< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

في بحث الرشوة كما نقلنا القوال أنَّ العمدة هي استقلال القوة القضائية واستقلال ونزاهة القاضي، وسنرى الأدلة تشدد على ذلك، لأن الرشوة هي محاولة التأثير على نزاهة القضاء، فلنزاهة القاضي أو القوة القضائية حرمة الرشوة، إذا كان الأمر على الصعيد الفردي الأمر هكذا فكيف إذا كان على الصعيد العام لأنه تارة يكون النزاع فردياً وتارة يكون النزع في حق عام وأموال عامة والتي يعبرون عنها الآن في القضاء بالنيابة العامة، والنيابة العامة هي مثل تقاضي أمير المؤمنين عليه السلام مع طرف آخر سلب مالاً من بيت المال هنا منازعة أمير المؤمنين عليه السلام بما هو ولي المسلمين، فالنائب العام عن الأموال العامة عن بيت المال يقدم شكوى على طرف آخر، وهذه نكتة لطيفة، وأمير المؤمنين في تلك الرواية بين له أنَّ موازين القضاء في النيابة العامة تختلف من حيث الأدوات والعناصر تختلف مع موازيين العاصر مع موازين القضاء في النزاع الفردي وهذا مبحث يجب أن يثار عندنا في باب القضاء، يعين النزاع والقضاء في الحقوق الغامة يختلف عن النزاع القضائي في الخصومة الفردية بين طرفين وهذه نكتة مهمة جداً، ولو أردنا فتح هذا الملف يمكن أن يجمع باب لطيف وهو القضاء في النيابة العامة هل موازينه نفس موازين القضاء في الخصومات الفردية أو هي غير ذلك، شبيه أنه يوجد عندنا قانون مدني، وليس المقصود من المدني ليس الدولة المدنية العلمانية وإنما اصطلاح بمعنى التعايش يعني في الحقوق الخاصة وهذا في اصطلاح في قبال القانون الجنائي، فيوجد عندنا قانون مدني ويوجد عندنا قانون جنائي، وليس دولة مدنية في مقابل الدولة الدينية وإنما مدني يعين في المور المدنية الخاصة فهذا باب مهم يلزم أن يبحث، وهذا باب جديد وأدلته موجود.

فنزاهة القاضي أمر مهم فكيف بنزاهة القاضي في النزاع في الحق العام فإن هذا أخطر وأكثر أهمية، فكلمات علماء الامامية بعض الأحيان ترى كما يصنع جملة من الفقهاء مثل كاشف اللثام أو مفتاح الكرامة أو صاحب الجواهر إلى حدّ ما أو السيد الكبايكاني أو السيد البروجردي نفس تفسير فتاوى الفقهاء يعطي عارضة فقهية، فهم ليسوا معصومون وإنما هم يقومون بشروح للروايات فاي شرح واي احتمال ترّى فيه ولا تعبر عنه بسرعة وهذه نكات لطيفة، فالملاحظ في فتاوى علمائنا وسنقرأ منها أكثر وأكثر أنه عندهم حساسية في نزاهة القضاء بشكل شديد وحتى في روايات العامة الأمر هكذا أيضاً، ففي روايات العامة التحريم لتأثير المال والابتزاز المالي في القضاء أشد منه في ابواب أخرى، فإذا كان في القضاء في النزاع في الحقوق العامة والمصالح العامة يكون أكثر حساسية، وما هو الضامن لنزاهة القضاء؟، إذا كان الدستور لا يعالج كيف يكون القضاء نزيهاً؟ أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الشتر بين ضمانتين لنزاهة القضاء فإذا فُقِدا فقطعاً لن يكون القاضي نزيهاً لا سيما في النزاعات السياسية أو في النزاعات العامة في النيابة العامة، وهذا مبحث في القضاء نفس الفقهاء بحثوه في القضاء، وأكثرهم بحثوا بحث الرشوة في القضاء ومعنى هذا أنه يجب بصياغة جديدة أن نفتح ملف في باب القضاء فصلٌ كيف يكون القضاء نزيهاً وهذا باب آخر واقتراح آخر لتدوين فهرست ابواب فقهية جديدة وهي انه كيف نفتح فصلا آخر في باب القضاء بدل من أن تكون مسألة أو مسألتين أو ثلاث نبحث في هذا الفصل كيف يكون القضاء نزيهاً، أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر يقول لابد ان تكون هناك ضمانتين لنزهة القضاء فإذا لم تتوفر فالقاضي لا يمكن أن يكون نزيهاً وحيانياً، الضمانة الأولى أن يون عفيف مالياً أو مؤمّن مالياً فيجب أن تؤمن الدولة الأموال للقاي كي لا يطمح من هنا وهناك أما إذا طمح بعد ذلك سوف تقيم عليه الدول متابعة وملاحقة فذها بحث آخر، ولكن الوقاية خير من العلاج فيحب على الدولة أن تؤمن الجانب المالي له بحيث أي شخص يبتزه بالمال فسوف لا يغريه ذلك المال لأنه غير محتاج إليه ويكون شبعاناً لا أنه جائع لهف حريص، فالدولة تدبر له حتى السكن وكل شيء كامل أما إذا لم يكن هكذا فمن الصعب الحفاظ على نزاهته لأنه بشر وتؤثر عليه هذه الأمور، هذا هو الضمان الأول وللأسف المفروض أن هذه تدون ويذكرها الفقهاء في باب القضاء فإنهم كما ذكروا حرمة الرشوة يذكروا هذا الضمان، والضمان الثاني هو الجانب الأمني وهو أن الدول تعطي حماية خاصة للقاضي فإذا لم تعطه الحماية الخاصة والحماية سواء عن تزوير قانوني ضد القاضي - وهذا موجود في كلام أمير المؤمنين عليه السلام ولكن نحن نأتي به بلغة عصرية مثلا الوشاية يعني التزوير القانوني او أي شيء آخر - فإذا لم يكن القاضي مؤمناً أمنياً فلا تتوقع من القاضي أن يكون نزيهاً فإنَّ أي شخص يمكن أن يبتزه من جهة الارهاب سيما في النيابة العامة وقضايا الدولة فلا يمكن أن يكون القاضي نزيهاً من دون ذلك، أما قول إنَّ السلطة القضائية نزيهة عندنا فهذا كلام، يعني مثلاً القضاء يريد أن يحاكم رئيس أو وزير فهذا القاضي أمنه إذا كان من قبل هذا الوزير أو الرئيس فسوف لا تكون عنده قدرة على الملاحقة القضائية، فإذاً السلطة القضائية يجب أن تكون بشكلٍ يصوغ لها الدستور حماية مالية وأمنية يعجز أي طرف من أن يبتزها وإلا فالكلام عن نزاهة القضاء يكون أمراً ديكورياً، فالبحث في الرسوة هو في الحقيقة هو بحث عن سرطان في المجتمع يمكن أن يبتز القضاء وفصل الخصومة، وسبحان الله لو ادت التاريخ العلمي لهذه المسألة الوحيانية فإنَّ أصل ورود حرمة الرشوة ورد في نصّ القرآن الكريم، ولو أننا في الأقوال ولكن لا بأس بالالتفات إلى تاريخ المسألة، فقد ورد هذا التحريم في القرآن الكريم وأصل نزوله في القرآن الكريم في آية ﴿ولا تأكلوا بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون﴾[1] ، ولا تدلوا بها إلى الحكّام يعني في الصل إلى القضاة أو الأعم منهم كالولاة كوالي معين أو رئس محافظة، فأصل حرمة الرشوة باتفاق من الفقهاء والمفسرين والمحدثين نزوله في هذه الآية الكريمة تأثير المال على العدالة القضائية في المجتمع سواء كان في الحقوق العامة أو في الحقوق الخاصة، ولا بأس أن نذكر ها المطب وهو أن العدالة التي منشؤها القضاء، فإذا يؤمّن القضاء فسوف يكون ملجأ وخيمةً لازدهار المجتمع، وبحثنا ليس اجتماعياً أو بحث لغوي ولكن نريد أن نقول إنه إذا تبينت لنا الأسس التشريعية التي تنطلق منها حرمة الرشوة سنعلم مدى خطورة هذا البحث، فهذا ليس بحث مسألة فرعية وإنما هو عبارة عن طابع نظام قضائي اجتماعي سياسي، وإذا أردنا أن نبحث بجدية يجب أن نبحث أنَّ هذه النظام كيف يبنى لا أن نبحث مسألة واحدة ونتوء صغير، وإنما البحث هو بنيان كامل ركني في النظام الذي يريد أن يبنيه الدين، وهذه نظرة أخرى في الفقه يجب أن نعرفها، وهي أنه كيف ننظر إلى الفقه أن يبني لا أن ننظر إلى افلقه كمسائل فقيه مبعثرة فإن هذا لا يبني، فإذاً نلاحظ أن القرآن الكريم في سورة البقرة قال ﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس﴾ [2] ، وتدلوا ومن أدلى وهي من دلى والادلاء يعني الإمالة، ومعروف عندهم أنَّ التحريم إذا جاء في نصّ القرآن الكريم فهذا له مدىً كبير، فإذاً المجتمع العادل أحد أسباب العدل فيه هو نزاهة القوة القضائية في أي نزاع سواء كان نزاعاً فردياً أو نزاعاً قبائلياً عشائرياً أو نزاعاً سياسياً أو نزاعاً في الأموال العامة، ولاحظوا أنه يوجد حديث نبوي يرتبط بهذا البحث وهو اقامة العدالة حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الحديث يحتاج إلى تكفير استراتيجي كبير، يعني يحتاج إلى تفسير ليس جزئياً مبعثراً وإنما يحتاج إلى تأثير بلحاظ النظام الاجتماعي أو النظام السياسي، فحينما تقرأ الشيء مثل حرمة الرشوة فتارة اقرأها وفسّرها كموضوع فردي أو اقرأ حرمة الرشوة في النظام الاجتماعي وكظاهرة اجتماعية فهذا شيء آخر، فهل الحكم الآن يعالجها كظاهرة اجتماعية أو يعالجها كشي فردي؟ إنه لا يعالجها على المستوى الفريد فقط، وكذلك العدالة أيضاً هكذا والآن لاحظ هذا الحديث النبوي وهو حديث مستفيض عندهم ولا يبعد أن يكون مستفيضاً عندنا ( إنما هلك الأقوام قبلكم كان إذا سرق فيهم الكبير[ القوي ] [ الشريف ] تركوه وإذا سرق فيهم الصغير [ الضعيف ] [الحقير] ) ، كلام النبي دائماً هو جوامع الكلم وليس جوامع العلم وجوامع الكلم أعظم من جوامع العلم يعني هو أساس الأساس، ومعنى هذا الحديث هو أنه أصلاً بقاء الامم وتناميها والبلدان هو بإقامة العدالة على الصعيد الكبير العام وليس على الصعيد الصغير أو المتوسط، من السارق الأكبر للنفط؟ ليس السارق المتوسط أو السارق الأصغر وإنما السرق الأكبر، يعني أعلى شيء، فإذا أنت لم تقم العدالة على أكبر حيف فإذاً أنت لا تجري العدالة وإنما تجعل الفوضى في المجتمع والهلاك، أما إذا استطعت أن تقيم الدالة على الأكبر فأنت تقيم العدالة، وربما في انطباع البعض أنَّ هذا اكبر والحال أنه متوسط ويتغافل عمّا هو أكبر الأكبر فهذا بحث آخر، فلاحظ أنَّ هذه العدالة وحرمة الرشوة نريد أن نبحثها والفقهاء أيضاً قالوا إنَّ حرمة الرشوة متفاوتة الملاك شدة وضعف، فإذاً حرمة الرشوة بشكل ابتزاز تأثير المال الجانب الأكبر فيه هو السار الأكبر إذا ترك السارق الكبر فسوف لن تكتب العدالة في ذلك المجتمع ولن تثمر، فالمقصود أن هذه هي خارطة البحث التي يذكرها الفقهاء وهي موجودة في نصوص الروايات.

الأعلام ركزوا على السلطة القضائية ولماذا لا يكزون على جانب العدالة في توزيع بينت المال مثلا أو في التجارة أو في الصناعة وإنما العدالة في القضاء هي أهم، يعني ذكروا القضاء ثم ذكروا العامل أو الوالي، فأول شيء ذكروا القضاء ثم ذكروا العامل والوالي مع أن العامل والوالي هو سلطة تنفيذية كوزارة الصناعة والتجارة فماذا جعلت السلطة القضائية هي الأهم، الآن لاحظوا في قوانين البشر حتى الوضعية صلاحيات السلطة القضائية كشيء بتار ولو كان نسبياً أكثر من السلطة التنفيذية، ولنلاحظ هل استظهار علماء الامامية هل هو في محل أو لا؟، وهذه نكتة مهمة، الآن إذا تلاحظون في دساتير الدول السلطة القضائية كهيمنة لها صلاحية أكثر من السلطة التنفيذية وحتى أكثر من السلطة التشريعية، ليس السلطة القضائية في النزاعات المدنية الفردية، وإنما السلطة القضائية تصعد وتصعد فتصير سلطة قضائية لفضّ النزاع بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، كما لو حصل نزاع من السلطة التنفيذية كوزير مع السلطة التشريعية كالبرلمان فالذي يفصل النزاع هو السلطة القضائية، ليس السلطة القضائية قاضي أحوال شخصية أو قاضي مدني وإنما سلطة قضائي عليا، يعين نفس القضاء فيه درجات، فلماذا في الدساتير والقوانين ما هو السبب العقلي والعقلائي أن تجعل سلطة القضاء أكثر نفوذاً من السلة التنفيذية من السلة التشريعية- من المفتي - ؟، فهل هذا صدفة في علم الفقه والقانون أو أن وراءه مبرر؟، وأنا أتساءل لماذا علماء الامامية شددوا على نزاهة القضاء قبل نزاهة السلطة التنفيذية وما هو السبب؟، فهل هو للأدلة فقط أو أنه توجد حكمة وراء الأدلة؟، حينئذٍ سنفهم قول النبي حينما قال ( أقضاكم علي )، فهو لم يقل أفقهكم فقط أو أعلمكم وإنما ركز النبي اثكلا على ( أقضاكم علي )، يعني حينما تتنازعون في السقيفة وفي فدك فلا تلجأوا إلى شخص آخر، وأي طرق الأمة هو الصحيح والهدى؟ إذا تنازعت الأمة في أمر فارجعوا إلى علي بن أبي طالب ولا ترجعوا إلى غيره، ولماذا؟ لاحظ ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول )، فصحيح أنكم أطيعوا الله ورسوله ولكن هذا لا ينفع وإنما لابد من السلطة القضائية ( فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله وإلى الرسول )، وفي قراءة أهل البيت عليهم السلام موجود ( وأولي الأمر منهم ) ولكنهم غيروا القراءة، ﴿ولو ردّوه إلى الله ورسوله لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾[3] ، فلاحظ إذاً السلطة القضائية في نفس نظم بديهية العقل والقانون لا يمكن أن تجعل السلطة القضائية في عرض السلطة التنفيذية يعين القاضي في عرض المفتي فإنَّ هذا لا يمكن، وكذلك لا يمكن أن تجعل القاضي في عرض الوالي والحاكم فإنَّ هذا لا يمكن، وإنما القاضي يكون فوق ذلك، وقد مر علينا في بحث الأصول قبل أسابيع أن القاضي يشترط فيه شرائط المفتي زيادة، المفتي يشترط فيه شرائط الراوي وزيادة، ولذلك حجية الراوي أقل من حجية الفقيه المفتي، وحجية القاضي أزيد من حجية الفقيه في الأبواب الفقهية.

إذاً السلطة القضائية لها دور كبير، وتأكيد علماء الامامية على تنزيه القضاء من الرشوة والابتزاز المالي هو أمر مهم بهذا اللحاظ، ولكن هل تختص الرشوة بالسلطة القضائية وتنزيه باب القضاء أو تشمل السلطة التنفيذية؟، سنقرأ جملة من أقوال علماء الامامية أنهم عمموا أنَّ حرمة الابتزاز بالمال - أي حرمة الرشوة - تشمل العامل أيضاً وسنقرأ جملة من كلماتهم، وهل تتوقف عند السلطة القضائية والسلطة التنفيذية أو تشكل سلطات أخرى؟ عند التفتيش في كلمات الأعلام وجدنا أنهم يقولون إنها تسمل السلطة التشريعية الفتوى والمفتي والسلطة الدينية، بل في الأدلة سيأتي أن الابتزاز في السلطة الدينية أخطر من أي شيء، فإنه حسب الأدلة الابتزاز في السلطة الدينية أخطر من السلطة القضائية ومن السلطة التنفيذية، وسبب انحراف اليهود والنصارى وعلماء العامة في بيانات القرآن الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام هو الابتزاز المالي، سبب ضرورة استقلال الحوزات العلمية وعلماء الامامية عن الركون وحتى العيش في الفقر المدقع لقرون أنَّ الابتزاز المالي يُخرس الناطق والمسؤول عن التبليغ الديني عن الحق، وسيأتي بحث عجيب، فهذا بحث حرمة الرشوة ليس باباً سهلاً وإنما هو باب خطير كالسرطان ينتشر، وأصلاً سيأتي في الروايات أن سبب انحراف اليهود وأحد الأسباب الكبيرة في انحراف اليهود استعمال الرشوة في السلطة الدينية، وأحد أكبر أسباب انحراف النصارى استعمال المال في ابتزاز علماء النصارى، وأحد أكبر أسباب انحراف علماء العامة مع أنهمم يعفون الحق هو الابتزاز المالي لأنهم يصيرون منبوذون وهذه القضية صعب عليهم، فلاحظ أن هذه هي الوحشة من الفقر ومن العزلة والوحدة وغير ذلك هي اكبر ما سبب انحرافهم، إذاً الابتزاز هل هو خاص بالمال أو يكون بأي عمل آخر؟ إنه حسب كلام أمير المؤمنين في عهده لمالك الأشتر لس بالمال فقط فإذا صار حرمة الشروة صار حرمة الضغط بأي عامل ضغط كعامل القوة وعامل الارهاب فنفس الكلام هنا، يعني أحد أسباب فلسفة الطف وكربلاء أن سيد الشهداء بالتدريج أراد أن يعرّي الطرف الآخر أنه يبتز الناس ويرهبهم ويضغط عليهم، ولكن الامام الحسين عليه السلام لا يستجيب لأيّ ضغط ولو كان على حساب العرض والأموال وكل شيء، فهذا هو معناه، فلا يعطي لنفسه أيّ مبرر في أن يُبتَز، يعني أنه قدم كل شيء لأجل أن يحافظ على نزاهة السلطة الدينية، والكثير من الكتّاب ولعل منهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين وأتصور قبله من الكبار ذكروا ذلك، وهو أنَّ من أحد الأشياء التي أنجزها سيد الشهداء في وعي المسلمين أنه فرّق بين السلطة السياسية والبعد الديني وأنَّ الدين يبقى نزيهاً والسلطة الدينية يجب أن تبقى نزيهة ولو كان بأيّ ثمن يضحّي به الانسان.

فإذاً حرمة الرشوة تندرج تحت قاعدة أكبر وهي ضرورة نزاهة السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وأعظم من ذلك السلطة التشريعية، وأعظم من السلطات الثلاث السلطة الدينية، فرجال الدين هم سلاطين بلحاظ الدين، فهذه السلطة يجب ألا تبتز، يعني بعض الأحيان الانسان يفكر في أن علمائنا عاشوا في فقر مدقع لقرون ما هو سببه؟ سببه أنه لو أراد أن تأتيه أموالاً من جوانب أخرى فقد يكون النظام البعيد في بلدان أخرى قد تضغط عليه فلا يستجيب اطلاقاً ولو عاشت الحوزة العلمية في فقر، فهل لأجل أنَّ تعيش الحوزة العلمية في رفاه أنا أقبل ابتزاز حتى طرف بعيد؟!! إنَّ هذا غير صحيح، وهذه نكتة مهمة وبحث حساس جداً، فإذاً البحث ليس في حرمة الرشوة فقط وإنما البحث وسيع وكبير وهو أنه كيف نحافظ ونزاهة واستقامة الدين واستقامة العدل في النظام اليدين أولاً ثم في النظام الاجتماعي والسياسي، فالبحث حساس وهو قاعدة وليس البحث هو في مسألة جزئية، فإذا أردنا أن نبحث هذا المبحث فلابد أن نغوص في العمق.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo