< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

والشيخ الأنصاري في تتمات بحث الرشوة ذكر في المكاسب أن هدية المسؤولين الأمراء أو الولاة أو عمال الدولة حرام وهي ملحقة بحرمة الرشوة وإن كانت حرمتها من جهة أنها غلول وهناك روايات موجودة من طرقنا تقول إن هدايا العمّال أو هدايا الأمراء غلول، وهي موجودة في كتاب الوسائل أبواب آداب القاضي الباب الثامن، وصاحب الوسائل أدرج في هذا الباب رواية عن أمالي الطوسي وهي الرواية السادسة عن الأئمة عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أن هدايا الأمراء في نسخة وفي طريق آخر هدايا العمال غلول، ومر بنا أن قاعدة الغول هي غير قاعدة السحت وإن كان كلاهما نتيجتها الحرمة، فإن قاعدة الغلول أن الهدية ليست باطلة ولكنها ليس ملك المسؤول أو العامل وإنما هي لبيت المال وإنما خان بيت المال إذا أكل هذه الهدية بل يجب عليه أن يردها إلى بيت المال فهي حرام عليه من جهة أنها من بيت المال، بخلاف السحت فإنه في السحت أصل الرشوة سحت وهي حرمة تكليفية وبالتالي حتى التعاطي فهيا حرام، فتسوية هدايا المسؤولين مع الرشوة في اصص الحرمة نعم ولكن حرمتها هي من سنخ واحد ونمط واحد والآثار فيها واحدة فهذا محل تأمل فقد تبين أن قاعدة السحت غير قاعدة الغلول، فقاعدة الغلول يعني أن مسؤولاً يأخذها من طرف آخر من خارج الدولة أو شخص أجنبي فهي ليست ملكه وإنما هي ملك المنصب والموقع، بينما السحت أصل التعاطي هو حرام، يعين مثلا في الغلول لا يوجد ضمان من الدولة او المسؤول للأجنبي المعطي وإنما المسؤول يضمن لبيت المال، بينما في الرشوة أو السحت لمن يقول وهم الأكثر يقولون بالضمان باعتبار أنَّ نفس المعاملة هي غير تامة ولكن صاحب الجواهر لا يقول بالضمان مع ان المعاملة فاسدة ومعاوضية فيوجد عنده مبنى في بحث الرشوة يظهر منه أنه ليس كل معاملة فاسدة تكون ضمانية فـ ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسدة ) يقول إنَّ هذا صحيح ولكن يستثنى ويخصص في مثل موارد الرشوة، ولماذا يستثنى في موارد الرشوة؟ يقول لأنه برضاً منه وإن لم يكن برضا من الشارع، يعين أن صاحب الجواهر يفرّق فيقول إنَّ ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) إذا كان الفساد يخل برضا المالك فهنا يضمن، فهذه القاعدة التي هي مشيدة قبل الشيخ الأنصاري ولكن الشيخ الأنصاري عمل بها على عمومها أما صاحب الجواهر فيضيقها وهذا وجه لا بأس به، فـ( كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) إذا كان منشأ الفساد يخل برضا المالك لأن رضا المالك مقيد بالمعاملة الصحيحة فهنا نعم صحيح، أما إذا كان الفساد لا يخل برضا المالك، يعني أنَّ المالك راضٍ حتى مع الفساد الشرعي فهنا لا يوجد ضمان، فإذاً صاحب الجواهر يفصّل في قاعدة الضمان.

وبعبارة أخرى لكلام صاحب الجواهر:- أنَّ السحت جهة الاشكال فيه ليست هي رضا المالك وإنما جهة الاشكل هي رضا الشارع، في موارد السحت كثمن الكلب أو ثمن المغنية أو ثمن الزانية أو غير ذلك لا يقول بالضمان، لأنَّ المالك لم يقيد رضاه بإتلاف الغير المال لم يقيده بصحة العقد الصحيح عند الشارع بل حتى مع فساد العقد الشارع هو أقدم على هذا الشيء، ونحن لا نريد أن ندخل في هذه القاعدة والتفصيل الذي ذكره صاحب الجواهر ولكن اجمالاً ما تعرض إليه صاحب الجواهر متين وسيأتي في محله، فالمهم أن هدايا العمال إذاً الحال في حرمتها تختلف عن الرشوة، وقاعدة السحت وهي حرمة معاملية بينما هدايا العمال نفس الهدة كمعاملة هي ليست حراماً ولكنها ليست تنتهي إلى جيب المسؤول الخاص وإنما تنتهي إلى خزينة الدولة.

وهناك نكتة أخرى في بحوث الرشوة ومن متبنياتها:- ولو أنَّ هذه النقطة أثيرت في باب القضاء لأنه في باب القضاء يبحث الفقهاء حول أن القاضي لا يصح أن يأخذ أجرة أو جعلاً من المتخاصمين، يعين أن نفقات السلطة القضائية لا يصح أن تكون من الشعب أو من القطاع الخاص لأن هذا يسبب الفساد، يعني بعبارة عصرية إذا أردنا أن نعبر عن ذلك نقول إن السلطة القضائية نفقاتها لا يصح أن تكون من القطاع الخاص، وفي النظام القضائي الغريب شيئاً ما هيأة المحلفين أو غيرهم يوجد كلام في أنه هل يبذل لها القطاع الخاص أو غير، ونحن لا نريد أن نقارن من هذا الجانب، ففي بحث القضاء يوجد تسالم من علماء الامامية على أن نفقات السلطة القضائية لا يصح أن تكون الأجرة من القطاع الخاص، حتى قاضي التحكيم كذلك، يعني هذا التسالم أو المشهور شهرة عظيمة كبيرة هو تقريباً بمثابة التسالم، وكذلك المفتي الفقيه، فهذا لا هو له أجر خاص فمن اين يقوت نفسه؟ إنه يرتزق من بيت المال، وفي ذلك نصوص عديدة، وفي عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر يقول له إن مصارف بيت المال تأمين السلطة القضائية أو السلطة التشريعية الفتوائية حتى لا تصير رهينة لأهواء وميول مختلفة، فتوجد نصوص عديدة ربما سنقرؤها فيما بعد، والكلام يقع في أنه ما معنى أن الارتزاق يقع على بيت المال؟ ربما الأكثر أو المشهور وحينما يعبر بالأكثر يعين الأقل من المشهور والأشهر أيضاً أقل من المشهور ولكن حينما يقال المشهور يعني أن النسبة أكبر أما لو قل أشهر يعني توجد شهرتين وأحدهما اقل من الأخرى، فالأشهر اقل دائرة من المشهور فإن المشهور اقوى، سيما إذا وصف المشهور بالمشهور العظم، أما الأكثر فهو أقل دائرة من الأشهر وهذه التعابير كلها تعابير علمية دقيقة عند العلماء، فيوجد أشهر ومشهور ومشهور أعظم ومهور كالتسالم، أو يقال مشهور القدماء وهذا ليس مشهور كل الطبقات أو مشهور المتأخرين أو مشهور متأخري العصار فهذه كلها لها حساب معين في دوائر التقييم، فعلى أي حال ارتزاق القاضي أو صاحب أي وظيفة ومسؤوليات الدولة معينة في الدولة في نظام الاسلام يرتزق من بيت المال، والأكثر أو الأشهر بنى على أن معنى أنه يرتزق من بيت المال أنه يبذل له بذلاً فهو يعطى بذلاً من بيت المال بمقدار ما يسد به حاجته، فهم قيدوه بالحاجة، فالكلام يقع أن هذا الارتزاق من بيت المال ما يسد حاجته أن يكون بذلاً فقط وليس أجرة أو ماذا؟ كما مرَّ بنا ربما الأشهر أو المشهور أو الأكثر قالوا بأن هذا بذل من بيت المال وليس معاشاً شهرياً بل بمقدار ما يسد حاجتهن فهم قالوا بنقطتين نقطة البذل والنقطة الثانية أنه يسد حاجته، وشبيه هذا المطلب ورد في موارد أخرى ولا بأس بذكرها حتى نستخلص قاعدة في هذا البحث، مثلاً الراعي للأيتام وكان الميت عنده أواله وايتام وهذا الراعي تفرغ لرعايتهم ولم يستطع مزاولة مهنته فماذا يصنع؟ ففي الآية الكريمة من آيات الأحكام ﴿ ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف ﴾ فإن كان الراعي للأيتام فسوف يراعهم مجاناً ويستعفف وإن كان فقيراً فليأكل بالمعروف يعين بمقدار حاجته لا أنه يتملكها، فهم فسروه بمقدار حاجته، فيف الموارد الخيرية لابد أن يكون بذلاً خيرياً وليس اجارة، هذا مورد من الموارد، وربما توجد موارد أخرى هكذا، مثلا مرشداً باذل نفسه في العلم فإن كان عنياً فليستعفف، ولكن رأي السيد الخوئي ليس هكذا فهو يقول - ليس في الايتام - في المسؤوليات العامة إنه حتى لو كان غنياً فهو يستحق الأجرة التي تناسب العمل.

فأياً ما كان نعود إلى هذا المطلب وهو أنَّ الارتزاق من بيت المال هل هو فقط بمعنى البذل بمقدار الحاجة أما بعد التقاعد لا توجد حقوق تقاعد ولو توفي فعياله لا شيء لهم أو ماذا؟ هناك جماعة من الأعلام قالوا إنَّ هذا ليس هو معنى الارتزاق، فإن الموارد التي وردت في أن هذه الوظيفة العامة لابد أن يرتزق من بيت المال ليس مناه أنه لا يخصص له أجرة، وحتى هذا نظام الأجرة فيه نظام اجتماعي وفيه ضمان وفيه نظام تقاعدي، فليس معناه هو هذا بل المقصود من الارتزاق أنَّ هذه الجهة الحكومية سواء كانت سلطة قضائية أو سلطة تشريعية أو غيرهما هذه يحضر عليها أن تتعاقد مع القاع الخاص فضلاً عن أن تتعاقد مع الأجنبي، فالمقصود من الارتزاق من بيت المال يعني يجب أن يكون طرف التأمين المالي من بيت المال، لأن أنه لا يمكن أن تتعاقد معاقدة اجارية وأنه بمقدار سد الاجة كلا وإنما بمقدار ليس مجحفاً لبيت المال، وهذا نفس راي السيد الخوئي في مسالة الشأنية لرجال الدين وما شابه ذلك فإنه حتى لو كان طالب علم غنياً يستحق الأجرة الشهرية ولا يشترط أن يكون فقيراً لأن هذا محترم وله مال غاية الأمر أن الشرع قال لأجل أن لا يزايد على الارشاد الديني لهذا المرشد بدل من أن يصير مرشداً دينياً يصير مرشداً علمانياً أو مرشداً للدولة المدينة أو مرشداً للموضة العصرية فلكي لا يزايد عليه هذا المرشد الديني تؤمن جهته المالية من بيت المال كي تكون هناك ورقة ضغط عليه، فإذاً معنى الارتزاق من بيت المال المقصود منه هو أنه لا يكون أجرة من القاع الخاص أو من قطاع اجنبي بل تأمين المال والمصدر المالي يؤمن من بيت المال سواء كان بصيغة عقد أجارة او صيغة بذل أو أي صيغة من الصيغ، وما حرمه الشارع من أجور القضاة وأنها سحت يعني مع القطاع الخاص ووجهه أن القطاع الخاص يضغط عليه ويستميله إل نفسه أما الدولة فلا، فهي أولاً وآخراً تعطيه سواء كان بشكل أجرة أو بشكل آخر وإذا ضغطت عليه فهي تضغط عليه كوالي المسلمين أو نظام المسلمين، أصلاً من الأصل أنَّ الأجر هو لأجل ابعادها عن الضغط على الوالي ومن الذي يضغط على الوالي؟ بل بالعكس المفرض في نظام الدولة الاسلامية أنها لإحقاق الحق والذي يضغط هم الأطراف الخصوم، وكما يقال إن هذه قضايا قياساتها معها، ولذلك الصحيح هو هكذا، ولذلك في الحقيقة الصحيح هو هكذا وبالتالي هذا نص عليه أن القاضي يرتزق من بيت المال، لأنَّ الذي يبدل المال سواء بذله بنحو البذل أو بنحو الاجارة فهو يضغط ويؤثر، فصيغة التأثير لا تختلف، بخلا الطرف الخاص فإنه يعطيه بصيغة الهدية أو الاجرة أو الجعل واو الرشوة فهو ضغط وضغطه غير صحيح لأنه يحيد عن جادة العدل.

فإذاً الصحيح بهذه القرائن وسنقرأ الروايات أن الارتزاق من بيت المال للقاضي ولأمثاله ليس المراد به عدم الأجرة كما تبنى السيد الخوئي ذلك أيضاً، هذا بالنسبة إلى الارتزاق.

ونكمل بقية الروايات حتى ننهي بحث الرشوة: -

الرواية الأخرى: - وهي موثق السكوني في الكافي، ورما قرانها سابقاً في طيات بحث الرشوة ولكن نعاود قراءتها عن أبي عبد الله عليه السلام قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- الهدية على ثلاثة وجوه هدية مكافأة[1] وهدية مصانعة )، والمصانعة غير النفاق فإن مصانعة الناس هي غير النفاق وهذا المبحث لو أنه اخلاقي ولكنه نافع فإن الكثير يظن أن المصانعة نفاق ولكن هذا غير صحيح فإن النفاق مذموم ولكن المصانعة غير مذمومة والمداراة غير مذمومة بل هي بالعكس فهي ممدوحة، ويوجد خلط في عالم الأخلاق وعالم الادارة بين المداراة وبين النفاق، فبعض الذي لديه نزعة تقدس يظن أن كل مصانعة نفاق وهذا ليس بصحيح وكل مداراة هي نفاق وهذا ليس بصحيح، وحتى الزوج والزوجة ربما أحدهما يظن بأن مصانعة أحدهما للآخر هي نفاق وهذا اشتباه، فإنَّ المصانعة والمداراة هي ثلثي العقل، فالمصانعة شيء والنفاق شيء آخر، وهذا من الملفات العالقة وهو الفرق بين باب المصانعة والمداراة وبين باب النفاق فإن المصانعة ممدوحة جداً وراجحة بينما النفاق مذموم، وحتى موجود ( صانع الناس بلسانك ) فالكثير ممن يسلك منهج التقوى والتقدّس يظن أنه الكلام لابد أن يجف وهذا ليس بصحيح، أو أن الانسان إذا أراد أن يصير حقانياً أن يكون جافاً في الكلام وهذا ليس معنى الحقانية، ولا يظن أنه إذا صانع فهو ليس حقانياً فإن الأمر ليس كذلك، فإن من صفات اعظم المخلوقات وهو سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أنه يصانع ويداري والكثير من المشاكل التي تحدث بين الأسر سواء الأرحام أو الزوج والزوجة بناءه أنَّ الاستحقاق يعني أن يصير فضاً غليظاً والحال أن الأمر كذلك حتى لو أردت أن تأخذ استحقاقك، فهنا يوجد خلط عجيب في هذا الأمر، حتى أنَّ المصانعة مع العدو ليت مذمومة، الذوبان في العدة مذموم وهننا يوجد خلط بين المصانعة للعدو وبين الموادة للعدو، فالملفات تخلط مع بعضها البعض وهذا غير صحيح، فإن الائمة كانوا يصانعون وحتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصانع العدو ولكنها مصانعة العدو ومداراة العدو شيء ولكن مداهنة العدو شيء آخر ﴿ ودوا لو تدهن فيدهنون ﴾ مع أنه في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفه بأنه كان غليظاً على المشركين ولكن مع ذك كانت عنده مداراة، فكيف يكون غليظاً وتكون عنده مداراة ؟ كونه غليظاً في التدبير وليس في كيفية التكلم معهم، فلاحظ أنَّ هذه الملفات في الفقه وفي علم الأخلاق وفي الفقه السياسي مرتبطة ومختلطة تحتاج إل تنقيح وهي مهمة ومحل بحث وليس شيئاً سهلاً، فإنَّ المصانعة والمدارة شيء والموادّة شيء آخر، وفي نفس القرآن الكريم في سورة ابراهيم الموادة ممنوعة مع الأعداء ولككن البر معهم ليس ممنوعاً فإنَّ البر شيئاً آخر، فالمقصود أنَّ تفكيك هذه العناوين يحتاج إلى شغل لغوي وعلمي حتى يتكامل الانسان.


[1] لأجل ترطيب العلاقات الودية سيما بين الأرحام وحتى في غير الأرحام ( تهادوا تحابوا ) فإن الهدية تورث المحبة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo