< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - صلة الرحم والزوجية وأبواب الحقوق - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

مرَّ بنا أمس بحث صلة الرحم وبحث العشرة الزوجية ونذكر نكتة قبل أن نذهب إلى باب آخر من البواب الروائية مرتبطة بصلة الرحم أيضاً ومرتبطة بالعشرة الزوجية، وهذ النكتة ذكية جداً وهي توصية من ربا العالمين والكثير ربما لم يراعِ توصيات القرآن الكريم لجهله بهذه النكتة الذكية، يعني يجد الانسان في باطل نفسه تبرّم بأنَّ هذا الرحم كيف قاطعني وأنا أصلة والحال أني لم أفعل له شيئاً، أو في باب الزوجة أو غير لك، والاشتباه هو أنَّ المكلف يظن وجوب صلة الرحم حتى إذا كان الرحم ظالماً يظن بأنه ينقاد إلى هذا الرحم الظالم كيفما يريد أن يلعب أو أحد الزوجين إذا كان ظالماً للآخر ابقاء هذه العشرة بأنك أحد الزوجين ينقاد للزوج الآخر كما يشاء أحد الوجين في الظلم، فغالباً يتبادر إلى ذهننا هذا الشيء، وهذا خطأ فإن هذا ليس هو المراد فإنَّ صلة الرحم وابقاء العشرة بالمعروف ليس المراد منه أنك تذوب وتنقاد لظلمه وإنما المراد هو أك لا تقطع الرحم - وهذه هي النكتة الذكية في التشريع - لا أنه لا تحذر من الرحم، فلاحظ أنَّ التعبير القرآني العجيب فإنه يقول ﴿ إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم ﴾ فهو جمع بني الاثنين صلة الرحم والزوجية، وقد مرَّ بنا أنَّ صلة الرحم والعشرة الزوجية فيها حق الله ولكن هذا لا يعني أنقاد وأذوب في ظلم الطرف الآخر الرحم أو الزوج، كلا بل ﴿ إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدو لكم ﴾ فماذا تصنع فهل تعاديهم أو تعاقبهم أو تجازيهم أو تكرههم أو تحقد عليهم أو أنك تدع الأمور منفلتة فإنَّ الكثير حينما تقول له لا تبغض ولا تكره ولا تحقد فيقول إذاً ماذا أفعل فهل أجعله ينفلت؟ ولكن نقول: -كلا بل لا يجعله ينفلت ولا تحبّه وتذوب فيه، وهذا اشتباه يصير عند الكثير من المؤمنين، فإنَّ مشكلة العناوين الاخلاقية التي هي عناوين لأحكام إلزامية معقدة ومبهمة وغامضة جداً، وأكثر معاصي المؤمنين هو لأجل الجهل بهذه العناوين الأخلاقية حيث يمزج بين هذا العنوان وذاك وهذا خطأ، فلا تكره ولا تبغض ولا تحقد ولا تتخذه عدواً، فإنَّ القرآن الكريم يقول عن الشيطان ﴿ إنَّ الشطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ﴾[1] ، ولكن لا تتخذ الزوجة أو الرحم عدواً، فصحيح أنها عدو ولكن لا تتخذها عدواً فإنَّ هذا لا يجوز، فلاحظ كيف هو حق الله تعالى، فإنَّ هذا البيت والأسرة أسست على دين الاسلام وأنه ( ما بني بيت بعد الايمان أعظم من زوجة صالحة )، وهذا وارد في الروايات، فالمقصود أنَّ الآية القرآنية الكريمة تقول لا تقابل وتواجه بالمثل من اعتدى عليكم لو كان رحماً أو زوجة فإنه بالنسبة إلى الأرحام وبيت الزوجية ليس كذلك، بل حتى بين المؤمنين الصحي ان لا تجازيهم، وهل أجعل الأمو منفلتة؟ يقول القرآن الكريم عليك أن تكون ذكياً وكن ذو دهاء فإنه ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )، فعليك أن تحذر، وأحذر يعني عليك أن تأخذ عبرة مما تقدم سابقاً ولا تجعل هذه الأخطاء السابقة التي لدغت منها أن تتكرر، فالحذر لا بمعنى عقوبة ومعاقبة وإنما لا تعاقب ولا تحقد ولذلك التعبير في تتمة الآية ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ﴾[2] ، وما الفرق بين العفو والصفح والغفران؟، فإنَّ الحذر لا ينافي العفو والصفح والغفران، وما هو معنى العفو ما معنى الصفح؟ العفو يعني أن لا تجازيه، والصفح يعني لا تركز وكأنما أدر بصفحة وجهك عما مضى، وهذا لا يعني أنك لا تحذر ولا تأخذ العبرة، كلا بل لا تجعله يغلي في قلبك، أما اغفر يعني غطِّه، وكيف يغطيه وتحذر في نفس الوقت؟! وهذا عجيب فإن القرآن الكريم قوامه اعجازي وهذه الآية القرآنية اعجاز في التشريع الاسلامي، وبأيّ مدرسة تستطيع أن تفسر هذا النظام فإنك لو سألت أي تسيع قانوني فسوف يقول لك إنَّ هذا تناقض فمن جهة تصفح ومن جهة تحذر فمن جهة تغفر ومن جهة تحذر كيف يمكن الجمع؟، فلاحظ هذا الاعجاز في تشريع القرآن الكريم، إذاً معنى أن لا تجازي رحمك أو أنَّ أحد الزوجين لا يجازي الآخر لا أنه لا يحذر، وليس معناه أنه يذوب في خطأ الطرف الآخر، وليس أنه لا يتوقى لدغاته السامة، ولكن هذه الزوجة أو الزوج منك وفيك وكذلك الرحم منك وفيك فلا يصحّ لك أن تبتره وإنما يلزم أن تعالجه بطريقة معينة، وهذه نكتة ذكية جداً، نعم هي صلة رحم ولكن لا يعني ذلك أنك تصير ساذجاً.

والعجيب أنَّ ﴿ فاحذروهم ﴾ لم يقيدها القرآن الكريم بمقدار، فلاحظ أن الحذر غير البغض وغير العداوة، فإن الحذر هو كمال من الكمالات العظيمة، من أوصاف سيد الأنبياء مع أنه لا يسيء الظن بالآخرين مع أنه توجد دلائل كثيرة على نفاق الآخر ولكن مادام يوجد لتغطية الظاهر مجال فكان يبني في التعامل معهم على الظاهر حتى قالوا ﴿ ويقولون هو أُذُن ﴾[3] يعني ساذج والعياذ بالله والحال أنَّ سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أحذ الناس من الناس، فإنَّ الحذر الذي يمتلكه سيد الأنبياء صلى اله عليه وآله وسلم لا مثيل له، وهو دهاء وحياني لا يوصف.

فالمشكلة هو في خلط هذه الأمور، الآن مثل التعايش مع الطرف الآخر ولكن هذا لا يعني أنك تعال اجعل المؤمن ساذجاً فإن هذا خطر فإن المؤمنون إذا لم يأخذوا اليقظة والأهبة فهذا خطر عليهم فكم من لسعة لسعوا، نعم المداراة وإخماد النائرة ولكن هذا لا يعني أن يصير المؤمنون سذَّج فإن هذا لا يجوز اصلاً فإن الاستعداد والأهبة أمر مهم، فلاحظ الآية الركيمة تقول ﴿ إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم ﴾ ، فالمقصود هو هذا المطلب وهو أنه ليس معنى لزوم صلة الرحم أو لزوم ابقا العشرة الزوجية معناه أنه لا تحذر أو أنك احذر بمقدار عشرون بالمائة أو سبعون بالمائة وإنما عليك أن تحذر ألف بالماءة أو مليون بالمائة فإنَّ هذا لا مانع منه ولك يلجب على الانسان أن يلتفت إلى فرق الحذر عن سوء الظن أين هي الفوارق الفقهية، فإن سوء الظن شيء والحذر شيء آخر والكثير من المؤمنين يخلط في ذلك فإن سوء الظن شيء والحذر شيء آخر فإنَّ ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين )، يعني إذا كان مؤمناً فيجب أن تكون هذه الخاصية فيه ولكن تصير عندنا غفلة كبيرة، ولذلك الحذر حتى مع أقرب الرحم وحتى مع الزوجة أو الزوج والذي هو لصيق للإنسان فإن الحذر لا مانع منه، فإنَّ الحذر شيء وسوء الظن والتهمة شيء آخر، والكثير من المؤمنين يخلط بين الحذر وبين التهمة فإذا قيل له احذر فيذهب ويتهمه والحال أنَّ هذا غير صحيح، فهو يخلط بين التهمة وسوء الظن والإعراض وهذا لا يجوز، بينما الحذر شيء آخر، فإذا رتّب على الظن أنه واقع حقيقي فهذا هو سوء الظن الحرام، أما الحذر فقلَّ ما يقع، فالحذر لما يأتي يعني من دون أن تبرز شيئاً او تحكم على الطرف الآخر بشيء وإنما هو اجراء تدبيري، فالحذر أن تحول بين وقوع الخطأ مرة أخرى، وأما التهمة فيه شيء غير محقق ولكن أنت تجعله محققاً، والتهمة سلوك غير قانوني والقانون يردع الذي يقوم بالتهمة، هذا من البداية أما بعد وقوع الجناية مثلاً وحصول اللوث فهذا بحث آخر، فالكلام نفس الكلام فتارة التحريات الجنائية فهذه لها مجال ولكن هذا بحث آخر أما كلامنا الآن فهو في سوء الظن من البداية، فالمهم أن الحذر غير التهمة وسوء الظن، أصلاً في الحذر أنت لا تبرز شيئاً وإنما من الداخل عليك أن تقوم بالتدبير، فأنت قد لا تبرز إليه شيئاً وإنما قد توصيه بأمورٍ هو لا يشعر بأنها وقاية من كذا وكذا من أعماله، فالمهم أنَّ هذا بحث طويل وعادةً ما يخفى على ذوي الألباب فضلاً عن غيرهم، فالحذر لم ينه عنه الشارع أبداً بل يعتبر المؤمن كيّس فطن، يعني عنده حذر وهذا من دون حدود ومن دون درجات.

أما الآن فنذهب إلى الباب القاني والسبعون وهو ( باب تحريم البذاء وعدم المبالاة بالقول): -

الرواية الأولى: - صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما ال ولا ما قيل له فهو شرك الشيطان ).[4]

الرواية الثانية: - وهي معتبرة أيضاً بطريق سليم بن قيس وهو نفس الطريق إلى كتاب سليم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لبغية[5] أو شرك شيطان[6] ، قيل:- يا رسول الله أفي الناس شرك شيطان؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: - أما تقرأ قول الله عز وجل "وشاركهم في الأموال والأولاد" ؟!! ).[7]

الرواية الثالثة: - وهي صحيحة أيضاً وهي عن ابي عبد الله عليه السلام قال: - ( البذاء من الجفاء والجفاء في النار ).[8]

الرواية الرابعة: - هي وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام قال: - ( يا علي حرّم الله الجنة على كل فاحش بذيء لا يبالي ما قال وما قيل له، يا علي طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ).[9]

الرواية الخامسة: - معتبرة ابي عبيدة الحذّاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( الحياء من الايمان والايمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار )،[10] وهنا واضح أنَّ الحرمة مطلقة وليست مقيدة بالمسلم أو المؤمن أو غير ذلك بل الفحش لا يجوز الفحش حتى مع الحيوان، وقد مرَّ بنا إنَّ هذا ليس حكماً حقّياً فقط وإنما حكم حق الله تعالى، وتوجد أمثلة على ذلك ولكن لا يصح ذكرها هنا، ( كان أمير المؤمنين يمر على طريقٍ فرأى دابتان تتفاسدان فأعرض بوجهه ) ولماذا أعرض بوجهه؟! هو هذا الكريم أبو الكريم أخو الكريم هو هذان فهم عليهم السلام نجبا.

الباب الثالث والسبعون: - وهو ( باب تحريم القذف حتى للمشرك مع عدم الاطلاع ):-

الرواية الأولى: - وهي معتبرة: - ( كان لأبي عبد الله عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه فقال يوماً لغلام يا ابن الفاعلة اين كنت، قال:- فرع أبو عبد الله يده فصك بها جبهة نفسه ثم قال:- سبحان الله تقذف أمه ؟! قد كنت أرى أنَّ لك ورعاً فإذاً ليس لك ورع، فقال: - جعلت فداك إنَّ أمه سندية مشركة، فقال: - أما علمت أنَّ لكل أمة نكاحاً تنحَّ عني فما رأيته يمشي معه حتى فرّق بينهما الموت )[11] ، ولذلك أفتى الفقهاء القذف حرام حتى مع الكافر الحربي، فلاحظ أنَّ هذه درجة لا ترتبط بالمسالم وإنما الموضوع فيها آخر، فبالتالي لا يسوع للمؤمن أن يتجاوز ويتطاول ويتعدى، فلاحظ كيف أنَّ هذه الأحكام دقيقة.

الرواية الثانية: - ( إنَّ لكل أمة نكاح يحتجزون به عن الزنا )، فإنه وإن اختلف الزنا في التشريعات للأمم وضعيةً كانت أو سماوية ولكن لابد من رعاية هذه الأمور.

الرواية الثالثة: - وهي معتبرة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام: - ( قال:- قلت إنَّ بعض أصحابا يفترون ويقذون من خالفهم، فقال: - الكفُّ عنهم أجمل ) ، وهذه الرواية استفاد منها البعض أنه تنزيه وليس تحريماً، ولكن تلك الرواية التي مرت بنا عن الصادق تختلف ولا يوجد تنافي بين هذه الرواية وبين تلك الرواية وبين هذه الرواية لأن الموضوع يختلف، ( فقال الكف عنهم أجمل، ثم قال:- يا أبا حمزة والله إنَّ الناس كلهم ..... ما خلا شيعتنا، ثم قال: - نحن اصحاب الخمس وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا )[12] ، وقد مرَّ بنا أنَّ العوض إذا كان من حق الغير فلا تتم معاوضة النكاح، وهذا قد شرحناه سابقاً في بحث غسيل الأموال وأنَّ هذا البيان الذي يذكره عليهم السلام هو بيان صناعي معاوضي.

وسنذكر بقية الروايات.


[5] أي زانية.
[6] يعني أن نطفته عقدت مع الشيطان أما أنه كيف يشارك الشيطان في عقد النطفة فذها بحث فلسفي طويل وهذا مما تواتر في الآيات والروايات وفي العلم الحديث لم يتوصلوا إلهي ولكن في العلوم الرحية قد كشفوا عنه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo