< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/06/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

كنا في هذه الآية الكريمة أو الآيات الواردة في تحريم السحت وأن الرشوة من السحت، وهي كما يقول السيد الخوئي في تعريفه هي أجرة على ما يتعارف الجرة عليه وكأنما يصير أكل للمال بالباطل وبالتالي يكون هناك قبح وعار لمن يستلمها، ولذلك يحب أن يخفي هذه الرشوة ولا تظهر للعلن وما شابه ذلك كل هذا يدل على أنَّ الرشوة موضوعاً هي مصداق للسحت، وبالتالي تأتي الآية الكريمة وتحرم عموم السحت، وسيأتي في الروايات الكثيرة من أن الرشوة من السحت.

وهناك آيات أخرى في هذا المجال وهي الآيات التي تذم علماء بني إسرائيل ورجال الدين لنبي إسرائيل، وطبعاً هذا الذم من الآيات الشديد في موارد عديدة من سور القرآن لعلماء بني إسرائيل أو رجال دينهم لا يختص بهم وإنما يشمل رجال دين النصارى حيث وقعوا في نفس هذا الموقف، ويشمل حتى رجال دين المسلمين لأنهم وقعوا في نفس هذا الموقع، وهو أنه إما الحاكم السياسي والقوى السياسية أو الضغوطات أو دولة عظمى أو شيء آخر تشتري منهم الفتوى أو تقديرات فتوائية تشريعية لما يصنعونه أو عدم مخالفة لما يصنعونه مقابل سكوتهم عن ذلك وهلم جرا، يعني يشترون الموقف الديني منهم وهناك آيات كثيرة دالة على ذلك وهذا سبب انحراف الدين من اليهودية والنصرانية أو مذاهب الجمهور سبب خرابها هو هذا، وهذا برهان تاريخي واضح فانت ترى علماء الامامية التابعين لأئمة اهل البيت ين مقتول وبين مسموم وبين ملاحق وبين منفي وبين مطرود والشهيد الأول والشهيد الثاني والشهيد الثالث والقاضي نور الله التستري والسيد المرتضى حتى أنه أُبعِد من بغداد وكان المرع الأعلى وسجن في المنفى ثم بعد ذلك عاد بعد كم سنة وهذا موجود في ترجمة السيد المرتضى، والشيخ المفيد المرجع الأعلى على أقل تقدير أُبعد عن بغداد مرتين أو ثلاث عن بغداد كمزايدة على موقفه ولكنه لم ينصاع لضغط القوى السياسية سواء الأجنبية أو الداخلية وهذا موجود في حياته، وهذه الأمور يلزم قراءتها لأنها عبرة، فالكثير من علمائنا حصل معهم هكذا فهم دائماً ملاحقون ومتابعون، ففي جملة من بلدان التابعة لأهل البيت العلماء على قدم وساق دائماً مصيرهم القتل، فالمقصود أنه مقابل عدم شراء الموقف الديني لابد من التضحيات ونبراس هذا الموقف الزهراء عليها السلام حيث قتلت واغتيلت وكان الهدف من تصفيتها أشد من أمير المؤمنين لأنَّ أمير المؤمنين لمسوا منه نوعاً من الهدنة، وإلا فالزهراء عليها السلام لم تهادنهم فلابد أن يصفوها، وقد مرّ بنا أنَّ هذا النوع من الجرأة على ضرب وقمع بدن الزهراء عليه السلام أمير المؤمنين لم نسمع أنهم ارتكبوا هذا الشيء فأمير المؤمنين رجل ضرغام بينما الزهراء امرأة وهي بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل هذه القضية صدفة؟ كلا، وإنما السبب هو هذا وكذلك سيد الشهداء وهلم جرا، فحتى التقية أو المداراة تحتاج إلى موازنة وحد وإلا بلغ مع ما بلغ فسوف يتماهى الدين، يعني كما ينبغ التقية في موردها ينبغي عدم التقية في موردها، الامام الرضا عليه السلام حجب شيعة قم ستة أشهر أن يدخلوا عليه في خراسان لأسباب متعددة أحدها أنه قال ( تتقون حيث لا ينبغي أن تتقون ولا تتقون حيث ينبغي أن تتقون )، فحتى ما يسمى بالمداراة والتقية ليست هي جرّت قلم أو ينجر إلى ما لا نهاية وإنما لها حدود ومواضع، الكثير من الأشراف مع احترامنا لذرية الرسول، فإنَّ الكثير من الأشراف في مكة والمدينة الآن نسلهم صاروا أتباع المذاهب الأخرى وهم في الأصل امامية، ولكن بقيت محبة أهل البيت فيهم فقط، بينما نفس شيعة آخرين في المدينة المنورة وغيرها كابدوا محن الصبر ولاقوا الأمرّين ولكنهم بقوا على منهاجهم، وكذلك شيعة مصر فإنه بعد فساد الدين الأيوبي خاض فيهم مجازر عجيبة أشد من داعش وحتى شيعة حلب لم يقاوموا وإنما بدّلوا ولكن بقي حبهم لأهل البيت عليهم السلام، وكما يقول المسؤول الكبير عندهم شعب مصر شيعي الهوى سني المذهب، فلاحظ أنه بالتالي تبدل وكذلك حلب، فإنَّ حلب والموصل تبادلت عليها الأمور بينا تلاحظ المناطق الشيعية التي صمدت وقدمت قرابين تلاحظ أنها بقيت كجنوب العرق ووسطه وإيران وضفاف الخليج فحينما تقدم كوكبات من التضحيات فسوف تبقى لأنه لا يمكن أن تتماهى بالمرة فإنه سوف تنمحي، الآن بعض أتباع أهل البيت في بعض البلدان تماهوا في التقية فأبناءهم ذهبوا إلى الطرف الآخر، فكل شيء له حد، لأنَّ كل شيء زاد عن حدّه انقلب إلى ضدّه، فالمقصود في هذا المطلب وهو أنه صحيح أنَّ التقية هي تقية ولكن نفس الامام الصادق عليه السلام ألم يحرق بيته، فلو كان متماهياً كمالك بن أنس أو غيره لما لاقى كل ذلك بينما الامام الصادق عليه السلام ابعد عدة مرات من المدينة المنورة إلى العراق تحت الاقامة الجبرية وربما عدة متقطعة وكان منفاه في الحيرة، وللأسف هذه القضايا لم يبسط فيها البحث، والكثير من زيارات الامام الحسين عليه السلام أنسأها الامام الصدق عليه السلام وهو في منفاه، وكانت عليه اقامة جبرية في الكوفة ولو أراد الامام الصادق أن يستسلم لاستسلم مع أنه أشد الأئمة تقية ولكن مع ذلك حصل هذا معه، ونفس الامام الكاظم عليه قد سجن فملاذا سجن فلو كان متماهياً ومداراً لماذا يسجنونه، وحتى الإمام الهادي والحسن العسكري عليهما السلام سجنوا عدة مرات، وأصلاً نفس إقامتهم الجبرية هي سجن، فواضح أنَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام صحيح أنه يوجد عندهم نوع من عدم التشنج ولكنه ليس تماهياً فالمهم هو هذا الذي يحفظ الدي وهو عدم بيع الموقف الديني، أما أني أبيع أو أُدراي بلغ ما بلغ فسوف يصير تماهياً، فعلى أي حال هذه الآيات التي سنذكرها مثل ﴿ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً﴾[1] ، فالخطاب ليس خاصاً ببني إسرائيل وإنما كل علماء الدين على طول التاريخ إلى يوم القيامة، ﴿لا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً إنَّ ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون﴾[2] ، وهناك آية أخرى وهي ﴿اشتروا بآيات الله ثمناً فقليلاً وصدوا عن سبيل الله إنهم ساءوا مما كانوا يعملون﴾ ، وهناك آية أخرى وهي ﴿إنَّ الذين يكتمون ما أزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلا أولئك لا يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم﴾[3] ، فالملاحظ أنَّ القرآن الكريم يشدد النكير على أنَّ الرشوة في السلطات الدينية في رجل الدين هي أخطر شيء لأنه يسبب تماهي الدين ومحوه، فالمقصود أن الرشوة في الموضع الديني أخطر فأخطر، هو الخوف ليس مبرراً أن يتماهى الانسان نعم لا يثير حفيظة الظالم فهذا بحث آخر ولا يتشنج معه فهذا صحيح ولكن هذا شيء وأن اتماهى وأنظّر كما يريدون فهذا لا مسوّغ له أبداً، فعدم المصادمة معهم وعدم المجابهة معهم شيء وبين أنك تسكت أو تخفي أو تنظر أو تروج لما يقولون فهذا غير ممكن وهذا يصير شراء وقف وهو الذي يبدّل الدين فهو الذي هوّد اليهود ونصّر النصارى وكذلك الحال في علماء الجمهور وغيرهم، فهذا باب آخر، فإنَّ تخصيص الرشوة بالقضاة ليس بصحيح فإنها لا تختص بالقضاة، كما لا تختص الرشوة بالمسؤولين التنفيذيين والسلطة التنفيذية وإنما يشمل حتى السلطة الدينية فإنَّ تشديد القرآن الكريم على السلطة الدينية في الرشوة أكثر حراماً وأكثر خطورة لأنه يوجب اندراس الدين ومحوه.

أصلاً أمير المؤمنين وحومته حكومة معصوم يقلو لا تأخذكم هيبتي عن أن تقولوا لي بمرّ الحق، فصحيح هو معصوم ولكن جهازه ليس بمعصوم، فإذا كان جهازه ليس بمعصوم فنفسه يؤكد أنكم لا تأخذكم أبهتي عن عدم قول الحق، وهذا حتى في أوائل الخلافة، ( إني ليست فوق أن أخطئ ) فهل أمير المؤمنين عليه السلام يخطئ؟!! لكن لماذا قال هذه العبارة حينما استلم الخلافة؟ لأنَّ فعله ليس فعل شخصه وإنما هو فعل جهازه الحكومي وهو فيه طواقم كلها غير معصومة فطبعاً يصدر الخطأ، وهذا موجود في نهج البلاغة وغيره، ( إني لست فوق أن أخطئ )، والحال أنه معصوم وقد شهد الله تعالى له بالطهر والعصمة والاصطفاء، مثل جيش الرسول حينما دخل مكة أليس خالد بن الوليد ذهب وقتل بعض الأبرياء ثم رفع النبي يده وقال اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد بن الوليد، فبالتالي هو مسحوب على حكومة الرسول وجهازه، فالمقصود هو هذا المطلب، طبعاً شيء متوازن، مثلاً افترض أني أريد أن أرفع اعتراضاً على حكومة رسول الله أو حكومة أمير المؤمنين فهذا ليس معناه أنَّ أصل حكومة الرسول فاقدة للشرعية، أعوذ بالله فإنها حكومة معصوم فكيف تكون فاقدة للشرعية، نعم أقول إنَّ هذا الجانب فيه خطأ ولا أقول كل الطاقم خطأ فإنَّ هذا إفراط وليس بصحيح، فهو إفراط في موازنة الأمور فإنَّ الموازنة أمر ضروري جداً، وهذا التوازن هو أصعب شيء وهو أن يميز الانسان أين الصحيح فيبقيه على حالة وينميه واين الخطأ فيعالجه، لا أن يكيل الخطأ والصحيح بيل واحد فإنَّ هذا خطأ، وهو خطير أيضاً بلا شك، فبالتالي إذاً القضايا هكذا، وطبعاً يوجد أهم ومهم افترض مثلاً أني أرى فساداً ولكن يوجد جهاز كله صلاح فلو بينته الآن فهذا خطأ فإنَّ العدو سوف يستفيد منه، أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن كيفية جمع القرآن وتدوينه فلم يبين ذلك فقيل له لماذا فقال لأنَّ الأعداء سوف يستغلونه ويطعنون على القرآن الكريم، فماذا يكتم أمير المؤمنين ولم يظهره؟ إنَّ هذا ليس وقته لأن العدو قد يدخل على الخط، فإنَّ الموازنات في الاصلاح أمر مهم وإلا سوف تخرج الأمور عن السيطرة، ولكن المقصود هو هذا المطلب وهو أنه مع حفظ الموازنات ومع غير ذلك من الأمور لابد أن يكون ألأمر هكذا وبعاً الأمر عصيب وموازنته ليست بالسهلة ولكن أياً ما كان مبدأياً الخطأ هو خطأ أما متى يكون إظهاره ومتى معالجته ومتى موازنته فهذا بحث آخر، مثل ما لو كنت أنت في أسرتك ترى ابناً أو أخاً عمل فساداً فليس معنى ذلك أنك إذا أردت أن تصلحه تشهّر به أمام الناس في العلن فإنَّ هذا غير صحيح، فإنه مهما يكن هذا عضو من الأسرة فيجب الالتفات إلى هذه القضية، وإما عيلك أن تصلحه بينك وما بينه أو ضغط بطريقة وأخرى والآليات مهمة وكيفية والاصلاح وحجم الإصلاح وحجم الضغط، فكل هذا لابد أن يدخل في الموازنات بلا شك، ولكن مبدأياً أصل الخطأ هو خطأ وهذا بحث آخر، فالكلام في أصل الأمور وإلا دائماً الأحكام والقواعد، فليس على الانسان أن يراعي قاعدة واحدة وإنما يراعي مجموع القواعد ، فإذا راعى مجموع القواعد فسوف تصير موازنة، وإلا مثلاً هذا أخي يتعدّى على شؤوني فصحيح يلزم أن ترجعه إلى حدّه ولكن ليس معنى ذلك أن تقطع الأخوة التي بينك وبينه، فهناك فرق بين أن تقطع الأخوة بينك وبين أن ترجعه إلى حدّه وتحجّمه عند شؤونه، لأنه توجد عندك مشتركات معه بخلاف الأجنبي فلا يصح أن تساويه مع الأجنبي، فالمهم أن الموازنات هي أمر صعب يجب التدبر فيها ولكن الكلام الآن هو في كل قاعدة بحثيتها وطبعاً الوصول إلى النتيجة السديدة لا يكون بقاعدة واحدة وبحكم واحد وإنما يجب على الإنسان أن يلاحظ هذه الأمور، فلاحظ أنَّ القرآن الكريم يقول﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات﴾ فلم يقل آية محكمة وإنما قال آيات محكمات، ثم بعد ذلك ماذا قال القرآن الكريم فإن القرآن الكريم كله أسرار وعجائب وأسرار أنوار واسرار علوم فهو ﴿قال ومنه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب﴾ ولم يقل هي أم الكتاب، فهو يستطيع أن يقول ( هي ) ضمير غير عاقل مثلاً وإنما قال ﴿هنَّ أم الكتاب﴾ فهو يريد أن يشير إلى ماذا؟ يعني يريد أن يقول إنَّ المحكمات إذا لم تجتمع مع بعضها البعض فهي ليست أم ومركز وقطب ومدار، فلابد ان يكون هناك توازن، أما من دون توازن فسوف تأخذ محكماً وتترك بقية المحكمات فإنه يصير إفراط، بلابد من أن توازن في ذلك، ﴿هن أمّ الكتاب﴾ أي مجموعهن هو أم الكتاب، فإذا وازنت القواعد مع بعضها البعض فحينئذٍ تصير هي قطب مركزين فواقعًاً هذا اعجاز في القرآن الكريم فـ( هنًّ ) يعني مجموع وليس واحدة، وهذا توازن لا يقدر عليه إلا المعصوم أما غير المعصوم فما لا يدرك كله لا يترك كله، فحفظ التوازن ليس شيئاً سهلاً، وهذه لفتة ظريفة هنا، فالتشابه يعني الفتن فالفتن لا تنجلي بمحكم واحد وإنما عليك أن تجمع الموازين وتوازنها مع بعض فهنا سوف تنجلي الفتة وهذا شيء عظيم، ﴿ونزلنا عليك الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب﴾[4] ، فهنَّ وليس هي، فلا تقل إنه استغراق بأيهما عملت وإنما يلزم أن تعمل بالجموع، فبها تنجلي الفتن وإلا سوف لا تنجلي الفتن، وهذا أصل عجيب، ولكن المقصود نحن الآن دعنا نسجّل محكماً محكماً نعم في التوازن لابد من مجموع المحكمات لا محكم واحد فهذا صحيح.

فعلى أيّة حال هذا بالنسبة إلى الآيات الواردة في رشوة الموقف الديني أو السلطة الدينية.

فإذاً هي لا تختص بالقضاء حسب الأدلة ولا تختص بالسلطة التنفيذية بل السلطة الدينية عليها مسؤولية بحسب بيان القرآن أعظم من القضاء وأعم من السلطة التنفيذية وأعظم من السلطة التشريعية الرسمية، والشيخ محمد مهدي شمس الدين عنده عبارة لطيفة قد نبّه قبله عليها في قضية كربلاء وعاشوراء، وهو أنَّ سيد الشهداء فكك بين السلطة الرسمية بين سلطاتها الثلاث أو الأربع السلطة الدينية الحقيقية فإنها من أحد النتائج العظيمة في عاشوراء، وهذه نكت لطيفة ولكن هذه السلطة الدينية الحقيقية تقع عليها مسؤولية كبيرة جداً.

والنتيجة:- هي أنه إذا كنا نحن والآيات الكريمة تخصيص حرمة الرشوة بالقضاء غير صحيح وإنما الأدلة أعم، وتخصيص حرمة الرشوة بالسلطة التنفيذية ليس بصحيح وإنما هي أعم، وهي تشمل السلطة الدينية ولكن المقدار الذي دلت عليه الآيات الكريمة هو الرشوة في الباطل لا الرشوة في الحق، فمقدار ما نستنتجه من الآيات الكريمة ليس أكثر من هذا وهو التعميم في موضوع الرشوة من جهة قاضي أو مسؤول حكومي أو رجل دين أرشيه حتى ابتزه عن الحق والحقيقة إلى الباطل كل هذا حرام، كما يقول الطريحي في مجمع البحرين ( قلّما تستخدم في غير الباطل )، فهذا المقدار الآيات تدل على التعميم فيه ولكنها تقيّد بالباطل، نعم هي تشمل ما يعم عدم الصحة الوضعية لا الباطل الذي هو حرام ذاتاً وإنما المقصود من الباطل يعني ما لا مشروعية لهو ليس خصوص ما هو حرام ذاتاً، هذا هو المقدار الذي نستفيده من ثلاث طوائف من الآيات الكريمة.

أما الروايات: -

فالروايات هي في الباب الخامس من أبواب ما يكتسب به، فالباب الخامس عقدة صاحب الوسائل في الرشوة: -

الرواية الأولى: - وهي صحيحة عمار بن مروان أو موثقة قال: - ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن الغلول، فقال: - ... ) والغلول في اللغة هو ما يؤخذ خفاءً نم مغنم أو غنيمة أو من بيت المال، يعني قريب الغيلة ولو أنَّ مادة الغيلة غير الغلول فإن الغلول من غلل وأما غيل من غول ولكنهما متقاربان فذاك في تصفية النفوس وهذا في تصفية الأموال، فالغلول ما يؤخذ خيانة خفية من بيت المال يسمى غلولاً وهذا غير الرشوة أما ما هو ربطه بالرشوة فسيأتي، ( قال:- سألت أبا جعفر عليه السلام عن الغلول، قال:- كل شيء غلّ من الامام خفية فهو سحت وأكل مال اليتيم شبهة سحتٌ والسحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ والمسكر والربا بعد البينة فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله العظين جلّ اسمه وسوله )[5] ، وقد يسأل سائل ويقول ما مناسبة ذكر الامام عليه السلام للرشوة إذا كان هو كفر يعين صعّد النكير أو اللهجة له فإنَّ ذاك سجت أما هذا فهو ليس سحتاً فقط وإنما هو كفر، فما المناسبة لذكر الرشوة في سياق السحت؟ يعني أنَّ الرشوة بطبيعتها هي سحت ولكن إذا كانت في القضاء فهذا معناه أنَّ الحرمة أشد، فهل التفتم إلى ذلك؟!، فالإمام عليه السلام في صدد استعراض السحت وأنه منه الغلول والسحت كذا وكذا إلى أن وصل إلى الرشوة في الحكم فقال هو الكفر وما مناسبته مع السحت وتعداد السحت؟ إنَّ هذا السياق دليل على أنَّ الرشوة وهي سحت في الأصل ولكن في خصوص مورد الرشوة في القضاء وفي الحكم تشتد حرمتها من سحت إلى الكفر، فبالعكس هذه الروايات التي فيها ( أما الرشوة في الحكم فهو الكفر بالله العظيم ) ليست دالة على جواز الرشوة كما استظهره الكثير سيما حلّية الرشوة في غير القضاء، كلا بل لا يستفاد منها ذلك، وإنما بالعكس حيث يستفاد منها أنَّ الرشوة حرام غاية الأمر أنه حينما تصل إلى القضاء تشتد القضية أكثر وتتبدل إلى الكفر، يعني تتبدل من الحرمة المالية إلى الحرمة العقائدية أو الحرمة الاعتقادية وحرمة في الهوية، لا أنه يستفاد منها أنَّ الرشوة في غير الحكم جائزة، فالسياق هو هكذا، ولذلك ستأتي جملة من الروايات بهذا النمط من الدلالة، فهذه الروايات التي أكد عليها المشهور أنه يستفاد منها أن الاقتصار في الحرمة على الرشوة في القضاء هي في غير محلها، لأنَّ هذا الترفع يشير إلى هذا المطلب والترفع يعني أن غير القضاء الحرمة هي على منوال السحت ولكن في القضاء تشتد الحرمة وتصير ليست حرمة مالية فقط وإنما تصير حرمة في الهوية الدينية، وللكلام تتمة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo