< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

قبل الولوج في الآيات والروايات يعجبني ايضاً أن نستعرض بعض كلمات الأعلام التي لم نستعرضها: -

الشهيد الأول في الدروس يعني مشهور متأخري الأصحاب عندهم في الرشوة إذا كان الدافع لا للباطل وإنما كان للحق لا يلتزمون بحرمتها، فالراشي المعطي إذا كان غرضه التوسط إلى الحق لا إلى الباطل لا يلتزمون بالحرمة، هناك من يلتزم بالحرمة قديماً من الأصحاب، وهذه الحيثية تختلف عن تقسيم الرشوة في القضاء أو في السلطة التنفيذية للوالي وإما هذا تقسيم آخر وهو أنه إذا كان لأغراض الوصول إلى الحق فالرشوة ليست بحرام في المعطي - الراشي - وليس في الآخذ، أما المرتشي الآخذ فهذا بحث آخر وتفصيل آخر، فالرشوة من قبل المعي إذا كان لغرض الوصول إلى حق فهذه تقريباً مشهور المتأخرين جوزوها وحتى جملة من المتقدمين ويوجد قلّة من المتقدمين من أطلق الحرمة، هذا بالنسبة إلى المعطي، نعم هناك من فصّل وقال إنها حرام مطلقاً في القضاء سواء كان للحق أو للباطل وهناك من فصّل في القضاء، فمنهم من أطلق الحرمة في القضاء ومنهم من فصّل حيث قال إذا كان في الحق لا مانع منها وإذا كان في البال فلا يجوز، وبعضهم فصّل وقال إذا توقف استنقاذ الحق عليها فيجوز الإعطاء للرشوة، أما بالنسبة إلى الآخذ وهو المرتش فهو حرام مطلقاً في القضاء لغرض الحق أو الباطل، وفي الوالي - من مدير أو وزير أو مدير شعبة أو غيرهم - أيضاً التزموا بأنه يحرم عليه الأخذ للرشوة إلا كما ذكر السيد الخوئي أنه إذا كان هذا الوالي أو الموظف أو الوزير يقوم بالفعل ليس من وظيفته وإنما هو يقوم به تبرعاً يعني هو ليس ملزماً به لا من جهة نظام الدولة ولا من جهة الوظيفة الشرعية وحتى لو كان في الدوام فإن القصة ليست قصة زمان وإنما قصة نوع العمل هو ليس ملزماً به فهنا كون هذا سحت مكروه فهذا بحث آخر، ولكن يجوز الأخذ عليه، إذاً توجد تفصيل عند الأعلام كما مرت بنا.

وفي الدروس ذكر فيما يجب على المكلف، فلاحظ أنه ذكر بحث الرشوة في هذه المسألة فحينما يقول إن ما يجب على المكلف فعله عيناً كالصلاة اليومية أو كفاية كتغسيل الميت وتجهيزه إلى أن يقول ( ومن الواجب الذي يحرم أخذ الأجرة عليه تعليم الواجب عيناً أو كفاية )[1] ، فهنا يستعرض الواجبات الموجودة هذه الواجبات عند المشهور يجب أن تبذل مجاناً ليس فقط القضاء وليس فقط السلطة التنفيذية بل حتى التكافل الديني بين المؤمنين مثل تجهيز الميت فإنَّ هذا يجب على المؤمنين أن يبذلونه مجاناً ولا يجوز أخذ الأجرة عليه أما على الزوائد فهذا بحث آخر، فلاحظ أنه حتى قضايا التكافل الديني واجبة بين المؤمنين، مثلاً الحمل إلى المشاهد فإن هذا ليس بواجب وإنما يستطيعون أن يدفنونه في المدينة أما إذا حمله إلى المشاهد فلا بأس أن يأخذ عليه الأجرة لأنَّ هذا ليس بواجب، وهذا قد ذكره الشهيد الأول، فالقضية لا تختص بالقضاء والسلطة التنفيذية فقط وإنما تشمل السلطة الدينية والخدمات الدينية التي قرر الشارع أن تبذل مجاناً، ( ومن الواجب الذي يحرم أخذ الأجرة عليه تعليم الواجب عيناً أو كفاية من القرآن العزيز والفقه والارشاد )[2] ، فهذا يشمل الخطباء وأئمة الجماعة ويشمل الفقهاء ويشمل كل رجل دين فيما يعلّم من واجبات، ولكن الخطابة الحسينية لا تشتمل فقط على الواجب وإنما تشتمل على غير الواجب فيصير أن يأخذ بلحاظ غير الواجب وهذا بحث آخر، وهكذا معلّم القرآن الكريم، يعني تعليم أصل الحكم فهذا واجب أن يجعله فهيماً مثقفاً دينياً بدرجة عالية فهذا ليس بواجب وإنما هذا نوع بناء زائد، أو أنه يغسّل الميت أما أنه يغسله بطريقة فيها كل المستحبات فهذا ليس بواجب فهنا يجوز له أخذ الأجرة على ذلك، فهو يأخذ على الحيثية المستحبة وليست الواجبة، فالمقصد أنه ليعلم رجل الدين أن جملة مما يمارسه هو واجب يجب عليه بذله مجاناً، لذلك إذا سئلنا عن مسألة فبيانه للسائل هو واجب وليس مستحباً نعم العناية أكثر هذا مستحب لذلك يجعل الشهيد الأول هكذا ( ومن الواجب الذي يحرم أخذ الأجرة عليه تعليم الواجب عيناً )، وهذا ليس في رجل الدين وإنما حتى أي مؤمن فإنَّ ارشاد الجاهل من الواجبات الالزامية بالغة الالزام على المتدين أو رجل الدين ، ( ومن الواجب الذي يحرم أخذ الأجرة عليه تعليم الواجبات عيناً أو كفاية من القرآن العزيز أو الفقه او الارشاد إلى المعارف الإلهية بطريق التنبيه )[3] ، أما أنك تقلبه من جاهل إلى عالم فهذا ليس بواجب إلا ذاك الوجوب الكفائي في الحوزات العلمية فهذا بحث آخر، ( ولا تحرم الأجرة على العلوم الأدبية والطبية والحكمة ) يعني اللغة العربية في الحوزات لا مانع من ذلك ( وأما القضاء وتوابعه فمن الارتزاق من بيت المال ويحرم عليه الأجرة والجعالة من المتحاكمين وغيرهما وذكا تحرم الأجرة على وظيفة الامامة واقامة الشهادة وتحملها وإن قام غيره مقامه )[4] ، وهذه نكتة مهمة في باب القضاء الرشوة ليست فقط حرام على القاضي وإنما الرشوة إذا دخلت في الشهود فهي أيضاً تحرم على الشهود كأن يعطيهم رشوة حتى يأتون ويشهدون فهذا حرام أيضاً، يعني دخول الرشوة في باب الشهادة تحملاً ابتداءً أو أداءً انتهاءً حرام، وظاهراً في القانون الوضعي المدني البشري الأمر هكذا أيضاً أن دخول الرشوة في الشهادات يعتبر جرماً لأنه يؤدي إلى الاخلال بالتوثيق الأمين، وهذا باب آخر غير السلطة القضائية وغير السلطة الدينية وغير السلطة التنفيذية وإنما نفس ثبوت الإشهاد، ( ولو أخذ الأجرة على ما زاد على الواجب من الفقه والقرآن جاز على كراهية ) فالكراهية موجودة، ( ويتأكد الكراهية مع الشرط ولا يحرم في الزائد على الواجب )، والشهيد الأول يستدل ويقول ( ولو أن المعلم أعطاه رجل دية ولده كان مباحاً ) المعلم للولد الصغير لو أعطى أب الولد الصغير المعلم بمقدار دية الولد لا أنه مباح فقط باعتبار أنَّ العلم له ثمن فهو من هذا اللحاظ، ( فلو استأجره لقراءة ما يهدي إلى ميت أو حي لم يحرم وإن كان الترك أولى ولو دفع إليه بغير شرط فلا كراهية أصلاً ) في غير الواجب من التعليم الديني سواء على مختلف طبقات رجال الدين أو المعلم في غير الواجب وإنما من المستحب من التعليم من دون شرط أهدي لهم هدية فهذا لا كراهية فيه، ( ولو دفع إليه بغير شرط فلا كراهية والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن علي عليه السلام يمنع الأجرة على تعليم القرآن يحمل على الواجب أو على الكراهية وكذا الرواية عن الباقر لعن الله من احتاج الناس لفقهه لتفقههم فسألهم الرشوة ولا يجوز الاستئجار على عقود النكاح وغيره من العقود أما على تعليم صبغة العقد أو إلقائها وإلقاء المتعاقدين فلا يجوز أخذ الأجرة )، أو أنه هو يعقد لهم فهذا ليس بواجب عليه فأخذ الأجرة على نفس العقد لا مانع منه، ( وكذا تجوز الأجرة على الخطبة والخطبة في الإملاك ) والإملاك يعني عقد الزواج، ( ويجوز الاستئجار على نفس القرآن والفقه وتعليمه )[5] ، هذه جملة مما قاله الشهيد الأول.

هذه شقوق من الجيد الالتفات إليها، فإذاً ليس فقط في القاضي وإنما حتى في الشهود جزم الشهيد الأول بحرمة الرشوة.

وأيضاً الشهيد الأول في كتاب القواعد وهنا حسب كلام الشهيد الأول أنه يريد أن يفسّر حرمة الرشوة ليس من جهة تأثير المال فقط على مسار النظام سواء كان دينياً أو قضائياً أو اجتماعياً وإنما يفسّر حرمة الرشوة وهكذا الأعلام بوجه آخر وهو أن هذه الخدمات هي في الأصل مجانية فتقاضي الأجرة عليها سحت ولا يجوز، وهذا يلزم ان نلاحظه في الروايات أن تحريم الأجرة لأي شيء، فما هو الفرق بين الوجهين كصناعة فقهية؟ الفرق هو أنه إذا قلنا إن الرشوة لأجل التأثير فإذا كان الغرض من قبل المعطي هو الباطل تصير حرام أما إذا كان غرضه هو الحق لا تصير حراماً، هذا من جهة الابتزاز أو التأثير في الرشوة والاستمالة، أما إذا كان الوجه في تحريم الرشوة في الأدلة أي شيء هو أو أن الأدلة تركز على وجوه متعددة، أما إذا كان الوجه في تحريم الرشوة كون الخدمة مجانية سواء كان لأجل حق أو باطل الرشوة حرام على الآخذ، ولذلك مرّ بنا كلام نقلناه عن بعض الأعلام قال إنَّ الرشوة لها وجوه لحرمة فهذه نكات يجب أن نميزها وأنه ما هي وجوه حرمة الرشوة، حتى بحسب القواعد أو بحسب الأدلة الخاصة، فإنَّ الأدلة الخاصة تشير إلى نفس القواعد وليست تأسيس جديد وحكم جديد للرشوة، فبالتالي أي وجه هو فبالتالي وجه أو وجهين أو ثلاثة أو أربعة؟ الآن هما وجهان، وجه السيد الخوئي متقارب حيث قال هو ما لا يتعارف أخذ المال عليه، وهذا الوجه يمكن تخريجه بوجه ثالث ما لا يتعارف أخذ الأجرة عليه يعني لا مالية له فالتمويل له باطل، فالمعطي لا يحرم عليه ولكن الآخذ حرام عليه، فهو عبّر عن الرشوة هو بذل المال على عمل لا يتعارف أخذ المال عليه يعني عرفاً هو لا يتمول حتى بعد العقد، وقد مرّ بنا التمييز بين بذل المال على الإقدام على القرض أو البيع وبين موارد الرشوة، فتلك الموارد يصير العمل مالاً بعد العقد أما في الشروة فلا يكون متمولاً حسب تعريف ومبنى السيد الخوئي وهذا وجه آخر للسيد الخوئي، وهذه الحرمة هي حرمة بمعنى الفساد الوضعي فقط، فإنَّ الآخذ للمال يكون هذا المال ليس ماله، وهذا وجه ثالث في حرمة الرشوة، وهذه الوجوه هي قواعد وليست أدلة خاصة، هذه وجوه أولية، فلاحظوا ثمرة التحليل المتأني لكلمات الأعلام لماهية موضوع المسألة تنتهي بالبحث إلى الالتفات إلى وجوه المسألة، بتأني الانسان يشرح فرق المسألة، هذه هي الوجوه التي مرت بنا غير الأدلة التي ستأتي.

وقال الشهيد الأول أيضاً في القواعد والفوائد:- ( ما كانت الوسيلة فيه مباحة بالنسبة إلى أحد المتعاقدين حراماً بالنسبة إلى الآخر كدفع المال إلى المحارب ليكف )، أي قاطع الطريق فالمعطي عليه حلال والآخذ عليه حرام، ( أو اعطاء المال للحربي للعجز عن المقاومة أو إلى الصاد للطريق على الحاج ليرجع )[6] ، فإن المعطي عليه حلال ولكن الآخذ عليه حرام، يقول لا تستبعد أن يكون العطاء من المعطي حلال بل قد يكون واجباً كما لو اراد أن ينقذ حياته أو شيء آخر ولكن يحرم على الآخذ وهذا لا مانع منه فإنه يمكن التفكيك، وهذا في الحقيقة ليس معاملة وإنما هو فعل يتعقبه فعل آخر، فهو ليس عقداً حتى يقال لماذا هذا العقد هو صحيح من جانب وليس بصحيح من جانبٍ أخرى، فإنَّ هذا بذل البدل ليس عقداً وحتى البذل ليس هو عقداً إنما البذل هو فعل إيقاعي يتعقبه فعلٌ إيقاعي آخر وهو الأخذ، فالبذل هو ايقاع حلال أما ذاك الفعل حرام وهذا لا مانع منه وليس هو عقد حتى يقال كيف يكون صحيحاً من طرف ولكن من الطرف الآخر ليس بصحيح فإنَّ هذا يصير ثبوتاً ؟!إنَّ هذا ليس عقداً وإنما هو إيقاع ثم يتعقبه عمل آخر، فيقول الشهيد الأول بأنه حلال من طرف وحرام من طرف آخر ولا مانع من ذلك، ونحن لا نريد الدخول في صورة اخرى لأنه صناعي معاملي معقد سيأتي في هدايا السلطان ( لك المهنّا وعليه الوزر )، فهذا عقد ولكن مع ذلك هو صحيح وحلال من جهة وحرام من الطف الآخر أما كيف تصويره؟ سيأتي هذا، وليس في هدايا السلطان فقط وإنما الذي لا يخمّس يتعامل مع الذي يخمّس فالذي يخمّس له حلال وله المهنّا وعليه الوزر مع أنه عقد واحد، وهذا له تفسير في باب الخمس وباب هدايا السلطان وأبواب متعددة أما كيف تصويره؟ إن له تصوير غامض سيأتي، أما هنا فهذا إيقاع وليس من العقود فيقول الشهيد الأول أو بذل المال إلى الكفار في فكّ أسارى المسلمين فإنه حلال بالنسبة إلى الدافع وحرام بالنسب إلى الآخذ، والشهيد لأول قال ( ومنه الرشوة إذا توسل بها إلى الحاكم بالحق )[7] ، فإنها حرام بالنسبة إلى القاضي ولكنها حلال بالنبة إلى الدافع فالشهيد الأول كما هو حال المثير من المتأخرين أنه حتى القاضي إذا قضى بالحق فالرشوة عليه حرام وإن كانت على المعطي ليست بحرام.

أما المقداد السيوري هو زميل الشهيد الأول وهو تلمذي فخر المحققين صاحب كنز العماّل يقول ( لما كان الرشى في الحكم يجمع عدّة قبائح )، يعني أنه يلتزم أنَّ خصوص الرشوة في القضاء فيها عدة وجوه للحرمة وليس وجهاً واحداً، وهذا مما يدل على الرشوة بحسب البواب وحسب الموضوعات تختلف وجوه الحرمة فيها وتختلف درجة الحرة وشدتها، يقول ( لما كان الرشا في الحكم يجمع عدة قبائح فإنه يأخذه بقصد إبطال الحق فيستلزم ذلك الكب على الله ورسوله والعمل بشهادة الزور وأخذ المال من مستحقه وإعطائه لغير مستحقه وسماع شهادة الفسّاق والخيانة وعدم المروّة ومخالفة حسن الظن مما احتكم إليه وغير ذلك فلذلك فسّر عليه السلام الرشوة بالسحت )[8] ، فهو يقول هناك عدة وجوه للحرة.

وقال الصيمري في غاية المرام:- ( واختار الجميع المنع في الرشوة لأنه يؤدي واجباً فلا يجوز أخذ الأجرة عليه )، فهو فسّر حرمة الشروة بالوجه الذي مرّ بنا من أنها مجانية فلا يستحق شيئاً، ( ولأنه نوع من الرشوة وهو حرام )، فهو باين بين الأجرة وبين الرشوة، ( احتج القائلون بالجواز بأنه فعل مباح غير متعين على فاعله فكان له أخذ الجعل عليه مع الضرورة فإن جوّزناه تابع للعمل والمنفعة التي هي الغاية )[9] ، يعني هذا أحد الوجوه التي مرت بنا.

وقال الشهيد الثاني في حاشيته على كتاب المختصر للمحقق الحلي إنَّ المعطي للرشوة إذا كان غرضه الحق فليس بحرام إلا في القضاء فإنه في القضاء حتى لو كان غرض المعطي هو الحق فهنا حرام أيضاً، وهذا بخلاف المحقق الحلي والشيخ المفيد، فيوجد اختلاف في القضاء إذا كان غرض الراشي الحرام، هذه تفاصيل مذبذبة في كلمات الأعلام.

أما كلام المسالك فقد قرأناه أمس والضابطة عنده ليست المشارطة ولا كونه مما يستحق عليه الأجر وإنما ذكر ضابطة ثالثة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo