< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة التاسعة ( حرمة السب ) - المكاسب المحرمة.

المسألة التاسعة التي تعرض لها الشيخ الأنصاري في المكاسب المحرمة من المحرمات النوع الرابع: -

وهي سبُّ المؤمنين، قال:- ( سبّ المؤمنين حرام في الجملة )، وكما مرَّ أنَّ مسألة السبّ في الحقيقة تنظم إلى مسائل عدّة أخرى تعرض لها الشيخ الأنصاري ولكن الشيخ راعى الترتيب الأبجدي والحري مراعاة الترتيب الماهوي فهناك جملة من المحرمات الأخرى التي سيتعرض لها الشيخ كالغيبة والهجاء والهجر وغيرها من المحرمات هذه مرتبطة في مجموعة واحدة وأدلتها متقاربة وتنطلق من أصول تشريعية واحدة فالحري أن يتم التعرض لها مع بعضها البعض، وسيتبين من خلال كلمات الأعلام والأدلة انها تنطلق من أدلة وقواعد متقاربة او موحدة كما سيتبين عن شاء الله تعالى.

فإجمالاً عبارة الشيخ الأنصاري يقول:- ( سبّ المؤمنين حرام في الجملة بالأدلة الأربعة لأنه ظلم وإيذاء وإذلال )[1] ، فحينما يأخذ في الموضوع الايمان قيداً في حرمة هذا الفعل يدل على أن بقية العناوين لا تحقق موضوع الحرمة، وسيأتي بيان ذلك، بالتالي الايمان قيد الموضوع أما بقية الأمور فلا، وهذا يدل على أن بعض الأحكام فيها الاسلام قيد الموضوع وبعض الموضوعات أو بعض الأفعال مطلق الانسان هو قيد الموضع فالمحرمات أو الواجبات حينما يؤخذ فيها الايمان أو الاسلام أو الانسان فدائرتها سوف تختلف موضوعاً، مثلاً حرمة المثلة أي التمثيل بجسد الميت لم يؤخذ فيها قيد الاسلام ولا قيد الايمان وإنما مطلق الانسان بل ليس الانسان فقط وإنما ( لا تمثلوا ولو بالكلب العقور )، يعني مطلق الحيوان أيضاً لا يسوغ فيه المثلة، وطبعاً هذا كحكم أولي، فبالتالي إذا بعض الأحكام وبعض الأفعال يؤخذ فيها عنوان فهذا العنوان لابد من لاحظته وأنه أي عنوان، مثلاً تجهيز الميت فهل هو الميت بقول مطلق أو بقيد الايمان أو بقيد الاسلام، مثلاً القدماء عندهم بقيد الايمان أما المتأخرين فعندهم بقيد الاسلام، بالتالي هذه قيود لابد من الالتفات إليها، وكذلك في عملية ذبح الذبيحة فإن الذابح لابد أن يكون مسلماً فلم يؤخذ قيد الايمان وإنما أخذ قيد الاسلام، فلا يسوغ ذبح غير المسلم، وهلم جران فإذاً في الموضوعات تؤخذ القيود محط نظر أو محط قيدٍ لتشريع المقنن، والشيخ الأنصاري يتعرض بعد ذلك إلى الروايات الواردة في أبواب أحكام العشرة الباب المائة والثمانية والخمسون وسنقرأ روايات الباب فيما بعد وهي من أبواب أحكام العشرة في بداية كتاب الحج وفيها احكام كثيرة عن نظام العامل الاجتماعي، وبعدما يتعرض الشيخ الأنصاري إلى جملة من تلك الروايات الآن يتعرض إلى المعنى اللغوي للسبّ فذكر أنَّ السبَّ والشتم بمعنىً واحد، وفي تعريف آخر أن السب أن تصف الشخص بما هو إزراء نقص فكل ازراء ونقص هو سبٌّن، وطبعاً الشيخ الأنصاري يريد أن يوسّع فيقول إن السبّ يدخل فيه كل ما يؤذي فكل نقصٍ يؤذي يدخل في الازراء فيشمل القذف التحقير والتعييب والأمور الأخرى، بعد ذلك يتعرض الشيخ الأنصاري إلى جهة أخرى في بحث السب وهو أن السب لا يحتاج إلى مواجه الشخص المسبوب بل حتى لو كان وراءه يسمى سبّاً أيضاً ولكن يؤخذ في السبَّ قصد الاهانة والنقص، فيقول إنَّ النسبة بين السبّ والغيبة هو العموم من وجه، وهو أنَّ في السبّ هناك قصد الاهانة والنقص بينما الغيبة أعم قصد الاهانة أو لم يقصدها، ويقول يمكن في مورد واحد يصدق على شيء أنه سبّ وأنه غيبة فتكون حرمتان اثنتان فيشد عقابهما على الشخص فهي منه جهة غيبة ومن جهة أخرى هي سبّ، ثم بعد ذلك الشيخ الأنصاري من هذا الحكم ومن هذا الفعل يستثني المؤمن المتجاهر بالفسق، وهو أخذ في الخطوة الأولى قيد الايمان وليس مطلق الاسلام ثم استثنى من المؤمن المتجاهر بالفسق، وطبعاً المتجاهر بالفسق استثني من حرمة الغيبة واستثني من جملة الحرمات، فلاحظ أن هذا بحث مشترك بين هذه العناوين المحرمة وليس خاصا بالسبّ وليس خاصاً بالغيبة، وهذا يدل على أنَّ هذه الأحكام في هذه العناوين المتعددة من قاعدة واحدة ودليل واحد، ثم يدخل الشيخ بمناسبة المتجاهر بالفسق أصحاب البدع وهناك نص وراد معتبر سندتً ( إذا رأيتم أهل البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبّهم والوقيعة فيهم )[2] ، وهذا النص وارد في أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الباب التاسع والثلاثون، وهذا البحث غير المتجاهر بالفسق وهمم اصحاب البدع والريبة، يعني أنَّ هذ النص فيه عدة ألفاظ أو عدة طرق لهذا المتن وسنأتي إلى التعرض إليه مفصّلاً وأنه حتى لو كان اصحاب البدع والريبة سابقتهم إيمانية لكنهم يستثنون من هذا، يعني هو محلق بالمتجاهر بالفسق، هذا بحث من جهة أخرى ثالثة أو رابعة يذكرها الشيخ الأنصاري في هذا المبحث، كما يستثني الشيخ قول الوالد للولد أو السيد للعبد، لأنَّ داعي الأب أو السي ليس داعي الازراء والنقيصة والتعيير بل هو داعٍ تربوي، فبالتالي يكون استثناءً موضوعياً هذا اللحاظ، وهذا مبحث لابد من التعرض إليه، وطبعاً يقول هل مطلق المري وليس الوالد فقط فهل يشمل المعلم والمتعلم أو ماذا يعني كل ما كان الداعي فيه ليس الازراء والنقص والتعيير وإنما الداعي فهي تربوي، هذا تمام الكلام للشيخ الانصاري في خطة البحث في مبحث السب.

وفي الحقيقة إذا أردنا أن نخوض في هذا البحث يجب أن نقارن مع ما ذكره الأعلام ف مبحث حرمة السب مع ما ذكره الأعلام في حرمة الغيب مع ما ذكره الأعلام في حرمة الهجاء مع ما ذكره الأعلام في جرمة الهُجر - الفحش - والقذف والغيبة والنميمة والكذب على المؤمنين والبهتان والازدراء والشتم واللعن، فلاحظ أنه عناوين عديدة، فهل يجوز لعن المؤمن أو لا يجوز أما غير ذلك، واللمز والهمز والتنابز وغير ذلك، فالمهم أنها عناوين عديدة حسب الكتب الفقهية والدورات الفقهية تعرضت لجملة من العناوين في كيفية التعامل بين المؤمن والمؤمن أو بين المؤمن والمسلم أو بين المسلم والمسلم، وطبعاً من أسس التشريع في باب التعامل بين المؤمنين أو المسلمين أو غيرهم ما ورد في سورة الحجرات ﴿ وإن طافتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أخرهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينها بالقسط والعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلم ترحمون ﴾، فالآية الكريمة لم تقل إنما المسلمون اخوة وإنما قالت ﴿ إنما المؤمنون ﴾ فهل المؤمنون بمعنى المسلمون أو شيء آخر فهذا يجب البحث فيه، ولماذا أتت الآية بعنوان الأخوة؟، فهذا قيد في الموضوع في جملة من هذه الأفعال، ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ وأمنوا تأتي بمعنى أسلموا ولكن تأتي بمعنى الايمان مقابل الاسلام، وهنا أي شيء المراد به فهذا أيضاً لابد من بحثه، ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ﴾ وهذا في السخرية والاستهزاء وحرمتها، ﴿ عسى أن يكونوا خيراً منهم ﴾[3] يعني أنَّ الذي تستهزئ به قد يكون خيراً منك فلماذا تستهزئ به؟!!، وبعضهم فسّرها بأنه حتى لو كان المستهزئ خيراً من المستهزأ به فلا يجوز ذلك أيضاً، ﴿ ولا نساء من نساء عسى أن يكنًّ خيراً منهن ﴾ وعسى يعني ولو، و﴿ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ﴾، فلاحظ أنه حتى التوترات في التعامل بين المؤمنين او بين المسلمين بهذه الدرجات أيضاً محرمة وليس فقط الاقتتال والبغي التي هي ذروة التوتر، ﴿ ولا تلمزوا انفكم ولا تنابزوا بالألقاب ﴾، فهذه عناوين عديدة ذكرتها الآية الكريمة في سياق واحد، ﴿ ولا تنابزا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ﴾، فلاحظ أيضاً هذا اصطلاح قرآني عظيم فإنه مقابل الايمان الفسق وليس مقابل الايمان الكفر مثلاً، ب مقابل الايمان هو الفسق، وفي موارد عديدة عندما تفاخر الوليد بن عقبة على امير المؤمنين عليه السلام فنزلت الآية الكريمة وعنوانها الايمان لأمير المؤمنين والفسق للوليد، وهذه الآية موجودة وهي ليست ببالي الآن، فهنا الفسق في مقابل الايمان، فالمهم ﴿ بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ﴾[4] ، بعد ذلك قال تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ﴾ فهي تتعرض إلى الظن في ضمن نظام منظومة التعامل بين المؤمنين وأو المسلمين، ثم قالت ﴿ ولا تجسسوا ﴾ والتجسس غير الاستهزاء وغير السخرية وغير اللمز، ثم قالت ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضاً ﴾ فهنا ايضاً تعرضت الآيات إلى حرمة الغيبة، فلاحظ أنَّ هذه الأفعال جعلتها الآيات الكريمة في منظومة واحدة فما هو المنشأ؟، ففي هذه الآية الركيمة قالت ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب احدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ﴾ فلماذا ذكر قيد الأخوّة في الموضوع؟، فمن يحكم به بالأخوّة حينئذٍ تثبت له هذه الأحكام، فالمقصود أصل العنوان فإنَّ العنوان أخذ فيه الأخوّة، أما ماهية الأخوّة فهو بحث آخر سيأتي، فإذاً قيد الاخوّة في جملة موضوع هذه الأحكام، إذاً ليس العنوان هو نسان بما هو مطلق أو الاسلام بما هو مطلق وإنما درجات، ﴿ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ﴾[5] ، وطبعاً في ﴿ فأصلحوا بين أخويكم ﴾ أطلق حتى على الاقتتال في البغاة فأين الأخوّة والتآخي في ماذا؟!

إذاً هذا المبحث كما ذكر الأعلام في مجمل هذه العناوين نفس هذا الحكم هذه المعادلة الشرعية من حرمة الغيبة أو حرمة البهتان أو حرمة الايذاء أو حرمة السب أو الحرمات الأخرى أخذ في موضوعها الأخوّة ، أو حتى نفس عنوان الايمان، فإنَّ نفس عنوان الايمان يدل على أنه ليس مطلق الانسان، فإذاً الايمان قد لوحظ وسواء كان الايمان بمعنى الاسلام أو الايمان بمعنى الايمان في مقابل الاسلام، فإنه لوحظ في عنوان موضوع الحكم حرمة زائدة على حرمة الانسان، لأنَّ أصل الانسان في تشريع القرآن الكريم والتشريع السماوي له حرمة أيضاً ما لم يسقط هو حرمة نفسه، مثلاً ﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ﴾ فالتكريم يعني أن له نوع حرمة، أما أنَّ هذا الانسان يأتي بعنوان الفجور أو بعنوان الظلم او بعنوان المتعدي أو بعنوان الكفر أو بعنوان الفسوق فسوق يهتك هذه الحرمة وهذا أمر آخر، وهذه نكتة مهمة في باب التشريع، وطبعاً نحن شيئاً فشيئاً نلتفت إلى هذه النكتة في بحث حرمة السب ومنظومة الأفعال التي معها أن هذه الأحكام هي من باب الحرمة والاحترام، لأنه حينا أخذ عنوان الايمان وعنوان الأخوة واضح فيه جنبة حرمة واحترام، والحرمة والاحترام بحسب مجموع تشريعات الكتاب والعترة فيها درجات ليست درجة واحدة، ولعله في كتاب فقه الطب هناك جمعنا روايات عديدة تبين اصل حرمة الانسان وحرمة المسلم أو حرمة المؤمن مالم هو يهتك هذه الحرمة بأن يكون قاتلاً أو متعدياً أو فاجراً أو فاسقاً ولكن هذا بحث آخر، إذاً كون العنوان يقتضي الحرمة هذا صحيح ولكن قد يأتي عنوان مضاد مسقط لهذه الحرمة، وهذا بحث آخر، فما هو معنى أن القرآن الكريم وروايات المعصومين عليهم السلام تثبتان للإنسان حرمة ومع ذلك تثبتان للإسلام حرمة وبعد ذلك تثبتان للمؤمن حرمة وبعد ذلك تثبت للمتقي حرمة؟ إنه إما بمعنى أنه توجد دجات في الحرمة والاحترام وها صحيح ويتعقل بلا شك، إذاً نفس الحرمة والاحترام هي درجات وليست درجة واحدة، وهذه نكتة مهمة في جلة هذه الأبواب، هذا من جاب، ولذلك يوجد عندنا هذا النص الوارد من تشهد الشهادتين فقد عصم ماله ودمه وعرضه فهذا لا يعني أنه قبل أن يتشهد الشهادتين إذا كان إنساناً بما هو إنسان هذه الأمور غير ثابت له، كلا بل هي ثابتة بدرجة من الحرمة أقل من هذه الدرجة طبعاً إذا لم يكن متعدياً عدوانياً أو من العناوين التي هي مسقطة للحرمة، إذاً الكثير إذا اراد ان يأخذها بالمفهوم ( إنَّ من تشهد الشهادتين فقد عصم ماله ودمه ) فيقول إذاً قبل ذلك لم يكن معصوماً وحرمة، كلا بل قد تكون له حرمة قبل ذلك فإن الانسان قد يكون مهادناً مسالماً يرعى الذمة فهنا بالعكس له حرمة ولكن الاسلام يزيد في الحرمة والايمان يزيد في الحرمة والتقوى تزيد في الحرمة، والآن تعامل المتقين مع بعضهم البعض فوق تعامل المؤمنين، حرمة المؤمن المتقي أشد من حرمة المؤمن، وحرمة أهل اليقين اشد من حرمة أهل التقوى فهي درجات لأنه كلما يزداد الانسان طهارة بالتالي يزداد كمال إلى أن يصل إلى العصمة والعصمة لها حرمة عظيمة، فالحرمة درجات، فإذا جمعنا الأدلة مع بعضها البعض وإلا في مورد يقول القرآن الكريم ﴿ فقاتلوا التي تبغي ﴾[6] يعني إذا كان مسلمون بغاة أو مؤمنون بغاء فإنهم يقاتلون لأنهم بغاة أو معتدين، فالمقتضي للحرمة أمر والعنوان المزاحم أمرٌ آخر، فإذاً إذا نظرنا إلى مجموع الأدلة فالمطلب يكون مطلباً آخر، ولذلك حتى في المثلة - من باب المثال - أن نفس ( لكل كبدٍ حرّى أجرٌ ) يعني كل نفس سائلة وحتى حيوانية ويوجد الكثير من الروايات استدل على استحباب جملة من الأمور تجاه حتى التعامل مع الحيوانات بسبب نفس هذا العموم ( لكل كبدٍ حرّى أجر )، فلاحظ أنه ليس الانسان فقط بل حتى في الكبد الحرّى، نعم الحيوان إذا صار مؤذياً جاز لك أن تقتله قبل أن يؤذي وهذا بحث آخر.

فإذاً لاحظ أنه توجد طبقات من الحرمة، وهذه نكتة مهمة جداً في هذا البحث بل منظومة هذه الأفعال، فحينما يأخذ لك قيداً فهو دخيل، وهذا هو الفقه التحليل الذي يراعيه المشهور وهو شيء مهم وهو الانان يحلل القيود المأخوذة في المعادلات الشرعية، لا أنه يأخذها بمعنى يجمد عليها تحت عنوان أنها صناعة أصولية وإنما يؤخذ كل قيد وكل عنوان ويحلل معناه، فإذاً مجموعة هذه الأعال من الواضح فيها أنها مأخوذة في ضمن نظام ومنظومة الحرمة والاحترام، هذه جهة مهمة في البحث يجب أن نغفل عنه، ومن جانب آخر أن الأدلة الواردة في الحرمة والاحترام لا تضاد ولا تناقض ولا تنافي بينها، وإنما تحمل على درجات الحرمة والاحترام وأنها ليست بدرجة واحدة، وأيضاً لا تنافي بين هذه الأدلة الوارد في الحرمة والاحترام مع الأدلة التي قد تستثني أو تكسر الاحترام نتيجة طرو عناوين منافرة ومنافية ومسقطة للحرمة والاحترام، واللطف تعبير الكبار كصاحب الرياض وغيره من الأعلام أنه كما أنَّ الحرمة درجات رفع الحرمة درجات ايضاً، وهذه نكتة صناعية مهمة جداً، أو أنَّ النكتة الأولى هو أنَّ أصل الحكم الحرموي والاحترامي ما هو وما هو موضوعه وما هو محموله، وهذه نقطة ركز عليها الأعلام في مجموع الأبحاث، والنقطة الثانية هي أن الحرمة درجات، والنقطة الرابعة هي أن رفع الحرمة درجات، فلو أنَّ شخصاً رفعت عنه الحرمة والاحترام فهي رفعت عنه بأي درجة؟، مثلا الآن ذكر الفقهاء أنه لو هجم سارق أو لص على البيت فيمكن دفعه بدرجة دون القتل كأن يكسر بعض أعضاءه مثلاً، فلا يسوغ هنا التعدّي إلى قتله، وحتى في القانون الوضعي الأمر كذلك، لأنَّ مقدار ما ترفع الحرمة عنه هو هذا، هذا ليس قصات هندسية وإنما اقصد إجمالاً، فإنه إذا أمكن دفعه بالإرعاب والتخويف لا تصل النوبة إلى كسر العظام، ولو وصلت النوبة إلى كسر العظم لا تصل النوبة إلى القتل فإنَّ القتل لا مسوغ له إلا إذا وصلت الحالة والارباك إلى الذروة، فلاحظ أنه حتى رفع الحرمة درجات وليست درجة واحدة، ومن أين هذه الموازنة بهذه الدقة التي يذكرها الفقهاء وما هو دليلها؟ إنَّ دليلها واضح، لأنَّ هذه العناوين مقتضية للحرمة فالعنوان المنافر ينظر مدى درجة منافاته ومنافرته فبذلك المقدار ترفع اليد للتزاحم، وهذه نكات مهمة جداً في هذه الأبحاث، ومنه ينشأ تنقيح صور وتفاصيل ومسائل عديدة في أبواب التعامل بين البشر أو بين المسلمين أو بين المؤمنين.


[5] سورة حجرات، ایة 12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo