< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة الثامنة من النوع الرابع ( الرشوة ) - المكاسب المحرمة.

وقبل أن نواصل هذه المألة التي نحن فهيا وهي اقوال الأعلام في حرمة الرشوة، سأل أحد الاخوة سؤال مرتبط بحلق اللحية: - كانت توجد اثارة علمية قديمة في مسألة حلق اللحية نسيت أن أذكرها، وهي اثارة علمية لا أنَّ بعض الأعلام يلتزمون بها، وهي أن هؤلاء الذين يحلقون اللحية يومياً في اليوم الثاني ليس حلقاً للحية لأنه لا توجد لحية وإنما من باب السالبة بانتفاء الموضوع فهو يمانع عن ظهور اللحية.

ولكن هذا وجه واهٍ جداً، لأنَّ الحرام في حلق اللحية ليس فقط الفعل، فحرام يعني بمعنى اسم المصدر يعني النتيجة، فالنتيجة هي أن ابقاء اللحية محلوقة هو هذا حرام، وفي بعض الموارد أنه ليس الفعل هو حرام فق وإنما النتيجة هي حرام أيضا، يعني النتيجة ولو بآلية أخرى هي أيضاً حرام، ( فحلقوا لحاهم ) يعني لحاهم محلوقة وهذا يصدق عليه هذا، بالدقة يوجد في الكثير من الأفعال - وهذه نكتة مهمة في صناعة الفقه - أو أن بعض الأفعال الحرام فيه هو الحدث وليس نتيجة الحدث مثل رسم صورة ذي روح فإنَّ النتيجة ليست بحرام بقاءها وغير ذلك وإنما الحدث فيه حرام، أما بعض الأفعال هي حرام بلحاظ النتيجة والعمدة هي النتيجة وهذا يختلف من فعل إلى فعل ومن باب إلى باب فيلزم الالتفات إلى هذا المطلب، وتعبير السيد الخوئي نأخذه كمثال والتفرقة بين هذين النوعين من الأفعال في الحرمة، وذكر السيد الخوئي كمثال أن الزنا حرام لا أنَّ المولود بالزنا يقتل ويباد فإن هذا لا يسوّغه الشارع بل في الكثير من روايات باب الحدود مثلاً نساء زنين لم يقم عليهن الحد وهن حوامل بالزنا إلى أن تضع ابنها وترضعه، فإنَّ الشارع حتى ابن الزنا يعتبره إنساناً، فإنَّ الشارع لا يعتبر النتيجة كالزنا ولو أن ابن الزنا ليس كابن الحلال، ولكن المقصود هو هذا الفرق، فتارةً الفعل الشارع يحرمه ويفسده وأما النتيجة فهي شيء آخر، وليس من الضروري يوجد تلازم بينهما، ولكن في بعض الفعال الفعل والحدث هو حرام وكذلك ونتيجته أيضاً هي مبغوضة للشارع ولا يريد بقاءها، مثل صنع آلات الموسيقى فبقاءً نفس النتيجة نفس الشارع يريد إهلاكها وإتلافها، فهذه نكتة لطيفة في الأبواب فلا يتخيل الانسان أنَّ الأفعال المحكومة بالحرمة على وتيرةٍ واحدة.

نرجع إلى الأقوال في حرمة الرشوة:- مرّ بنا أنَّ المشهور اقتصروا في الحرمة على باب القضاء على خلاف العامة فإنَّ العامة عندهم تعميم ولعل بعضهم أفرط في التوسعة للحرمة، ولكن مشهور علماء الامامية حرمة الرشوة في باب القضاء، والأشهر أو الأكثر عندهم سواء لإحقاق حق أو لإبطال باطل أو بالعكس، والبعض القليل ربما خصص حرمة الرشوة بما إذا كان لأهل الباطل، شبيه العبارة التي مرت بنا في مجمع البحرين حيث يقول ( قلما تستعمل الرشوة إلا في ابطال حق أو اقامة باطل )، ولكن على أيّ حال المشهور حرمة الرشوة أعم، نعم توجد جماعة ليستب القليلة من الأعلام قديماً وحديثاً عمموا حرم الرشوة لعمّال النظام كالمدراء والمسؤولين مطلق المسؤولين كمدير شعبة أو غير ذلك وهذا اصطلاح لغوي قديم ورائي فالعمّال يعني المسؤولين سواء كانوا في نظلم عادل أو نظام جائر فأيا ما كان اعطاء الرشوة البعض عمم الحرمة من جهة الآخذ بلا شك هي تحرم أما من جهة المعطي البعض فصّل وقال - والكلام في العمّال - إن كان لإبطال حق أو لإقامة باطل حرام على المعطي أما إذا كان حقه فهنا لا مانع من ذلك في المعطي ولكن يوجد مانع في الآخذ، والسيد الخوئي في الآخذ استثنى من الحرمة ما إذا كان الآخذ يقوم بإحقاق حق ويقوم بما ليس بوظيفته وإنما بجهد خاص منه، يعني ممن عمم حرمة الرشوة السيد الكبايكاني لمطلق العمّال، هذا بالنسبة إل الرشوة.

وماذا بالنسبة إلى الهدية فإنَّ هذا حكم آخر؟ لعل الأشهر أو الأكثر قالوا بحرمة الهدية إذا كانت لإبطال حق أو لإقامة باطل، وأما إذا كانت لإحقاق حق أو إبطال باطل فهنا يوجد اختلاف بينهم، وقد مرَّ بنا الفرق موضوعاً بين الرشوة والهدية فإن الرشوة فيها مشارطة بصيغة جعالة فيه مشارطة أما الهدية فلا يوجد فيها مشارطة ولكن إذا كانت لأجل إبطال الحق أو اقامة الباطل الأكثر قالوا بالحرمة، هذا إذا كان للباطل، والباطل يعني ابطال حق أو إقامة باطل، أما إذا كانت الهدة للحق أو بحث فيوجد اختلاف فهي هي بحكم الرشوة أو لا وهذه جهة أخرى في البحث، وهنا جهة ثالثة في البحث بحثها الأعلام وهي أن القضاة والعمّال سيما القضاة هل يصح تحديد أجرة هلم من قبل السلطة والنظام أو لا؟، والمشكلة هو أن نفس المسألة مرتبطة بالجانب المالي للقضاة أو المسؤولين من ثم بحثها الاعلام وهو نوع من استغلال هذه الثغرة ثغرة المال واحتياج المسؤولين والقضاة إلى المال فهل يسوغ للدولة تعيين أجرة للقضاة أو المسؤولين أو لا ؟ إنه يوجد بديل وهو أنهم لهم رزق من بيت المال يعني لا نسميه اجرة وإنما نسميه ضمان اجتماعي يعني هم من عيالات الدولة والدولة تقوم بكفايته بحسب حاجته ولا تعين له أجرة ويعبر عن هذا بالرزق فرزقه من بيت المال، وهذا اصطلاح فقهي اصطلح عليه الفقهاء وهو أن الذين لا تعين لهم الدولة أجرة يكون رزقه من بيت المال، يعني تتكفل الدولة بعيلولته، كما هو الحال في الشرطة أو الجيش أو المسؤولين في الطعام أو السكن، هذه الوزارة فيها سكن فالمسؤول يسكن فيها هو وعائلته وكذلك تأتيه وجبات الطعام فلا توجد له أجرة وإنما هو في عيلولة الدولة، بعض القواف أيضاً هكذا فالبعض يعمل في ذلك الوقف مثلا الواقف سكنه مجاني وأكله أيضاً مجاني ولكن لا يؤجر وإنما كفالة وعيلولة، يبذل له ولا يتملّك، فهذه جهة أخرى وهي أن القضاة هل يصح تعيين أجرة لهم من النظام الحاكم سواء كان العادل أم الجائر و أنه لا يجوز لهم الأجة وإنما يجب على الدولة عيلولتهم وكفالتهم سكناً وطعاماً وغير ذلك.

طبعاً بالنسبة للأجرة أيضا بحث الأعلام ماذا لو كان المتخاصمين يعينان الأجرة؟، لأنَّ القضاة ليس من الضروري أن يكون هو القاضي المنصوب وإنما حتى قاضي التحكيم فقاضي التحكيم هل يجوز اعطاءه الأجرة من المتخاصمين أو لا؟، ويوجد في بعض الدول كأنما القضاء من القطاع الخاص يعني أن أجرة القضاء تؤخذ من الطرفين لكي لا تخسر الدولة، الدولة تعطيه البعد القانوني الرسمي ولكنها لا تعطيه تكاليف القضاء وإنما تكاليف القضاء هي على المتخاصمين فهل هذا جائز أو غير جائز؟، الآن ربما اجمالاً هذا الأمر ، وهل هذا جائز أو غير جائز فهذا بحثه الأعلام أيضاً، وأيضاً بحثوا في لواحق الهدية هل أنَّ الهدية غير جائزة أو ما هو بمثابة الهدية مثلا معاملة محاباتية ، يعني مراتب المنفعة التي يقدمها الراشي للمرتشي فلا تشترط أن تكون هدية وإنما ربما تكون معاملة أو شفاعة أو غير ذلك فهل كل هذه تندرج بالرشوة أو أنها تلحق حكماً بالرشوة وليس موضوعاً؟، إذاً هذه جهات من البحث بحثها الأعلام.

ونقرأ بعض الأقوال تفصيلاً قبل أن ندخل إلى الروايات: -

قال الشيخ الطوسي في قضاء الخلاف المسألة الحادية والثلاثون ( لا يجوز للحامك أن يأخذ الأجرة على الحكم من الخصمين أو من أحدهما سواء كان له رزق من بيت المال أو لم يكن، وقال الشافعي إن كان له رزق من بيت المال لم يجز كما قلنا وإن لم يكن له رزق من بيت المال جاز له أخذ الأجرة على ذلك )[1] ، فالشيخ الطوسي قال لا يجوز أخذ الأجرة مطلقاً، ودليلنا هو عموم الأخبار الواردة في أنه يحرم على القاضي أخذ الرشا والهدايا ادعى الطوسي أن الروايات دالة على حرمة كل من الرشوة والهدايا، طبعاً ايضاً بحثوا حرمة أخذ القاضي للهدايا هل هي قبل القضاء وبعد القضاء سيّان أو أنه بعد القضاء لا إشكال فيه، وطبعاً هذا مع انه لا يوجد تواطؤ ما بعد القضاء وإنما لم يكن هناك تباني بعد القضاء وإنما بعد القضاء قدم له هدية، يعني الاغراء المالي قبل وبعد وبصوره المختلفة والمنافع المالية والربح المالي والمنافع على اختلاف درجاتها المالية هل هي السائغة مع القضاء ومسؤولي الدولة أو لا؟، وتوجد شدة وضعف، فإجمالاً شقوق المسألة والجهات هي هكذا، والشيخ الطوسي يقول دليلنا على الحرمة في القضاء عموم الأخبار، الأعلام في باب القضاء متشددون جداً والأدلة متشددة أيضاً وحتى العامة عندهم القضاء أشد، فهو قال إنَّ دليلنا هو عموم الأخبار الواردة في أنه يحرم على القاضي أخذ الرشا والهدايا ولا خلاف في ذك وأيضاً طريقة الاحتياط تقتضي ذلك وأيضاً اجماع الفقهاء على ذلك لأنهم لا يختلفون في أن ذلك حرام، والمحقق الحلي في الشرائع قال:- ( الرشا حرام سواء حكم لباذله او عليه بحق أو باطل )، يعني يحرم على الراشي الرشوة حتى لو كان الحاكم حكم ضده مع ذلك الرشوة حرام لعله يخفف من الحكم أو ينقضه أو غير ذلك فالرشوة حرام بحث وحتى لو كان الحكم ضد الراشي، يعني كي لا تبقى نفس القاضي غير مطمئنة وأنه يقول في نفسه إنَّ هذا الشخص حمكنا عليه والحال أنه أعطانا رشوة، فعند المحقق الحلي دخول المال على الخط حرام، فلاحظ إذاً هذه صور عديدة، قال المحقق الحلي ( الرشا حرام سواء حكم لباذله أو عليه بحق أو باطل )[2] ، أي كل هذه الصور والشقوق حرام، ولكن هنا المحقق ظاهره تخصيص القضاء ولم يعمم للعمال والمسؤولين، الآن لم يعمم الأعلام لأنه لا تصدق الرشوة أو أنها لا تصدق ولكنهم يبنون على أنَّ الدليل قاصر عن شمول مطلق الرشوة؟، إنَّ هذا بحث آخر، وقال في المسالك ( هو أخذ الحاكم مالاً لأجل الحكم وعلى ترحيمه اجماع المسلمين وكما يحرم على المرتشي يحرم على الراشي لإعانته على الاثم والعدوان إلا أن يتوقف عليه تحصل حقه فيحرم على المرتشي خاصة )[3] ، فهو أيضاً خصَّه بالقاضي، ولكن ظاهراً الأكثر لا يبنون على هذا فإنهم لا يستثنون الرشوة لاستنقاذ الحق لأن فتح الباب لا يممكن سدّه حتى لو كان بحق، ولذلك الآن في الدول على أساس الوضعية كذا الرشوة في القضاء بل حتى في مسؤولي الدولة مطلقاً ممنوعة حتى لو كانت لاستنقاذ حق ويجرّون الراشي والمرتشي لأن فتح هذا الباب لا يمكن سده، والسيد الخميني عنده حتى عند مسؤولي الدولة حرام لأنه يفتح الباب للفساد المالي، وطبعاً هذا ليس من باب التعليل وإنما أخذ بإطلاق الأدلة لهذه النكتة، واللطيف أنَّ مفسدة الرشوة ليس بالضروري أن تكون لأجل أنها للباطل كلا وإنما حتى لو كانت لأجل الحق وحتى لو توقف عليها استنقاذ الحق ولكن فيها مفسدة وهي أنه سوف يروّج هذه الظاهرة في القطاع العام أو في القطاع الخاص، والحال أنَّ المعاملات الصحيحة المحللة في الأصل قننت لأجل أن تنظم التبادل المالي، والرشوة عبارة عن عبور عن النظام المعاوضي اجلال وعبور عن المسؤوليات المقررة، وعبور عن ذلك وبعبارة أخرى واتخاذ نظام آخر بديل عن النظام المالي أو المعاوضي أو الوظيفي الصحيح، فإن هذا المسؤول وظيفته هي هكذا ولكن بالرشوة سوف يقوم بوظيفة أخرى، الآن يوجد في بعض الدول تعطي معاشات شهرية لمسؤولين في دول أخرى، يعني هذا المسؤول في هذه الدولة كما أن يتقاضى راتباً شهرياً من دولته يتقاضى أيضاً من دول أخرى فهو يتقاضى معاشان وهو مسؤول من جهتين، لذلك بالدقة أن الرشوة البعض استدل على حرمتها على طبق القاعدة وهو أنها خلاف تأسيس نظم النظم المجتمعي أو السياسي المقرر، ولذلك جماعة من الأعلام يطلق الحرمة ولا يستثني ومنهم السيد الخوئي.

وتوجد جهة أخرى عنونها الأعلام للبحث وهي أنَّ هذه الأجرة التي تؤخذ فاسدة وضعاً ويجب أن ترجع إلى صاحبها وهي ليست ملك الآخذ إذا كان منوع الرسوة أو الهدية التي هي بحكم الرشوة، وهذه هي قضية ضمان الرشوة.

وأيضاً بحثوا من جهة أخرى وقد أشار إليها الشيخ الأنصاري وهي أنه لو تنازع الدافع والقابض فكيف الحل؟، وقبل أن ندخل في الأدلة لا بأس أن نزيد من قراءة الأقوال وخصوصية الأقوال عند المشهور والسبب في ذلك هو لكي يثير انتباه الانسان في دلالة الروايات فنفس اختلاف الأقوال هو منبه، وعبارة جامع المقاصد نفس عبارة المسالك ( إنَّ على تحريمها اجماع المسلمين )[4] ، وجامع المقاصد عرّفها بأنها ( الجعل من المتحاكمين للحاكم )، فهو حتى أجرة المتحاكمين اعتبرها رشوة، وفي كتابه الآخر وهو حاشية الارشاد أيضاً عرّف الرشوة ( بما يبذله المتحاكمان )، وما الفرق موضوعاً بين الأجرة التي يعينها المتحاكمان وبين الرشوة في العرف وفي اللغة؟ الرشوة عادةً تكون متستّرة خفيّة من الراشي والمرتشي بخلاف الأجرة إذا عينت من الطرفين، وإن كان فيها نوع من التأثير ولكن تأثيرها أخف وطأة من الرشوة لأنها خفية وهي نوع من الاستمالة فيوجد فرق من حيث الأجرة من حيث ماهية الفساد لو بني على الفساد وبين الرشوة، فموضوعاً يمكن ان يبدى هذا الفارق، وابن إدريس أيضاً ذهب غلى تعميم حرمة الرشوة في القضاء وفي مسؤولي الدولة عموماً قال بالتعميم في القطاع العام ولم يبنِ على أوسع من ذلك، يعيني لم يقل بذلك في القطاع الخاص ولكن مع ذلك استثنى اعطائها إلا إذا كان على اجراء حكم صحيح فلا يحكم على المعطي، ولكن المشهور المنع مطلقاً أي من دون استثناء، وبعضهم ادّعى الاجماع على عدم الاستثناء، وفي المقنعة وابن برّاج قال بجواز أخذ القاضي الأجرة ليس من المتخاصمين وإنما من الدولة ولليس رزقاً، يعني قالا بأنه يسوغ للدولة وللحاكم أن يعيّن أجرة للقاضي ولا يتعيّن على الدولة العيلولة فقط وإنما يصح أن تعيّن له الأجرة، ولاحظوا هذا الخلاف الموجود حتى نوسع البحث في القاضي أنَّ الفقهاء في اعطاء الشهرية لطلّاب العلم، طبعاً من قال بحرمة الأجرة للقضاة هو لأجل ماذا ؟ قالوا لأنه واجب فلا يصح أن يؤثر المال على هذا الواجب وإنما هو مطلوب منه كوظيفة، ونفس الجدل موجود بين الفقهاء والمراجع قديماً وحديثاً في قضية الشهرية لطالب العلم وأنه هل الشهرية تملّك كأجرة أو تملّك كهدية لطالب العلم أو أنها ليست تمليك أجرة أو تمليك أعم من الأجرة بل هي بذل محض وإذن في التصرف من باب الكفالة والعيلولة؟ المعروف عن السيد الخوئي أنه كان يبني على أنها من قبيل الأجرة ولذلك كان يسوغ السيد الخوئي أخذ الشهرية لطالب العلم وإن كان غنيّاً، فلاحظ أنَّ نفس البحث يتوسع، وايضاً بحث الفقهاء المرشد والمبلغ للأحكام هل يصح لأهل المدينة أو المسجد أو الحي يعينون له هدية أو لا فهل هذا جائز أو غير جائز، فإن عيّنوا له هدية أو أجرة فقد يصير الصوت الديني ملكاً لهؤلاء؟ إنه يوجد كلام في هذا، فهل يجوز للفقيه أو المفتي أو إمام الجماعة هل يجوز للمكلفين أن يجعلوا له أجرة أو جعل أو أنَّ هذا غير جائز، فالسلطة الدينية من جهة البعد الديني لا يجوز أن يؤثر عليها بالمال، هذا أيضاً بحث أثاره الأعلام، فلاحظ طيف توسع البحث، يعني ليس فقط السلطة القضائية وإنما السلطة التشريعية الدينية لأنَّ الدين أيضاً عنده دولة ظل، وقد نقلت سيرة جملة من العلماء أنهم كانوا يتعففون من بذل العوام أو تخصيصهم مخصصات، بل بعض الخطباء كان يرفض أن يأخذ مخصّصاً أما أنهم يعطونه فهذا بحث آخر ولكن مع ذلك بتعزّز، لأنَّ هذا اللسان للدين وللحسين وليس للباذلين، فلاحظ أنَّ بحث الرشوة والهدية يتوسع ليس فقط السلطة القضائية وليس فقط السلطة الرسمية وإنما للجهة الدينية أيضاً، فكل هذا يبحث بين الرشوة وبين الهدية وبين المخصَّص وبين الأجرة، فنهاية التعفف الرزق من جون أجرة حتى من لدولة، وفي الرزق قالوا إذا كان عنياً فلا يأخذ، وهذه نكتة لطيفة، يعني مسؤولي الدولة الأصل فيهم بحسب هذه التوصيات أن يكونوا متبرّعين، فإذا كان الأمر كذلك فالكل سوف يهرب من المسؤولية ويصير النظام العام هو نظام أداء مسؤوليات طوعي، يعني وصلنا من باب الرشوة إلى الطوعية في أداء المسؤوليات، وهذه خارطة كبيرة في البحث.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo