيه وأصولي ومتكلم ورجالي فهو ذو علوم فهو من العلماء الموسوعية فهو متبحر في الحديث فحينما يقول المحدثون من علمائنا في علم الحديث فهم حينما يصفون حديث بأنه شاذ التفت إلى أنَّ طعنهم ليس في السند وإنما طعهم في المضمون، بل بالعكس حينما يقتصر في الطعن على حديث بأنه شاذ يعني أنَّ سنده عنده معتبر وإلا ذكر الضعف في السند ولماذا؟ لأنَّ وصف الشاذ هذا اسم للمضمون ووصف للمضمون وربما جردنا استقراء لأغلب أو لكل ما في كتاب التهذيب للشيخ الطوسي أو الفقيه للصدوق أي الكتب الأربعة على الأقل فأنت تتبع هذا الاصطلاح تجده موجوداً عندهم، إذاً الشاذ في الحديث أيضاً هكذا وليس معناه مقطوع البطلان ولا معناه أن سنده ضعيف بل بالعكس أنهم فقط يقتصرون في الطعن بحديث ما بأنه شاذ ولا يذكرون شيئاً آخر فهذا معناه ان سنده معتبر عندهم ولكن مضمونه عندهم مخالف إلى جل الأدلة وجل الروايات الأخرى مثلاًن مثل ما مرَّ الشاذ في الفتوى كذلك الشاذ في الحديث هكذا وهذا يجب أن نلتفت إليه وهذا غير البدعة، فلا تقل عن الحديث الشاذ هو موضوع، كلا بل هو ليس موضوعاً أو مدلساً أو مجعولاً كلا وإنما هو بمعنى آخر فإن الموضوع والمدلس والمجعول له معنى آخر، فهو أصلاً حينما يقول لك شاذ يعني لا يوجد جزم بكذبه بل لازال على الموازين العامة كما مر في الفتوى، فهو لم يخرج فهو ليس خلاف الضرورة وليس خلاف القطع ولكن فيه مناشئ ضعف للغاية فلا يركن إليه، وأيضاً الأمور في فسيرهم لهذا المقطع من مصححة ابن حنظلة هو هكذا ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر ) فالشهرة ليس خلافها القطع بالخطأ، و( دع الشاذ النادر ) فمعنى الشاذ أنه النادر، ثم قال ( فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه ) يقول السيد الخوئي إنَّ هذه قرينة على أنَّ المراد من الشاذ شيء آخر غير المعنى الاصطلاحي للشاذ في قبال المشهور ، والسيد الخوئي هو الوحيد أو القليل ممن ذهب في تفسير مصححة عمر بن حنظلة إلى أنَّ المراد من الشاذ ليس هو المعنى الاصطلاحي وإنما المراد من الشاذ هنا هو خلاف المقطوع فإن المجمع عليه قطعي والشاذ هو خلاف القطع، وهذا تفسير من اليد الخوئي وهو ليس تفسير كاصطلاح منه وإنما هو تفسير في خصوص هذه الرواية، ولكن هذا خلاف المشهور فإن المشهور فسروا مصححة ابن حنظلة هو هذا هو أن الشاذ في مقابل المهور وليس مقابل القطع.

إذاً كلمة ( شاذ ) ليس يندرج في البدعة او خلاف القطع او خلاف الضرورة، لذلك في مبحث روايتا الأذان والاقامة الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه روى ثلاث طوائف للشهادة الثالثة في الأذان وفي الاقامة، فهو روى متنها ولكن لم يذكر اسانيدها ولكنه وصفها بأنها طوائف وليست ثلاث روايات، فهو وصف كل لسان منها أنه طائفة، فلاحظ أن هذه المعلومات كيف هي مواد، نعم هو طعن عليها بكذا وكذا، وكذلك الشيخ الطوسي اعترف بوجودها وبوصولها ولكنه قال عنها في التهذيب أو في النهاية هي شاذة، لا أنها مقطوعة البطلان، والمجلسي الأب ناقش الشيخ الطوسي والصدوق وأنها شاذة من أي جهة؟ فقال هل أنها غير موافقة لأكثر روايات الأذان والاقامة فقال إنَّ هذا ليس مستند متين يستند إلى الوسي والصدوق بالحكم عليها بالشذوذ لأنَّ روايات فصول الأذان والاقامة لا يتقف بعضها مع بعض أبداً فهل نضرب عنها كلها؟!! فلا تكاد تجد روايات معمول بها في فصول الأذان والاقامة متفقة في عدد الفصول وعدد الذكر فهل تتضارب؟ كلا بل جمع بينها العلماء بالتنسيق فما بال هذه الروايات توصف بالشذوذ أو العلامة الحلي يصفها بالشذوذ أو يصفها الشهيد الأول بالشذوذ، فهذه الروايات قد وصلت إلى زمن الشهيد الأول ولكن لم يذكروا أسانيدها ولم يكروا مصدرها، وهذا خلاف الانصاف العلمي فإن المفروض انهم يذكرونه ولكن لا يعملون به ولكن هذا بحث آخر، ولكن متون هذ الروايات قد رويت في كتاب الفقيه للصدوق واعترف الشيخ الطوسي بوجودها في المصادر الحديثية إلا أنَّ لهم موقف علمي وموقفهم العلمي محترم ولكن لا يؤخذ به للشواهد التي ذكرها المجلسي الأب في روضة التقين وهذا قد ذكرناه في كتاب الشهادة الثالثة فالمقصود أنَّ الالتفات إلى مصطلح الشاذ غير مقطوع البلان، وإنما هذا نظر اجتهادي ويبقى اجتهاد ويتحمل اجتهادات أخرى، هذه نكات مهمة ونحن لا نريد أن نستغرق في هذا البحث وإنما هذا من توابع بحث قاعدة البدعة والسنة، ونحن نركز عليه حتى لا يتسرع شخص ويحكم على آخر بالبدعة، فإنَّ البدعة هي ضلال أما أنك تقول على الطرف بأنَّ ما قاله ضلالة فهذا خلاف العقل، هذه نكات مهمة ولذلك الأعلام هنا حتى في مبحث حرمة السب وحرمة الغيبة ككاشف الام وغيره كثيرين قالوا إنَّ قاعدة استثناء أهل الريبة والبدعة والفجور هذا الاستثناء هو حساس لا أنه ليس مسلم بل بلا شك وعليه احاديث وعليه اتفاق كلمات العلماء من حرمة الطرف الآخر يستثنى منه أهل الريبة والبدعة والفجور بلا شك ولكن الضوابط الموضوعية لهذا الاستثناء شيء حساس وخطير إذا لم يتقن الانسان قاعدة البدعة كيف يستثني؟!!، هذه نقطة موضوعية في قاعدة استثناء أهل الريبة، وما المراد بالريبة؟ وهذا جزء الموضوع غير البدعة والسنة وإنما متفرع من البدعة والسنَّة، فالريبة والريب ما هو؟ الأعلام في تفسير الريبة والريب كموضوع مستثنى من حرمة الغيبة وحرمة الهمز وحرمة اللمز، فقد ذكرت عدة تفسيرات لأهل الريبة كلها تامة فهناك من فسر أهل الريبة بأنهم المشككون في الثوابت، فإنه يوجد فرق بين التشكيك في الاجتهادات وبين التشكيك في الثوابت وفي النظريات والضروريات، فتارةً أنت تثير تساؤلاً علمياً فذها بحث آخر وتارة أنت تشكك فليس كل اثارة هي تساؤل وإنما يستهزئ ويستخف بالثابت الديني أو يريد أن يوهم وسط اجتماعي أو ثقافي أن هذا ليس من الضرورة والحال أنها ضرورة، فهي أصل من الأصول ولكنه يقول هي ليست أصلاً من الأصول، فالتنكّر للثوابت والضروريات أمر خطير، يعني ظاهره لباس التساؤل ولكنه ليس تساؤلاً فهو يقول إنَّ هذا ليس أمراً ثابتاً، وطبعاً الضروريات والثوابت بلا شك ليس عندنا في ديننا الضروريات لا يبحث عن دليلها فإنَّ هذا ليس معنى الضروريات وليس هو معنى الثوابت فإنَّ الثوابت والضروريات هو معرفة الله عزَّ وجل وهو أس واساس المعرفة والقرآن الكريم مملوء بالاستدلال على عرفة الله تعالى وتوحيده، فلا يفهم من معنى الضروريات أو الثوابت الدينية أنه لا تبحث عن دليلها كلا بل ابحث عن دليلها، أو أنه لا تفحص عن دليلها؟!! كلا بل ابحث عن دليلها، من التوحيد الذي هو اعظم شيء إلى غير ذلك فإن العدالة مهمة عند الله تعالى، فالمقصود أن الباري تعالى كم هو فاتح منتدى الحوار على قدم وساق وهذا حوار عليم بهدف عليمي وليس ترويج وتلبيس فإن هناك فرق بين الاعلام الاذب وبين السير العلمي الجاد أما الالتباس بينهما هو خطأ، فالضروريات الثوابت أبداً ليس هناك من قائل من الأعلام أنه لا تفحص عن دليلها ولا تسأل عن دليلها، أصلاً مر بنا مراراً ان الهدف الأعظم للحوزات العلمية وأحد الأهداف لها هو ابقاء المعرفة الدينية حتى بأدلة الضروريات فضلاً عن غير الضروريات، معنى الضروريات والثوابت ليس معناه انه لا تفتح بحث وفحص علمي ونقاش علمي حول أدلة هذه الأمور، فتارة باسم النقاش تريد ان تزعزع وتوحي إلى عموم الوسط الثقافي ووسط المشاهدين ان هذا لا دليل عليه فإنَّ هذا خداع فهو يغلف الانكار والجحود بلباس الحوار فهذا بلا شك غير صحيح فليس كل حوار هو حورا علمي جاد وليس كل نقاش هو نقاش علمي جاد في الفحص العلمي، ومرَّ بنا مراراً أنَّ الفحص العلمي والفحص أمر يمدحه الوحي، أما الانكار المسبق من دون استقصاء فهو جهل وهذا يحاربه الوحي ويعاديه لأنه ليس منهجه، فهو باسم التساؤل يريد أن يحسم الأمر بسرعة رغم أنه لم يستقصي كل الأدلة وإنما في ضمن التساؤل يريد أن ينفيه وهذا جهل وهو منهج الجاهلية الأولى وهو شعار أهل الجهل باسم ثوب العلم، فهو يتساءل ويضمّن النفي والحسم بالنفي من أول الكلام وهذا ليس بحثاً ولا فحصاص علمياً وإنما هو إنكار وجحود من دون موازين علمية، ففي أي علم من العلوم هل أنت ترى أنَّ أحداً ينكر في البحث العلمي من دون أن يستقصي الأدلة؟!!، فالمقصود أنه ليس المراد من الضرورة أنك لا تسأل عن الأدلة ولا تفحص عنها وإنما أسّ الدين وهو التوحيد باب الفحص العلمي فيه على قدم وساق في كل سور القرآن الكريم فكيف بما دونه، فباب الفحص العلمي مفتوح، وهذا أحد أعظم مسؤوليات الحوزات العلمية كما مرَّ وضرورة وجودها وكثرتها وانتشارها، فأن كل قارّة تحتاج إلى حوزة علمية قوية صراحة، وإن شاء الله إلى نور الايمان انتشر في كل مكان ولكن هذا المقدار الموجود لا يكفي ولذلك توجد مسؤولية مضاعفة على هذا الجيل.

فإذاً الريب وأهل الريبة أو الريب يعني المشككون في الضروريات والثوابت ليس بداعي الفحص العلمي أما الفحص العلمي لا مانع منه، كتاب الاحتجاج للطبرسي الذي جمع فيه الحوارات والندوات العلمية التي أقامها سيد الأنبياء وسيد الأوصياء وسيدة النساء وكل المعصومين الأربعة عشر هو كتاب حافل يدل على سعة الأفق الوحياني والديني لكل حوار ولكن بهدف الفحص العلمي وليس بهدف المصارعة والحرب فإنَّ الحرب والمصارعة ليس هو مسار الوحي وإنما هذا مسار حروب، فأنت حينما تريد أن تحاور علمياً لماذا ستخدم آلية الاستهزاء؟!! فحينما استخدمت آلية الاستهزاء فهذا يكشف أن هدفك ليس علمياً وإنما هو شيء آخر، أو أنك تستخدم آلية السخرية فهنا واضح أنَّ هدفك ليس علمياً وهذا المسار ليس علمياً، وكذلك حسم النتيجة قبل استقصاء كل الأدلة واضح أنَّ الهدف منه ليس علمياً وإنما الهدف هو الجحود.

فالمهم أنَّ التفسير الأول عند الأعلام لأهل الريبة والريب هم المشككون يعني المعاندون للضروريات بلباس التشكيك فهم المعاندون والمنكرون للضروريات.

أما التفسير الثاني لأهل الريبة فقد فسره بعضهم أن أهل الريبة هم أصحاب المذاهب الباطلة سواء كانت في الفروع أو الأصول وغير ذلك، فإنَّ البطلان قابل للتصور في الآداب الاخلاقية للشريعة والرياضات الروحية الشرعية وغير ذلك، فأصحاب المذاهب الباطلة عبر عنهم بأهل الريبة، لأنَّ هؤلاء بالتالي عندهم ولو أساس من أسسهم باطل فيكون بالتالي محل ريبة، يعني تداعيات هذا الباطل الذي بنوا عليه ربما تجرهم إلى مساحات أوسع وأوسع.

وهناك تفسير ثالث لأهل الريبة والريب ذكره الأعلام حيث قالوا إنَّ المراد بهم هؤلاء اذلين يلقون كلاماً وفكراً واعلاماً - ما شئت فعبر - فهم يقومون بدور هو صورةً ليس يتنافى مع الثوابت والضروريات ولكنه مآلاً وريبةً يواجه ويزعزع الضروريات أو الثوابت.

فلاحظ هنا الحكم ليس على النوايا، كأن يقول أنا أقصد من كلامي كذا، ولكن نقول عسى أن تقصد ألف مقصد، ورحمة الله على الكثير من الأعلام عاصرناهم يقولون نحن لا نحاكم النوايا والقصود وإنما نحاكم قالب هذا الكلام فإنَّ قالب هذا الكلام مزعزع أو جاحد أو مستهزئ للثوابت، يقول مثلاً أنا ليس قصدي أن أهين هذا المعصوم، فنقول له إنه حتى لو لم تكن تقصد اهانته ولكن كلامك وأسلوبك يعطي هذا، فأنت في مكان آخر تبجل وتعم ولكن حينما تأتي إلى المعصوم فإنك لا تراعيه وهذا يسمونه غلو في طرف آخر وتقصر في حق المعصوم، فأنَّ هذا معصوم فكيف تأتي بالعبارات النابية فإن هذا غير مقبول فإن هذه مقدسات يلزم الالتزام بها، فهذا هو منهج العلماء الكبار الذين شاهدناهم فهم يقولون صحيح أنَّ القصود والنوايا يعلمها ربّ العالمين ولكن أنت إنما أنك رشيد وترعف ماذا تتكلم أو أنك سفيه فهذا كلامك هذا مؤداه، فإذا لم يكن عندك رشاد أن تتكلم بما يحسن فعليك ألّا تتكلم، فإنَّ الكلام من هذا الموقع في هذا الوسط يزعزع الثوابت ويكون استخفافاً وهذا غير صحيح، وهذا كيف ( رحم الله من جبَّ الغيبة عن نفسه، فقيل كيف يجب الغيبة عن نفسه فقال لا يتواجد في موارد التهمة )، فهذه التهمة على الصعيد الفردي فكيف بك بالتهمة على الصعيد الاجتماعي أو غيره، يعني يجب أن يكون الكلام هو الكلام في نفسه كقالب يشيد بالدين فإنَّ كلامنا في الثوابت الدينية فعليه أن يحيي الدين لا أنه يميت الدين، وفي زمن النبي سليمان أو داود قالت له امرأة أني سميت ولدي مميت الدين فقال لها بل سميه محيي الدين ولا تسمينه مميت الدين والقصة طويلة.

فالمقصود هو هذا المطلب وهو أنَّ المعنى الثالث للريبة يعني هذا دائماً عنده سلوكية تهمة فيها تعريض بثوابت الدين هذا في كلامة بغض النظر عن النوايا والقصود، فهذا الأسلوب غير صحيح، وطبعاً هذا الأمر حساس لأنك تعلن أن كل طرف يستخدم آلية ضد الطرف الآخر، ولكن إذا كان مشياً مستمرً ثابتاً بأن يكون دائماً عنده زعزعة، فهنا تكون محاكمة للكلام وليس محاكمة نية المتكلم، فإنه يوجد فرق بين محاكمة الكلام فإنَّ هذا أمر منصته الظاهر، أما أنيته فليس بتعبير فيه استهزاء بأحد الأنبياء والمعصومين وليس مرة ومرتين وإنما مراراً كثيرة فكيف يكون ذلك؟!! نعم قد يصدر مرة أو مرتين ولكن هل كل هذا يصدر من السفاهة واللا وعي؟!! إنَّ هذا غير مقبول، بل عليه أن يسكت. هذا تفسير ثالث للريبة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo