< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النوع الرابع ( ما يحرم الاكتساب به لكونه عملاً محرماً )، حرمة التشبيب بالمرأة المؤمنة - المكاسب المحرمة.

كنّا في المسألة الثالثة من النوع الرابع وهي الأعمال المحرمة وهي مسألة التسبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة أي التغزّل، ولازلنا في استعراض الأدلة التي ذكرها جملة من الأعلام، وكنا قد مر بنا قاعدة اللهو وقد انتهينا من اللهو المجوني.

وتوجد قاعدة أخرى متصيدة من أدلة عديدة ومسائل عديدة: - وهي وردت في أبواب مقدمات النكاح، أبواب مقدمات النكاح كما مر بنا تعالج العلاقة بين الجنسين الذكر والأنثى سواء كانا أرحاماً أو أجنبيين أو زوجين، وسواء كان في المكالمة الحوارية أو بالنظر بالعين أو باللمس باليد أو غير ذلك، فأبواب مقدمات النكاح حتى أن القدماء كان عنده باباً ألغاه المتأخرين، ولكن نحن استحدثناه مرة اخرى في المنهاج وهو باب التبرج، باعتبار أنه أصل قرآني ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ).[1]

فعلى أية حال ما يذكر في أبواب مقدمات النكاح وهاذ ضرورة كثقافة وكنظام تعاملي اجتماعي بين الجنسين تنشر هذه الأحكام الشرعية، فيف ذلك الباب أو أبواب أخرى مثل تتمة النكاح فيه جملة من المسائل وأيضاً باب الحدود فيه جملة من المسائل، فجملة من المسائل وردت بها الآيات والروايات وقد أفتى بها الأعلام، وهذه المسائل التي نستعرضها هي مسلّمة في محلّها يتصيد منها قاعدة، يعني إذاً هذه القاعدة غير ملفوظة وغير منصوصة بالنصّ اللفظي، وغير مذكورة في المعنى التصوري أو الاستعمالي أو التفهيمي أو الجدّي لتلك السائل والأدلة، ولكن الفقهاء اكتشفوا من المعاني الجدّية في تلك المسائل تولّد معنىً جدي ورا ورائي، وهذا يعبر عنه بالقواعد المتصيدة، وكم للفقهاء في الأبواب الفقهية قواعد متصيدة ويعولون عليها بقوة لا تقل عن القواعد الملفوظة، وربما اكثر لأنهم يعتبرون أن هذه القاعدة الورائية هي مهيمنة ومنها قاعدة الفتة بين الجنسين الذكر والانثى، والفتنة يعني الاثارة الجنسية، فأيَّ فعل فيه شرارة كهربائية بين الذكر والأنثى الاجنبيين أي غير الزوجين بكلمة سواء كانوا أرحاماً أو غير أرحام أو كانوا أجانب ما شيئت فعبر، بل حتى هذه الاثارة الجنسية بين الجنس الواحد الذكر والذكر أو الأنثى والأنثى أيضاً بنوا على عموم القاعدة لهما، وهي قعدة الاثارة الجنسية، فالإثارة الشهوية والجذب الجنسي حرام، ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم ) فهنا يوجد حصر، فعليك أن تمسك بالشهوة في عنك وفي يدك وفي بشرتك ولا تطلقها ولا تفعلّها ولا توصلها ولا غير ذلك إلا على الزوجة فقط أما بالنسبة إلى الزوجة فما شئت فافعل، وخطاب الزوج يشمل المرأة والرجل، فـ﴿( والذين هم لفروجهم حافظون )﴾ [2] يعني المؤمنين والمؤمنات، فالزوج يشمل كل من الزوج والزوجة، ( الذين لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم ) ومن هذه منافع الفرج لذلك لا يمكن الانسان حتى من دون قضية التواصل الأثري الجنسي الشهوي ولو بدون شهوة وبدون جنس مثل نطفة إنسان أجنبي تزرع في رحم امرأة أجنبية فإنَّ هذا لا يجوز، لأن الآية الكريمة تشمل هذا المورد بعمومها حيث قالت ( والذين هم لفروجهم حافظون ) فإنَّ الفرج ليس فقط مَعْلَم للشهوة، وإنما هو للحرث أيضاً ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم )[3] فالإنسان لا يستحرث وينسل لنفسه نسلاً من غير امرأته، وتوجد أدلة كثيرة في هذا المورد كما في ( من جعله ماءه في فرج امرأة أو أرقه على فرج امرأة أخرى فله كذا وكذا من العذاب )، ليس فقط عضوة التناسلي، فلذلك لا يجوز التنسيل بهذه الطرق يعني حتى لو ما يعبر عنه الآن بالتلقيح الاصطناعي الطبي التركيبي أنَّ نطفته تزرع في رحم امرأة أجنبية فإنَّ هذا لا يجوز، نعم لو تزوجها ولو لمدة يسير منقطع أو دائم ثم يزرع نطفته فيها ثم يتفاصلان فهذا بحث آخر لأنها حين الزرع هي زوجته، ولكن من دون التزويج لا يجوز استئجار رحم أجنبية لنطفة أجنبي، بل حتى في البويضة أيضاً لأنه في البويصة أيضاً هو نوع استئجار.

فهذه الآية الكريمة وهي ( والذين هم لفروهم حافظون ) هي هكذا، فإذاً وجد نظام هو أنه يجوز فقط مع الزوجة لا مع الجنس المماثل فإنَّ هذا حرمته أفظع ولا مع الجنس الآخر الانثى والذكر والذكر والأنثى لكنه من دون صيغة زوجية أو ملك يمين فإنَّ هذا أبداً لا يجوز، فإذاً الشارع حصر الأمر بهذا وهذه قاعدة عامة.

الآن طبعاً حتى أدلة هذه القواعد العامة هي نفس هذه الآية الكريمة والتي ربما كررت في القرآن الكريم مرتن وليس مرة واحدة.

وقبل الدخول في تفاصيل هذه الآية الكريمة نشرح البعد الصناعي الفقهي والأصولي لمعنى تصيد القاعدة، فإذاً القاعدة المتصيدة هي القاعدة غير الملفوظة ويجب أن نلتفت ولا نغفل كما غفل الاخباريون وهذه غفلة من الحشوية من الاخباريين وسرت ايضاً إلى الشوية ممن الأصوليين وهذه الغفلة هي أن يظن أن معنى النص هو خصوص اللفظ أو المعنى التصوري أو التفهيمي أو الاستعمالي للفظ فإنَّ هذا وهم خاطئ، المراد من النص في مدرسة النص عند مدرسة اهل البيت عليهم السلام المراد به الوحي المعاني الوحيانية لفظاً كانت أو معنى قريب أو بعيد أو غائر أو غائص فمادام كله من الوحي فهذا يسمى نصاً، فمدرسة النص في مقابل مدرسة الرأي المراد به ليس اللفظ، مثلاً الكثير من الأعلام الأصوليين يقولون إن الشعيرة الفرنية غير منصوصة، فنقول إنَّ المراد من المنصوصة ليس الملفوظة فقط فإن النص ليس اللفظ فقط وإنما النص هو وجود دلالة شرعية عليها، فإذا كان توجد دلالة شرعية عليها فكيف لا يكون فيها نص؟! يقولون مثلاً زيارة الأربعين ليس فيها نص ، والحال أنه فيها نص ولكن لو سلمنا جدلاً بأنه لا يوجد فيها نص لفظي ولكن من قال لك إنَّ النص هو اللفظ فقط؟!!، والأشد غفلة من ذلك قالوا إن المراد من النص ليس اللفظ وإنما خصوص اللفظ الخاص لا اللفظ العام، ولكن وا مصيبتاه؟!! يقول هذه المسألة ليس فيها نص يعني يقصد أنه لا يوجد فيها لفظ خاص، وهذا عجيب وهل المراد من النص الحجة فقط اللفظ الخاص أو ليس اللفظ العام حجة؟!!، بل القاعدة المتصدية حجة فضلاً عن اللفظ العام، فحتى لو لم يكن فهيا لفظ ولكن فيها معنى ووراء المعنى معنى آخر وبعده معنى آخر، ولو أنَّ باحثاً بحث وكتب القواعد المتصيدة في الجواهر أو غيره فإنه سيرى عشرات القواعد الجحفلية الضخمة ليس لها لفظ وإنما تصيدها الفقهاء، فلا تقل إنها ليست منصوصة، بل هي منصوصة فإن المراد من النص في قبال مدرسة الرأي والاستحسان وغير ذلك بالمعاني، وقد ذكرنا مراراً أنَّ أبو حنيفة مع أنه كان تلميذاً للامام الصادق عليه السلام إلا أنه كان تلميذاً عاقاً لم يتبع أستاذه الإلهي، فهو يقول عن الامام الصادق إنه رجل صحفي يعني اخباري أو قشري، فوصل هذا الطعن التطاول من أبي حنيفة إلى الامام الصادق فابتسم الامام الصادق عليه والسلام وقال ﴿نعم صحف السماء وليست صحف الأرض﴾ يعني أنّ مراد الامام الصادق أن المراد من النص ليس اللفظ التنزيلي، ألا ترى في القرآن الكريم ﴿ونزلنا عليك الكتاب منه آيات محكمات وأخر متشابهات﴾ [4] إلى أن يقول ( وما يعلم تأويله إلا الله ) أي طرف منه عند الله، فالذي عند الله هو نصّ يعني الوحي، فلو قيل هل هذا نص من الشارع يعني هل هذا وحيي وجعل من الشارع وتشريع من الشرع في مقابل الآراء الابداعية من الاستحسان والتظني واقتراح والتشهي، فها هو المرادن فمدرسة النص يجب أن تكرس في الثقافة العامة الحوزوية فضلاً عن عموم المثقفين بأنَّ معنى النص ليس اللفظ وإنما معنى النص هو الوحي وقد تعبد الشرع بذلك، وكل طبقات المعاني للفظ الشرع كلها متعبد بها لا أنَّ الشرع يتعبد بطبقات دون طبقات، فمن آمن التنزيل وكفر بالتأويل فقد كفر بالقرآن الكريم، ومن آمن بالتأويل وكفر بالتنزيل أيضاً كفر بالقرآن، بل يجب على المؤمن أن يؤمن بتنزيل الوحي قرآناً أو رواية ويؤمن بتأويلها بلغ ما بلغ شريطة أن يكون بالموازين، أما أنَّ النص معناه هو اللفظ فهذه نظرة سطحية قشرية حشوية كارثية على المسير العلمي، نعم يشترط في التأويل وفي المعاني الخفية الأخفى أنه تصل إليها بموازين، كما ان اللفظ ايضاً يعالج بموازين والمعنى التصوري يعلج بموازين والمعنى الاستعمالي يعالج بموازين والمعنى التفهيمي يعالج بموازين، فالموازين لابد منها في كل مرحلة، لزوم الموازين في عالم اللغة والاستدلال أمرٌ وكون المراد من النص أو مدرسة النص خصوص اللفظ فقط فهذا أمر آخر يلزم ان نلتفت إليه.

إذاً القواعد المتصيدة منصوصة مع أنه حتى ليس فيها لفظ عموم، وإنما أخذت واستولدت من قبل الفقهاء فإنَّ الفقهاء يولّدون أمرواً لا يستطيع أن يولّها غيرهم، والعلماء في كل العلوم الدينية هكذا، ولا تقل إنه يريد من النص اللفظ الخاص ولا يقنع باللفظ العام، والحال أن الفقهاء يتجاوزون اللفظ العام فضلاً عن اللفظ الخاص ولكن بشرط الموازين، فهذا المنهج يلزم ألا نغفل عنه، فإنَّ هذا هو منهج عموم جهابذة الفقهاء كلهم والمفسرين وهلم جرا، المحقق التستري عنده كتاب يشكل فيه على قاعدة وهي قاعدة ( نزلونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم )، فيقول إنَّ هذه القاعدة ليس موجودة، ولكنها موجودة بألفا متعددة، ولكن مع فرض أنها لست موجودة بألفاظها ولكن تدل عليها أدلة كثيرة بمعنى القاعدة المتصدية بموازين وليس بدجل وتشهي واستحسان، باب الكلام باب الفقه باب الأخلاق عندنا قواعد كثيرة غير ملفوظة ولكنها متصدية يتصيدها العالم المجتهد أو الفقيه بآلية صيد وهي الفهم ولذلك كل الدين ليس موجوداً في اللفظ، إنما الدين موجود طبقاته اللامتناهية وأن القرآن له بطن والبطن له سبعين بطناً هذه موجودة في المعاني ولكن ليس بالهلوسة وبالاستحسان والادعاءات وإنما بشواهد ودلائل وموازين، فنحن أبناء الدليل حيث ما مال نميل، بالتالي يكون بدلائل وهذه نكتة مهمة يلزم الالتفات إليها.

نرجع إلى خصوص ما نحن فيه:- فخصوص ما نحن فيه هو أنَّ الفقهاء في باب التعامل بين الجنسين كما مر شاهدوا مسائل كثيرة حرمها الشارع والموضوع الورائي لهذه التحريمات هو حرام آخر، وفي علم الأصول يعبرون هكذا:- فعندما مثلاً حكم مقدّمي الوجوب المقدمي لذي المقدمة أو حرمة مقدمية ولكن تارة يوجد عندنا شيء آخر كما يقول صاحب الكفاية وهو أن نفس المقدمة يحرمها الشارع نفسياً أو يوجبها الشارع نفسياً وإن كان ملاكها مقدمياً، فهي مقدمية ولكن ورد النص الخاص من الشارع واللفظ الخاص من الشارع على تحريمها نفسياً ولكن واضح أن ملاكها مقدمي وهذا لا ينافي كون الوجوب نفسي أو الحرمة نفسية ، ولذلك الفقهاء من هذه الموارد يستفيدون تشريع حكم ذي المقدمة، يصطادون تشريع حكم ذي المقدمة لأنه واضح فيها أن تشريع حكم المقدمة ولو كان نفسياً ولكن المراد به ذي المقدمة فإنَّ هذا مراد ولكن ذاك أكثر مراداً فإنَّ ذاك هو اصل المراد، فهنا يصطادون هاذ، وهذا نظير ما نحن فيه ( ولا تخضعن بالقول ) فإنه يحرم على المرأة تتمايع بالكلام مع الرجل الأجنبي بل حتى ربما الرحم إذا كانت تثيره ( فيطع ) أي تزرع الشهوة في قلبه، يعني حتى سابق من المؤمنات كنَّ إذا تكلمن مع الأجانب يضعن العباءة في الفم حتى يصير ليس بواضح لأن كلام المرأة في نعومة حتى كلام المرأة مع المرأة وإن كان فيما بينهن لا شيء فيه ولكن لو تكلمت المرأة بنفس هذه الوتيرة مع الرجل الأجنبي فهذا فيه كلام، فإن لم يكن حراماً ففيه كراهة فإنَّ التخضع بالقول له درجات، يعني مثل كلام المرأة مع المرأة يكون ناعماً هذه النعومة من المرأة مع الرجل الأجنبي مشكل أما إذا زادت النعومة فهذا الخضوع يصير حراماً، فواضح أن هذه الحرمة صحيح هي نفسية ولكن ملاكها وقائي من الوقوع في اثارة الشهوة بين الأجنبيين.

وأيضاً توجد مسألة أخرى وهي ( ولا يضربن بأرجلهن ...... ) فهنا إذا علم بذلك سوف يثير ويطمع الطرف الآخر، فلاحظ أن موارد اثارة الشهوة يعبر عنها الفقهاء بالافتتان، مثلا فالنظر إلى المرأة الأجنبية النظرة الأولى لك والثانية عليك، النظرة سهم من سهام الشيطان لأن النظرة فيها شوكة كهربائية للشهوة حتى النظرة الأولى مع أنها معفو عنها ولكنها شوكة كهربائية، هذه الكهرباء لا تمسك بها، وفعلاً الشيء بالشيء يذكر أن الشهوات في الانسان والغضب في الانسان طاقة غير مرئية تسعل الانسان يمسكها ستطيع أن يسيطر عليها، فهي طاقة سواء الشهوة أو الغصب أو الحقد أو أي صفة فضيلية أو رذيلية هي طاقة الغرائز طاقات متعددة إذا لم يمسكها الانسان فسوف تشتعل الغضب يشتعل والعصبية تشتعل وكل شيء يشتعل، فلاظ أنه حينما تكون النظرة سهم من سهام الشيطان يعني هي كأنما مفتاح كهرباء الشهوة قد قمت بتشغيله، فيلزمك أن تطفئه وإلا سوف يصير اشتعال كهربائي، والأمر واقعاً هكذا، وهذا هو المورد الثالث.

ويوجد مورد رابع وهو خلوة الرجل الأجنبي مع المرأة الأجنبية في غرفة ويسدن الباب بحيث يؤمن عن دخول داخل، لا سمح الله حتى في المصعد فهنا حتى لو تكون خلو بمقدار ارتفاع الطوابق فهذه مشكلة وقد صارت قضايا كبيرة وملفات في الدول والشعوب فالخلوة أيضاً حرام، فهنا بالتالي الفقهاء اصطادوا أو سبروا وتتبعوا العديد من الموارد كلها نوافذ أو آليات لاشتعال الشهوة بين الأجنبيين، فإذا كان الأمر هكذا فإذاً هي ليست مقصورة بلا تخضعن ولا تضربن وقل للمؤمنات يغضضن أو عدم الخلوة وإنما هي في الحقيقة شبيه العموم الموجود في الشارع حيث قال ( ولا تقربوا الزنا ) وليس لا تزنوا، أي هذا المسير للزنا لا تقربوه، يقول الامام الرضا عليه السلام ( قلَّ من يطهر من الزنا أقله زنا العين ) ولذلك ( حفظت فرجها ) ليس خصوص الفرج وإنما واضح فيها أن هذه الشهوة لم تطلقها لا في العين ولا في اللمس ولا في الشم ولا في الصوت ولا في كذا.

إذاً من هذه المسائل العديدة استفاد الفقهاء أن كل ما يوجب تهييج الشهوة، وتهييج الشهوة كما مر بنا هو عنوان تشكيكي، فإنَّ التهييج بدرجة خفيفة جداً فهذا تستطيع أن تقول هو مكروه أو الأحوط تركه، أما إذا اشتد وصار وسطاً فأنت على خطر فهو حرام، فهنا إذا اصطيدت هذه القاعدة تطبق على الغزل والتشبيب فإنَّ بعض أنواع الغزل يهيّج ويطمّع القلوب تجاه تلك المرأة المعيّنة أو الصبي المعين، أو ليس هو تجاه امرأة معينة أو صبي معين بل يهيّج نحو طريق الحرام فالكلام نفس الكلام.

فإذاً ليس من الضروري أن تكون المرأة مؤمنة معينة، بل حتى لو لم تكن معينة، وحتى لو كانت أجنبية غير مؤمنة، أو متهتكة غير مسلمة فالكلام هو الكلام، فإنَّ هذا التهييج الشهوة لا يجوز ، فإنه في باب ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم﴾[5] ليس فقط للمؤمنات أو المسلمات أو المحترمات بل حتى المتهتكات فإنَّ المتهتكات النظرة الأولى جائزة، أما النظرة الثانية الممعنة التي تحدق بالمرأة ولو كانت المرأة فاسدة فهذا لا يجوز أيضاً، لأنَّ هذه المرأة صحيح أنها لا حرمة لها ولكن النظرة الأولى لا حرمة لها، فصحيح أن النظرة الأولى جائزة، أما في النظرة الثانية أو استمرار النظرة الأولى فهذه طهارة ملزمة للناظر نفسه ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ...﴾[6] فتوجد غفلة عند جملة من أعلام العصر أنَّ المراد من جواز النظر إذا لم يكن الطرف متعفّفاً فهذا بلحاظ النظر الأولى وليس بلحاظ النظرة الثانية والثالثة لا النظرة الأولى المستدامة، فإنَّ استدامة النظرة الأولى لا ربط لها بالاحترام، مثلاً الآن أنا أدخل مكاناً وأنا أعلم أني سوف أنظر إلى شعر امرأة لأناه متهتكة فهل يلزم أن أجنّب عيني النظر إليها؟ كلا لا يلزم ذلك، أو أعلم أنه في هذا الطريق ربما يسقط النظر عليها ولكن استمرار النظرة هذه نظرة ثانية وهي حرام لا من جهة المنظور إليها ولكن من جهة لزوم طهارة الناظر في نفسه، فإنَّ التعليل الموجود في الآية الكريمة هو ( ذلك أزكى لهم )، فلاحظ أنها لتزكية الناظر نفسه ولا ربط لها بالمنظور إليه، فلا تتخيل بأنَّ حرمة النظر هي لأجل احترام المنظور إليه، كلا بل حتى لو لم يكن محترماً، وقد وردت عندنا رواية صحيحة السند تقول إنه مثلاً حتى عورة المتهتكة مثل عورة كذا ولكن هذه ليس بلحاظ النظرة الثانية او النظرة الأولى المستدامة والتلذذ فن هذا غير جائز وإنما المراد في النظرة الأولى هم كالحيوانات لأنهم يعيشون حالة شهوية بهيمية، وهذا بحث آخر ولكن في النظرة الثانية أو الأولى المستدامة شيء آخر.

فإذاً هذا الدليل إذا بلغ التغزّل والتشبيب إلى هذه الدرجة فنعم هو حرام، فلاحظ أنَّ الشيخ الأنصاري وحتى المشهور استدل من هذه كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد.

وقد استشكل السيد الخوئي فقال: - ما ربط الكراهة بالحكم؟

والجواب هو نفس ما مرّ بنا:- وهو أنَّ الكراهة للإثارة الخفيفة أما إذا صارت اثارة شديدة فواضح أنَّ فيها حرمة، فدلالتها هي بهذا اللحاظ، وقد مرّ بنا أنَّ كل عنوان ذو مرتب إذا كانت المرتبة منه كراهة فواضح أنَّ المرتبة الشديدة منه تكون حراماً، وهذا لا يحتاج إلى كلا، مثلاً ورد التستر عن الصبي المميز بل هو إلزامي بلحاظ العورة والاثارة فضلاً عن المراهق وإن لم يكن بالغاً، وما أدراك الفتن التي تحصل، إلى غير ذلك من الأحكام كلها تصب في هذا، مثلاً حتى في المرأة ذات العدّة البائنة، فإنَّ المرأة إذا كانت عدّة رجعية فلا يجوز أن تلوّح معها من بعيد بالزواج، لأنها وإن كانت مطلقة ولكنها زوجة إلى الآن، فما لم تنقضِ العدّة الرجعية هي زوجة وزوجها يجوز له النظر إليها وغير ذلك غاية الأمر أنه إذا بلغ الأمر ما بلغ يصير رجوعاً وفسخاً للطلاق، وإلا فصاحبة العدّة الرجعية هي زوجة في عصمة زوجها، فلذلك لا يجوز التلويح لها حتى بالرغبة في النكاح من الأجنبي، لأنها زوجة، أما إذا كانت ذات عدّة بائن فهي ليست في عصمة زوجها، ولكن حرمةً لزوجها جعل الشارع لفلسفاتِ تشريعٍ متعددة أنها في عدّة فهنا لا يجوز للأجنبي أنَّ يصرح لها بالرغبة بالنكاح، نعم يجوز ذلك بالتعريض، والتعريض هو الكناية البعيدة كأن يقول لها ( ربَّ راغب فيكِ ) ( أو يقول لها أنت امرأة جيدة ) فهذا تلويح من بعيد، وهو بالنسبة إلى المطلقة في عدّة بائنة جائز، أما التصريح والمواعدة في الخفاء لا يجوز، فهذه المرأة مع أنها عندها في عدة بائن وكما يجوز لزوجها السابق أن يعقد عليها يجوز أيضاً حتى للأجنبي ولكن مع ذلك هما أجنبيان ويوجد مانع حتى لا تصير شرارة تهييج، فهذه كلّها تجنباً من اثارة الشهوة، فهذا دليل من أدلة عديدة من عشرات المسائل أو الكثير من المسائل استفاد الفقهاء منها حرمة الفتنة الشهوية، وحتى في موارد أخرى كالنظر إلى صور جامدة للجنس الآخر أو غير ذلك أو أفلام تسبب اثارة شهوية فهذه الاثارة حرام ، ولو تمادى الانسان في ذلك يكون الحرام أكثر فيصل إلى حرام أشد وأشد، فإذاً عمومها يدخل في بحث الفتنة، الفتنة أو الاثارة لشهوةٍ حرام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo