< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

كنّا في صدد تفسير رواية الأصبغ بن نباتة وهي الرواية العاشرة وهي ( أيما والٍ .... )، مرّ بنا أن توضيح هذه الرواية وهو أن هذه الرواية تحرم هدايا السلطان باعتبار أنها تجعلها من بيت المال مرّ بنا أنَّ الوجه في ذلك هو أنَّ المعطي يعطي لهذا الشخص بصفته والياً أو مسؤولا أو مدير شعبة أو والي وقف مثلاً فواضح فيه أنَّ الاعطاء بلحاظ التقيد وهذا الداعي بنحو تقييدي ولولاه لما أعطاه، ولا ينافي ذلك أن يقال إن المعطي يعطي كزيد ابن أرقم، وهذا صحيح ولكن زيد ابن أرقم هنا فيه حيثيتان حيثية حقيقية فهو بشر من الأفراد وحيثية حقوقية كونه مسؤولاً فهذه الحيثية هو متلبس بها وهي متلبسه به لكنها كحيثية تفرق، فإذاً الوجه في بيان هذه الرواية في محله، وكونه حرام من جهة كونه حرام من جهة أنه أخذ من بيت المال فإنه إذا كان هدية للمنصب فيدخل في بيت المال، واذا كانت لأجل الباطل إقامة الباطل وإزالة الحق فحرمتها تتغلظ من جانب آخر أيضاً ومتن الرواية هكذا ) أيما والٍ احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه ) وهذا ليس محلاً للكلام، ( وإن أخذ هدية ) لأنَّ الوظائف التي توكل الى عهدته يلزم بالقيام بها مجاناً فإذا كان يقوم بها مجاناً لماذا يأخذ عوضاً عليها ولو بصورة وعنوان هدية؟!!، فكأنما هذه العبارة تمهيد لما يأتي بعد ذلك ( أيما والٍ أحتجب عن حوائج الناس أحتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه وإن أخذ هديته كان غلولاً وإن أخذ الرشوة فهو مشرك )[1] ، فالرواية متينة في كلا الحكمين حكمة حرمة الرشوة في القضاء أو حرمة الهدية حتى في غير القضاء فإنها تعتبر غلولاً، فلها دلالة على فرضين أو صورتين، هذا المفاد علاوة عل أن الرواية معتبرة على الأصح عندنا بالتالي هي حجة في دلالتها علاوة على ذلك هي مفادها على مقتضى القاعدة كما مرّ بنا خلال ثلاث جلسات.

الرواية الثانية عشرة: - صحيحة عمَّار بن مروان، وهي نفسها ولكن من طريق الصدور، حيث ذكرها صاحب الوسائل من طريق الكليني والآن ذكرها الصدوق وهذا الدأب موجود عند صاحب الوسائل في رواية واحدة وبعض الأحيان ورواه بطريق آخر الصدق في الفقيه والشيخ في التهذيب ثم يقول بعد أن تيم الرواية بسندها يقول ورواه في الفقيه مثله أو في التهذيب مثله أو يأتي بسنده فلماذا في بعض المواد لا يقول ورواه مثله وإنما يأتي نفس متن الرواية لكن من طريق آخر فلماذا مثل ما فعل صاحب الوسائل هنا؟ باعتبار أن ألفاظ الرواية في طرق الصدوق تختلف عن ألفاظ الرواية شيئاً ما عن طريق الكليني ولذلك أفردها، ولكنه يستطيع أن يقول ( ورواه مثله إلا أنه قال بدل كذا بدل كذا ) يعني يشير إلى الاختلاف.

فعلى كلٍ هنا في جملة من الرواية الشيخ الحر العاملي كأنما يبني تعدد الروايات أقصد رواية عمار مع أنها رواية واحده لها عدة طرق، ( قال:- قال أبا عبد الله عليه السلام كل شيءٍ غلَّ من الامام فهو سحت والسحت أنواع كثيرة منها ما أصيب أعمال الولاة الظلمة ومنها أجور القضاة وأجور الفواجر )[2] ، عامل الولاة كالعباسيين هو الذي لديه منصب تنفيذي سلطة تنفيذية كالوالي غيره.

الرواية الحادية عشر: - وهي بأسانيد تقدمت عن عيون أخبار الرضا للصدوق، يقول صاحب السوائل ( بأسانيد تقدمت في إسباغ الوضوء ) يعني ليس سنداً واحداً وإنما أسانيد متعددة، عن الرضا عن آبائه عن علي عليه السلام:- ( في قوله تعالى " أكالون للسحت " قال هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته )[3] ، فهنا جعلها من السحت، لماذا هي سحت؟ المعروف أنَّ المشهور هنا حملوها على الكراهة لأنه يوجد فيها نوع من السحت وقد نصَّ عليها الدليل هنا أنها من السحت مع أنه قام الدليل البديهي على أنها مستحبات أو مكروهات، فيدل على أنَّ السحت يستخدم في الأعم من المكروه والحرام وأن كان عند المبادرة يستخدم في حرام حتى في الحرام العقائدي الذي هو أشد من الحرام الفقهي، فـ ( الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل منه الهدية حرام ) يعني كأنما أنت ابتززته أو مننت عليهِ بأن أسديت له خدمة وتتوقع منه المقايضة فهذا مكروه لأنه ينافي المروءة، نعم يضغط هذا المعطي ويصر عليك وأنت تأخذه هديته بسبب أن لا تكسر اصراره فهذا بحث آخر أما أخذ الهدية فهو بالتالي لها نوع من خلاف المروة وكأنما خلاف المروءة وكأنما أنت متقاضٍ منه فإذا أنت تقبل فأنت كنت تتوقع منه أذا تتوقت منه فكأنك لم تفعل ما فعلت مجاناً، ولو أن هذه الرواية في صدد تفسير آية ( أكالون للسحت ) يعني حرام كيف الآن فسرها الامام بمورد الكراهة؟

يمكن تقريب ذلك: - أنَّ الآية هي في الحرام، نعم السحت الخفيف وقد مرّ السحت منه الشديد ومنه المتوسط ومنه الضعيف، ومرَّ بنا إنه أذا كان السحت هو طبيعته تشكيكي ذو مراتب فتلقائياً المحمول يصير ذو مراتب، مثل صلة الرحم فهذا العنوان طبيعته أنه متفاوت فإذا كان متفاوتاً فتلقائياً الحرمة من السحت أشد من حرمة أخرى، وهذا مرّ بنا ( السحت أنواع كثيرة وأما الرشوة في حكم الرشوة في حكم فهو الكفر بالله )، فما المراد هنا؟ يعني هي أيضاً مندرجة في أنواع السحت المحرم ولكن هذه لشدتها كأنما خرجت من اطار السحت الى اطار الكفر، أي فيها خلل عقائدي وارتكاب ما يخل بالعقيدة، فإذا كان السحت ذو درجات تصل إلى الكفر العقائدي وتتنزل فهنا قابل لتصوير أن يكون من السحت درجة من الكراهة، نعم ( أكالون للسحت ) هو ذمٌ على أكلهم للسحت الحرام ويشمل حتى أكلهم السحت المكروه، ومتى يقال للمكروه سحتاً؟ إذا اشتدت كراهته وكأنما كاد أن يكون على وشك المحرم فالسحت ليس كل مكروه وهذه كراهة هي في المال وليس غيره، فـ ( السحت يعني أنواع عديدة ) فالحرمة مالية.

ولا بأس أن نذكر نكتة من باب الهدية لها ارتباط بالمقام: - وهي أنَّ الهدية في غير موارد أربع هي جائزة، يعني يمكن أن يرد الواهب الهبة ما دامت قائمة بعينها ولم يتصرف فيها تصرف مغير لشؤونها لا مطلق التصرف وإنما التصرف الموجب أنَّ العين ليست قائمة بحيالها، فالهدية هي جائزة، هذه الهدية الجائزة متى تصير لازمة؟ إنها تصير لازمة في أربع استثناءات للأرحام وللزوج وإذا كانت هدية معوضة فإذاً كانت هدية معوّضة تكون لازمة، والهدية المعوضة لها فرضان أو أكثر ولكن كلها تسمى هدية معوضة، فتارة أنا أتصالح معك فأنا سأهديك هذا المبلغ في المقابل أن تهديني سيارتك أو شيء آخر، فصارت هدية عوض هدية، ويعبر عنها هدية بالمعاوضة، وهذه لازمة وخارجة عن جواز الهدية، أو لرحم أو لزوجة ولكن الكلام هنا لغير الرحم أذا تغير عمّا هي عليه فهنا يوجد اختلاف ولكن نحن نبني على أنها لازمة، أو التغير عمّا هي عليه، فهذه اربعة اسباب للزوم الهدية، إما رحم أو زوجين أو تتغير عما هي عليه، وهدية المعاوضة لها صورتان، صورة أني أهديك من البداية مقابل أن تهديني شيئاً فهذا نوع من الهدية المعاوضة، ويوجد نوع آخر من الهدية المعاوضة وهي أيضاً لازمة وهي أنه ابتداءً هذه الهدية لم يشترط فيها التعاوض ولكن كرامة هذا المهدى إليه في مقابل هديته أرسل إليه هدية أخرى، فهنا لا يوجد تشارط في الهدية ولا صلح وإنما هذه هدية على حده وهذه الهدية عكسها على حدةٍ أخرى، فهذه الصورة الثانية الشارع اعتبرها هدية معاوضية مع أنها ليست معاوضة ولكن الشارع قال هي بحكم المعاوضة وتعتبر هدية معاوضة فتصبح لازمة، فأنت أيها الوهب إذا كنت ذكياً فهو حينما أعطاك هدية فهو قد يريد أن يسترجعها، فإذا قبلت منه هدية ولو يسيرة كما لو أعطيته أرضاً أو سيارةً يقضي بها حوائجه لفترة وكنت بانياً على أن ترجعها قبل أن يغيرها فغيك أن تقبل منه هدية ولو كانت يسيرة فإذا قبلت هذه الهدية اليسيرة صارت الهدية الأولى لازمة وتصير المعاوضة لازمة، يقال إنَّ السيد الخوئي من باب المزاح أراد شخص أن يشتري خاتم ثمين رآه في يد السيد وبمبلغ يسير من المال فقال له السيد لا بأس فباعه عليه فهذ الشخص توجس خيفة وقال في نفسه دعني اهرب من السيد حينما يتحدث مع بطانته حتى يصير البيع لازماً لأن البيعان بالخيار ماداما في المجلس فقبل أن يقوم قال له السيد فسخت البيع، فالمقصود أنَّ هذه الهدية المعاوضية لا يشترط أنه يتعاوض وإنما نفس الذي يقبل الهدية تصير لازمة عليه، فالمقصود هنا الهدية المعاوضية ما هو ربطها بالبحث؟ ربطها بالبحث هو أنَّ الانسان إذا بذل عملاً لأخيه إذا توقع من عنده هدية مقابل خدمتي لك في هذا الشيء تنصرف إلى هدية معاوضية، فبالله عليك هل هذه معاوضة أو هي هدية؟ إنها صارت معاوضة ولم تكن هدية، فتكون مكروهة كراهة شديدة بهذا اللحاظ لأنك في الحقيقة أنت تتعاوض وتتقايض معه ولم تقم بقضاء الحاجة له مجاناً يعني فيها دناءه فالكراهة الشديدة هي من هذا اللحاظ.

الرواية الثانية عشرة: - وهي نفسها صحيحة عمار بن مروان كما مرّ بنا في تعداد السحت وفي آخر الرواية الرشا في الحكم، ( ومنها ما أصيب من ولاة الظلمة ومنها أجور القضاة )، ما الفرق بين ولاة الظلمة واجور القضاة؟ ولاة الظلمة يعني سلطة تنفيذية، فعنوانها مختلف سواء كانوا وزراء سلطة التنفيذية او مسؤوليات أخرى تنفيذية كالمحافظ أو مدير شعبة كلها تدرج في الوالي ( أيما والٍ )، فهذا يدل على أنَّ الوالي والسلطة في الحكومة التنفيذية الأصل في الخدمات التي تقدمها للمواطنين هو بنحو، فهي تبذل تعليم تبذل صحة تبذل كهرباء تبذل أي شيء بالأصل أنه مجانياً، فأخذها عوضاً على ذلك هذا خلاف الأصل، إلا إذا كان البيت المالي فهذا يكون الدعم المالي على المواطن وعلى الناس من باب الوجوب الكفائي، فـ (ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة ) يعني هو في بحث السلطة التنفيذية ، ( ومنها أجور القضاة ) وهذا واضح، ( ومنها أجور الفواجر والنبيذ والمسكر والربا بعد البينة فأما الرشا يا عمار في الأحكام فإن ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم )[4] ، يعني انحراف السلطة القضائية حرمته عند الشارع مغلظة، لأنه بالسلطة القضائية يقام العدل علاوة على حرمة الرشوة.

الرواية اللاحقة:- وهي أيضاً من الروايات الصدوقة لكن يقول لم نعثر عليه في معاوني الأخبار المطبوع، مع صاحب الوسائل كأنما يعطفهم على معاني الأخبار، والعجيب أن نسخة معاني الأخبار أو المصادر الأصلية عند صاحب الوسائل تختلف عن المطبوعة الآن، وهذا منبه أو مؤشر إلى لزوم تصحيح نسخ كتب الحديث تراث الحديث، وتصحيحه يعني لا أنك تقحم تصحيحاً عل حساب تصحيحات أخرى وإنما لا أقل في الهامش أنه توجد نسخ مختلفة، فالمهم أن هذا الطريق يرويه صاحب الوسائل بزعمه عن الصدوق في المعاني بسند الصدوق عن هارون ابن مسلم عن القاسم بن عبد الرحمان عن محمد بن علي عن الحسين عليه السلام:- ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن خصالٍ تسعة عن مهر البغي وعن عسيب الدابة وعن خاتم الذهب وعن ثمن الكلب وعن مياثر الارجوان )، وصاحب الوسائل بعد ذلك يقول ( وفي الخصال قال أبو عدوية ) يعني في المعاني شكل في الخصال شكل آخر، ولكن هذا يدل على أن النسخ مختلفة.

ونذكر الفائدة متصلة بالبحث:- وهي أنَّ كتب الحديث المطبوعة الآن تحتاج الى إعادة طباعة فاخرة مع الدقة في تصحيح النسخ، وليس المصحح يراجع النسخ المخطوطة أو المطبوعة للكتاب، وإنما يطالع الكتب التي نقلت عن الكتاب وسميا هم من أصحاب تأليفات قبل قرون فيثبت هذا التصحيح بشكل أدق وأمتن، وللأسف أن التصحيح للكتب سيما كتب الحديث هو من أخطر وأعظم الأشياء إلا أنه لم يستوفً والمصححون مع التشكر لسعيهم وجهودهم لم يستوفوا هذا النمط من التصحيح، وهو أنهم يرون نسخ الحديث في الكتاب أو نسخ الكتاب ومن ينقل عنها صاحب الكتاب من فقهاء ومن مفكرين ومن متكلمين سيما أنهم أصحاب قرون متقدمة، فينبه إلى أنَّ النسخة الكاملة كم توجد فيها من زيادات وغير ذلك، وهذه نكتة مهمة جداً في كيفية تصحيح كتب الحديث، من باب المثال الآن كتاب العياشي فهو في الأصل مسند ولكن الناسخ حذف الأسانيد ولكن بإمكاننا أن نذكر أنَّ هذه الرواية التي مصدرها العياشي وهو مصدر أصيل قديم يعتمد عليه في النقل وهذه الرواية نقلها أعلام كبار، فبالتالي هذا يزيد توثيق هذه الرواية ومضمونها ووجودها، فعلى أية حال وجود أحاديث هذا الكتاب في كتب العلوم الدينية من فقه وتفسير وكلام و غيره وجود احاديث هذا الكتاب جيلاً بعد جيل من أعظم مصادر أنَّ هذا الكتاب متواتر أو مستفيض، مثلاً كتاب تحف العقول أين مصدره والكثير من التساؤلات، حتى السيد الخوئي يطرحها، ولو راجعون الأغا بزرك الطهراني في مواضع متعددة من كتابه الذريعة يرى الباحث أن صاحب الذريعة أعطى البحث حقه ولكن بغض النظر عن الأغا بزرك هذه كتاب تحف العقول أنت لاحظ كتب علمائنا الامامية في العلوم الدينية جيلاً بعد جيل ينقلون عنه، فلا تستطيع أن نقول إنَّ هذا الكتاب نكرة أو أنَّ صاحبه نكرة، أضف إلى أنَّ نفس كتاب تحف العقول مضامينه الروائية والقواعد والنكات المذكور فيه متطابقة مع كتب الحديث فلماذا نشكك فيه؟!! ومن هذا القبيل الكثير.

فعلى أيّ حال قضية تصحيح الكتب في الطباعة أو في الحجية له مدار مهم وله ميزان مبنى مغفول عنه، فـ ( نهى النبي عن خصال تسعة عن مهر البغي وعن عسيل الدابة وعن خاتم الذهب وعن ثمن الكلب وعن مياثر الارجوان )، وهذه بعضها مكروه ولكن جلّها محرّم، وفي الخصال زاد الصدوق ( وعن المياثر الحمر وعن ثياب القِسِي وهي ثياب تنسج بالشام وعن أكل لحوم السباع وعن صرف الذهب وبالذهب والفضة بالفضة وبينهما فرق وعن النظر في النجوم )[5] ، وقد مرّ بنا أنَّ النظر في النجوم مكروه أو هي تقع على حالتين مكروه ومستحب وهذا لا يضر بالاستدلال، وسنذكر بقية الروايات إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo