< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/10/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

مرَّ بنا أنَّ بحث حرمة السب وأخواتها من حرمة اللمز والهمز والغيبة تعتمد على الحرمة والاحترام للطرف الآخر وأن فهيا جهات سواء في نفس الحكم أو في موضوع الحكم أو في متعلق الحكم، ثلاث أضلاع في القضية الشرعية أن فيها جهات وفيها درجات، ومن أحد القيود التي أخذت في هذه الأحكام قيد الأخوّة، حينما يؤخذ قيد الأخوّة في الموضوع يكون دلالة واضحة أن من أحد حيثيات الحكم في هذه المجموعة من الأفعال هو حق الناس.

ولا بأس أن نذكر هذا التعريف لحق الناس في مقابل حق الله في الفقه:- يستعمل حق الله في مقابل حق الناس وبالعكس وهما اصلاحان أو أكثر في الفقه، هذا الاصطلاح المعهود بين أذهاننا وهو حق الله وحق الناس وأن حق الناس بإسقاط ذي الحق مثل الدين أو أي شيء آخر وأما حق الله ما لا يسقط بإسقاط مسقط، فهذا معنى معهود مشهور في أذهاننا، ولكن هناك معنى آخر غير حق الله وحق الناس غير هذا المعنى وهو أن كل حكم يجعل لنفع الناس وفيه جنبة نفع الناس وإن كان فيه لربما حق الله لأنه مر أنه لا امتناع في أن يكون حكماً فيه كلا الحقين وكلا الحيثيتين سواء كان في عرض أو في طول وهذه من انواع التقسيمات، حق الله وحق الناس، وقد يكون حق الله في طل حق الناس وقد يكون بالعكس قد يكون بالعرض فكل هذه الصور موجودة في الأبواب الفقهية يجب الالتفات إليها، وهناك حق الله وحق الناس حق الناس بهذا المعنى يعني مثل النفقة على الأرحام، فإنَّ النفقة على الأرحام ايضاً يقرر بأنه حق الناس مع انه ليس من قبيل الحقوق التي تسقط ولكن هذه وجوب النفقة على الأرحام هي لنفع الجانب البشري فمن ثم تمسى حق الناس ولكن ليس بمعنى حق الناس بمعنى نفقة الزوجة، فإن نفقة الزوجة لها مؤدى وضعي فهي تسقط بالإسقاط وغير ذلك، أما نفقة الأرحام فهي لنفع الجهة البشرية ولكن لا يسقط بالإسقاط ولكن مع ذلك يقال له حق الناس ولماذا يسمي الفقهاء هذا باصطلاح حق الناس والحال أنه يختلف عن حق الناس الآخر؟، مثلاً الآن حتى وجوب الوفاء بالعقد وطبعاً هذا يسقط حتى بالإسقاط فهو حق الناس بكلا المعنيين، فغالبا الأحكام الموجودة في المعاملات هي من نوع حق الناس، أما في العابدات مثلاً أصل وجوب الصلاة هو حق الله فلا يوجد فيها جنبة لنفع البشر بمعنىً، فلماذا الفقهاء يسمون مثل النفقة على الأرحام يسميها حقوقاً ويطلقون هذه التسمية الفقهاء بانها حق الناس لأنها لنفع الجانب البشري؟، هذه من حيث الآثار واللوازم الوضعية بالدقة تختلف عن الحكم الذي فيه محوضة عن حق الله، مثلاً حدّ الزنا حق الله وبمعنى قيل إنه حق الناس من حيثية معينة بلحاظ العرض الذي انتهك، أما حدّ القذف ووحد السرقة قالوا هو حق الله وحق الناس، فأصل الحد هو حق الله ولكن هذا حق الله متأخر عن حق الناس في الجعل والتشريع من الله تعالى، في القذف المطالبة بحد القذف فأصل الحد هو حق الله بتعيين تعبدي من قبل الشارع ولكن هو جعله الشارع متأخراً عن حق الناس مطالبة المقذوف بعقوبة القاذف، فلاحظ أن هذا حق الله ولكنه جعل من حقوق البشر، وحد السرقة أيضاً هكذا، ففي السرقة يوجد ضمان مال المسروق هذا حق محض للناس أما حدّ السرقة فهو حق الله ولكنه متأخر عن حق الناس فهو يكون عند مطالبة المسروق بحدّ السارق، مثلاً الآن في النفقة على الأرحام إذا نفس الرحم هو لا يستقبل النفقة فإنه سوف تسقط عن الأب مثلاً أو من تجب عليه نفقة الأرحام، إذا كان نفس ذي الرحم المستحق وذللك يقال له مستحق وهو مستحق تليفاً وإن لم يكن مستحقاً وضعاً لأنه حق الناس بالمعنى الثاني وليس بالمعنى الأول، إجمالاً هذا هو التقسيم الثنائي لدى الفقهاء في الابواب الفقهية مثمر وله آثار فحق الناس بمعنيين وحق الله بالتالي يصير له معنيان لأنه في مقابله، ومرَّ بنا أنَّ وجود حق الناس لا يتنافى مع حق الله فهو إما في طوله أو في عرضة أو متقدم عليه، هذه صور في الأحكام في الأبواب إلى ما شاء الله فيجب أن ندقق فيها فحالات الأحكام مختلفة في الأبواب.

نعود إلى أخذ الأخوّة في هذه الأحكام كقيد فهو يشير إلى أن هذا الحكم فيه حق الناس، نعم في خصوص القذف الحرمة التكليفية للقذف لا حدّ القذف، فتوجد عندنا حرمة القذف هي حرمة تكليفية أما حدّ القذف فهو حكم آخر، فحرمة القذف قرر جل الأعلام إن لم يكن كلهم أن الحرمة التكليفية للقذف ليست من حقوق الناس وإن كانت من حقوق الناس بالمعنى الثاني يعني حق الله، فهي من حق الناس بالمعنى الثاني وهو نفع الناس ولكنها لا تسقط بالإسقاط ولذلك هي عامة فهي تعم ولم يؤخذ فيها قيد الأخوة، ومن ثم التزم جلّ الأعلام أن حرمة القذف حتى على الكفر لا تسوغ إلا ما استثني، ولكنه عموماً القذف لا يسوغ وهذا موجود في الروايات لأن أدنى ما فيه الكذب والكذب حرام في نفسه، مثل حرمة المثلة ( إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ) فهذا حق الله بالمعنى الأول وإن كان حق المخلوق بالمعنى الثاني، فإذاً في هذه المجموعة من الأحكام والأفعال القذف اشباهه استثني ولم يؤخذ فيه حق الأخوة أما البقية فقد أخذ فهيا حق الأخوة وبالتالي تكون من حقوق الناس، هنا أيضاً لابد من التوقف بصناعة التحليل وهو أنه أي أخوّة مأخوذة؟ هنا اشار الأعلام أنه بحسب الأدلة والروايات أن الأخوّة درجات اخوة نسب ﴿ وإلى عادٍ أخاهم ثمود ﴾[1] و ﴿ وإل ثمود أخاهم صالحا ﴾ هذه أي أخوّة إنها أخوة نسب، فهذه اخوّة النسب قد تكون موضوعها في الارث وقد تكون موضوعاً في شيء آخر، فالأخوة المأخوذة في الإرث هي أخوة النسب، طبقة الأخوة غير طبقة الأبوين والأولاد كما أن طبقة الولاد هم طبقة من النسب وهلم جرا، فالمقصود أنَّ الأخوة تارة يراد بها جهة النسب، وأيضاً تارة الأخوة يراد بها التآخي على الاسلام الظاهري، يعني التآخي ولو صورين فتارة يكون التآخي على الاسم الظاهري وتارة يكون التآخي على الايمان وتارة يكون التآخي على ما يزيد على الايمان وهو تآخي الأرواح زيادة على الايمان وما يصطلح عليه بنسب الرواح، ورد أنه في عصر الظهور لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فره الشريف في برهة من دولته الشريفة سيكون توزيع الارث على الاخوة في النسب الروحي وليست الأخوة في النسب البدني وتوجد رواية في ذلك نقلها الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه، فإذاً الأخوة على جرات وليست على دجة واحدة وإن كانت الأخوة بقول مطلق إذا اطلقت يراد منها الاخوة في الايمان يعني الدين الواقعي، وهذه نكتة مهمة ليست في مجموع هذه الأحكام فقط وإنما هي مهمة في الكثير من الأبواب الفقهية.

فالمقصود أنَّ الأخوّة وأخذها في موضوعات الأحكام في الأبواب الفقهية ليس على وتيرة واحدة لا سيما عند مشهور الطبقات المتقدمة بما فيهم الطبقتين أو الثلاث المتقدمتين من الفقهاء عدى متأخري الأعصار.

فإذاً النقطة الأولى: - هي أنَّ الأخوّة درجات.

النقطة الثانية: - وهي أنَّ الأحكام في الأبواب الفقهية تختلف تنوعاً في أخذ الأخوة فأيَّ أخوة أخذت وأي درجة من الأخوّة.

النقطة الثالثة: - إنَّ الأخوةّ بقول مطلق وعند الاطلاق المراد بها الأخوّة الايمانية.

النقطة الرابعة:- وهي نوع من التطبيق والمراعاة للنقاط السابقة وهي أنه في جملة من الأحكام في البواب اختلف فيها المتقدمون وليس طبقة المتقدمين فقط وإنما بما يشمل حتى إلى القرن الثامن والتاسع والعاشر عدى القرنين الأخيرين مثلا فإن هذا هو مقصودي وإلا فاصطلاح المتقدمين يعني إلى قبل المحقق الحلي يقال له طبقة المتقدمين والأقدمين، فالمهم أن الطبقات المتقدمة للفقهاء في جملة من الأبواب خصصوا جملة من الأحكام بالأخوّة الايمانية بينما متأخري هذا العصر جعلوا موضع الحكم هو الاخوّة بسحب ظاهر الاسلام، هذا فيه اختلاف في الاستظهار وهذه نكتة مهمة، أما أنه ما هي شواهد كلا الطرفين فهذا بحث آخر فكل باب بحسبة يبحث فيه، مثلاً تجهيز الميت فإنه توجد فيه حرمة واحترام وجلّ القدماء جعلوا هذا الحكم للأخوة الايمانية، مثل ما ورد في الصلاة على الميت في البند الرابع فيها فإنَّ البند الرابع مرتبط بالخوة بمعنى الايمان لا ظاهر الاسلام، فالمقصود انه في جملة من موارد الأحكام اختلف المتقدمون عن متأخري الأعصار في أن قيد الأخوّة المأخوذ هل هو أخوة إيمانية أو أخوة ظاهر الاسلام أو أخوة واقع الايمان، وقد مرَّ بنا في هذه الأبحاث أنَّ الأخوة بحسب ظاهر الاسلام غير الأخوة بحسب واقع الاسلام غير الأخوة بحسب الايمان، فهي درجات، فإنَّ ظاهر الاسلام يندرج فيه حتى المنافق، فظاهر الاسلام شيء وواقع شيء آخر، وواقع الايمان أيضاً شيء ثالث، فإذاً أي أخوّة تؤخذ في موضوع الأحكام لأن موضوع الأحكام هو التعامل؟، مثلا النفس الانسانية ( نظير لك في الخلق ) هذه درجة من الأخوة في جهة الخلقة، ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) فهذه مثل الأخوة في النسب ذات أب عظيم، هذه أخوة مطلق الانسانية لها درجة بأي معنى؟ فإذاً هنا توجد نكتة مهمة وهي أنَّ الأخوّة المأخوذة في موضوع أبواب الأحكام درجات وتحديدها وتشخيصها مهم جداً، فيلزم تحديد أي درجة من الأخوة أخذت في موضوع الحكم، فإنَّ هذا أمر حساس جداً، مضافاً إلى ما مرَّ بنا الآن أنه يوجد اختلاف بين متأخري الأعصار وطبقات المتقدمين فجملة من المتقدمين حتى الذبيحة أخذ فيها قيد الذابح أن يكون مؤمناً ولا يكفي فيه ان يكون مسلماً أما المسلم ذبحه يحل في موضع الاضطرار، أما في النيابات في العبادات فإنه يوجد تطابق من قبل علماء الامامية إلا من شذَّ أنه لابد في النيابة في العبادة من الايمان فلابد أن يكون النائب مؤمناً ولا يصح تنويب غير المؤمن.

إذاً أخذ قيد الأخوة في موضوعات الأحكام في الأبواب أمر حساس، إذاً الأحكام في الأبواب الفقهية ليست على وتيرة واحدة، وقد مرَّ بنا أن الانسان وإن لم يكن مسلماً إذا لم يكن معتدياً معادياً وإنما كان مسالماً أو معاهداً أو مصالحاً فدمه محفوظ وكذلك ماله محفوظ بضرورة الفقه، فإذاً الاسلام ما يحدثه؟ إنه يحدث المزيد من الاحترام.

وهنا توجد نقطة خامسة حساسة جداً يلزم الالتفات إليها:- وهي أنَّ درجات احترام الأخوة تناط بدجات الأخوة، أخوة انسانية أخوة نسبية أخوة ظاهر الاسلام أخوة واقع الايمان وغير ذلك، فهي ليست على رجة واحدة، فالنقطة الخامسة هي أنَّ درجات الاحترام تختلف، وكلما توطنت وتوشجت الأخوة استدت حرمة واحترام الأخوة فهي ليست على درجة واحدة إنما هي درجات، إذا ليس مطلق الأخوّة يترتب عليها مطلق الأحكام، مثلاً الموادّة والحبة هي من أخوّة الايمان، الآن لاحظ أنه توجد عندنا جملة من الأحكام في أبواب الفقه منطلقة من الموادة والموالاة، أصلاً نفس الحكم محمولاً ومتعلقاً ماهيته وهويته هي الموادّة والموالاة يعني أخذ فيها اخوّة الايمان، أما مثلا احترام العرض كما مرَّ فإن احترام العرض حتى لأصل الأخوة الانسانية ما لم يكن معادياً، فلاحظ أن الحرمة للأخوة درجات والاحترام للأخوة درجات وليست على دائرة ولا على مقدار واحد، بل هي على درجات وطبقات، وهذه نكتة مهمة جداً وهي أن الأخوة على درجات.

نعيد النقطة الخامسة لأننا إذا دخلنا في النقطة السادسة سوف تصير غامضة ولكن نعيد الخمسة كي لا يقال إن السادسة غامضة وإن كان تحصل غفلة عند الكثير من الأعلام ويؤاخذ بعضهم على بعض على هذه النقطة الخامسة: - ففي النقطة الخامسة تحصّل أن الأحكام المترتبة على الأخوة هي على درجات طبقات وعلى دوائر تتسع أو تتضيق بحسب درجة الأخوّة اخوة في الإنسانية ( نظير لك في الخلق ) أو أخوة في النسب ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) أو ﴿ يا أيها الناس خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ﴾[2] هذه أخوة في أخوة بني آدم وحواء فهذه درجة من الأخوة، فإذاً هذه الأخوة درجات وبحسب درجاتها تختلف الأحكام المترتبة عليها فهي درجات كما وكيفاً، ومرَّ بنا أن تجهيز الميت عند جل القدماء قيده أخوّة الايمان، لموالاة والمودة مترتبة على أخوة الايمان وما شابه ذلك ﴿ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله ﴾[3] ، و ( حادَّ الله ) ولو كان مسلماً، إذاً بحث الموادّة فإن الموادّة أخذ الله عز وجل فيها الايمان، إذا كان هناك مسلم لا يذعن ويحاد، وطبعاً لا يؤمن شيء ويحادد شيئاً آخر، فإنَّ المحادد غير الذي لا يؤمن ولو أنَّ عدم الايمان هو درجة من درجات المشاقّة لله ولرسوله ولكن مع العلم والاطلاع أي عدم الاستضعاف ولا يؤمن فهذه درجة من المحادّة والمشاقّة لله ولرسوله، والبِر غير المودَّة، فالبِر يعني تقسط في حقوقهم أما أنك تواددهم فلا يجوز، فيوجد بِر ويوجد مودة والبر إذا اشتد صار موادّة وهذا لا يجوز، فإذاً تنظيم هذه الأحكام في الأبواب الفقهية ليس باختيارنا وإنما هي بتحديد من قبل الله تعالى ﴿ لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برئاء .... ﴾.[4]

ودعونا نذكر هذه الكلمة لأنها سوف تصير واضحة الآن: - وهو أنَّ الأخوة هذا التآخي ليس مطلقاً وغنما هو درجات، وفي مقابل التآخي هو عدم التآخي وليس عدم التآخي بقول مطلق وليس التآخي بقول مطلق وإنما هو نسبي، عشرين بالمائة أخوة وثمانين بالمائة ليس أخوة، أو أربعين بالمائة أخوّة، وستون بالمائة ليس أخوة، فلا في للأخوة بقول مطلق ولا النفي مطلقاً، فلا النفي مطلق ولا الاثبات مطلق وإنما هو درجات، هنا الخلط يقع في التنظير الفقهي أو الفكري كثيراً، إما إفراط أو تفريط، فهو خروج عن الحدود الشرعية في الأبواب الفقهية، وللحديث تتمة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo