< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - المسألة السادسة من النوع الرابع ( السحر ) - المكاسب المحرمة.

الكلام في مسألة التنجيم وكانت المحطة الأولى في مسألة التنجيم معنى التنجيم من جهة البعد اللغوي أو الاختصاصي ما هو معنى التنجيم، وبعبارة أخرى هذا البحث في المعنى اللغوي للتنجيم إذا خضنا فيه أكثر فأكثر ينقح لنا أنَّ البحث في التنجيم هو بحث في ماذا فهل هو بحث في نفس عملية التنجيم وما هو تعريف علمية التنجيم أو مثل الكهانة، يعني يوجد تكهّن ويوجد علم الكهانة، علم السحر وعمل السحر مثلاً، فيوجد عندنا علم التنجيم وعندنا عملية التنجيم، وعندنا الرجوع إلى المنجم، مثل الرجوع إلى الكاهن أو رجوع عموم الناس إلى إذا رجعوا إليه، وعندنا التصديق بقول الكاهن أو قول الساحر أو المنجم، فبعض المؤمنين السذج إذا قال له الساحر إنَّ فلاناً قد سحرك فسوف يأخذ بكلامه وكأنه وحي منزل، وتنشأ عداوة بين الأرحام وغير ذلك على قول ساحر أو كاهن، وهذا ليس بصحيح، وهذا فعل رابع وهو تصديق الكاهن، وهناك في البين زاوية أخرى وهي الاعتقاد بالتنجيم أو علم التنجيم أو الاعتقاد بالنجوم، وهذه زاوية أخرى، ففي الحقيقة توجد عدة زوايا في هذه المسألة وليست زاوية واحدة، فعلم النجوم شيء والتنجيم يعني العملية التي يقوم بها المنجم وفق قواعد وآليات وضابط علم النجوم مثل عمل السحر فهو شيء وعمل السحر هو شيء آخر فهاتين حيثيتين، فعلى أي حال كما مر بنا أمس أنَّ علم الهيأة وطيد الصلة ووطيد التداخل مع علم التنجيم ، ولكن علم الهيأة ليس من علم النجوم، علم الهيأة فقط هو حسابات رياضية عامة جداً لكروية السماء ولكروية الكواكب ولكروية الفلاك والمدارات والدوائر والنهار والليل والطلوع والغروب والزوال، هذه بحوث عامة حسابية رياضية لأوضاع النجوم والكواكب، وطبعاً علم النجوم يعتمد اعتماد أساسي على علم الهيأة، بل علم الهيأة يعتمد عليه الكثير من العلوم الغريبة حتى بعض السحر كالسحر الهوائي أو غيره يعتمد على علم الهيأة، وهذا لا يعني أنَّ علم الهيأة محرم، وإنما هو يستخدم ويستثمر فيه، وحتى علم الجفر أو الرمل بحث بحوثه وبعض فصوله يعتمد على علم الهيأة، فالمهم أنَّ علم الهيأة علم رياضي عام في أحوال وأوضاع الكواكب، وعلم النجوم يزيد على علم الهيأة نستطيع أن نقول إنَّ علم النجوم فيه متابعة تفصيلية للكواكب وللنجوم وللشمس وللأفلاك، سواء باب الجداول التي تسمّى تقويم جداول، فكل كوكب وكل مجموعة كواكب أو نجوم أو مجموعة منظومات شمسية في مجرة أو مجرات القدماء لأجل تنظيم المسح الميداني الفضائي للنجوم والكواكب قسموها إلى خمسين شكلاً كما مر وهذه الاثنا عشر برجاً التي يعبرون عنها والتي يتحرك خلالها الشمس أو القمر هي اثنا عشر شكلاً وهي فوقها أو ما غيرها في السماء المكوّرة اثنين وثلاثين شكلاً آخر من مجموعات المجرات أو المنظومات الشمسية كالجبّار وهلم جرا، ولها أسماء عديدة، يعني كل مجموعة كأنها تشكل شكلاً معيناً ، كالعقرب أو السرطان أو من هذا القبيل، فلاحظ أنَّ هذه البحوث تفصيلاً من أسماء النجوم في كل شكل هي ترتبط بعلم النجوم، زوايا هم وكيت هي من علم النجوم، أما علم الهيأة فلا يعطيك هذا وإنما يعطيك معادلات رياضية عامة، أما حينما تدخل في التفاصيل من شمول النجوم وأنَّ هذا كوكب شمالي أو جنوبي قطبي أو غير قطبي وأن له مطالع ومشارق أو لا فهذه تدخل في علم النجوم.

فإذاً علم النجوم هو دراسة ومتابعة تفصيلية معلوماتية للنجوم والكواكب، مثلاً عطارد طبيعته كذا، مثلاً حتى في فصول عطارد طبيعته حار أو بارد أو جاف والأخلاط التي له وهلم جرا، فيدخلون في أبواب أخرى وفصول أخرى في علم النجوم يقول لك طبيعة زحل أو المشتري أو الزهرة أو بقية الكواكب الأخرى كذا والشمس ما هي طبيعتها والقمر ما هي طبيعته، فطبيعة كل كوكب وطبيعة كل مجموعة، ما هي خاصية مجموعة السرطان وغير ذلك، وهذه يسمونها حالات بسيطة في علم النجوم، وبعد ذلك ينتقل علم النجوم إلى فصل أخرى وهو أنَّ هذه الكواكب إذا تقارنت - وتقارنت يعني في برج واحد -، أو تقابلت - والمقابلة يعني حصلت بينها مواجهة - فإذا كان بينها تربيع أو تثليث فهذه حالات مركّبة طارئة على الكواكب ومجموعات النجوم، وهذا أحد أبواب علم النجوم.

وهناك باب آخر في علم النجوم وهو أخطر باب، وهو ما يعبر عنه بأحكام النجوم، فمثلاً إذا صار اقتران صارت حربٌ، وإذا صارت مقابلة صار سلم أو بالعكس، وإذا صار تربيع صار رغد في العيش، وإذا صار تثليث يصير قحط أو غير ذلك وهلم جرا، أي ملاحظة الأحكام التي تنتاب على كوكب الأرض العامة من خلال أوضاع النجوم، وهذا الباب في علم النجوم يعبرون عنه بأحكام النجوم، فمثلاً حركته سريعة أو بطيئة وهلم جرا، وهذا سيأتي أنه في الأصل ليس زيفاً وإنما له حقيقة تكوينية خلقها الله عزَّ وجل، وهو من علم الأنبياء، مثل علم الرمل، فإنَّ علم الرمل من علم الأنبياء، وكذلك علم الجفر هو من علم الأنبياء ولكن البشر لم حطوا به كاملاً، فعلى أيَّ حال هذا الباب يعبر عنه بأحكام النجوم، وأكثر بحث الفقهاء هو عن هذا الباب، فعملية التنجيم يعني استخراج التنبؤات المستقبلية لفرد أو لأسرة أو لمجتمع او للبشرية من خلال باب أحكام النجوم، هذا الاستخراج يسمونه عملية تنجيم، وتعلُّم علم النجوم عدى هذا الباب لا يستشكل فيه أحد لمن اطلع من الفقهاء، فربما البعض ليس لديهم إلمام تفصيلي بعلم النجوم، ولكن يوجد جملة من الأعلام عندهم علم تفصيلي بعلم النجوم، وعلم تفصيلي لا يعني أنهم تعلموه، فالشيخ البهائي لا يوجد عنده علم تفصيلي به، وكذلك المير داماد، والكثير من العلماء، وصاحب مفتاح الكرامة، وحتى ابن أبي عمير ذُكِر أنه متضلّع في علم النجوم، وهو متكلم قدير، وكذلك البرقي صاحب المحاسن متضلّع في علم النجوم، ويوجد بنو نوبخت هم بيت عريق في علم النجوم والنائب الثالث من بني نوبخت، وقد مهر بنو نوبخت مهارة كثيرة في علم النجوم وعلم الكلام، وكذلك عبد الرحمن بن سيابة وعبد الملك ابن أعين أخ زرارة أيضاً متضلّعون في علم النجوم، يعني أنَّ علم النجوم الكثير من تلاميذ الأئمة كانوا متضلعين فيه، وهذا يستدل به على أنَّ أصل علم النجوم ليس بحرام تعلّمه، وسيأتي بحث هذا، فعلم النجوم كأبواب تعلمها لم يستشكل فيه أحد، وإنما الاستشكال فقط هو في الباب الأخير من علم النجوم وهو أحكام النجوم، أما أنك تريد أن تدرس فصول أخرى فلا مانع، ولذلك ذكرت لكم أن كتاب يسمونه ( بيست فصل ) بالفارسية، يعني باللغة العربية عشرين فصلاً، ألفه أحد العلماء كان ولا زال يدرّس في الحوزات الشريفة، وهذه العلوم الغريبة التي منها علم الرمل وعلم الجفر وعلم النجوم في زمن صاحب الكفاية كان يوجد منجّم كبير في الحوزة ورّمال وجفري إلى درجة أنه كان متضلّعاً بحيث يستطيع أن يعرف حتى موقع صاحب العصر والزمان عليه السلام، وهو كان مؤمناً بالعلماء ولكنه كان فقيراً جداً، لأنَّ من يتعلّم هذه العلوم يكتب عليه الفقر، وقد التقى به المرحوم الآخوند، وكذلك الشيخ محمد طه نجف عرف بأنه تشرّف بسبب هذا المنجّم، وهو أصله خراساني، فالمهم أنَّ الحوزات الشريفة لم تكن تخلو من ذلك، فعندهم متضلّعون كبار ولو أنَّ أسماءهم مخفيّة، لأنَّ هذه علوم خطرة، وهذه العلوم في أصلها محللة كما مرّ بنا الآن إجمالاً.

فإذاً الكلام كلّ الكلام هو في علم النجوم وليس في علم الهيأة، ولا في فصول وأبواب علم التنجيم إلا في خصوص باب أحكام النجوم، فالآن هذا التقويم للسنة الذي نراه هو وليد علم التنجيم، وقد أثبت علم التنجيم القديم كفاءته حتى على علم النجوم الأكاديمي الذي يدرَّس الآن في الدول الغربية، وكان واحداً من علماء التنجيم يصدر تقويماً في أحد البلدان الاسلامية إلى مدة عدّة سنين يتفوّق على التقويم الذي تصدره حتى وكالة ناسا وهو أضبط وأدق.

فعلى أية حال هذه العلوم موجودة في الحوزة العلمية، وفي شرق الكرة الرضي، وبالذات في الشرق الوسط قوية وكفوءة جداً ولكن لمن يتضلّع فيه، وعلم الهيأة أيضا هكذا، فإذاً هذا هو علم النجوم من حيث الموضوع ومن حيث التعريف اللغوي، فإذاً عملية التنجيم هي عملية استخراج نبوءات الأحداث المستقبلية للفرد أو للأسرة أو للمجتمع أو للدول أو للموك أو للحروب أو للوضع العام للبشر، هذا يعبرون عنه بالتنجيم يعني استخراج الانباء والأحداث، هذا عملية التنجيم المنجم فرقه عن الكاهن وعن الساحر وعن الرمّال وعن صاحب الجفر هو أنَّ هذه علوم أخرى، فالمنجّم يستخرج أحداث المستقبل عبر قواعد عامة في علم النجوم موروثة عن نبي من الأنبياء، والأنبياء ليس كلهم وإنما جملة منهم أعلم الناس بذلك والأئمة عليهم السلام كذلك فضلاً عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أعلم الناس بقواعد علم النجوم، وهناك استخراج للمستقبل ليس عن طريق قواعد علم النجوم وإنما عن طريق قواعد الرمل وأنا شخصياً تعلمته إلى أن أصبحت لديَّ جنبة فيه ولكن تركته لأنَّ هدفي الفقه والأصول والعقائد والتفسير، ولكن من باب أنه علم رياضي يتعلمه الانسان فصدتُ مفتاحه، فعلى كلٍّ كان هناك أستاذ ولكن بجهودٍ شخصيةٍ وصلت إليه، فعلم الرمل هو غير علم التنجيم وهو علم حلال ولكن يكره استعماله لأنه يسبب الفقر والدروشة، والحوزات العلمية قوية فيه جداً، وكذلك الصوفيين أقوياء فيه، وكذلك الهنود والصينيون وغيرهم، طبعاً حتى الدول العظمى الآن عندنا جامعات ومدارس تسرق هذه العلوم بشكلٍ كبير، وإذا عرفوا شخصاً متضلّعاً فسوف يختطف من قبلهم لأنه تحفه بالنسبة لهم، لأنهم دوماً وراء علم المستقبل فإنه خطير بالنسبة إليهم، وطبعاً الجفر له قواعد أخرى سواء كان الجفر الأبيض أو الجفر الأحمر أو غير ذلك وهو كامل عند أهل البيت عليهم السلام، أيضاً الجفر له قواعد اخرى فمن هذه القواعد الأخرى يستخرج، وعلم الرمل اشبه بالعلم الرياضي منه بالعلم فالكري بخلاف علم التنجيم فإنه علم رياضي ممزوج بعلم فكري مع الطبائع كطباع الأعشاب والأدوية، بخلاف علم الرمل فإنَّ أكثره بعد رياضي، وأما علم الجفر أيضاً ليس لدينا إلمام تفصيلي ولكن لدي متابعة ثقافية له، وطبعاً ليس لعلم التنجيم، وحتى علم الرمل وعلم الجفر والعلوم الأخرى ليس فقط لما يأتي في المستقبل وإنما حتى لما مضى أو لما هو راهن، فمثلاً سرق مال ضخم فلو كان هناك منجم متضلع يمكن أن يخرجه أو رمّال قوي يخرجه، جفّار قوي يستطيع أن يخرجه، إذا كان متضعاً ماهراً وليس مزيفاً ومن هذا القبيل، ولذلك هذه الدول المخابراتية تحرص على هذه العلوم لهذا السبب لأنَّ فيها قضايا كشف خفايا واسرار مخبأة، فإذاً هو لا يختص بما يأتي وإنما حتى لما مضى أو ما هو راهن، وهو يسمونه كشفاً بهذا اللحاظ، أي كشف ما هو مستور سواء كان مما مضى أو مما يأتي، إذاً هذه هي عملية التنجيم.

وما هو فرق الكاهن عن هذا؟ الكاهن أو العرّاف قديما يسمونه في اللغة العرّاف أيضاً هو يكشف ولكن ليس عبر محاسبات كعلم الرمل والتنجيم والجفر وإنما الكاهن يكشف عن طريق الارتباط بالشياطين والجن والأبالسة، عبر الارتباط بهم يكشف ما يأتي أو ما مضى أو ما هو راهن، الآن كل ارتباط بالشياطين أو كله ارتباط بالجن أو كله ارتباط بالأبالسة أو أنه يشمل الارتباط بالأرواح الشريرة سواء كان أرواح موتى شريرة أو أرواح شريرة أعم، فعلى كلٍّ هذه بحوث لها مجالها، إذاً الكاهن أو العرّاف يكشف المستور لما مضى أو لما يأتي بحسب هذا الشيء، وحتى أنه توجد عندنا روايات كثيرة صحيحة السند في زمن الامام الصادق والباقر والسجاد علهم السلام تذكر أن بعض المرتاضين في اليمن عندهم طيّ الأرض، وسند هذه الروايات صحيح وهي موجودة في كتبنا كما في الكافي وبصائر الدرجات، ولا تقل إنَّ هذا لأجل التقوى، كلا وإنما توجد عندهم رياضات روحية، فعملية الكشف والكهانة أو غيرها ليس فقط عبر التقوى، وقد ذكرت لكم الحديث وربما مرَّ بنا مراراً وهو مروي من طرق الفريقين وهو حديث قدسي عن الله عزّ وجل:- ( لأعطين الحكمة لمن زهد في الدنيا ولو كان كافراً )[1] ، وحتى أنه يوجد في أحد طرق هذا الحديث أنَّ النبي موسى عليه السلام سأل الله عزّ وجل ( أنَّ هذا المؤمن فما بال الكافر تعطيه؟! )، هذا هو ثمن كرامة الزهد في الدنيا ولو كان كافرا، فإنَّ هذا الخلق يحبّه الله، ولو أنَّ الزهد في الدنياً هو للدينا ولكن هذا الخلق نسبياً يحبّه الله، يعني يجعل الانسان يتكرّم عن الدنس وعن السُفل، لذلك نقلت لكم أنَّ أكثير ممن يتضلّع في الرمل تلقائياً يصير فقيراً، يعني ينجّر إليه الفقر والدروشة بهذا اللحاظ، ( لأعطين الحكمة لمن زهد في الدنيا ولو كان كافراً ) وحسب الرياضات، فإنَّ الرياضات التي يمارسها أي مرتاض هي نوع من الكهانة والعرافة، يعني تختط بين الكهانة والعرافة والرياضات الروحية، والكثير من المرتاضين الروحيين الكفار الوثنين الموجودين الآن في بلدان الشرق الأقصى أو غيرهم يستطيعون أن يذكروا لك ملف حياتك منذ صغرك إلى الآن، وكذلك الوضع الراهن وجملة من القضايا المستقبلية، ولكن هذه لا تدل على الايمان ولا على الحق ولا على غير ذلك أبداً، فهو يستطيع أن يقرأ حتى سريرتك، وتوجد في ذلك روايات متعددة في زمن الأئمة أنه يوجد مرتاضون كفّار كانوا يقرأون الخاطر والباطن لأنه توجد عندهم رياضات، فطبيعة النفس حينما ترتاض تكون هكذا، والكاهن أيضاً عنده رياضة، وهكذا العرّاف أيضاً عند رياضة روحية سواء كانت مرتبطة بالجن أو بالشياطين أو غير ذلك، فإنَّ طبيعة الرياضة الروحية أنها تفتح أبواب ملكوت إما ظلمانية أو نورانية على الانسان، ولا تدل على أنَّ هذا حق أو غير حق، وربما ذكرت لكم سابقاً أنه يوجد عندي ملف أجمع فيه كلمات أهل البيت عليهم السلام حول رياضة إبليس، فإن إبليس ارتاض رياضة عجيبة غريبة حسب ما ذكر أهل البيت عليهم السلام عن إبليس قد أوصلته إلى أن يرفعه الله عزَّ وجل من الأرض إلى السماء الأولى - ونحن لم نسمع بأحد المرتاضين صعد إلى السماء الأولى - وحتى ليس كل الأنبياء، لأنَّ بعض الرياضات - وقد لا تصدقون بذلك - فاق فيها بعض الأنبياء مع أنه ليس بنبي ولكن أعطاه الله عزَّ وجل ذلك، فإنَّ ( من يعمل مثقال ذرة .. )[2] سوف يراه، نعم الله عدلٌ لا يجور ولكن في حين أنه عدلٌ لا يجور لا يخدع عن جنته، ثم ارتاض إبليس فصعد إلى السماء الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة، وهذا أمر عجيب، ففي الروايات كان الكرّوبيين يظنون أنه منهم، بل أزيد من ذلك كما ذكر في الروايات، وإبليس وصل إلى أمور أزيد من بلعم بن باعوراً، فإنّ بلعم بن باعورا بالنسبة إلى إبليس هو غلطة، ففي الروايات المتعددة كان يمر به جبرئيل وميكائيل ويتعجبان من قوة عبادته، ولكن الله عزّ وجل كان يعلم أنه يوجد شيء آخر في الخفاء إلى أن هوى، ومع أنه هوى من السماء السابعة يعني قدرات فضيعة عند ملائكة السماء السابعة، فهم يبلعون ملائكة السماوات الساسة والخامسة والرابعة والثالثة والثانية، فإنّ السماء السابعة قدرات رهيبة، لذلك يعبرون عن الملائكة هناك بالكروبيين وهناك أصناف من الملائكة عجيبة جداً، فهو بلغ إلى ذاك الحدَّ، بل بلغ أعظم من ذلك كما ورد عن أهل البيت عليهم السلام - فإنهم أدرى بكلّ الغيب من غيرهم من الأنبياء والأوصياء والملائكة - ففي روايات أهل البيت عليهم السلام أنَّ إبليس أتى برياضات ومنح قدرات لم يمنحها الله عزّ وجل لكثيرٍ من الأنبياء بحيث حتى النبي يحيى عليه السلام يسأله ويقول له ماذا حصل لك؟!!، لا أنَّ النبي يحي عيه السلام يستهدي بإبليس وإنما يتّعظ بإبليس، فإبليس شاهد النار معاينةً، فقد عرج به إليها وهو لم يشاهدها من بُعدٍ معاينةً وإنما ذُهِبَ به إلى أبواب النار، فهو أحبَّ أن يشاهدها وقد أطلعه الله عزّ جل على ذلك قبل أن يهوي، حتى أنه يوجد كلام لأمير المؤمنين في نهج البلاغة فيه عدّة لقطات سرّية معنوية عن إبليس يذكرها الامام عليه السلام بالكناية، ولا نريد الدخول فيها لأنها تسبب شبهة.

فأياً ما كان لماذا نحن ذكرنا كل هذا الملف وهو ملف طويل؟ المقصود أنَّ قضية الكهانة أو العرّاف أو الرياضة سواء كانت رياضة جن أو رياضة إنس أو رياضة مَلَك فهو حينما يرتاض فسوف يصعد، ولكن هذا ليس دليل حسن العاقبة إذا لم يستمد العون من الله عزّ وجل ورسوله والأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام فإنه قد ينحرف.

فإجمالا هذا هو البعد اللغوي لهذه المطالب، وإن شاء الله تعالى سوف ندخل في الجهات والأقوال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo