< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - حرمة حلق اللحية - المكاسب المحرمة.

تقدم الأقوال في حرمة حلق اللحية اجمالاً وكلمات اللغويين، ومرَّ أنَّ الصحيح هو أنَّ اللحية ليست خصوص الذقن ومقدم اللحية بل هي ما يشمل كل ما على العظمين الحنكين حتى ما يسمى بشعر العارض هذا أيضاً داخل في اللحية، ولذلك يثنى اللحية باللحيين، وهذا شاهد لغوي آخر نم حيث الوضع أما من حيث دلالة الدليل سنأتي أنها هل تدل على حرمة مطلق اللحية أو خصوص الذقن أو غير ذلك، لغة مضافاً إلى ما مر في استعمال الروايات كلغة مثلاً في الجعفريات بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول ( خذوا من شعر الصدغين ومن عارضي اللحية وما جاوز القبضة من مقدم اللحية فجزّوه )[1] ، فحينما قال خذوا من عارض الحية فإذاً واضح أنَّ هذه لحي فيسمى عارض اللحية فهذا مقدم اللحية وهذا عارض، والصدغين هنا وهو الذي يذكر في بحث الوضوء ومن عارضي اللحية، فواضح أن هذه المنطقة هي من اللحية من حين الحنك، وأيضاً في استعمال روايات العامة كاستعمال لغوي وقد مر مراراً ان الفقهاء المحققين أحد الثمرات العيمة للروايات الضعيفة أن يستكشف الاستعمال اللغوي في عصر النص، يعين حتى لو كانت الرواية كاذبة ولكنه يستخدم لغة عربية لا غيرها فهذا يدل على الاستعمال اللغوي والظهور سيما في بيئة الرواة وهذا شيء مهم جداً، وهو اقرب حتى من المعايير اللغوية لأن هذه هي بيئة نفس الرواة لذلك هذا الشيء مهم وبلا شك أنَّ الاستعمال والاستظهار اللغوي هو دعامة بنية الظهور والاستظهار وبنية الاستنباط وكفى بالأخبار الضعيفة ثمرة علمية ملزمة، وربما احصينا خمسة عشر ثمرة ملزمة في الأخبار الضعيفة لمن التفت إلى هذه المنهجية الصناعية الملزمة وهي ليست استحباب وإنما هي إلزام صناعي لنفس المنظومة الصناعية للاستنباط، وفي رواية الترمذي من أخبار العامة بسنده ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها طولها )، وفعلاً يستحب فعل ذلك، فإذاً ليس اللحية فقط ما يقوله السيد الخوئي وإنما كل هذا لحية وهذا استعمال روائي، وهناك استعمال روائي آخر لتشخيص موضوع اللحية وهو عنو توحيد المفضل عن الصادق عليه السلام في خلقة الانسان قال:- ( فإذا أدرك وكان ذكراً طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر وعزّ الرجل الذي يخرج به من حدّ الصبا وشبه النساء )[2] ، يعني يصير عنده نوع من سيماء الرجولة في قبال النساء والأطفال، ( وإن كانت أنثى يبقى وجهها نقياً من الشعر تبقى لها بهجة والنضارة ولو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته ألم يكن في هيأة الصبيان والنساء فلا ترى له جلالة ولا وقار)[3] فمقصود تعبيره أو أنه لع الشعر في وجهه ووجهه واضح في أنه الوجه والمراد به اللحية.

فإجمالاً هذه هي إذاً كلمات اللغويين والروايات التي يمكن أن يستفاد منها لتشخيص الموضوع محل البحث، بقي علينا قراءة الأدلة في البين وما هي الأدلة الدالة على حرمة حلق اللحية، وطبعاً الأعلام استدلوا بالآيات والروايات ونحن نذهب إلى الروايات أولاً، والروايات الواردة في أبواب آداب الحمّام في كتاب الطهارة كالمكياج وغير ذلك وأحكامها للرجل والنساء أو طريقة النظافة كلها حشدها صاحب الوسائل في كتاب الطهارة في أبواب آداب الحمّام، وكتاب الطهارة في الوسائل أبواب الماء المطلق وأبواب الماء المضاف وأبواب نواقض الوضوء والخلوة والسواك ثم تأتي أبواب الحمام ثم أبواب الجنابة ثم أبواب الحيض ثم أبواب الاستحاضة ثم أبواب غسل الميت، فهو ذكرها في أبواب آداب الحمام والتنظيف من الباب الثالث والستون إلى الباب والرابع والستون والخامس والستون والسادس والستون والسابع والستون، والباب السابع والتون عنونه صاحب الوسائل بحرمة حلق اللحية ولكن في الحقيقة الروايات الواضحة جداً في الباب الثالث والستون حيث عنوه صاحب الوسائل بباب استحباب تخفيف اللحية وتدويرها واخذ من العارضين، فعلى كلٍّ هذه توصيات مكياجية في الشريعة.

وقبل أن نقرأ الروايات نذكر أنَّ الأعلام في خضم هذه الروايات عنونوا عدة آيات مرتبطة بالمسألة، الآية الأولى وهي عن لسان إبليس، وهي قوله تعالى ﴿ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكُنُّ آذان الأنعام لآمرنهم فليغيرنَّ خلق الله﴾[4] ، والآية الثانية ﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم﴾ [5] ، فالمهم أنَّ هاتين الآيتين وبالذات آية ﴿لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنيهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغرُنَّ خلق الله﴾ [6] بنى عليها الفقهاء أنها قاعدة فقهية، عنونها سيما متأخري العصر يعين منذ قرنين جعلوها قاعدة فقهية لأبواب كثيرة في الفقه ولمسائل عديدة وليست في المسائل التي نحن فيها وهي حرمة حلق اللحية وإنما جعلوها قاعدة لمسائل وأبواب عديدة وهي حرمة تغيير خلقة الله إلا ما دل عليه الدليل، ونعيد قراءة الآية الكريمة وهي ﴿لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضلنهم ولأمنيهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام﴾ [7] ، ويبتّك وبتك يعني خرق آذان الأنعام بطريقة وهي طريقة من طقوس عبادة الشياطين، يعني البشر يبتّكونها عبّاد الشياطين، ﴿ولآمرنهم فليغيرنَّ خلق الله﴾ فكلمة خلق الله نفسها موجودة في سورة أخرى في آية أخرى وهي ﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله﴾[8] هذه الفطرة وهي خلق الله ذلك الدين القيّم، فهاتان الآيتان هما في قاعدة واحدة، وطبعاً هاتان الآيتان استفادوا منهما قواعد أخرى ولكن هذه القاعدة وهي حرمة تغيير خلقة الله استفيد من هاتين الآيتين تحريم تغيير خلقة الله، فهذا نظام الخلقة الطبيعي لا تبدّله لأن الدين مطابق لهذه الفطرة ( ذلك الدين القيّم )، فإن الدين مطابق لنظام الفطرة والفطرة مطابقة للدين، فهذه قاعدة مهمة، ويوجد مثال يذكرونه في هذه القاعدة لأنَّ نفس حرمة تغيير الخلقة أهم من بحث هذه المسألة، مثلاً ما هي المسائل التي تترتب عليها؟ مثلاً يحرم للرجل أن يغير بعمليات طبية أعضاءه الذكورية إلى أنثوية وهذا غير تشبيه الرجال بالنساء فإن هذا له أدلة أخرى، ويحرم على السناء أن يغيرن خلقتهن الانثوية إلى الرجولة، وهذه مسألة ذكروها في مبحث تغيير الجنس، وتوجد مسألة أخرى ذكروا فيها هذه القاعدة وهي في الاستنساخ في الجينات وفي توليد الحمل والطفل، والاستنساخ بحث طبي طويل عريض لا نريد الدخول فيه ولكن إجمالاً هذا الاستنساخ جملة من صوره - وليس كلها - طريقة خلقة الانسان وطريقة توليد الانسان يتم التلاعب بها وهم إلى الآن يزاولون الاستنساخ في الحيوانات أو في البشر أو في الانسان مع الحيوان أو في الحيوان مع الانسان وفي نهاية المطاف سيخلقون جيل من اليأجوج والمأجوج، ولماذا؟، وهذا مقرر في التقارير العلمية وهو أن تبديل النظام الوراثي في الخلائق الانسانية أو الحيوانية ليس من المعلوم انه يفضي إلى توليد أجيال غربة عجيبة روحاً واخلاقاً وعقلاً، فربما يتولد من الانسان وحشاً وهلم جرا، فعلى أي تقدير هذا بحث وحتى الفاتيكان استدلوا على الحرمة بتغيير خلق الله، وتقريباً قبل سبعة وعشرين سنة أحد المؤسسات الشيعية الكبيرة في أوربا وجهت لنا مجموعة من الأسئلة حول الاستنساخ فصارت عندي متابعة لهذا الملف بشكل كامل وقد طبع ومنها حتى استدلال الفاتيكان الكاثوليكية، فلاحظ أنهم لحدّ الآن عندهم أصول تشريع إلى الآن متطابقة لأنها من الدين وليست من الشريعة التي تنسخ، فعلى أي تقدير هذا هو الاستنساخ، وطبعاً من أحد الاستدلالات على حرمة أو تغيير نظام الزوجية هو هذا التغيير لخلقة الله والآن وحتى الفاتيكان وليس فقط عندنا استدلوا بهذا واستدلالهم صحيح لأنه من الأصول التشريعية الثابتة فإنه تغيير لخلقة الله وهو غير جائز، فالآن شيء يهدد أوربا وأمريكا واليابان حسب التقارير العصرية منذ زمن وحتى روسا وحتى الصين مع أنَّ الصين هي أكبر تعد سكاني فإنهم لاحظوا أنهم إذا قلوا النسل وما شابه ذلك سيكون مآلهم إلى الانقراض، أما أوربا حددوا بها وأيضا كل دولة هكذا لأنه سوف يتسبب بالشيخوخة يتبعها انقراض النسل، فاستقبالهم للمهاجرين وأثارتهم للحروب في الشرق الأوسط ليست عبطاً وإنما هي لأجل أن يجذبوا المهاجرين إلى بلدانهم والسبب هو أنهم تلاعبوا بالزواج، والمشكلة أنهم الآن يندمون على العلمانية أما نحن نريد أن نذهب إلى العلمانية والتنكر للهوية الدينية، كلامنا ليس في شبابنا ومثقفينا وإنما في الوسط الخاص وكأنما نستحي ونعتبره عاراً بأن نأتي بآية أو رواية في خطاب اجتماعي والحال أنَّ أساس الدين والهوية الدينية هو القرآن الروايات.

فعلى أي تقدير هذا المطلب هو هذا وهو أن الشيخوخة عندهم خطر محدق لانقراض النسل لأنهم عبثوا بالأسرة ( فحسبوا أن لن تكون فتنه فعموا وصموا ثم عموا وصموا )، فهذه الآية الكريمة التي تقول﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها﴾ حتى الربا، يعني أحكام الدين مطابقة لنظام الفطرة، فأي تغيير وأي انهزام وأي تنازل عن حكم ديني سيؤثر في سلبيات الفطرة، في السبعينيات وفي الستينيات وفي الأربعينيات أكثر المراكز العلمية الدينية سيما الخاصة كانت تنظر إلى عظمة التشريع الديني أما الآن فهذا الخطاب تراجع بشكل عجيب، فهذه القاعدة نفسها وهي حرمة تغيير خلقة الله يعين أن هذه التشريعات الدينية لا تغيروها فإن غيرتموها فسوف تغير نظام الخلقة الالهي وأي حكم ديني من أحكام الله تغيره وتنهزم عنه يسبب تغيير الخلقة وإذا تسبب في تغيير الخلقة فسوف يسبب دماراً وفساداً في الأرض، هذه الخلقة لستم خلقتموها ايها البشر وإنما خلقها الله ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ، فهل أنتم أعلم من الله تعالى في الحلال والحرام؟ كلا، مقابل المدنية والدولة المدنية والعلمانية؟!! نعم تأخذ التكنولوجيا والتقنيات وتأخذ النووي وتأخذ الصناعة والرقابة والقضايا التي فهيا تقدم علمي فهذا أمر جيد ولا أحد يرفضه، أما الجانب الاجتماعي والروحي والعلاقات الاجتماعية ونسلب الهوية الدينية تحت غطاء المدينة والعلمانية فهذا انهزام خطير، هذا في حكم واحد لا أنه في مجموع الأحكام لا مجموع الهوية، فنفس هاتين الآيتين هما في هذا الصدد، وتعبير الروايات كير وهو أنَّ تغيير حكم وتعطيل حكم من أحكام الله تمنع السماء والأرض بركاتها، وهو ما يسمونه بالتعبير العصري الأيكولوجي يعني نظام الدورة الطبيعية من مطر وهواء وسمك وحيوان ونبات وإنسان ونبات وغير ذلك فإنَّ هذا ركّبه الله تعالى بنظام خاص، فلو تعطّل حكم واحد فسوف يخلّ بكل الدورة الطبيعية وفي ذلك روايات كثيرة، فالخيار ليس لكم أيها البشر وإنما الخيار إلى الله تعالى، فهاتان الآيتان ﴿لأضلنهم ولأمنينهم﴾ ، فلاحظوا أنه حتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل له تعالى حنك طفلاً أو أذن في أذنه فرأى تسريحته هي التسريحة المتداولة عند الشباب فقال لهم أذهبوا فاحلقوه جيداً ثم اجلبوه، لأن هذه القنازع هي عرف الشياطين فهو يمنع البركة ويمنع النور، فحتى في المكروه الشرعي وحتى في المستحب الشرعي مرتبط بنظام الفطرة، هذا التعبير في الآية الكريمة بالنسبة إلى الشيطان ﴿ولأضلنهم ولأمنيهم ولآمرنهم فيلغيرُنَّ خلق فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرنّ خلق الله له﴾ فهو يسبب تغيير نظام الطبيعة كلها، ﴿فأقم وجهك للدين حنيفا﴾ كل الدين ، ﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم﴾ ، فهو لا يتبدل فهذا بحث فلسفة التشريع وهذا من أصول التشريع وله بعد عقائدي وهو أنَّ نظام الخلقة في كل منظومات الخلقة مطابق لهذه الفطرة فلو غيرت حكماً واحداً أو تجمد حكماً واحداً تصير آفات لدى البشر، فكلّ شيء حدّ الله تعالى له حدّاً، فعلى ضوء ذلك بنى الفقهاء على قاعدة تغيير الخلقة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo