< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - صلة الرحم والزوجية وأبواب الحقوق - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

كنا في مبحث حرمة السب، ومرَّ بنا أنَّ حرمة السب في الحقيقة هي مع مجموعة أفعال عديدة من حرمة القذف أو الهجر أو الفحش أو الهمز أو اللمز أو الوقيعة أو الغيبة أو مجموعة أفعال أخرى هي داخلة في شجرة وعائلة تشريعية واحدة، وعائلة تشريعية يعني بينها ارتباط تشريعي ماهوي تنحدر من أصل تشريعي فوقي واحد، وقد مرَّ بنا هذا الكلام، ومرَّ الحديث الكثير في الموضوع والمحمول، وبقي الشيء الكثير أيضاً، ونذكر هذه الآية الكريمة اليوم لكي نبين صعوبة وغموض البحث التي لا زالت إلى الآن، والمبحث هو غير مرتبط بمسألة واحدة وإنما هو مرتبط بمسائل وأبواب فقهية عديدة إذا لم ننقح الموضوع بعمق فمقدار ما نقحناه لا يكفي ومقدار ما استعرضنا من كلمات الأعلام من تنقيحها لا يكفي، وهذا أثر كثيراً على بحث المعاملات أيضاً في تنقيح الموضوع، وطبعاً في البدء بعد أنه صورة استوفينا موضوع السب ومحمول والأدلة والروايات والأفعال الأخرى التي هي متقاربة مع حرمة السب من حرمة الغيبة وحرمة الهمز واللمز والاستهزاء والسخرية وهذه موجودة في آية الحجرات فهذه استوفيناها صورة حسب كلمات الأعلام وقد استخرجنا نكات كثيرة من كلمات الأعلام، يبقى بحث نخاعي في العمق موضوعاً ومحمولاً إلى الآن لم نستوف تنقيحه، لأنَّ الأعلام في هذه المجموعة من الأحكام التي فيها حرمة واحترام في التعامل مع الطرف الآخر سواء كانت درجته إنسان أو درجته مؤمن أو درجته مسلم أو درجته متقي أو غير ذلك فالأعلام استثنوا من هذه المجموعة من الأحكام - الحرمة والاحترام - أهل الريبة والبدع والمتجاهر بالفسق، وهذا الاستثناء قرروه كقاعدة أو كقاعدتين، ولابد من الدخول والخوض في هذه القاعدة لأنها حساسة جداً ولكن ليس الأهمية في البحث في هذا الاستثناء كقاعدة أو قاعدتين وإنما الأهمية في شيء آخر لأنَّ هذا الاستثناء وهذه القاعدة تنبهنا إلى أنَّ الموضوع والحمول شيء أعمق تنقيحه مما قد مرَّ بنا في كلمات الأعلام فلا يكفي هذ المقدار في تنقيح الموضوع والمحمول، وبعبارة أخرى إنه في الاستنباط في الأبواب للقواعد الفقهية لا يكفي أن يقتصر الانسان على العنوان الوارد في الأدلة وما شابه ذلك بل لابد أن يجري شيء من التحليل الماهوي لعنوان الموضوع أو المحمول في الأبواب والقواعد لكي تتبين له الأصول التشريعية الفوقية النازلة منها هذه القواعد فبالتالي يتبين شيء أكثر، وملخصاً بداية للخوض الآن في مبحث حساس وأعمق في الموضوع والمحمول أنَّ المشهور المتسالم عليه إجمالاً استثنوا من مجموعة الأحكام والموضوعات هذه أهل الريبة والبدع والمتجاهر بالفسق، ولتوضيح أنَّ هناك مرحلة أعمق في تنقيح موضوع هذه المجموعة من الأحكام والموضوعات حرمة الغيبة وحرمة الاستهزاء وغيرها نقرأ الآية الكريمة ونثير فيها التساؤل والآية الكريمة في سورة الانفال الآية الثانية والسبعون ﴿ إنَّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾ [1] فالآية الكريمة لم تذكر المنافقين وإنما ذكرت المهاجرين والأنصار وقال ﴿ أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾[2] فأي ولاية هذه؟ فنحن في بحث الاحترام والحرمة فاي ولاية تثبتها هذ الآية الكريمة، ثم ذكرت تتمة فقالت ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ﴾[3] أي لم يهاجروا وبقوا في بلدان الكفر أي البلدان غير الاسلامية، أو التعرب بعد الهجرة أو إذا كان يحافظ على إيمانه فيسمى تعرباً أما إذا لم يكن يحافظ على إيمانه فهذا تعرب فهذا تقسيم، ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ﴾ يعني استقروا في العيش بسبب وآخر في لدان وانظمة غير اسلامية، والطيف أنه حتى علمائنا كالشهيد الأول وغيره من الفقها أيضاً قسموا البلدان فيوجد عندنا دار الايمان ويوجد عندنا دار الاسلام وهذه من التقسيمات التي أصر عليها الشهيد الأول وهذا بحث موضوعي مهم يضفي بظلاله على أبواب فقهية كثيرة، وأصلاً هل هذه قاعدة فقهية صحيحة أو ليست بصحيحة أو ماذا؟، والسيد أحمد الخوانساري والسيد محمد الروحاني كانا يصرّان على هذه القاعدة الفقهية، فيوجد عندنا دار الايمان ويوجد عندنا دار الاسلام ورتبا عليها وفاقاً للشهيد الأول وغيره من الأعلام أموراً، والشهيد الأول بحثه في التعرُّب، حرمة التعرب ووجوب الهجرة في مقابل التعرّب وطبعاً ليس كل تواجد في البلدان غير الاسلامية موضوعاً هو تعرب فهذا ليس بالضرورة، نعم غالبا هو كذلك ولكن ليس بالضرورة، والمبحث الذي نحن في صدد الدخول فيه ليس من الأهمية بقدر هذا المبحث المشترك الذي نريد الدخول فيه، وهو أنَّ الشهيد وجلمة من الأعلام كقاعدة فقهية في الأبواب الفقهية رتبوا عليه أحكاماً فإنه يوجد عندنا دار الايمان ودار الاسلام ودار الكفر فتوجد ثلاث دور، فلاحظ أليس هذا مبحث مرَّ بنا وهو الاسلام والايمان فإنه غالباً مبحث الفقهاء في الأبواب الفقهية في الاسلام الايمان البعد الفردي مؤمن أو مسلم وماهي أحكام المؤمن وما هي أحكام المسلم، والشهيد الأول وأنا لا أريد أن أقول هو أول من آثار ذلك ولكن الآن حسب ذاكرتي في بحث الهجرة وغير ذلك بحثه هو، ومن يتابع يجد أن هذا مبحث المباحث وقاعدة القواعد، وهذا المبحث اثارته من الشهيد الأول أن أحكام الاسلام وأحكام الايمان ليس على صعيد فردي فقط وإنما على صعيد ظاهرة اجتماعية وعلى صعيد النظام السياسي أو الاجتماعي، وهذا بحث مهم وهو أنه يوجد عندنا أحكام الاسلام وعندنا أحكام الايمان على الصعيد السياسي والاجتماعي غير أحكام أصل الانسان بأن يكون الانان كافرا أو غير كافر، أما في هذا المبحث الاسلام والايمان وأحكام الاسلام وأحكام الايمان التي يبحثها الفقهاء في أبواب كثيرة وبحثه علماء الكلام لا يقتصر على البعد الفردي كما هو رائج وإنما هذا التركز من الشهيد الأول من هذان العلماء وربما الأعلام الآخرين أن احكام الاسلام والايمان يمكن فرضه على صعيد البنية الاجتماعية، وعلى صعيد النظام السياسي أو النظام الاجتماعي سواء كان نظاماً اجتماعياً سياسياً أو غير السياسي، فإذاً توجد عندنا دار الايمان وتوجد عندنا دار الاسلام، وهذه نكتة مهمة جداً ومبحث حساس، وتوجد عندنا دار الكفر أو دار الصلح، والصلح لليس تفرضه مع فرد وإنما يمكن أن تفرضه مع مجتمعات أخرى ودار المعاهدة ودار الذمة، فلاحظ أنَّ الدور تخالف، والدور بمعنى البلدان والأنظمة الاجتماعية والبنية الاجتماعية وهذه مباحث حساسة في الأحكام والحقوق بين المكونات البشرية المختلفة يجب أن نلتفت إليها كموضوع كيف نقحها الفقهاء وكيف يتصيدها الباحث.

نعيد إلى الآية الكريمة في سورة الانفال وهي آية مهمة جدتً هي من محكمات آيات الأحكام، وهي:- ﴿ إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ﴾[4] يعني المهاجرين في المجتمع النبوي في المدينة المنورة كنموذج للدولة المثالية، وهي الدولة النبوية في المدينة المنورة، وهذا التعبير عبر به الكثير من القانونيين والباحثين في الفقه السياسي، ﴿ والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ﴾ وهؤلاء هم الأنصار والآية الكريمة تثبت الولاية بين المهاجرين والانصار، وهذه ولاية في بعد، نحن لم نثر السؤال إلى الآن، ثم قالت ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا فمالكم من ولايتهم من شيء ﴾ مع أنهم مؤمنين ولكنهم بقوا في مجتمعات دار الكفر أو دار الصلح أو دار المعاهدة، هذه فرقة ثالثة ذكرتها الآية الكريمة والقرآن الكريم هنا ساكت عن الفرقة الرابعة والخامسة وهي المنافقين فهو يثبت المنافقين ولكنه لم يذكرهم هنا، فهنا الآية الكريمة قالت ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجرا ﴾ فأيّ ولاية ينفيها القرآن الكريم، فحتى نعرف هندسة القرآن لموضوعات الأحكام ما هي من حرمة وحقن الدماء والأعراض فهنا أي شيء ينفيه القرآن الكريمة فهم مع أنهم مؤمنين ولكن ماداموا يعيشون في مجتمع ونظام غير إسلامي فما لكم من وريتهم من شيء فأي ولاية يقصدها القرآن الكريم؟، ثم قالت الآية الركيمة ﴿ ما لكم من وولايتهم من شيء يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ﴾ فما معنى هذا فالقرآن الكريم يريد أن يفرق بين البعد المدني اعلماني للبشر والبعد الديني فإنَّ البعض هكذا توهموا من مفاد الآية الكريمة والحال أنَّ هذه قاعدة، فهي قالت ﴿ ما لكم من ولايتهم من شيء ﴾ يعني البعد الدنيوي المدن المعيشي مالكم من ولايتهم من شيء فهل هكذا معنى الآية الكريمة أو هو شيء آخر؟، فلاحظ هذا تنقيح للموضوع بشكل أعمق واغمض لكل مجموعة الأبواب والمسائل، فهي قالت ﴿ ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ﴾ ثم يستثني ويقول ﴿ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصرة ﴾ أي ليس في الدنيا وهل القرآن الكريم يفرق بين الدين والدنيا؟ إنَّ هذا مشرب علماني، ولكن ماذا يريد أن يقول؟، فماذا يعني القرآن الكريم من ولايتهم فهو كأنما يميز بين ولايتهم الدنيوية والدينية أوليس الدين هو الدنيا أيضاً، فمن الأول كان كلام العلمانيين هو هكذا، فمن الأول في بحث أبواب المعاملات أنَّ حرمة الربا هل هي حرمة دينية أو هي حرمة فيها بعد مدني؟، فحرمة المعاملات في المكاس بالمحرمة هل الحرمة هي حرمة دينية دون الدنيوية فهذا مرَّ بنا أنه لا يمكن التفوّه به فكيف يقول القرآن الكريم ﴿ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصرة ﴾، فهل هذا بعد ديني وكأنما استثناء من ﴿ ولم يهاجروا ﴾ بعد معيشي دنيوي مدني تعايشي، وإذا تراجعون كتب تفسير آيات الأحكام في ذيل هذه الآية الكريمة أو كتب المفسرين هذه الآية الكريمة ملحمة في التشريع الاسلامي وتشريع القواعد في ابواب الفقه ومن المهم مراجعة الكلمات في ذيل هذه الآية الكريمة سيما للوصول إلى هذه النكتة وهي أنه ماذا يريد القرآن الكريم من قوله ﴿ فما لكم من ولايتهم من شيء ﴾ ثم استثنى ﴿ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصرة ﴾[5] ، فهل الولاية في الدين شيء والولاية في الدنيا شيء آخر أو ماذا فموضوع البحث ما هو وهل توجد حرمة واحترام واحترامات وحقوق في الجانب المعيشي المدني فهل هكذا يؤسس القرآن الكريم في قبال الحقوق الدنية، فهل توجد ولاية دينية وتوجد ولاية مدنية فهل الآية الكريمة في هذا الصدد أو ماذا، وبالتالي هذه بحوث حرمة السب وحرمة الغيبة وحرمة الهمز واحترام الطرف الآخر والطرف الآخر قد يكون إنساناً وقد يكون مسلماً وقد يكون مؤمناً فهل ينقسم موضوعه بهذا التقسيم المشار إليه في الآية الكريمة أم ماذا؟ تعال هذه الآية الكريمة هي أصل تشريعية فوقي يضفي بظلاله على قواعد فقهية كثيرة فضلاً عن المسائل الفقهية الأخرى، فكيف نقرأ هذا التقسيم؟ مرَّ بنا أنَّ الشهيد الأول يقول يوجد دار الايمان ودار الاسلام ودار الكفر ودار الصلح ودار المعاهدة وهلم جرا، فالبحث تنقيحه موضوعاً كأنما رجعنا إلى المربع الأول، فهو بحث حساس، وأكثر علماء الامامية الثير من آيات الأحكام ليست منسوخة مطلقا وإنما هي منسوخة في الارث ولكن الآية الكريمة لم يقولوا إنَّ كل مضامينها وجهاتها منسوخة فكيف تفكك الآية الكريمة بين ولاية الدين وولاية الدنيا فهل القرآن يقسّم هكذا أو ماذا؟، ونحن في أصل التشريع مرَّ بنا أنَّ حرمة الربا يعني إذا أرادت أن تستدين فقد حرم أما إذا أردت أن تتعاطى بالربا بما هو بعد مدني فبعض البحوث الفقهية في المذاهب سواء كان في الامامية أو غيره بعضهم احتمل هذا الاحتمال ود قلنا إنَّ هذا خطأ لأن القرآن الكريم يقول في آية الربا ﴿ فإن لم تنتهوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله ﴾ فإن الدين جاء ليصحح الأعراف وفق الرؤية الدينية، الآن هذه الأزمة الاقتصادية التي تقصف بالعالم كلّه وقد وصلت إلى رأس الأفعى الاقتصادية وهذا كله بسبب عدم التقيد بتشريعات الأديان السماوية الثلاثة، حرمة الربا وحرمة القمار وحرمة غسيل الأموال وهي أكل المال بالباطل، فلاحظ أنَّ هذه أعمدة في تشريع الأنبياء ليست منسوخة كما يقول الامام الصادق عليه السلام، فهي التي سببت عواصف خمسة عشر سنة وتنذر بطبول الحرب المدمرة في الأرض ذلك بسبب مخالفة منظومة التشريع، ﴿ فأذنوا بحرب من الله ورسوله ﴾[6] فإذا كانت تشريعات أصول المحرمات في التشريع السماء تريد أن تفرضها على الأرض فكيف يميز القرآن ببين الولاية المدنية الدنيوية والولاية الدينية فما حدى عما بدى ؟!! فحتماً القرآن الكريم ليس في هذا الصدد، فإذاً كيف يميز وكيف يفصّل؟ إنَّ هذا مبحث حساس، يعني نفس التساؤل عن موضوعات الأبواب والقواعد يجب التركيز عليها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo