< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النوع الرابع ( ما يحرم الاكتساب به لكونه عملاً محرماً )، تشبه الرجال بالنساء وبالعكس- المكاسب المحرمة.

 

تتمة أخيرة لمسألة تشبه الرجال بالنساء أو الذكور بالإناث:- يعني حتى لو كان شاباً مراهقاًن أي تشبه الذكور بالإناث أو تشبه الاناث بالذكور، هناك نكتة صناعية فقهية لطيفة يلزم أن لتفت إليها وهي أنّا نلاحظ هنا في الأدلة ورد الحكم بالتحريم والنهي على عنوان التشبه، وورد الحكم تارة أخرى في بعض الأدلة على عنوان الـتأنث أو الترجّل وهذا لسان آخر، وورد العنوان على مصداق آخر من التشبه وهو الفجور اللواط أو السحاق، وورد في لسان رابع وهو تزين الرجل بالذهب وقد وردت فيه ادلة خاصة إما بعنوان لبس الرجال للذهب أو تزين الرجال بالذهب، وبينهما عموم وخصوص من وجه وهو الصحيح، خلافاً للسيد الخوئي حيث بنى على حرمة اللبس فقط لا حرمة التزيّن، ولكن المشور بنى على حرمة التزيّن، وهو الصحيح، فهنا نلاحظ أربع أو خمس أو ستة عناوين تأتي وهي في أصلها منحدرة من حرمة التشبه، ونفس الأعلام - أي المشهور - أفتوا بالحرمة وبوجود الحكم الشرعي على تلك الستة عناوين، وإلا فالخمس منها مصداقية لذاك العنوان الفوقي، هذه الحالة كيف تعامل معها المشهور صناعياً كصناعة فقيه، وهذه نكتة مهمة لأن هذه موجودة بكثرة في الأبواب، فلاحظ هنا الباب هو باب المكاسب المحرمة تشبه الذكر بالأنثى أو الأنثى بالذكر ولكن في لباس المصلي ذكروا شيئاً آخر وهو حرمة لبس الزينة أو زينة المرأة للرجل وزينة الرجل للمرأة أو ليس الذهب أو الحرير، كما ذكروه في أبواب الحدود ذكروا الفجور، أو في باب النكاح، وكذلك التأنث في ابواب أخرى، ففي أبواب متعددة ولككنها احكام مترابطة أو قد يمكن أن يقال إنَّ هذه الأحكام وهذه المسائل العديدة الموزعة في الأبواب هي منحدرة من اصل واحدة وهي حرمة التشبه أو التأنث، فهذه الحالة تسترعي تدبر علمي جيد يلزم أن نلتفت إليه، لأنه توجد فيها فوائد علمية لطيفة، صناعية فقهية بغض النظر عن الصناعة الأصولية، أولاً كما هو ديدن صاحب الجواهر وكاشف اللثام وغيرهم من الكبار وكذلك السيد الكلبايكاني عنده هذه العادة أنَّ المسألة الواحدة أيها الباحث ليست أبعادها منحصرة في الباب والفصل وعنوان المسألة التي عقدت لها، إياك أن تتوهم أن تمام أدلة هذه المسألة وتمام خيوط وجهات هذه المسألة موجودة هنا سواء كان في كتاب الوسائل أو في كتب الفقهاء، وإنما هذه المسألة لها عروق والنباهة الفقهية والتي يسمونها العارضة الفقهية يبحث في الأبواب الفقهية حتى يعرف عروق هذه المسألة، هذه مرحلة من الفقاهة تخالف عن أصل تنقيح هذه المسألة في هذا الباب وروايات هذا الباب في السوائل، وحيث مرّ بنا أنَّ الوسائل ترتيبه كترتيب كتاب الشرائع غالباً، فهل انت تراجع روايات المسألة هنا فقط ؟ كلا لأنه لا روايات المسألة ستقف عليها تماماً ولا التنقيح والتحليل الصناعي لاستدلال الفقهاء ستجده هنا، فإذاً لاحظ أن هذه المسألة طرحت في باب لباس المصلي ولكن ليس بعنوان التشبه وإنما بعنوان التزيّن وهي مصداق له، نعم هي طرحت في باب الحدود ولكن بعنوان الفجور ولكن نفس النكتة فيها، طرحت في باب النكاح وفي ابواب أخرى فإذاً هذه نكتة مهمة وللأسف الآن صار ملل عند الفضلاء في مراجعة كتاب الجواهر، يقولون إنَّ كتاب الجواهر معقد ومشوّش، بل بالعكس فإنَّ هذا ضروري، بل حتى الجواهر لا يكفي سيما في المسائل المهمة الحساسة إذا ردت أن تخرج جذور المسألة، فهذه فائدة وهي أن نلتفت إلى أنه كيف أنَّ المسألة قد تكون لها جذور عديدة في أبواب عديدة، فالإنسان بنفسه حتى جهد فردي وتتبع فردي يعود نفه على هذه الحالة شيئاً فشيئاً تتكون عنده العارضة الفقهية، والحدس الفقهي في التتبع يقوى عنده ولا ينغر بكلام الفقهاء أو بالروايات في باب واحد، لأنَّ جذور هذه المسالة وزواياها لم تذكر كلها في هذا الموضع، وهذه فائدة مهمة وهي صناعة فقهية ومنهجية فقهية.

وهنا فائدة أخرى لهذه الظاهرة هي صناعية مهمة جداً في المسألة:- وهي أننا نلاحظ أن الفقهاء في هذه المسألة وما احتف بها من ستة عناوين وستة ألسنة ستة أدلة أنَّ الفقهاء في حين يرجعون هذه المسألة إلى أصل حرمة التشبه لكنهم لم يرفعوا اليد عن أنَّ الشارع شرّع عموم حرمة التشبه، وشرّع مرة أخرى حرمة التأنث، وشرع أيضاً حرمة لبس الذهب، وشرّع أيضاً حرمة التزيّن بالذهب، وشرّع مثل مانعية الذهب لصلاة الرجل أو طوافه إذا لبس أو تزيّن به لا ما إذا حمله في جيبه، فإنَّ حمل الذهب في الجيب لا يبطل الصلاة أو الطواف أما إذا تزيّن به فسوف يبطل الصلاة أو الطواف، وأيضاً التزموا مثلاً بباب الفجور أيضاً، ولماذا التزموا بأحكام متعددة مع أنه مرّ بنا في بحث المكاسب المحرمة من البداية إلى الآن الكثير من الأحكام التي مرت في نصوص خاصة حملوها على عمومات فوقية ولم يلتزموا بأنَّ هذه أحكام جديدة، وهنا في المقام لماذا التزموا بمثل هذه الظاهرة وظواهر كثيرة في الفقه من هذا القبيل، وإنما يلتزمون ليس فقط بحكم واحد مع أنَّ هذا الحكم العام الفوقي مسانخ لهذه المصاديق الخمسة أو الستة ولكن مع ذلك التزموا بأنه تشريع، وهذه ظاهرة فقيه مهمة تسترعي الانتباه ومؤيد لما التزم به المشهور من تعدد الأحكام مع أنَّ سنخ الحكم واحد، ما مر بنا أنَّ التشبه ذو درجات، فلاحظ أنَّ بعض التشبّه يبطل الصلاة، فله أثر خاص ، فليس كل تشبّه يبطل الصلاة، وبعض التشبّه يوجب الحدّ، وبعض التشبه أثرة شيء آخر، ففي حين أنه حكمٌ واحدٌ وسنخٌ واحد ولكنهم التزموا بتعدد الأحكام، وهذه نكتة صناعية مهمة جداً، وهي أنه إذا اختلفت بعض الآثار أو الشدّة والضعف فيلتزم بتعدّد الأحكام في حين أنه حكم واحد من سنخ واحد منحدر من عموم فوقي، هذه نكتة صناعية فقهية لابد أن نستفيدها في المقام.

وهناك نقطة أخرى قبل أن ننتقل إلى المسألة اللاحقة في كلام الشيخ الأنصاري:- وهي أنَّ من أحد أسباب التزام الفقهاء لتعدد الأحكام الخمسة أو الستة هنا أو ربما أكثر مع أنها منحدرة من سنخ واحد أو عموم فواني واحد وهو تشبه الذكر بالأنثى أو العكس أنه لاحظ مثلا التأنث أو الترجّل هذا حرام ابتداءً وانتهاءً فلا يرفع اليد عن حرمته أما تشبه الرجل بالمرأة في اللبس فإذا لم يكن تأنثاً افترض أنه تشبه ولكنه إذا انتشر هذا الزي بين الرجال فينتف عنوان التشبه، فلاحظ أنه في آلية اللباس إذا لم يكن فيه ميوعة ولكن افترض انه لباس فضفاض ولكن تتزيا به النساء ولكن الرجال بدأوا يتزيّون به ففي البداية حرام ولكن بعدما يستمرون ف التزيي ه ولكن بعدما يتنشر بين الرجل يصير حلالاً ، فهو بدأ حراماً ولكن بعد ذلك يصير حلالاً، شبيه ما ذكروه في التشبه بالكفار في الزي، فقبل أن ينتشر بين المسلمين تصير بدايته حرام ولكن بعد انتشاره بين المسلمين لم تصر معلماً للمسيحين أو غيرهم فترتفع الحرمة، فلاحظ أن التشبه في مصداق لبس الثياب قد يبدا حراماً ولكن بعدما ينتشر قد ترتفع الحرمة وتكون الحلية، وهذا خلاف التأنث فهو لا يتبدل، ولذلك أيضاً تمت الخدشة في دعوى بعض الأعلام الذي يذهب إلى جواز تغيير الجنس بأن الرجل إذا جعل نفسه أنثى فهذا من باب تبدل الموضوع، فإنه طبّياً إلى الآن هذا الشخص حتى لو يزيل اعضاءه الرجالية وينفخ ثدييه ويعطونه جرعات هرمونية أنثوية هم يعترفون بأنه يبقى رجلاً، يعني فسلجته هي رجولية، فالموضوع لم يتبدل، فالحرمة تبقى على حالها، فهذا موضوع غير مصداق لبس اللباس فهو غير قابل للتبدل،، كذلك الأنثى إذا قصّت ثدييها وأخذت هرمونات وازالت رحمها ومبيضها يقولون إنَّ فسلجتها تبقى ولا تتغير، فإنَّ خلقة الله خلقها هكذا، وهذا غير الخنثى التي تعالج فإنَّ هذا بحثٌ آخر، وهذا يعزز أيضاً أنَّ هذا الموضوع لا يتبدل وهو حرام وغير ذلك وهو يكون تبديلاً لخلقة الله وتشمله الأدلة التي مرت بنا.

ويعزز أيضاً أنَّ الخنثى الواضح كما ذكر الشارع من أمارات وعلامات لها فسلجتها أنها أحد الطرفين، أما المشكل فتعالج فهذا بحث آخر، ونكتفي بهذا المقدار من البحث وندخل في المسألة اللاحقة التي ذكرها الشيخ.

مسألة تشبب الرجل بالمرأة المحترم المؤمنة المعروفة: - والمقصود بالتسبب هو الغزل بالشعر أن بالنثر وذكر محاسن المرأة وما شابه ذلك، فبنوا على الحرمة.

وهناك مسألة أخرى ذكرها الشيخ الأنصاري: - يعني هي من مسائل النوع الرابع، تقريباً إلى نهاية المكاسب المحرمة يبقى الشيخ الانصاري مع هذا النوع الرابع وهو أن يكون العمل محرماً لا يصح التعاوض عليه، ومن ضمن الأعمال المحرمة هو التشبب أي التغزّل بالمرأة المحترمة المؤمنة، وقد ذكرت وجوه وأدلة كثيرة للحرمة.

وقبل الدخول في الأدلة السؤال هو: - هل الموضوع هو المرأة المؤمنة المحترمة - أي غير المتهتكة - المعينة أو أن الموضع أعم؟

بعض الأدلة التي يسوقها الأعلام والتي ستأتي وإن خدش فيها أكثر محشي المكاسب ولم يوافقوا الشيخ في ذلك ولكنهم لم يوافقوه كمناقشة علمية أو كأدلة مطّردة حسب مدّعاه ولكن اجمالاً قبلوا الحرمة، ولكن المشهور شهرة عظيمة أنهم التزموا بالحرمة بعمومها، ولكن الكلام هو أنَّ بعض الأدلة التي استند إليها المشهور لا تقتصر على المرأة المؤمنة المحترمة المعينة وإنما تشمل حتى المرأة الكافرة، فلماذا عينوا المرأة المؤمنة فهل هذا هو القدر المتيقن أو أنَّ الحكم غير مطّرد في المرأة الكافرة أو غير المؤمنة أو غير المسلمة فما هو المارد؟ ثم إنَّ هذا الحكم يختص بما لو كانت المرأة المؤمنة معينة، أما إذا لم تكن معينة فهل يجوز ذلك أو لا؟ ...... وهلم جرا.

فعلى أيّ حال هذه القيود التي ذكروها في المسألة وهي أن تكون امرأة مؤمنة محترمة معينة صحيح أنها قدر متيقن من الأدلة وتجتمع الأدلة عليها ولكن بعض الأدلة لا ريب أنها اجمالاً تثبت الحرمة حتى من دون بعض هذه القيود وإنما تثبتها في بعض هذه الحالات فيلزم ان نلتفت إليها.

الأدلة التي ذكرها الأعلام لهذه المسألة: -

الدليل الأول: - إنه نوع من هتك العرض والفضيحة وتشويه السمعة وما شابه ذلك.

يعني مع فرض قيود هذه المسألة وأنها امرأة مؤمنة محترمة معينة هذا صحيح، سيما الغزل بكذا وكذا فهذا حرمته شيء طبيعي لأنه قد تسيل دماء بهذا اللحاظ، فإنَّ هذا نوع من التصارع، وإن كان الكثير من المحشين قالوا أنَّ الغزل ليس كلّه غزلاً حقيقياً، وإنما تارة يكون الغزل فرضي، يعني يرسم صورةً أدبيةً للمرأة، أما لو كان يخبر عنها بأن يستعرض أعضاء جسمها فهنا نعم تصير فتنة، ولكن هذا شيء تنظيري وكأنه يتصوّرها من حور العين فهذا لا شيء ولا يعد هتكاً.

ولكن هذا مجرد نقاش علمي، وإلا ففي الواقع إنه حتى لو لم يكن في صدد الإخبار وإنما كان في صدد ترسيم صورة خيالية عنها ولكن مع ذلك هذا نوع من الهتك اجمالاً، وكيف لا يكون هتكاً؟!!

فإذاً الخدشة في هذا الدليل ليست في محلها، وإنما إجمالاً هو صحيح، لأنه يسبّب نوعاً من التصرف في العِرض وبالتالي يثير الغيرة على العِرض، لذلك لعلَّه ومن دون قياس أنَّ سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أهدر دم جملة من شعراء الكفار لأنَّ منطقهم هو سباب وقح مع سيد الأنبياء ومع الدين ومع الله تعالى، فالمقصود أنَّ ما يفعله اللسان ما لا يفعله شيء آخر، ونحن ذكرنا المثال من هذا الباب، وأيضاً ذكر هتك حرمتها أيضاً في محله اجمالاً، ولكن هذا فقط في المرأة المعروفة المؤمنة المحترمة المعينة، مثلاً شخص يشبّب في نساء عشيرة معينة أو نساء مدينة معينة أو نساء قومية معينة، وهذا يحصل الآن، فهنا قد يحصل نوع من الإيذاء للمؤمنين ولو بهذا العنوان، وهذا أيضاً في محله، وفي باب الحدود والتعزيرات أنَّ إيذاء المؤمنين يوجب التعزير، يعني هو حرام بلا شك، فإنَّ النفوس الأبية ذات الغيرة والحمية لا تقبل بذلك، مثل ما تقوم به بعض الفضائيات المغرضة الأجنبية عن المؤمنين حول قضية النكاح المنقطع وهذا إزراء بلا شك، وقد خرجت تظاهرات من قبل المؤمنين في ذلك البلد الأجنبي.

فالمقصود إجمالاً إنه قد يوسّع هذا الدليل حتى لغير المعيّنة إذا صار فيه تعريض وإيذاء فإنَّ هذا ليس ببعيد، ومناقشة الأعلام والمحشّين هي من باب المناقشة العلمية، وإلا فواقع الحال هذا صحيح، وإن كان الشيخ يقول ( والانصاف أنَّ هذه الوجوه لا تنهض لإثبات التحريم مع كونها أخص من المدعى )، نعم هذا مثل خدشة المحشين، ولكن اجمالاً على صعيد الواقع نعم يحصل هكذا، بالكثير من المحشين قال للشيخ إنه هذه الأدلة التي خدشت فيها أقوى من الأدلة التي ستعتمد عليها، فإجمالاً هذه الأدلة تامة، ومن العجيب أن الشيخ يقول:- ( ويمكن أن يستدل عليه بعموم حرمة اللهو والباطل )، فعموم حرمة اللهو والباطل بعض الباحثين قالوا من عجائب الشيخ الأنصاري أنه يلتزم بعموم حرمة اللهو وهذا ما لا يلتزم به أحد، فعبارات الشيخ في موارد عديدة توهم أنه توجد عندنا قاعدة سلوكية في الأخلاق أنَّ اللهو مطلقاً هو حرام وهذا لا يلتزم به أحد ، حتى ربما مرة الامام زين العابدين عليه السلام وضع رجله على الرجل الأخرى فقال له تلميذه أليس هذا كذا؟ فقال:- إنَّ الله لا يمل أما نحن فبدننا يصيبه الملل فالإنسان لابد أن ينفّس عن نفسه، ولكن هذا ليس لهواً باطلاً، فالمقصود أنَّ الالتزام بحرمة مطلق اللهو كالعبث باللحية أو العبث بالمسبحة صعب، فإَّن هذا كله لهو ولكن لا يلتزم أحد بحرمته، وإنما المقدار الذي يلتزم به في حرمة اللهو ما ذكرنا، وظاهراً هذا هو مراد الشيخ وإن كانت عباراته في مسائل عديدة من المكاسب المحرمة أنه يلتزم بحرمة بعموم اللهو، ولكن الظاهر هذا ليس مراده، وإنما مراده هو نفس مراد المشهور، ومراد المشهور في دائرة حرمة اللهو سيأتي بحثه مفصّلاً في حرمة الموسيقى والغناء، فالمقدار الثابت من أدلة حرمة اللهو مثل الآية الكريمة ( ومن الناس من يتخذ لهو الحديث ليل عن سبيل )، فتوجد أدلة قرآنية وروائية كثيرة ولكن المقدار المحصّل الذي التزم به المشهور في حرمة اللهو كما هو الصحيح هو اللهو المجوني، والمجون هو أن يكون بشكل يصير عقله خفيف بسبب ذلك الفعل، تصير خفة قوية في العقل، ومثاله ما التزم به الشيخ محمد مين زين الدين ونعم الالتزام وكذلك يوجد أحد فقهاء الاحساء ايضاً التزم به وهو صحيح وأنا شخصياً التزمت به أجمالاً مثلاً مباريات كرة القدم أو غير الكرة التي تفقد المشاهدين عقلهم فيتضاربون ويتقاتلون والحال أن هذا لعب وليس جد ولكنه يسكر، وأحد تعابير مجون العقل هي سكرة العقل، فهو يفقد عقله فيقاتل ويباغض من أجل هذا، تصير أزمة بين دولتين وبين شعبين - بين الشعب المصري والشعب الجزائري - لأجل كرة قدم، فهل هذا تسابق على مفاعل نووي أو على تقدم علمي وإنما هذا بطر، وهذا يسمونه سكرة العقل، فهنا توازنه العقلي اختل، معنى اللهو المجوني هو هاذ أي هو نوع سترة تصير على العقل بسبب هذه اللعبة، وهذه حتى في القمار فإنَّ حرمة القمار بدون رهان عللت في بعض الروايات بالسبب، وفعلاً الأمر هكذا، وهذه قاعدة سيأتي بحثها مفصلاً، وهي أنَّ المقدار الذي تثبته أدلة حرمة اللهو هو اللهو المجوني أو الماجن، أي الذي يوجب سكرة العقل، لذلك حتى الفقهاء التزموا بأنَّ الصيد البري الذي يمارس للنزوة وليس للمعيشة أي لنزوة السبعية قالوا بأنَّ هذا حرام ولا يوجب التقصير في الصلاة، لأنه سفر معصية، لأنه في هذه الحالة حينما تشتد الحالة السبعية عنده تصير مثل سكرة العقل، فمقدار اللهو المجوني أو مجون العقل أو سكرة العقل هي هذه، فعلى كلٍّ هذا له بحثه المفصّل، فإذاً اللهو مطلقاً لا يلتزم بحرمته وإنما يلتزم بحرمته بهذا المقدار.

فالشعر إذا بلغ مثل هذه الحالة - يعني بعض الأشعار وبعض النثر - فكيون محرماً، والشيخ التبريزي التزم بأنَّ الغناء ليس فقط هو طور صوتي وإنما حتى المضمون إذا كان في نفس خواص الغناء فهو أيضاً يقال له غناء وتوجد شواه لغوية عليه وهو لهو مجوني، لذا البعض الذي يتأثر ببعض الأشعار أو النثر يصير عنده هيجان غريزي سواء كان في القوة الشهوية أو في القوة الغضبية فهذا يعبر عنه بأنه نوع من المجون، فهو يعلم أنه سوف يفقد سيطرته على نفسه، وفقد التوازن له درجات، فهذا اللهو يلزم المكلف أن لا يدخل فيه فإنه حرام، وهذا الدليل وإن كان أخصُّ من المدعى ولكن في الجملة هو تام إذا صار بهذه الدرجة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo