< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

نستعرض بقية الأقوال للأعلام في مسألة حرمة الرشوة ومر بنا أن حرمة الرشوة في الحقيقة ليست مسألة جزئية بل هي قاعدة عامة في استعمال المال لأجل تحريف المسار المرسوم للدين إما في النظام القضائي أو السلطة والنظام التنفيذي أو التشريعي الرسمي أو حتى كما هو الصحيح حتى في السلطة الدينية الحال كذلك، والأقوال ففي الشرائع توجد هذ العبارة ( الرشا حرام سواء حكم لباذله أو عليه بحق أو باطل )، ولم يفصّل صاحب الشرائع بين المعطي والآخذ، وإن كان ظاهره للقاضي يعني يحرم على القاضي اخذ الرشا حكم لباذله أو عليه بحق أو باطل، فحتى لو حكم ضد المعطي فأخذ الرشا حرام أيضاً، يعني من الموارد الممنوعة هو التعامل بالمال في باب القضاء، فهو يؤثر على المسار الصحيح في القضاء وهذا في القضاء وكذلك في السلطة التنفيذية، وسنرى أيضاً أنه كذلك حتى في السلطة الدينية استعمال المال لمآرب لا يجوز، وفي المسالك ( هو أخذ الحاكم مالاً لأجل الحكم وعلى تحريمه إجماع المسلمين وكما يحرم على المرتشي يحرم على المعطي لإعانته على الاثم والعدوان إلا أن يتوقف عليه تحصيل حقه فيحرم على المرتشي خاصة )[1] ، وجملة من الفقهاء استثنوا من حرمة الرشوة في القضاء أو في السلطة التنفيذية أو غيرها فيما إذا انحصر استنقاذ الحق المعطي عليه، وذهل هذا الاستثناء صحيح او غير صحيح سيأتي ذلك.

ومن أكابر الأعلام كالعلامة الحلي وغيره لم يستثنِ خصوص استنقاذ الحق وإنما قال حتى لو لم ينحصر استنقاذ الحق ولكنه يعلم قال حتى لو لم ينحصر استنقاذ الحق ولكنه يعلم أنه محق وهو يبذل لأجل أن يحكم له بحقه فهنا جائز أيضاً، يعني هنا وسعوا الاستثناء بالنسبة إلى المعطي، أما بالنسبة إلى الآخذ فإنَّ الآخذ اتفقت الكلمة للقاضي أو الوالي أو المدير بأنه يحرم عليه مطلقاً، وإنما الكلام في المعطي حيث استثنى البعض خصوص ما لو توقف استنقاذ أخذ حقه على البدل ولكن جملة آخري قالوا ّغا كان يعلم أنه محق فيجوز للمعطي الاعطاء أما الآخذ فيحرم عليه مطلقاً، وفي المبسوط للشيخ الطوسي قال ( إذا كان الكل سواء )، وهذا بالسنبة إلى القاضي ( لم يجز أن يخص بعضهم بالقبول دون بعض لأنه فيه مشقة على الناس لحاجتهم الشهادة والحقوق في كل وقت من نكاح وغصب ... فإذا لم يقبل إلا قوماً دون وقم شقَّ على الناس فإنَّ الشاهد إذا علم أنه لا يقبل قول غيره ربما تقاعد فيها حتى يأخذ الرشوة عليها )، فلاحظ أنَّ الشيخ الطوسي استعمل الرشوة في الشهود وليس في القاضي وهذه توسعة، والصحيح سيأتي أنَّ الرشوة عامة، يعني إذا كانت لإبطال حق أو اقامة باطل فهي حرام مطلقاً حسب الأدلة التي سنراها، وتشتد كلما صار المورد خطيراً مثل السلطة الدينية أو السلطة القضائية أو السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو غير ذلك، يعني أيضاً حتى شاملة للشهود، ولذلك تعبير مجمع البحرين قال:- ( قلّما تستخدم الرشوة إلا في باطل )، ومرَّ أنَّ السيد الخوئي يستثني حرمة الرشوة في مورد آخر ليس فقط المحق فهو يستثني حرمة أخذ الرشوة حتى لا فقط المعطي فالسيد الخوئي يستثني الآخذ من حرمة الرشوة في مورد واحد وهو فيما إذا بذل المسؤول الحكومي الآخذ جهداً خارجاً عن وظيفته فيقول السيد الخوئي إنَّ هذا أجرة لما هو الزائد عن وظيفته المقررة فإنَّ هذا عمل آخر وهو محترم ولا دليل على مجانيته، فهو الوحيد الذي استثنى في خصوص الآخذ، وكلام السيد الخوئي ليس في القضاء وإنما في جانب السطلة التنفيذية، وقد مرّ بنا مراراً هو أنَّ استعراض كلمات الفقهاء هو أعظم شرح للمسألة الفقهية أو لروايات المسالة الفقهية، يعني التنبه إلى تشعب الآراء أو الأذهان أو ما ينطبع فيها من دلالة الأدلة يوجب انفتاح القريحة في الاستدلال، يعني مهما يكن إذا اجتمعت العقول فسوف يصير المخزون أكبر.

ولازلنا مع كلام الشيخ الطوسي في المبسوط فإن الشيخ الطوسي يقول ( والقاضي بين المسلمين والعامل عليهم يحرم علة كل واحد منهما الرشوة ) فإذاً عنده الرشوة لا تختص بالقضاء وإنما المراد بالحاكم أعم، ( يحرم على كل واحد منهما الرشوة لما روي عن أن البني صلى الله علي وآله وسلم قال " لعن الله الراشي والمرتشي " وهو حرام على المرتشي بكل حال وأما الراشي وهو المعطي فن كان قد رشاه على تغيير حكم فهو حرام وإن كان على اجرائه على واجبه لم يحرم على المعطي أن يرشوه كذلك لأنه يستنقذ ماله فيحل بذلك له ويحرم على آخذه لأنه يأخذ الرزق من بينت المال )[2] ، وهذا أيضاً بحثٌ وهو مأنه ما المراد من أخذ الرزق من بيت لمال في مقابل الأجر، على خلاف ربما الكثير من استظهر من كلمات العلماء وهذه كلمات العلماء هي عبارة عن الشروح للروايات استظهرت - وسيأتي القرائن لهذه الدعوى التي نكرها لكم - أنَّ المراد من الرزق من بيت المال وقد مر بنا تفسير الرزق من بيت الال قالوا إنه لا يعطى أجرة فإنَّ المعروف هو هكذا، فهو لا يعطى أجرة لا من المتخاصمين ولا من جهة خاصة كما لا يعطى أجرة من بيت المال وإنما يستمر العطاء والانفاق له بحسب حاجته، وهذا ليس من باب التمليك أو من باب التمليك ولكنه ليس أجرة، وهذا شبيه بحث الشهرية لطلبة العلوم الدينية في الحوزة العلمية وهذا قد مرّ بنا، وكلام الفقهاء ليس في خصوص القاضي ولا خصوص طلبة العلوم الدينية وإنما كلام المشهور هو في كل من وجب عليه واجباً كفائيا أو عينياً سيما في الأمور الدينية أو غير الدينية حينئذٍ ليس له أن يتقاضى أجرة غاية الأمر يرتزق من بيت المال، والارتزاق من بيت المال يوجد عندهم فيه كلام فهل تمليك أو هل هو إِذنٌ بالصرف بقدر الحاجة، وإذا كان غنياً فبالعض قال إنه لا يعطى من بيت المال وإنما أكل من رأس ماله ويأتي بهذا الواجب مجاناً، وبالعض إنه قال حتى لو كان غنياً يجوز له الأخذ ولكن الأفضل له ان يتعفف، وهذا البحث سيأتي وهو بحث في ضمن هذه القاعدة هناك قاعدة أخرى وهي أن الذين عليهم مسؤوليات عامة من الذي يتكفّل بتمويلهم إذا حرم تمويلهم من القطاع الخاص، هذا الذي استظهره الكثير هي قاعدة فيمن يرتزق من بيت المال، وهذه قاعدة أخرى ولكن أثارها الأعلام هنا أيضاً.

وتوجد قاعدة ثالثة في هذا البحث نفسه:- وهي أنَّ الأجرة على الواجبات الكفائية لا يجوز، فإنَّ الذي توجد عنده مسؤولية عامة أو مسؤولية لا يصح لله أن يأخذ أجرة، ولو أنَّ هذه مسألة وقاعدة مستقلة يثيرها الشيخ الأنصاري وستأتي وهي عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات، فلاحظ أن غربلة الفرض الفقهي أهم من الاسراع إلى الاستدلال بالآيات والروايات بل لابد من معرفة زوايا البحث وحقيقة البحث وحقيقة البحث بين الأعلام، أما أن تذهب إلى الآيات والروايات بذهنٍ خالٍ فهذا غير صحيح، بل لابد أن تلتفت إلى الوجوه ونفس مدارسة الكتب الفقهية والقوال سيما في المسائل الأم أو المسائل التي هي قواعد فقهية هذا هو بنفسه فقه وفقاهة واجتهاد، فهم وجوه المسألة وفهم زوايا المسألة وتحليل خلفيات المسألة في كلمات الفقهاء هو بنفسه علم فقه ثم بعد ذلك يذهب الباحث إلى الروايات وحينئذٍ يرى أنَّ الروايات تسلط الضوء على أي قول وعلى أي زاوية، فلاحظ الآن كم قاعدة تتدخل في حرمة الرشوة، وبعض القواعد لا تفهم في بابها التي بحثت فهيا وإنما تفهم من تطبيقاتها في أبواب أخرى وكم من مثال ونظير لهذا، هنا الأعلام ذكروا من التفسيرات الفقهية لمعنى حرمة أخذ الأجرة على الواجبات ولماذا فهم ذكروا هنا تفسيراً لم يذكروه هناك، والسيد الكلبايكاني وكذلك صاحب الجواهر وكذلك كاشف اللثام يخور في الكتب لأنها تعطيك ابعاد المسألة وتلويناتها سيما المسائل الأم أو القواعد، هنا ذكروا تفسراً لحرمة أخذ الأجرة بغض النظر عن كونه تفسيراً صحيحاً أو غير صحيح وهل عليه دليل أو انه مدعى لا دليل عليه ولكن يلزم أن نلتفت إليه فهم ذكروا توجيها لحرمة أخذ الأجرة على الواجبات الكفائية ما هو معناه، هناك المعروف كيف أنه يؤاجر على الواجبات الكفائية وستأتي ثمان وجوه وجميعها ليست بتامة لا وجهاً واحداً وهاذ ليس عاماً لكل المواد كما ذكر السد الخوئي وهو الصحيح وسيأتي في محله، ولكن هنا ذكر وجهاً آخر وهو لطيف جداً أما أنه صحيح أو لا واين ينطبق وأين ضابطته يمكن أن يؤخذ بها بالتفصيل أو غير ذلك فهذا بحث مهم ولكن أصل الوجه مهم، وأنت حتى لو تذهب وتفتش الأقوال هنا لا تحصل على هذا التفسير ولكنهم فسّروه هنا في بحث حرمة الرشوة، فتارة نفس المسالة تفسيرها العميق النهائي تجده في باب آخر وهذه هي طبيعة الفقه، فهنا ذكروا تفسيراً آخر فقالوا إن معنى حرمة أخذ الأجرة على الواجبات يعني أخذ الأجرة من القطاع الخاص على الواجبات العامة والمسؤوليات العامة، وهذا وجه آخر لطيف، يعني مثل حرمة الرشوة فإن حرمة الرشوة هو أنك مسؤول عن وظيفة عامة إما قاضي أو مدير أو صفة تشريعية أو حتى صفة مسؤول ديني أنت لا يصح لك أن تأخذ الأجرة فإنَّ هذا يبتزّ الواجب العام والمسؤولية العامة ويتحكّم فيها، فهم فسّروا حرمة أخذ الأجرة على الواجبات بنفس تفر حرمة الرشوة وإنما هي نفس القاعدة، وهذه أحد تفسيرات حرمة أخذ الأجرة على الواجبات، وهذا ليس هو التفسير الوحيد الحصري وإنما هو أحد التفسيرات وهو جيد فكرياً وعلمياً بغض النظر عن كونه هو الوجه المتعين أو أنه تام أو غير تام سيأتي هذا في محله، فمعنى حرمة أخذ الأجرة يعني من القطاع الخاص، وعلى أثر ذلك معنى الارتزاق من بيت المال الذي استظهرته من هذه القرائن ليس المراد هو الخلاف الذي نقلته إليكم عن الأعلام وأنه من يرتزق من بيت المال بمعنى التمليك أو بمعنى الإذن في الصرف بقدر الحاجة أو عند الحاجة أو أعم هذه الأقوال التي مرّ بنا نقلها، بل إنما المراد من الارتزاق من بيت المال يعني تمويلك من بيت المال ولا يجوز تميلك من القطاع الخاص، خذ أجرة شهرية من بيت المال فلابد أني صير تمولك حكومي فإذا صار تمويلك من القطاع الخاص صار ابتزاز.

ودعونا نوسع المسألة في العصر الحاضر، فإنه الآن في العصر الحاضر بعض القاعات الخطيرة في البلاد لا يسمحون تمويل القطاع الخاص من التجار لأنه سوف تدخل الأيدي الأجنبية في البين وإنما لابد من أن يحصل تأميم يعني يكون مل القطاع العام فقط أما إذا دخل القطاع الخاص فسوف يكون دخول الأعداء والأجنبي سهل وهذا ابتزاز، يعني نفس بحث الرشوة ونفس المأرب، فتوسع الرشوة في البيئة العصرية فهي ليست رشوة جزئية وإنما رشوة مسؤولين دولة لدولة أخرى كعلماء نوويين أو علماء صناعة البلد تتوقف عليهم أو علما تتوقف عليهم صناعة أو زراعة البلد أو التعليم العالي يتوقف عليهم أو تخريب الجامعات وهدم المدارس وهدمها بمعنى سلب الدراسة، مثلاً من سنة ألفين وثلاثة إلى الآن حوالي ستة عشر سنة اصلاً لا يوجد ازدهار جامعي وتعليمي ليس بموجود وهذه نكبة كبيرة، وأمس يوجد خبر أحد الدول عن التعليم إلى الآن هذا الفيروس وهو كورونا نفس هذه المحافظ إلى الآن يدرسون في البيوت ولم يوقفوا الدراسة لا الابتدائية ولا الاعدادية ولا الجامعية، فعلى كلٍّ لم يوقفوا الدراسة، فلاحظ إنَّ قطاع التعليم لو أعطيته للقطاع الخاص فسوف تدخل الأدي الأجنبية فتقوم بتخريب البلد، فالرشوة هي يعني خلاف النظام وخلاف المصالح العامة تدخل فيها، فبعض القطاعات من الخطر أن تدخل فيها القطاع الخاص وتكون بيده، فأجرة المتخاصمين وأجرة المراجع أنت لا تأخذها مورد جزئي وبعد فردي، وإنما خذها من بعد الفقه السياسي والفقه الاجتماعي والفقه المجتمعي فإنَّ هذا هو الأكثر ابتلاءً الآن، فالمقصود أنه خلافاً لما استظهره الأعلام والمشهور أو الكثير إنما لابد أن يكون تمويله من بيت المال حتى يؤمم مثل توصية أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر للقاضي فإنه يقول له إياك أن لا تمول من بيت المال يلزم ات تموله من بيت المال لأنك إذا لم تموله فسوف يموّله الآخرون ويدخلون على الخط فتجد أن سلطة قضائية كبيرة تصير بيد دولة أجنبية وهذا خطر، فلاحظ النظرة إذا قرأنا هذه العناوين الفقهية بنظرة واسعة وافق واسع نرى أن لبحث حساس، فالمقصود أن معنى ومراد الفقهاء من الارتزاق من بيت المال نحن لن نفهمها كما فهمها الكثير الأعلام بمعنى الضمان الاجتماعي، فإنَّ الضمان الاجتماعي ليس أجرة ، فما الفقر بين الموظف والضمان الاجتماعي؟ إنَّ الضمان الاجتماعي هو قوت كي لا يموت، كما أنَّ الضمان الاجتماعي هو ليس من باب الاستحقاق وأنه أجرة على الوظيفة وإنما هو من باب كفالته وعيلولته على الدول، فالمشهور فسّروا الارتزاق من بيت المال بهذا التفسير وهذا التفسير لا ننفيه وتوجد له امثلة ولكنه ليس التفسير الوحيد فلا يبعد أن معنى قاعدة الارتزاق من بيت المال، يعني يجب أن يكون تمويه من القطاع العام، يعني من بيت المال الحكومي لا من القطاع الخاص لأنه توجد فيه خطورة.

نعود لنواصل كلام الشيخ الطوسي فإنَّه قال:- ( والقاضي بين المسلمين والعامل عليهم يحرم على كل واحد نمهما الرشوة )، فهنا جعل الشيخ الطوسي كل من القاضي وأو السطلة التنفيذية سواء فهم يحرم على كل واحد منها الرشوة سواء كان مديراً أو وزيراً أو غيرهما، ( يحرم على كل واحد منهما الرشوة لما روي أن البني صلى الله عليه وآله قال " لعن الله الراش والمرتشي في الحكم " وهو حرام على المرتشي الآخذ على كل حال وأما الراشي فإن كان قد رشاه على تغيير الحكم فهو حرام )، ولكن الآن في الحكم الوضعي أي مورد الرشوة ممنوعة - والحرام في لغة القانون الوضعي يقولون هو ممنوع وقد يعبرون عنه بالحام ولكن غالباً يعبرون عنه بالممنوع أو المحظور ومحظور هو لغة من اللغات المرادفة للحرام -، الآن في القانون الوضعي أي مورد يكون فيه محضور على الآخذ أن يرتشي ايضاً هو محضور على المعطي فيوجد عندهم تلازم بينهما ولا يوجد تفريق بينما عند الأعلام استثنوا في مورد، ولكن هل هذه النكتة صحيحة أو لا فهذا شيء آخر، ( يحرم على كل واحد منهما الرشوة وأما الراشي فإن كان على رشاه على تغيير حكم أو إيقافه فهو حرام وإن كان لإجرائه على واجبة لم يحرم عليه ان يرشوه كذلك )، وطبعاً نفس القوانين الوضعية ايضاً هي تفرّق بين الهدية وبين الرشوة، وطبعاً الهدية كذلك بعضها ملحقة بالرشوة وبعضها غير ملحقة بالرشوة وقد مرَّ بنا الفارق الموضوعي بين الهدية والرشوة وهو أنَّ الرشوة فيها مشارطة أما الهدية فليس فيها مشارطة، والهدية على درجات فبعضها محرّم ملحق بالرشوة وبعضها مكروه، ( وإن لإجرائه على واجبة لم يحرم عليه أن يرشوه كذلك لأنه يستنقذ ماله فيحل ذلك له )، ولكن هذا التعليل الذي علل به الكثير من الأعلام - وهو أنه لكي يستنقذ ماله - غير كاف للحلّية فليس يكون استنقاذ المال بأي وسيلة إلا مع الحصار وغير ذلك وإلا نفس ترويج هذا الباب الذي هو سبب اختلاف المسار الصحيح لأداء الوظائف العامة هو نفسه يكون إعانة على الاثم، فهذا التعليل الذي ذكره الأعلام غير كافٍ للحلية، فهم قالوا ( لأنه يستنقذ ماله فيحل ذلك له ويحرم على آخذه لأنه يأخذ الرزق من بيت المال، وإن لم يكن له رزق قال لهما لست أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقاً عليه حلّ ذلك له عند قوم )، ومقصوده من القوم أي من أبناء العامة، لأنَّ المبسوط اكثر الأقوال التي يوردها هي اقوال العامة ولكن في نهاية المطاف يذكر اقوال الخاصة، وفي موارد وجدنا أن مشهور الأعلام بعد الشيخ الطوسي اشتبه عليهم الأمر بين قول الشيخ الطوسي وقول العامة في مسائل حساسة، وحتى من المحقق الحلي الذي هو ابن بجدتها والذي كما مرّ بنا أنَّ كتاب الشرايع هو تشذيب للمبسوط، وأن لمحقق الحلي عُجِن مع كتاب المبسوط، فالمحقق الحلي ظاهراً أنه أكثر مدارسته هو لكتاب المبسوط ومنه كتب كتاب الشرائع بتشذيب عن أقوال العامة، فلذلك هنا يقول الشيخ الطوسي ( حلَّ له ذلك عند قوم وعندنا لا يجوز بحال )[3] ، يعين لا يصح للقاضي أن يأخذ تمويله من المتخاصمين، ( فأما الهدية فإن لم يكن بمهاداته عادة..... ) وهذا التفصيل في الهدية الذي ذكره الشيخ في المبسوط بنى عليه كل من تأخر عنه وأنه متى تلحق الهدية بالرشوة ومتى لا تلحق فهو فصّل بضابطة اثباتية وهي أنه متى ما كانت الهدية لمأرب تحرم وإن لم تكن بمأرب فلا تحرم حيث قال: - ( فإن لم يكن بمهاداته عادة حرم عليه قبولها والعامل وعلى الصدقات كذلك )[4] ، فلاحظ أنَّ الشيخ الطوسي عمّم حتى لوازرة الضريبة، اللطيف هو أنَّ الشيخ الطوسي يقول إنَّ دليل تحريم الهدية التي تؤدي مؤدى الرشوة هذا النص الوارد عن النبي والأئمة عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام وهو ( هدية العمّال غلول )، والغلول غير السحت وغير الرشوة، ولماذا هي تختلف عنهما مفهوماً ولغة وقانونياً؟ إن شاء الله تعالى سوف نشرحها في الجلسة اللاحقة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo