< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - حرمة حلق اللحية - المكاسب المحرمة.

كنا في الروايات الواردة في حلق اللحية الباب السابع والستون، وكانت الرواية الأولى وهي مرسلة جزم بها الصدوق ولكن لها اسانيد متعددة عند الفريقين وهي ( حفوّا الشوارب واعفوا اللحى ولا تشبهوا باليهود)، هنا لسان الرواية ليس لسان آداب فقط بل من باب الآداب الالزامية وإلا فستر العورة أيضاً هو من الآداب ولكنه أدب إلزامي، وهذه نكتة يلزم الالتفات إليها وهي أنه ليس كل شيء مرتبط بالآداب هو مستحب مثلا غض نظر الرجال عن النساء هو من الآداب ولكنها إلزامية وهكذا العكس فتوجد جملة من الآداب ولكن ليس معنى أن كل شيء من الآداب هو ندبي أو مكروه وإنما بعضها إلزامية مثل ﴿ولا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض﴾[1] فهو من الآداب وكلنه من الآداب الالزامية، وكذلك ﴿ولا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضهاً﴾ ، فكل هذه آداب ولكنها آداب إلزامية، إذاً كثير من أحكام الآداب مستحبة أو مكروهات ومندوبات ولكن هذا لا يعني تلازماً دائماً وكلياً بين كون الحكم من الآداب وكونه غير كلا بل الكثير من الآداب هو إلزامي، فلسان الرواية هنا لسان آداب مثل حرمة تأنث أو تخنث الرجل الذكر ولكن هذه حرمة مع أنه من الآداب، وهكذا ذكورية المرأة أيضاً حرام، يعني تشبه الرجل بالمرأة حرام وبالعكس وطبعاً هو درجات منه الدرجات الخفيفة والمكروهة أما الدجات الشديدة فيه إلزامية كذلك التشبه بالكفار هو من الآداب ولكن درجات منه حرام أو أعداء الله فإنَّ مطلق أعداء الله التشبه بهام حرام، وهذا على درجات أيضاً، فكون الشيء من الآداب لا يعني أنه ندبي أو غير إلزامي أو مكروه كلا، بل لو اردنا أن نعدد الكثير من الآداب هي إلزامية وعادة في كل باب توجد آداب كآداب الأول والشرب أو آداب النكاح وحتى صاحب الوسائل والفقهاء عنونوها بعنوان الآداب، وكذلك حتى باب القضاء فيه آداب وبعضها إلزامية وبعضها غير إلزامية فالقاضي يجب ألا يلين في كلامه وحركاته إلى أحد الخصمين دون الآخر فهذه آداب ولكنها إلزامية ومن هذا القبيل الكثير كآداب الخلاء وآداب الاستنجاء وآداب الغسل ولك شيء فيه آداب فالآداب طبيعتها قسمان قسم إلزامي وقسم غير إلزامي، وما هو الفقر الماهوي اللغوي بين الآداب والأخلاق؟ هذا تعرض إليه الكثير من المحققين كالطباطبائي وغيره، فالآداب هي الزي الظاهري للخلق فإن الخلق شيء غير مرئي وهو صفة في الروح كالشجاعة وغنما آثار الشجاعة مرية اما نفس الشجاعة غير مرئي، وكذلك الكرم فهو غير مرئي أما آثاره هي المرئية، وهلم جرا سواء كانت فضائل أو رذائل لأن الأخلاق هي بالدقة قد توسعاً مسامحة يطلق على الإعمال المرئية أنها اخلاق ولكن بالدقة الخلق هو هيأة نفسانية غير مرئية، بينما الآداب هي انعكاس مرئي للأخلاق يسمى آداباً، يعني هيأة خارجية مرئية في حركات وأفعال البدن فهذه تسمى آداب، لذلك الآداب هي في جهة الفقه بينما هي مرتبطة بالأخلاق فإنَّ جذورها هو الأخلاق وهي كما مرّ هي انعكاس للأخلاق ولكنها كما نقول هي برزخ من بعد الفقه الأعمال وإلا فالأخلاق هي هيئات روحية، هنا هذا اللسان وألسنة متعددة أخرى هو يتعاضد مع روايات أخرى وهو من الفريقين وليس فقط منا وحتى من طرق الامامية الحديث مسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو أمر إلزامي بهذه التعليم (حفوا الشارب وأعفوا اللحى لا تشبها باليهود)، فمثلاً الشوارب إذا فتلها مثل اليهود والمجوس هو حرام، فهذا الحف بمقدار عدم التشبه بالملل والنحل الكافرة هو إلزامي أما بالمقدار الأكثر من هذا وهو كما كان يصنعه الامام الصادق أو غيره فهذا مستحب، فإذاً توجد درجات منه مستحبة وتوجد درجات منه مستحبة، كذلك في اعفاء اللحى فإنَّ إعفاء اللحى بمعنى عدم حفّها، والحف أكثر من التخفيف، فيجب ان لا يصدق أنه ليس حلقاً للحية ولو ليس بنسبة صفر وإنما حلق رقم واحد أو اثنين فهذا مشكل، وإنما يجب أن يصدق عليه وجود اللحية ولذلك ( واعفوا اللحى ) يعني اتركوها من دون أخذ ولكن هذا الأمر درجة منه إلزامي ودرجة منه ندبي، ودرجة منه ندبي، يعني بمقدار قبضة هذا ليس بواجب ولكن بمقدار ما يصدق عليه حلق اللحية وحفّ اللحية فهذا حرام، أما إذا لم يصدق عليه أن حف وحلق للحية كالأخذ من اللحية وتقصيرها لا إشكال فيهن فهذا الأمر أيضاً درجات، فاعفوا اللحى درجات وكذلك حفوا الشوارب أيضاً درجات درة منه إلزامي، وكما مرّ بنا أنَّ العناوين ذات الدرجات المتفاوتة وبالاصطلاح المنطقي يسمونه تشكيكي فالعناوين التي تؤخذ كأفعال في الأحكام إذا كانت متفاوتة شدة وضعفاً فتلقائياً درجات منها إلزامية ودرجات منها ندبية أو غير إلزامية بلا شك فإنَّ طبيعة الملاك إذا كانت طبيعته متفاوتة شدة وضعفاً فالحكم ايضاً يتفاوت، مثل اللون الذي يشتد ويتخفف ويتخفَّف إلى أن يذهب فهنا شيء تلقائي يصير غير إلزامي وإذا اشتد يصير إلزامياً وإذا اشتد أكثر يصير كبيرة ليس فقط يصير إلزامياً وإنما يصير من الكبائر، فإذاً طبيعة الملاك هي هكذا، مثلاً المذب في الاستهزاء وفي المزاح هو ليس حراماً ولكنه مكروه لأنَّ نفس الكذب هو درجات يشتد ويشتد حتى يصير من الكبائر فليس كل الكذب من الكبائر وإنما بعضه من الصغائر، يعني بحسب صغر الكذبة وبعضها متوسط وبعضها اشد من القتل وهو الفتنة وبعضها مكروه مثل الكذب في المزاح فإذاً طبيعة العناوين ذات الدرجات هو هكذا، وحفّ الشوارب واعفاء اللحى هي من هذا القبيل، غير أنه أمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوجد تذييل صريح بأنه إلزامي وهو ( ولا تشبهوا باليهود ) صحيح أنَّ التشبه ذو درجات ولكن منه درجات إلزامية فهاذ امر واضح.

فإذاً مفاد هذه الرواية في دلالتها على الحرمة تام، يبقى الكلام في دعوى سندها والذي مرّ بنا أنَّ الصدوق أرسلها ولكنه نسبها بنحو الجزم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مروية من الفريقين وستأتي طرق أخرى لها فهذه الرواية معتبرة وهي دالة على حرمة حلق اللحية.

الرواية الثانية: - وستأتي لها طرق أخرى جابرة لها وهنا أيضاً نسبها الصدوق بنحو الجزم إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم حيث قال: - ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- إنَّ المجوس جزّوا لحاهم ووفرّوا شواربهم وإنّا نحن نجزّ الشوارب ونعفي اللحى وهي الفطرة )[2] ، إذاً مثل هذه ( اعفوا اللحى ) ليس فقط حف اللحية وإنما حف اللحية يعني استئصالها أكثر وتقليلها أما الجزّ فهو قطع والقطع مشكل، فإذا جزوا لحاهم فهذا تشبه بهم ولكن نحن نعفي اللحى وهي الفطرة وهذا مربوط بالآية الكريمة التي مرت بنا، فلاحظ أنَّ هذا حكم إلزامي بهذه الدرجة بالفطرة وهو تبديل لخلقة الله تعالى، طبعاً ليس المراد كل أخذ يسمى جزّ وإنما الأخذ منها يسمى تقصيراً لكن الأخذ الاستئصالي يسمّى جزّاً، لذا نقلنا عن السيد أبو الحسن الاصفهاني والكثير من الأعلام أن ماكنة الحلاقة لو حلق بدرجة صفر أو واحد أو اثنين يستشكلون منها بل لابد من صدق وجود اللحية لا أنه لابد أن تستطيل ولكن لابد أن تكون موجودة أما إذا فعل رجال الدين ذلك فهذا مشكلة وخلاف الاحتياط، وهذه الرواية تعاضد الرواية السابقة وهي أنه ليس اليهود فقط وإنما اليهود والمجوس عندهم هذه السنة وأصل الأمر بإعفاء اللحى صدر من النبي صلى الله عليه وآله وهذا المضمون متكثر الطرق عندنا وعندهم سيأتي، فلا توجد خدشة في أصل الصدور فتراكم الطرق يصير فيها وثوق بالصدور فضلاً عن أنه تصير فيها استفاضة والاستفاضة أعلى درجة من الوثوق وهي دون التواتر ولكن أعلى من الوثوق ولا اقل يحصل الوثوق بالصدور.

الرواية الثالثة:- وهي مسندة من الصدوق عن الحسين بن إبراهيم المكتب عن محمد بن جعفر الأسدي وهو إن ضعّف ولكن الصحيح انه توجد قرائن على توثيقه وحتى جملة من كبار الرجاليين وثقوه وهو من علماء الغيبة الصغرة يعني هو من طبقة مشايخ الكليني تقريباً، ولا أقول هو من مشايخ الكليني ولكن أقول هو من طبقتهم محمد بن جبلة وجعفر بن عون الأسدي، عن موسى بن عمران النخعي وهذا هو الراوي للزيارة الجامعة وهو قد كتبانا فيه وجيزة قرائن على توثيقة طبعت حول موسى بن عمران انخعي، ووقفت على قرائن زيادة على جلالته وهي أنه من مشايخ الاجازة الذين يقعون في طرق النجاشي وطرق الصدوق وطرق الطوسي في الكتب، يعني هو من وجوه الطائفة لأن يوخ الاجازة في الكتب أصلاً هم ممن يؤخذ منهم آثار المذهب يعني يقعون في طرق اجازات الكتب والأصول الأربعمائة وغيرها، فالتتبع شيء عظيم في علم ارجال وف العلوم الدينية عموماً يكشف للإنسان خفايا لم ينبه عليها الاعلام عن عمه الحسين بن يزيد وهؤلاء مدرسة أسرار المعارف هو وعمه، وعمّه استاذه وهو الحسين بن يزيد النوفلي وهو هذا نفسه النوفلي الذي يروي عن السكوني وهذا وابن أخيه مدرسة على حدة في أسرار المعارف، والعجيب أنَّ هذه المدارس في المعارف ترى اثنين او ثلاثة هم مدرسة مثل الآن جابر بن يزيد الجعفي وتلاميذه ومثل علي بن حسان واستاذه عبد الرحمن بن كثير وهم من رواتنا وقد طعن عليهم وقليل من وثقهم ولكنهم مدرسة في أسرار المعارف، وهناك مجموعان ومجموعان في رواة الامامية كثيرين ولهم خصائص يعني البحث في تاريخ المعرفة في علماء الرواة هو بحث شيق يطول الكلام فيه، عن موسى بن عمران النخعي عن عم الحسني بن يزيد عن علي بن غراب، وهذا علي بن غراب لا بأس به، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، فالرواية أجمالاً يمكن اعتبارها، فلاحظ هنا الصدوق أفصح عن السند ولكنه ليس هو السند الوحيد وإنما توجد لها أسانيد أخرى وهي نفس الرواية قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- حفوا الشوارب واعفوا اللحى ولا تشبهوا بالمجوس )[3] فرواها هنا في معاني الأخبار مسندة بينما رواها في الفقيه مرسلة.

الرواية الرابعة: - محمد بن يعقوب عن علي بن محمد السادن عن محمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر عن أحمد بن القاسم العجلي عن أحمد بن يحيى عن محمد بن خدائي عن عبد الله بن أيوب عن عبد الله بن هاشم عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي عن حبابة الوالبية، وهذه الرواية معروفة وقد رواها الصدوق عن الكليني ولكن هذه الرواية معروفة، ففي حين أنه يوجد في سندها مجاهيل هي معروفة ولعله لها طرق أخرى لم يذكرها الصدوق والكليني والمفيد اوردها في الارشاد مثلا أو كتاب آخر فهي عند كتب الحديث والسير هذه الرواية معروفة عن أمير المؤمنين عليه السلام لا أنها رواية فقط فليس لها سند واحد هذا غير الحديث النبوي الذي مر بنا وإنما هذا حديث خاص بأمير المؤمنين، وحبابة الوالبية وهي يمنية:- ( قالت:- رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس ومعه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجرّي والمارماهي والزمّار ويقول لهم يا بياعي مسوخ بني اسرائيل وجد بني مروان فقام إليه الفرات بن أحنف فقال يا امير المؤمنين وما ند بني مروان فقال له اقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا )[4] فـ ( مسخوا ) مفاده إذا تم السند بتعاضد أنَّ هذه رواية مشهورة في كتب السير والآثار ليس فقط يدل إلى الحرمة وإنما يدل على ما ذهب إليه الشيخ البهائي من أنَّ حلق اللحية هو من الكبائر لا أنه حرام إلزامي فقط، وقد مرّ في الأقوال أنه نقل عن الشيخ البهائي أنها من الكبائر وخصوص هذه الرواة تدل على أنها من الكبائر لأنها تدل على أن العقوبة العاجلة في دار الدينا لأجل المعصية، يعني أنَّ الكبائر يعاجل بها وليس المعصية العادية، فإذاً هي من الكبائر، وأيضاً الحديث النبوي ( خفوا الشوارب واعفوا اللحى ولا تشبهوا باليهود ) أو( ولا تشبهوا في المجوس ) في حديث نبوي آخر، فالتشبه درجة منه حرام فإذا اشتد جداً فنعم يصير من الكبيرة، لأنَّ هذا الانسان حيما يرى زيه يقول إنَّ هذا يهودي أو مجوسي أو سيخي وهلم جرا فيصير من الكبائر، فالمقصود أنَّ تقريب حرمة اللحية على بعض الوجوه قابل للتقريب بحسب الأدلة، ولا نريد أن نصير متشددين ولكن له وجه في الروايات بين من يقول بحرمته بنحو الاحتياط الوجوبي وبين من يقول بأنه من الكبائر، فالمهم ( فتلوا الشوارب فمسخوا ) هذه الرواية لو فحص عنها الباحث لوجد أنها لها عدة مصادر من المصادر القديمة، يعني كأنما هي متلقاة ومعروفة ومأثورة عن أهل البيت عليهم السلام في كتب السير فليس طريقها الوحد هو هذا حتى يقول إنَّ فيه مجاهيل فيكف يعتمد عليه، فإنَّ هذا قول من لم يكن عنده تتبع.

وقد يقال: - إنها حكمة تشريع ولا أن يقال حتى لو تبدل الوضع فيكون الأمر غير ذلك لأنه قال في أحد الروايات ( وهي الفطرة ) فهذا يدل على أنَّ قضية التشبه هي نوع من زيادة دعم الحكم لا أنه أصل منشأ وملاك الحكم، وهذه نكتة لا بأس بها وهي أنَّ البعض استشكل على دلالة الروايات حيث قال إنَّ هذه الروايات لا تدل على أن حرمة حلق اللحية هو حكم أولي وإنما بسبب التشبه فإذا عمم حلق الحية لكل البشر فهنا سوف لا يصير تشبهاً باليهود وغيرهم فإذاً ينتفي الموضوع لها.

ولكن الصحيح: - هو أنَّ هذا ليس هو مدار وحيد حصري ذكر في الروايات، وقد مر بنا ( وهي الفطرة )، وقد مرّ بنا أنَّ أمر الامام الرضا عليه السلام ليس أمراً معللاً.

الرواية الخامسة:- هي مرسلة وهي موجودة في تفسير علي بن إبراهيم ن وطبعاً تفسير علي بن إبراهيم تمييز مراسيل روايات علي بن إبراهيم عن مسانيده يحتاج إلى تدبر فكثيراً ما يشتبه الباحث بين روايات علي بن إبراهيم المسندة في التفسير والمرسلة وبين ما هو كلام له وليس رواية، وهذا يحتاج إلى تثبت ومراجعة ما قبل المقطع محل الشاهد وما بعده كي يميز الانسان موارد الروايات المستند عن موارد الروايات المرسلة عن كلماته، وبغض النظر عن تمييز تفسير علي بن إبراهيم عن تفسير الجارودي الذي مزج وقد قام بتحقيقه الشامل التام الكامل المحقق الأغا بزرك الطهراني في الذريعة، والذي لم يقم بمثله أحد من قبل رواية رواية راوً راوٍ فهو تحقيق كامل ذكره الاغا بزرك الطهراني في الذريعة، فعن الصادق عليه السلام:- ( في قوله تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " إنه ما ابتلاه الله به في نومه من ذبح ولده اسماعيل فأتم إبراهيم وعزم عليها وسلّم إليها ولما عزم عليها قال الله تعالى ...... ثم أنزل عليه الحنيفية وهي عشرة أشياء )، فلاحظ أنَّ روايات الفطرة ليست واحدة ولا اثنين لا ثلاث ولا مرسلة ولا ضعيفة واحدة وإنما هي مجموعة روايات ورادة من طريق الفريقين، تدل على الاطمئنان بصدور الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله ومنها إعفاء اللحية ومنها الختان وأنها من الفطرة تمسكاً بالآية، يعني عدة مقدمات تنضم مع بعضها البغض للاستدلال بالآية الكريمة والاستدلال بهذه الروايات، فهذا اللسان من الروايات هذه الطائفة وهي طائفة أن اعفاء اللحية من الفطرة الملة الحنيفية ( وهي عشرة أشياء خمسة منها في الرأس وخمسة منها في البدن، فأما التي في الرأس فأخذ الشارب وإعفاء اللحى وطم الشعر والسواك والخلال )، وهذا لا ينافي أن فيها مندوبات ليس كلها وإلا فيها إلزاميات كالختان، ( وأما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وتقليم الاظفار والغسل )[5] ، وهذه نكتة مهمة فالإنسان إذا كان يرى الرواية مرسلة ومسندة إلى النبي أو إلى أمير المؤمنين والكبار كالصدوق أو غيره أخذوها أخذ المسلّمات فنحن لا نريد أن نقول نحن نعتمد على جزم الصدوق ولكن هذا منبه لكي نفحص عن مصادر أخرى لهذا الحديث المأخوذ من الكبار الذي أخذوا ارسال المسلمات، فلابد أن تكون له مصادر، وفعلاً إذا لم يكتف بكتب الحديث فعليه أن يراجع حتى كتب السير، فمثلاً كتاب الارشاد فهو رغم أنه ليس كتاب حديث ولكن يوجد في الكثير من الأحاديث من كتب السير والمفيد في موارد يقول ( هذا قد جاءت به أكثر كتب السير والآثار )، وهذا لا يصح أن يدعي المفيد هذا الشيء كذباً كلا وإنما له طرق متعددة ولا أقل يصير فيها وثوق بالصدور، وليس الكلام في كلام الصدوق فقط والمفيد والكليني وغيرهم تلقوا هذه الرواية ولم يذكروا السند.

والعجيب أنَّ السيد الخوئي في كتب الرجال التي لم يذكروا فيها الأسانيد قال بما أنهم قالوا هي كتب كثيرة فإذاً هذه طرقها موثوقة فهنا قبل بهذا السيد الخوئي ولكنه لم يلتزم بهذا هنا وهذا غير صحيح، وإنما هو ميزان واحد، فهذه نكات يلزم الالتفات إليها بالنسبة إلى مثل هذه الرواية في الأحاديث النبوية أو الأحاديث العلوية التي يكثر نقلها في المصادر الأصلية القديمة في القرن الرابع والخامس قرن الشيخ المفيد والصدوق، فذكر ( اعفاء اللحى وطم الشعر والسواء والخلال وأما التي في البدن فحلق الشعر في البدن والختان ).

وهذه الرواية مثل وراية تحف العقول حيث قالوا إنها ضعيفة ومرسلة، ولكن حينما تتبعنا وجدها مذكورة في خمسة مصادر أصلية قديمة، أما أن طرقها ضعيفة فهذا صحيح ولكن طرقها مختلفة، فلا أقل يحصل الوثوق بالصدور فلا يصح نأخذ بطريق واحد ونترك الطرق المتعددة من المصادر المختفة، فهنا يحصل وثوق بالصدور، ( وتقليم الأظافر والغسل من الجنابة ) فالغسل إلزامي ( والطهور بالماء ) هو إلزامي أيضاً، ( فهذه الحنيفية الظاهرة )[6] ، يعني توجد حنيفية باطنة وهي كما نصّت عليه سورة البقرة وهي ولاية النبي وأهل بيته عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، فالحنيفية الباطنة هي ولاية النبي وأهل بيته، والحنيفية الظاهرة هي هذه الأشياء العشرة من الغسل وقض الأظافر وغير ذلك، وستأتي تتمة الروايات.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo