< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

بقي من مسألة الرشوة كما مرَّ بقية من الروايات التي لم تجمع في الأبواب كي نستوفي البحث، وكنّا في موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- الهدية على ثلاثة وجوه هدية مكافأة وهدة مصانعة وهدية لله عزَّ وجل )، وطبعاً في الوافي للفيض الكاشاني فسّر المصانعة بأنها ما يبتدأ به لتوقع احسان فإنَّ المصانعة أن تصنع له شيئاً ليصنع لك شيئاً آخر، والمجلسي أيضاً فسّر المصانعة بالرشوة وليس الرشوة المحرمة وإنما مطلق الرشوة، لأنَّ الرشوة كما مر في الروايات واللغة ( تطلق على مطلق الارشاء ولو في المحللات وهدية مكافأة في مقابلة إحسان سابق)، والفيروز آبادي أيضاً فسّر المصانعة بالرشوة والمداراة والمداهنة.

فعلى كلٍّ جملة من اللغويين فسّر المداهنة بالرشوة ولكن ليس من الضروري أن تكون الرشوة الحرام، وهذه الرواية ليس من البعيد يظهر منها أنَّ الهدايا المحللة ثلاث فإنها جعلت حتى هدية المصانعة من الهدايا المحللة، وطبعاً إلى لم يكن فيها إبطال حق ولا اقامة باطل فلا تكون في هذية الرشوة جهة حرام، أو يقرر أنَّ الهدية الصحيحة على ثلاثة اقسام.

وأيضاً معتبرة أبي جرير القمي: - عن أبي الحسن عليه السلام: - ( في الرجل يهدي الهدية إلى ذي قرابته يريد الثواب وهو سلطان، فقال:- ما كان لله عز وجل ولصلة الرحم فهو جائز وله ان يقبضها إذا كان للثواب )[1] يعني إذا كان يجوز أخذها، ولماذا يسأل السائل هذا السؤال؟ باعتبار أنَّ هذا المعطى إليه وإن كان رحماً ولكنه مسؤول في الدولة وهذا يعني وجود علامة استفهام، فهو يسأل من هذه الجهة، إذاً هذا يدل على أنَّ الدواعي إذا كانت محرمة فالهدية تنصبغ بذلك، فهي فيها إشعار دلالة بهذا المقدار.

وأيضا توجد رواية معتبرة:- وهي لجابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:- ( لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل ينظر إلى فرج امرأة وهي لا تحل ورجلاً خان أخاه في امرأته ورجلاً يحتاج الناس إلى فقهه [ نفعه ] فسألهم الرشوة )،[2] وهذا المفاد يدل على أنَّ الارشاد الديني عموماً هو واجب ولا يصح تقاضي العوض عليه، يعني كما مرَّ بنا أنَّ هناك خدمات دينية ألزم الشارع أن تكون مجانية لعموم العباد منها الارشاد الديني، ولكن كما مرّ أن هذا لا ينافي في جملة من الموارد أخذ الواعظ أو المرشد الديني الأجرة بلحاظ ليس نفس الارشاد وإنما مقابل ما يكتنف الارشاد من أمور أخرى، بالتالي افترض النعي على مصاب الحسين عليه السلام غير تعليم الأحكام وأمور أخرى، كما قال الفقهاء أن تجهيز الميت من الخدمات الدينية لكل مسلم لكن أنك تراعي الآداب المستحبة في الغسل والتكفين فهنا يصح تقاضي الأجرة عليها، أي يجوز تقاضي الأجرة على ما يكتنف الواجب، كما في تعليم القرآن الكريم فإن تعليم القرآن الكريم خدمة دينية واجبة ولكن ما يكتنفها من آداب مندوبة فالمعلم ليس ملزماً بها فحينئذٍ يتقاضى الأجرة عليه هذا في الأجرة فضلاً عن الهدية فإنَّ الهدية لا إشكال فيها، فهذه نكتة مهمة كيف الآن المسؤول التنفيذي في أي موقع من المواقع التي يجب عليه بذل الخدمة مجاناً يعني هناك مواقع الزم الشارع فهيا أن تكون الخدمة مجانية، كما الآن موجود في أعراف الدول أو الشعوب أن تكون الخدمات الصحية أو التعليمية مجانية، ( ورجلاً يحتاج الناس إلى فقهه فسألهم الرشوة )[3] ، فهذه الرواية المعتبرة والتي وردت في الكافي يقول المجلسي أنها دالة على أن الرشوة الحرام لا تختص بالقضاء وإنما هي أعم، وهذا مر بنا كثيراً من انها لا تختص بالقضاء.

الرواية الأخرى: - وهي رواية الجعفريات - الأشعثيات - ويسمى الكتاب بالأشعثيات لأنَّ الراوي للكتاب وفيه ألف حديث هو محمد بن محمد الأشعث الكوفي نقله عن أحفاد الصادق والكاظم عن الصادق والكاظم عليهما السلام، وسمي بالجعفريات بهذا اللحاظ، والامام الصادق عليه السلام أسس تواجد الهاشميين وحوزة شريفة في مصر ومن بعده الامام موسى بن جعفر عليه السلام، فهذا الكتاب من الحوزة الروائية في مصر من اتباع أهل البيت عليهم السلام، وطبعاً مشكلة هذا الكتاب أنه فُقِد من الحوزات الامامية لعدّة قرون فهو كان موجوداً في زمن الصدوق وبقي مدةً ثم فقد لعدّة قرون ثم عثر عليه مرةً أخرى، فهذه النسخة الموجودة منقطعة الاتصال بهذا الحاظ، ولكن الأعلام المشهور يطابقون بينها وبين ما سبق فغن تطابق صلحت للتأييد، فبإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:- ( من السحت ثمن الميتة وثمن اللقاح ومهر البغي وكسب الحجام وأجر الكاهن وأجر القفيز وأجر الفِرطَون والميزان إلا قفيزاً يكيله صاحبه أو ميزاناً يزن به صاحبه وثمن الشطرنج وثمن النرد وثمن القد وجلود السباع وجلود الميتة قبل أن تدبغ وثمن الكلب وأجر الشرطي الذي لا يعديك إلا بأجر وأجر صاحب السجن وأجر القافي ثمن الخنزير وأجر القاضي وأجر الصاحب وأجر الحاسب بين القوم لا يحسب لهم إلا بأجر وأجر القارئ الذي لا يقرأ القرآن إلا بأجر ولا بأس أن يجري له من بيت المال )،[4] فهذه الموارد - أي الواجبات الخدمية العامة في التعليم الديني من الأمثلة التي مرت - إنما يمنع عنها فيما إذا كان من القطاع الخاص، أما إذا كان من القاع العام فلا مانع، ( ولا بأس أن يجري له من بيت المال والهدية يلتمس أفضل منها وذلك قوله تعالى " ولا تمنن تستكر " وهو قوله تعالى " وما آتيتم من ربا ليبوا في أموال الناس فلا يربو عند الله " وهي الهدية يطلب من تراث الدينا أكثر منها والرشوة في الحكم وعسب الفحل ولا بأس أن يهدى له العلف وأجر القاضي إذا قاض يجري له من بيت المال وأجر المؤذن إلا مؤذن يجري عليه من بيت المال ).[5]

وهناك رواية أخرى:- وهي رواية الدعائم عن جعفر بن محمد ان قال:- ( من أكل السحت الرشوة في الحكم، قيل يا ابن رسول الله وإن حكم بالحق، قال:- وإن حكم بالحق، وإنَّ حكم بالباطل فهو الكفر )[6] ، يعني نفس المعاملة والتعاوض على الحكم بالحق هذه أيضاً باطلة لأنَّ بذل الخدمة القضائية يجب أن يكون مجانياً على الدولة، فيجب أن تنزّه عن تقاضي العوض، أما إذا كان بالباطل فهو الكفر يعني تصير جنبة عقائدية، وأما المؤذن فلا يجوز أن يأخذ من القطاع الخاص ولا بأس أن يأخذ من القطاع العام ( إلا مؤذن يجري عليه من بيت المال )، ولماذا المؤذن ممنوع عليه أن يأخذ من القطاع الخاص؟ لأنَّ الشعائر الدينية الرئيسية ليست محل مزايدات، فبالتالي الشعائر الدينية لا تخضع للمزايدات فإذا خضعت للمزايدات خضعت للتلاعبات، بلال لم يكن يقبل التأذين للأول والثاني لأن المؤذن هو بمثابة وزير أوقاف فرفض أن يكون مؤذناً إلا حينما طلبت منه الزهراء عليها السلام قبل أن تستشهد، فلاحظ أنَّ هذا الأمر حساس جداً، فإذاً محل الشعائر الدينية مسألة حساسة فهذه خدمات يجب أن لا تكون تحت ضغط القطاع الخاص.

وكتاب الدعائم أيضاً هو مثل الأشعثيات هو أيضاً من الحوزة الروائية الامامية في مصر، ففه عن الباقر عليه السلام ( من أكل السحت الرشوة في الحكم قيل يا ابن رسول الله وإن حكم بالحق؟ قال:- وإن حكم بالحق، فأما الحكم بالباطل فهو الكفر ).[7]

وهناك رواية أخرى للصدوق في الفقيه: - وهي من وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام ( يا علي من السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر وأجر الزانية والرشوة في الحكم وأجر الكاهن )[8] ، وكما مرَّ أنَّ السحت يعني الحرمة التي هي من حق الله وليست من حق المتعاقدين.

وهناك رواية أخرى عن الطوسي في التهذيب: - وهي مسندة إلى يوسف بن جابر قال: - ( قال أبو جعفر عليه السلام:- لعن رسول الله صلى الله عليه وآله من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له ورجلاً خان أخاه في امرأته وجلاً احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة )[9] ، وهذا المضمون مر بنا.

وهناك رواية أخرى:- وهي للطوسي ايضاً وهي صحيح محمد بن مسلم قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرشي الرجل الرشوة على أن يتحول من منزله فيسكنه، قال:- لا بأس به )[10] ، فغما أن يكون هذا المنزل ملكه فيعطيه رشوة كي يبيعه له فهذا لا مانع منه، أو أنَّ هذا المنزل هو وقف والوقف يصدق على كلا الطرفين فأيضاً هذا الوقف الذي صدق على كلا الطرفين يريد هذا الشخص أن ينتقل هذا المنتفع بهذا الوقف عنه حتى يأتي الثاني إليه لأن كليهما مصداق لعنوان من أوقف عليهم فأيضاً هنا لا مانع فهذه رشوة محللة، وهذه الصحيحة دليل على أنَّ الرشوة منها ما هو محلل وليس مطلق الرشوة محرمة كما ذهب إليه جمهور أو الكثير من العامة، وكلامنا في الرشوة العرفي فليس كل رشوة عرفية محرمة كما تخيل العامة وإنما توجد رشوة محللة.

وهناك رواية أخرى: - وهي في فقه الراوندي، وهي مرسلة، قال: - ( وقال مسروق:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجور في الحكم، قال:- ذلك الكفر، وعن السحت، فقال:- الرجل يقضي لغيره الحاجة فيهدي له الهدية قال الله تعالى " ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " هذا إذا كان مستحلاً لذلك ) يعني يستحل التقاضي عليها ولابد أن يكون هذا على القضاء.

وهناك رواية أخرى: - وهي رواية الأصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام قال: - ( أيما والٍ احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه وإن أخذ هدية كان غلولاً وإن أخذ رشوة فهو مشرك )[11] ، فهنا لم يسمه سحتاً وإنما سمّاه غلولاً، يعني أنَّ نفس الهدية لم تكن مرحمة ولكن يجب أن يدرج هذا العوض لبيت المال، وهذا ما مرَّ بنا من أنه يوجد فرق بين قاعدة السحت وقاعدة الغلول.

وتوجد رواية أخرى: - وهي رواية سماعة في تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام: - ( كل شيء غلَّ عن الامام وأكل مال اليتيم شبهة والسحت شبهةً )[12] هذه الشبهات التي يساعد عليها الانسان ( في حلالها حساب وفي حرامها حساب وفي الشبهات عتاب ) [13] وعتاب يعني توجد مسائلة، فـ( والسحت شبهة ) يعني توجد مساءلة مجازاة.

وتوجد رواية أخرى: - وهي صحيحة عمّار بن مروان، وقد قرأناه عدة مرات ولا حاجة إلى كره مرة أخرى.

ونقرأ بعض روايات العامة: -

ففي الدر المنثور لابن مسعود قال: - ( من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمته او يرد عليه حقا فهدى إليه هدية فقبلها فذلك السحت، فقيل: - إنا كنا نعدّ السحت الرشوة في الحكم؟ فقال: - ذلك الكفر ومن لم يحكم بما انزل لله فأولئك هم الكافرون )[14] ، يعني أن الرشوة لا تختص بالقضاء.

وعن ابن عباس:- ( سئل عن السحت فقال الرشا، فقيل:- في الحكم؟ فقال: - ذلك الكفر )، يعني إذاً الرشوة أعم من باب القضاء حتى حسب نصوص كثيرة عند العامة.

وأيضاً لا بأس أن نقرأ جملة من روايات الارتزاق من بين المال: -

ففي عهد أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر قال: - ( ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك من لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ثم أكثر تعاهد قضائه وفسح له في البذل ما يزيل علته تقل معه حاجته إلى الناس )[15] ، فيجب أن لا يضيق علي في التمويل المالي، وهذا لأجل تأمين السلطة القضائية وتوجد توصيات أخرى لأمير المؤمنين عليه السلام في القضاء ولكنها لا تتعلق بالبحث الذي نحن فيه.

وهنا راية أخرى: - وهي مرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا، يعني أن السند صحيح إلى حمّاد عن العبد الصالح - الكاظم - عليه السلام: - ( والأرضون الذي أخذت عنوة بخيل ورجال فإذا أُخرج منها ما أُجرج بدا فاخرج منه العشب ويؤخذ ما بقي من العشب فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمّال الأرض وكراتها فيدفع إليهم أنصباءهم على ما صالحهم عليه ويأخذ الباقي فيكون بعد ذلك ارزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الاسلام وتثوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك ما فيه ملحة العامة )[16] ، فالمقصود أنَّ هذا بيان لوظائف بيت المال، وأعوانه يعني كل مسؤولي وأعضاء الدولة وأن بيت المال مخصص لهذه الوجوه لأنه بالتالي يقوم بخدمات مجانية للقطاع الخاص أو لعموم الناس.

وتوجد رواية عن عيون أخبار الرضا عن الرضا عليه السلام: - عن أمير المؤمنين عليه السلام: - ( قال في قوله تعالى " اكالون للسحت " قال:- هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته )[17] ، وهذه الراية مرت بنا.

وفي المستدرك على الدعائم:- أنه في أحد كتب أمير المؤمنين لأحد ولاته وهو رفاعة الذي استقضاه على الأهواز - يعني جعله قاضياً -، فهنا أمير المؤمنين تارة يعين الوالي وتارة يعين حتى القاضي في تلك المنطقة فهنا رفاعة ليس والياً وإنما هو قاضٍ على الأهواز لأن الحكومة المركزية تعين الولاة والقضاة في المناطق، قال علي السلام:- ( إياك وقبول التحف من الخصوم )، وهل هذه تحمل على الحرام أو على المكروه فهذا بحث، والشيخ ذكر أيضاً وهذا مر بنا أن الهدية إذا كانت نتيجتها المراد بها نفس نتيجة الرشوة كعوض تكون الهدية هذه محرمة وملحقة بالرشوة وقد مرت الأدلة على ذلك.

وأيضاً توجد رواية عامية لأبي داود في السنن: - ( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول )، يعني يلزم أن يرجع إلى بيت المال، يعني هو ليس سحتاً، فإنه يوجد فرق بين الغلول وبين السحت.

هذا تمام الروايات التي انتقيناها في بحث الرشوة، وإلى هنا تم بحث الرشوة، وسوف يقع البحث إن شاء الله تعالى في حرمة السبّ التي تعرض إليها الشيخ الأنصاري في المكاسب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo