< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - درجات الأخوة والولاء - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

تحصل مما مرَّ أنَّ الاحترام والحرمة بمعنى الاحترام ينشأ منها طبقات ثلاث من الأفعال، الطبقة الأولى التي هي أفعال منهي عنها - أي محرمة - وهذه بما تكون لعموم الانسان أو لعموم المسلم ولكن شريطة أن لا تكون هناك عناوين مسقطة للحرمة والاحترام، والطبقة الثانية الأفعال الوجودية أي وجوب لأفعال وجودية، فإنَّ الوجوب للأفعال الوجودية هذه هي الطبقة الثانية غالباً مأخوذ فيها الاسلام أو المسلم الواقعي أو الايمان إلا ما استثني، والطبقة الثالثة وهي المرتبطة بالولاء والمودة وهذه مأخوذ فيها الايمان بل ربما شراط أخرى أيضاً.

والمحصّل مما مر ليس فقط هذا التقسيم الثلاثي، يعني سواء في أبواب عديدة أنه علاوة على هذه التقسيمات الثلاثة أيضاً الأدلة أخذت عناوين أخرى، مثلاً على خلاف ما يتخيل ليس الكافر بما هو كافر ين معه الحرب أو غير ذلك، كلا بل لكونه محارباً والمحارب يعني عنده عدوان والعدوان غير العداوة كما مرَّ أمس، يعني يتخيل أن العداوة هي العدوان ولكن هذا غير صحيح وإنما هما عنوانان فغن عنوان المعتدي غير عنوان المعادي، فإنَّ المعادي غير المعتدي، فإنَّ المعادي يكيد ويمكر ولو بالحرب الناعمة فهذا معادٍ، أما المعتدي فهذا بنحو عملي خارجي عنده تجاوز على حقوق الطرف الآخر وهكذا يهتك الحقوق والاستحقاقات، فالمعتدي إذاً يختلف عن المعادي، فإنَّ عنوان المعادي شيء وعنوان المعتدي شيء آخر، وأكثر الأدلة التي فيها ربما حرب ساخنة مع الطرف الآخر إما أن يكون حربي أي عنوان ( قاتلوكم ) أو عنوان ( معتدي ) أو ( محارب ) فهذه العناوين يجب الالتفات إليها، بينما القراءة السطحية الساذجة للأدلة وللأبواب الفقهية يقول الكافر بما هو الكافر والحال أن الأمر غير ذلك، فإذاً العنوان شيء آخر.

فالعناوين ربما اثنا عشر عنواناً أو أكثر واردة في الزيارات المروية عن أهل البيت عليهم السلام، وهذا أحد البراهين في الزيارات العظيمة أنها فيها تشريع قانوني معجز، ولماذا سمي معجزاً لماذا نيمه برهاناً؟ باعتبار أن هذه التشريعات للتو البشري توصلت إليها، فنفس هذه التشريعات هي ذروة في الفكر والوعي البشري والعقل البشري الذي ينبذ القومية والعنصرية والعصبيات الأخرى وما شابه ذلك ويجعل الانسانية كبيت واحد من دون حدود جغرافية وغير ذلك، والآن تهتف بها لبشرية فهي تريد أن تتخلص من الزنزانات الكرتونية باسم الوطنية وهلم جرا، كما الآن مطالبة البشر بنبذ البشرية، يعني وعت البشرية إلى أن هذه الحدود توجدها الرأسمالية ويوجدها الاستئثار إلى أنفسهم والحال أن الشعوب ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل، فعلى أية حال هذه الحدود والفوارق بين البشر كلها تصب في جيب الاقطاعيين والطبقات المستأثرة ليس إلا، وهذا وعي بشري جديد في القانون ولكنه موجود في تشريع قانون الروايات ولذلك هو ومعجز، فهذه الزيارات تنبه على ما في القرآن الكريم أنه إذا كان هناك باب معين من أبواب الفقه في حكم معين من الأحكام الفقيه فلا تلاحظ فقط العناوين التي مرت أصل الانسان أو المسلم أو المؤمن، كلا بل هناك عناوين أخرى مثل ولي وعدو ومحب ومبغض وعدو وصديق ومعتدي ومسالم ومصالح ومشاقق ومحادد ومحارب إذا هذه عناوين عديدة لا فقط العناوين الثلاثة، فتلك العناوين الأخرى لها دور أكثر ومدخلية في موضوعات الأحكام من تلك العناوين الأخرى، وهذا هو ما توصلت إليه حتى العقلية البشرية التقنينية في يومنا الحاضر، وهذا اثارة مهمة جداً في البحث الفقهي وهو أن الآيات والروايات آخذة لعناوين أخرى ليس فقط صرف الانسان بما هو إنسان أو صرف الايمان بما هو إيمان أو صرف الاسلام بما هو إسلام بل تأخذ عناوين أخرى وتلك العناوين الأخرى هي موقوم وأسا للموضوع والآن لا يسع المجال لاستعراض كل الآيات والروايات ولكن نخرج بصناعة فقهية مهمة لأنه من الخطأ إذا وجدنا حكماً رتب على موضوع في باب فقهي نأخذ قراءة ذلك الباب الفقهي بسطحية ونقول اخذ موضوع الاسلام أو أخذ موضوع الايمان أو أخذ موضوع الانسانية، كلا بل هو قد يكون أخذ أحكام المسالم وهذا لا صلة له بأن يكون مسلماً أو مؤمنا أو إنساناً فإن المسالم أحكام هكذا أو المحارب أحكامه هكذا أياً ما كان، ﴿ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ﴾، فلاحظ هنا أخذت الآية الكريمة عنوان الباغي والبغي، فإذاً الحرب الساخنة أين والحرب الناعمة أين والموالاة أين والتعايش أين، فإذاً هذه طبق من الدرجات والأحكام يجب أن نلاحظ عنوان الموضوع فيها فإن هذا مهم جداً، وكذلك قوله تعالى ﴿ والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء إلا أن يستنصروكم في الدين ﴾ لأنهم كان تحت نظام سياسي آخر، ﴿ إلا أن يستنصروكم في الدين ﴾ يعني حتى إذا كانوا مسلمين مؤمنين ويكنهم يعيشون في أنظمة أخرى ليس أنظمة مسلمة، فـ ﴿ فما لكم من ولايتهم من شيء ﴾ هذه ولاية البعد المعيشي الأمني، فانتم لستم مسؤولون عن رعايتهم لأنهم قبلوا أن يعيشوا تحت ظل نظام كافر، نعم ﴿ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصرة ﴾ فقط بقيت بينكم وبينهم ولاية دينية وليست ولاية معيشية، فإذاً المقصود إذا كان مسلماً مؤمناً وهو قنع بأن يبقى تحت نظام آخر غير إسلامي فهنا ليس الحق في أن يطالب بالرعاية المعيشية، بينما إذا كانوا كفاراً تحت نظام مسلم فهؤلاء لهم حق الرعاية المعيشية لأنه مسالم فهذه الآية الركيمة في سورة الأنفال تفرز الأحكام، فلذلك هذه أحد آفات الهجرة وهي أن يكون الولاء الدنيوي أو المعيشي لذاك المؤمن أو المسلم تحت رعاية الطرف الآخر وهذه فيها امتحان شديد من هذه الجهة.

إذاً إجمالاً أنه علاوة على هذه التقسيمات الثلاث والطبقات نلاحظ أن هناك عناوين أخرى مهمة مثل مسالم ومصالح ومحارب ومشاق ومحادد ومعادي ومعتدي وموالي ومحب ومبغض فإذاً هذه العناوين لابد من أخذها بالحساب بشكل دقيق في مواضيع الأحكام والأبواب وهلم جرا.

إذاً الأحكام في الأبواب الفقهية مأخوذ في عناوين متعددة في الأبواب متنوعة يجب الالتفات إليها.

ولا بأن أن نخوض في هذا الأمر وهو أن البراءة وهي ماذا تعني؟ إنها في قبال الموالاة، فتوجد موالاة وتوجد براءة، وليس كما يتخيل الكثير أن البراءة تعني أنها حرب ساخنة، كلا ، ولا البراءة تعني حتى بالضرورة الحرب الناعمة، كلا وإما البراءة تعني تخطئة منهج وعدم تبني منهج معين وتخطئة ذلك المنهج وعدم تشييد ذلك المنهج وتضعيفه ولو فكرياً، كما أنَّ البشر الآن بينهم سجال إلى ما شاء الله في أي مكان افترض في النظام المصرفي أو حول أي مبحث من مباحث الطاولة البشرية فإنه تتم بينهم مداولات في أمور كثيرة وأشد ما يمكن من التخطئة والتصويب والنقض والابرام، وهذا نوع من البراءة، يعني يقول إن هذا النظام الصحي فاشل وخطير على البشر فلا نفسح له المجال فهذا نوع من التبري، يعني أنك لا تتبناه بل تسعى بكل الوسائل حتى ولو كانت السلمية أن تقف أمامه اعلامياً توعوياً ارشادياً، فالتبرّي ليس معناه أنه تقوم بحربٍ ساخنة، كلا وإنما أصل التبرّي هو هذا معناه، أما إذا انجر إلى الحرب الساخنة لأنَّ الطرف الآخر يشن قتالاً فهنا يصير الانسان مقاتلاً محارباً، ولذلك أنت لاحظ في احتجاج النبي صلى الله عليه وآله سلم وأمة أهل البيت عليهم السلام، لأنَّ هذه دراسات أقيمت الآن في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة ان النبي والأئمة عليهم السلام ابدا لم يستخدموا الحرب الساخنة مادام الطرف الآخر لم يستخدمها، حتى الحرب الناعمة بمعنى الحرب ايضاً لم يستخدمونها إذا الطرف الآخر لم ستخدمها، أما إذا كان سجالاً فكريا فهم لا يفترون عن السجال الفكري، نظير ما صنعه سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فإن مكث سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم في مكة أكثر من مكثه في المدينة المنورة فهو مكث في المدينة المنورة عشر سنوات بينما مكث في مكة ثلاثة عشر سنة فهو يستخدم سلاحاً حتى أنه لم يستخدم مقاطعة اقتصادية وإنما هم استخدموا المقاطعة الاقتصادية وأيضاً لم يستخدم المقاطعة الاجتماعي ولكن سجال فكري على قدم وساق، لأنه خاف أنه بقدرة وقوة السجال الفكري عند سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أن يسحب البساط من تحت أرجلهم، فلذلك هم وتروا القضية إلى اغتيال وقتال، وحتى حينما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً لم ستخدم معهم الحرب الساخنة وإنما هم استخدموها حيث صادروا أموال المسلمين وغير ذلك، وحتى معركة بدر، ونحن لا نريد الدخول في تفاصيلها ولكن أصل الحرب في بدر هي بسبب قريش نفسها وليس بسبب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تماماً هو في موقع الدفاع، فعلى أي تقدير لاحظ إذاً الذي صعد الموقف هم قريش أيضاً، وحتى حنين فإنَّ هوازن هم الذين صعدوا وكذلك خيبر هم الذين صعّدوا وإلا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه هي سيرته وهي أن باب السجل مفتوح، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فهو يقول عن الخوارج ( لهم ما علينا من بيت المال ومساجدنا أبوبها مفتوحة لهم ما لم يشهروا السلاح )، فالخوارج م الذين شهروا السلاح على وقتلوا ما قتلوا وفتكوا بما فتكوا، وهم مثل أصحاب الجمل حيث أنهم هم الذين بدأوا بقتل العشرات من المسلمين من شيعة أهل البيت وكذلك صفين، فانت ترى حروب النبي صلى الله عليه وآله وحروب أمير المؤمنين عليه السلام كلها دفاعية، وذكرت لكم أنه يوجد منظّر استراتيجي في نظام ومقالته موجودة في جريدة الرياض يقول إن الانتقال السلمي هذا لا يوجد في عهد البشر من الأولين والآخرين إلى يومنا هذا إلا في شخصيتين فقط في النبي وعلي فقط، وهل سمعتم بهذا البحث أو لا فهو بحث عصري عليه جدل كبير وهو أنه كيف يتم للبشر أتداول السلطة بطريق سلمي فإنَّ هذا خيال، فلا أحد توجد عنده سلطة يعطيها لك فهو لا يعطيها إلا أن تسيل الما، فهو يقول إنَّ الذي يستطيع أن يداول انتقال السلطة بشكل سلمي لا يوجد في التاريخ كله فلاحظ هذه معجزة سيد الأوصياء عليه السلام، وهذا ليس شيعياً وإنما هو منظر استراتيجي - ولعل اسمه عبد الله غيلة - فهو يقول فقط في التاريخ يوجد شخصيتان ثبت فيها الانتقال السلمي، وطبعاً حتى الامام الحسن والحسين عليهما السلام أيضاً كذلك ولكنه قصر النظر عنهما وكذلك سيرة الأئمة هي هكذا فهو عنده قدرة في أن يسحب البساط من تحت الطرف الآخر من دون أي حرب ناعمة أو حرب ساخنة وإنما فقط سجال فكري ويبقي السجال الفكري حتى في عهد حكومته على حاله، وأنا لا أريد التوغل في البحث كثيراً وإنما نرجع إلى نفس الفكرة وهي أن سيرة سيد الأنبياء وسيد الأوصياء والأئمة عليهم السلام أن قضية البراءة هي أنَّ البراءة فكرية وقلبية وروحية نعم وهذه أعظم من السجال الدموي أو السجال البدني وحتى المكايدة التي هي الحرب الناعمة، فتوجد حرب باردة وتوجد حرب ناعمة والحرب الباردة أشد من الحرب الناعمة وهذه اصطلاحات عصرية، الحرب البارة قريبة للحرب الساخنة فقبل الحرب الساخنة تصير حرباً بارة، وقبل الحرب الباردة تصير حرباً ناعمة، وقبل الحرب الناعمة هناك سباق ناعم، وهذه اصطلاحات استراتيجية عصرية موجود الآن، سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وسيد الأوصياء عليه السلام نعم عندهم سباق ناعم فكري، فالتبري هو بهذا المعنى، ولذلك الكثير من الخصوم والأعداء يريدون أن يسدوا الوعي الفكري والسجال الفكري والسجال الناعم تحت ذريعة أن هذا يؤدي إلى السجال الساخن، وهذا لا معنى له ومن أين النبي صلى الله عليه وآله انجر به إلى سجال دموي؟!! فلاحظ كل الأدلة كلّها تذكر أنه إذا لم يبدأ الطرف بقتال وحرب ويصير باغياً ومحارباً ومعتدياً فلن يحاربه، وإلا إذا كان في نفسه فقط هوية فكرية وهوية دينية فلا يحاربه، وقد كذبوا لو ادّعوا ذلك، وإنما مذهب أهل البيت عليهم السلام وهو دين الله الواقعي الذي جاء به سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم لا يعادي الهوية الدينية في نفسها، إنما الهوية في نفسها سجال فكري وسباق ناعم فضلاً عن كونها حرباً ناعمة فضلاً عن كونها حراباً باردة فضلاً عن كونها حرباً ساخنة، وهذه نكتة مهمة جداً في منظومة الأحكام والأبواب وموضوعاتها وكيف تخرج برؤية ناصعة نبوية علوية، حتى في السقيفة منذ الي بدأ بالهجوم على باب بيت فاطمة، وكما يقول الأول ( وددت أني لم أكشف بيت فاطمة ولو أغلق على الحرب ) فهم الذين بدأوا، فلاحظ أنه إذا كانت أنتم عندكم قدرة وإذا كانت قضية موازنة وحرية ومساجلة فكرية وغير ذلك فلماذا أخذتم جنب الخشونة والجانب المسلّح وتسمونها فتنة وغير ذلك؟!! وهل اجتماع السقيفة ليس فتنة أما هذا فهو فتنة؟!!، ولذلك نفس هذا الكاتب الاستراتيجي في الرياض يقول أو لمن شرَّع الارهاب في الاسلام هما الأول والثاني مع أنه هذا الكاتب ينتمي إلى الطرف الثاني، فهو يقول بل والذي يتداول الجانب السلمي في انتقال السلطة هو سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وسيد الأوصياء عليه السلام.

فعلى أيّ تقدير هذا أمر عظيم في الجانب، نعم هذه قوة فكرية وهي قوة نور تشمل كل البشر، ولذلك أنت لاحظ الخوارج فإنهم ماداموا في سجال فكري يساجلهم فكرياً ولكن هم الذين بدأوا الاغتيال والحرب، ونفس الشيء في أصحبا الجمل إذ هم الذين بدأوا بقتل سبعين رجلاً، فالمقصود هو أنَّ هذه النقطة يلزم الالتفات إليها، والآن الأمر بين افراط وتفريط، فلكي لا يكون هناك حرباً ساخنة أو حرباً دموية يقولون عليك أن تسد باب السجال الفكري، وهذا غير صحيح، فإنَّ السجال الفكري هو حرية الرأي وتعدد الرأي والرؤية، فإنَّ التصويب والتخطئة أمر مهم ولا يمكن إلغاؤه، يقول الامام عليه السلام:- ( إني أحبُّ أن تذكروا أعمالهم فإنه أحج لكم )، فأنت حينما تذكر نفس ملف أعمالهم فانتهى الأمر فعليك أن تجعل النتيجة مع القارئ أو السامع ولا يحتاج أن تعطيه النتيجة، وإنما عليك أن تعطيه ملف العمل كما هو، وهذا أذكى في الارشاد والهداية وأكثر جاذبية، بل بالعكس فأنت ربما إذا استخدمت اسلوب النتيجة المحسومة فسوف لا تستطيع أن تذب الطرف الآخر وإن كانت النتيجة في نفسه مطابقة للواقع ولكن طريقة الهداية والجذب شيء آخر، ولذلك سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام هي هكذا، وهي أنهم حتى مع أعدى وأبغض وأشرس أعداءهم صنعوا ذلك كبني مروان والمنصور الدوانيقي وغيرهم، فهم عمداً لا يريدون أن يوتروا الأمور، فذاك الطرف هو يريد أن يوتر الأمور حتى يتخذها ذريعة له فيضرب بقبضة من حديد، بينما هم يرطّبون الأجواء لكي يكون السجال في الفكر والتعقّل والتفكّر وليست القوة العضلية وليست القوة الشهوية وليس الهوى وإنما الفكر والفكر يحتاج إلى الهدوء ويحتاج إلى عدم التشنج الروحي وهذا أسلوب دهاء نوري عظيم - دهاء النور وليس دهاء الشر -، فهذا الأسلوب موجود عند الوحي وهو أنك لا تشنّج الطرف الآخر بل بالعكس عليك أن تجعله مستقر من جهة الجيشان الروحي ولا يوجد عنده اضطراب روحي فيتفكر بكل شفافية وأيضاً التعصب النفسي والروحي هو يرجع في الحقيقة إلى التوتر الروحي، فعليك أن لا تجعله يتوتر روحياً وإنما اجعل فكره وفهمه وعلمه يعمل ويتحرر من القوة الغضبية والتعصب الغضبي وتعصب الهوى وتعصب الشهوة وتعصب البيئة وتعصب العنصرية وتعصب القومية وغير ذلك فهذه التعصبات الدينية هي أغلال في روح الانسان، بل عليك أن تجعل الفكر يعمل وهذه اذكى طريقة للهداية والارشاد، ولذلك يؤكد أمير المؤمنين عليهم السلام ( ولكني أحبُّ أن تذكروا أعمالهم وهو أحجّ لكم ).

فإذاً معنى البراءة هو التخطئة، فأنت حينما تأتي بالملف الذي نتيجته كذا وكذا فأنت فهذا الملف نفسه ادانة ونفس اللف ينادي بأعلى صوته ولا يحتاج ان تكون نائباً عن الغير القارئ والسامع في الاستنتاج بل اجعله هو يتفكر وهو يتوصل إلى النتيجة أما أنت فأعطه المقدمات فقط وأعطه المواد الاستدلالية الشفافة من مصادر حيادية فإنَّ هذا يكفي إذا كان عنده ضمير، أما إذا لم يكن عنده ضمير فهذا امر آخر، وكما تقول الصديقة الشهيدة عليها السلام استشهاداً بهذه الآية الكريمة ﴿ أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ﴾، فهم عليهم السلام عندهم القدرة في أن يلزموهم ولكن هذا خلاف الامتحان.

نرجع إلى نكتة مهمة نستخلصها اليوم: - وهي أنه ليس هناك ثلاث طبقات من الأحكام والموضوعات فقط وإنما لدينا ما يزيد على اثني عشر عنواناً في موضوعات الأبواب وهذه كان مغفول عنها، حتى بحث المرتد توجد عندي متابعات خاصة في قتل المرتد وغير ذلك ليس كما هو نتخيل بشواهد متسالم عليها عند علماء الامامية ولكن ليس محلها الآن، فهذه نكات مهمة وهي تنقيح الموضع في الأبواب بلحاظ هذه الأحكام إما اقرار الحرام والحرمة أو رفع الاحترام والحرمة، وهذا بحث موضوعي مهم جداً وخطير يتوزع في الأبواب، والأصل في سيرة النبي وسيد الأوصياء وبقية الأئمة أنهم لا يصعدّون دموياً لأجل هوية دينية وإنما حتى لا توجد عندهم حرب باردة ما لم يستخدمها الطرف الآخر أما إذا استخدمها الطرف الآخر فهذا بحث آخر، ولذلك ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ﴾، فهذا هو معناه باللغة العصرية ، فهذا عنده عداوة ومكايدة لأنها لأجل طرف لا توجد عنده عداوة ولا توجد عنده مكايدة ولا توجد عنده مخططات جهنمية ضدك، وذلك القرآن الكريم وبيانات أهل البيت عليهم السلام قد يكون الطرف الآخر معك في الفكر ولكنه مسالم كما حصل في سيرة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم حيث تحالف مع مشركين ومع كفار وكانوا أوفى بالعهد له ممن أعلن اسلامه ولكنه خان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا موجود، فهذه نكات مهمة وتنقيحها مهم كعناوين للأبواب والموضوعات والمحمولات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo