< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة تبييض الأموال _ النوع الثالث ( بيع ما لا منعة فيه )/ المكاسب المحرمة.

أمس انتهينا من الروايات الواردة في باب الدين ومرّ أن هذه الروايات محل افتاء لعلماء الامامية كالتسالم تقريباً من أنَّ هناك وجوب تكيفي غير وجوب تكليفي لأداء الدين سواء كان قرضاً أو غير القرض فعلاوة على الوجوب التكليفي الأداء الخارجي للدين يجب قبل الداء في فترة مهلة التأخير أو بسبب العجز أو بأي سبب آخر يجب نية الأداء وجوباً تكليفياً وهذا مر ولكن علاوة على ذلك مرّ في الروايات بعضها معتبر أنه حين الاستدانة قرضاً كانت او غير قرض فإن الاستدانة تستعمل لغةً وقرآناً وروائياً في مطلق العقود كما مرّ بنا ﴿إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ - إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾[1] فالتداين أعم من القرض، هذه الروايات تدل على أنَّ التداين بسببٍ ولو كل العقود حين التداين يجب نية أداء الدين، فإن لم ينوِ المعاقد المتعاوض أداء الدين يكون بمنزلة اللص أو السارق، فإذاً لا توجد عند ارادة جدية وإنما يريد أن ينهب ويتحايل لأكل مال الناس ومر أن هذا المطلب ينفع في بحوث كثيرة من المعاملات منها ما نحن فيه، وهو أن الذي يتاجر بمال الغير سواء كان عامل مضاربة أو كان قيّماً على الصبي أو على المجنون أو على أموال عامة كمتولي الوقف أو متولي الوزارة أو أي مكان فإن غسيل الأموال يتسع لهذه الموارد فإن موارد غسيل الأموال إذا كان المتعاقد موطن ونفسه ولو أنه أجراه على الكلي ولكنه قاصد أن يسدد الدين من مالٍ بخصوصه فإذا كان المال حراماً افترض أنه متولي وقف ولكنه تصرف في غير جهة الوقف لأنه لا توجد عنده هكذا ولاية فهذا التصرف لنفسه أو غير ذلك فبالتالي سوف يسدد بالمال الحرام فيما هو غير مأذون فيه أو كوصي أو وكيل، أصحاب الواوات ( ويل لأصحاب الواوات ) رواية موجودة في ذلك، يعني الولايات والأوقاف والوصايا، فإذا كان من نيته أن يؤدي ولو انه أوقع العقد كلي في الذمة ولكنه قصد أداء المال من حوزة خاصة، قرأنا كلام محشي العروة والسيد اليزدي في عامل المضاربة عندهم نية الأداء لا دخل لها في إنشاء العقد، فإذا أنشئ تبديل العين بمال كلي في ذمة المشتري ولو نوى الأداء من مال حرام حين العقد فهذا لا دخل له بإنشاء العقد، واستدلوا على ذلك بان إنشاء العقد عوضين تنوي التبديل بينهما كالذمم والأعيان أو ذمة وعين فهذا هو القالب الكلي لإنشاء العقد، أما أداء العوضين والوفاء بالعقد شيء وراء ماهية المعاملة، يقولون لا نخلط بين آثار المعاملة ونفس المعاملة، هذا هو مدعى متأخري العصر والمشهور أيضاً أو قل الشهر لنه في قباله شهرة اخرى بينما لاحظ هذه الروايات التي قراناها كمعتبرة ابن ابي خديجة ومعتبرة بن فضّال وغيرهما تقول إنه حين العقد نية الأداء لها دخالة في العقد وقد فسّرنا هذا التأثير وهذه الدخالة أن نية الأداء - ليس الأداء وليس الالتزام العلمي للأداء وإنما قصد الأداء له دخل ، لأن هذه الروايات لست تعبّدية محضة وإنما هي تشير إلى قاعدة باعتبار أنَّ قصد الأداء مرتبط بالإرادة الجدية لإنشاء العقد وإنشاء لزوم العقد فإذا لم يكن لديه قصد فلا تكون عنده إرادة جدية، الارادة الجدية شرط في العقد صحة العقد فضلاً عن اللزوم، وإلا لو أوقع الإنسان عقداً بشكل لعب أو استهزاء أو مخادعة فهذا ليس إنشاءٍ للعقد الجدي الصحيح، فأحد مقومات العقد هو الارادة الجدية، فمن هنا تؤكل الكتف، عدم قصد الأداء كما في الروايات يعني لا توجد عنده ارادة جدية في العقد وإنما هو لص ويريد أن يسرق وهذا ليس تجارة وإما هو مصادرة ونهب.

إذاً الروايات في صدد بيان ماهية المعاملة بأنها تصير غير مقررة وتفسيرها الصناعي هو هذا باعتبار أنَّ قصد الأداء ونية الأداء لا نفس الأداء دخيلة في الارادة الجدّية، فحلقة الاتصال هي هذه، فيصير خلل في العقد، إما أن يصير خل في العقد فيما إذا أريد أن يصحح العقد لنفسه، أما إذا أريد تصحيح العقد لصاحب المال فحينئذٍ لا يكون غصبا ولا نهباً ولا مصادرة ولا أكل لأموال الناس وإنما يصير عقداً تعاوضياً قوام المعاوضة متقرر فيه، لا سيما وأنَّ المتعاقد من حيث لا يشعر أن المعاوضة تقع في ازاء هذا المال ولو أداءً يعني أنَّ الجدّ في التعاوض والتبديل يكون مع هذا المال يعني صاحب هذا المال، توجد قاعدة شيدها الشيخ الأنصاري ولو أنَّ الكمباني والسيد الخوئي لم يقبلوها لكلن الصحيح ما عليه الشيخ الأنصاري، فالشيخ الانصاري في باب البيع يشير إلى قاعدة فيقول إنَّ المقتضى الذاتي للمعاوضة أنَّ العوض يكون بديلاً من حيث خرج المعوّض أو قل العوض الآخر والعكس كذلك، يعني التبديل في العوضين أن يدخل أحدهما حيث يخرج الآخر، وهذا يعني أن ملكية أحد العضوين ألف ومليكة الآخر باء وإنما ألف يذهب حيث خرج باء، فمقتضى التعاوض عند الشيخ الأنصاري أن المتعاوضين هما المالان للعوضين لأن المقتضى العقلي والذاتي لمعنى المعاوضية والمعاوضة هو هذا، وهذا كلام متين سديد، وقد نقلت لكن أن الكماني في حاشيته على البيع رفض هذا وكذلك رفضه الميرزا علي الايرواني وكذلك السيد الخوئي.

ولكن الصحيح هو ما ذكره الشيخ الأنصاري، فإنَّ مقتضى التعاوض هو هذا، وهذه الضابطة هي غير الضوابط التي تقدمت وهي المقتضي الذاتي للمعاوضة، وهذه القاعدة يترتب عليها الكثير من الآثار.

وفي قبال الشيخ الأنصاري كلام الكمباني والميرزا علي الايرواني والسيد الخوئي قالوا كلا، فزيد مثلاً يقول للآخر اشترِ أي شيء وأنا أسدد المال، فمن الأوّل يقول لصاحب المتجر أعطه سيارة أو أي شيء آخر ملّكه هو، فهذا المتبرع قال لصاحب المتجر ملّك زيد هذه السلعة المعينة وهذا المال فهنا خرج العوض ودخل العوض الآخر لكن لا من حيث نفس المكان أن أملك الثمن لأجنبي ثالث والمتعاوض هو زيد والثالث فما المانع من ذلك؟!! هذه هي دعوى الكمباني.

ولكن يردون عليه، فالمهم أنَّ الشيح يرفض هذا ويقول إنه حقيقةً إذا كان طرف التعاوض هو زيد المتبرع فهو يملك السيارة ولكنه يهيدها إلى قاسم، لا أنَّ السيارة هي ملك قاسم ابتداءً فإنَّ قاسم ليس طرف المعاوضة، فإنَّ صاحب المعاوضة هو مالك الثمن فمالك الثمن هو المعاوض، هو طرف معاوضي مع البائع للسلعة، هذا بحث قد نستستهله ولكنه خطير ينجم منه بحوث كثيرة في باب المعاملات ليس البيع فقط وإنما الاجارة وغير ذلك من المعاملات، والشيخ يصر وهو الصحيح أنَّ مقتضى التعاوض أن يدخل العوض الأول حيث خرج العوض الثاني والعوض الثاني كذلك يدخل حيث خرج العوض الأول بنحو التعاكس، وحتى النائيني يقبل هذا المطلب، فهو تبديل في الملكية، مالكين ومملوكين عوضين مملوكين يتبادل المالكين المملوكين، هذا هو راي الشيخ الأنصاري وهو بحث مستقل وضابطة وقاعدة جحفلية مهمة وهنا نستثمرها في المقام، فإنه في المقام المشهور الذين قالوا إنَّ نية الأداء ليس لها دخالة في صحة العقد لذلك بحث السيد اليزدي أن عامل المضاربة ينوي التجارة لنفسه أو للمالك ؟ مع أن نية الأداء دائماً عنده أن يؤدي من مال المضاربة وليس من مال نفسه أو من المال المشترك أو بالتالي من مال المضاربة، فالمشهور أو الأشهر قالوا ببان نية الأداء لا دخل له في إنشاء العقد، فهو أنشأ شراء والبيع العين المبيع فبثمن ٍكلي هذا عالم المضاربة أو ولي الصغير أو ولي الوقف أو الغاصب فهو نوى أن يقع البيع أو الصلح أو الاجارة أو أي معاوضة لنفسه وليس لصاحب المال، فبحثنا في هذا الفرض وهو الاتجار بالمال الحرام، فحتى هذا الذي يضع يده على المال الحرام نيته أو يوقع التجارة لمالك المال؟ كلا، بل لنفسه فإنَّ فرض البحث هو هذا وهو تبييض الأموال وغسيلها، فإذا كان هذا الذي يتّجر بالمال الحرام نيته أو يوقع العقد لنفسه فنيّته أنه يوقعه في ثمنٍ كلي في ذمته، ونية الأداء لا ربط لها بإنشاء العقد على قول المشهور، أما على كلام الشيخ الأنصاري أنَّ العوضين اللذين انشأهما هذا الذي يتاجر بالمال الحرام العوضان في أفق المعاوضة هما الثمن الكلي في ذمته والمبيع، فيدخل كلّ منهما ويدخل في محلّ الآخر، ولكن نيّة الأداء شيء آخر، وقد بحثنا سابقاً هذه المسألة أن أداء الدين حقيقته ما هي.

فنسلّم مع المشهور أو الأشهر أنَّ الأداء الخارجي لا صلة له القبض الاقباض الخارجي في إنشاء العقد ولكن نية الأداء لها دخل، أليس نية الأداء تعييناً للعوض - لا الأداء الخارجي فإنَّ الأداء شيء مترتب متأخر - وللمعوّض؟! هنا المشهور يقولن كلا ليس نية الأداء تحدد للعوض والمعوّض، بل على صعيد إنشاء المعاملة العوضين بحسب الإنشاء، هذا البيع أوقعت لي أنا عامل المضاربة لا لمالك مال المضاربة، وإن نويت أنَّ الأداء من مال المضاربة، ولكن أنا الذي أوقعته وأنا المسؤول عنه، نية الأداء من قبيل نية أداء الدين وأداء الدين لا صلة له بأصل العقد، والروايات التي قرأناها في الباب الخامس تقول كلا فإنَّ نيّة الأداء لها دخالة في صحة وجود العقد، فإما هذا عقد بيع أو هو نهب وسرقة، وهذا يدل على أن نية الأداء لها دخالة في تعيين العوضين، فانظر الفاصل ليس فقط للروايات ولكن هذه طائفة أولى من الروايات، وإنما هناك طوائف عديدة في أبواب أخرى سنقرؤها في كتب فقهية أخرى أيضا هي دالة على نفس الطلب وهو أن نيّة الأداء لها دخل في تعيين العوضين.

وقد يقول قائل: - إنَّ هذه الطائفة قد تؤول.

ولكن نقول:- كلا، بل هناك طوائف أخرى، وبيت القصيد في الاختلاف الصناعي بين المشهور أو الأشهر وبين الأقل شهرة أن يكون ؟ يقولون: إنَّ إنشاء العقد لا صلة له بنية الأداء، لأنَّ الأداء شيء آخر وهو أثر مترتب على المعاملة، وكذلك نيية الأداء كيف أنَّ الأداء شيء الخارجي مترتب متأخر مقام إنشاء العقد مقام كلّي تبديل عين بمال سواء كان المال في الذمة أو غير ذلك، أوقع البيع لمن، هذا هو مبنى المشهور، ونقرأ لكم عبارة السيد اليزدي ترسيخاً لهذا الموضع الدقيق الصناعي من هذا الخلاف تغاير مقام إنشاء العقد عن الأداء وعن نية الأداء،، قال السيد اليزدي في العروة في باب المضاربة في قصد عالم المضاربة:- « الثالث: أن يقصد ذمة نفسه وكان قصده الشراء لنفسه وحين العقد ايضاً لم يقصد الوفاء من مال المضاربة حين الشراء»[2] وهذا بحث آخر وصورة أخرى فهو حين العقد لم ينو الأداء من مال الغير وإنما نوى الأداء من مال نفسه ولكن بعد ذلك أدّى من مال الغير ،ونحن لا نعوّل على مدارية ومحورية نفس الأداء وإنما نعوّل على نية الأداء لا على الأداء فلا يصير خلط بين المقامين، ( لم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ثم أدّى منه وعلى هذا الشراء صحيح ) نعم هو صحيح ( ويكون غاصباً )، ( الرابع ) وهذا هو محل بحثنا «الرابع: أن يقصد الثمن في ذمة نفسه لكن قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء» أي نية الأداء حتى تقع المعاملة له يوكون الربح له ( فقصد نفسه حيلة منه وعليه يمكن الحكم بصحة الشراء وإن كان عاصياً في التصرف وضامناً )، هكذا قال السيد اليزدي والمشهور، لأنَّ إنشاء العقد غير نيّة الأداء، هكذا قالوا، ولكن السيد اليزدي يعترف ويقول ( ولكن يحتمل البطلان ) والذي قال بالبطلان هو الوحيد البهبهاني والشيخ عبد الكريم الحائري والنائيني حيث قالوا إنَّ نيّة الأداء لها دخل، ( ويحتمل القول بالبطلان لأنَّ الدفع من مال الغير هو بمنزلة السرقة كما ورد في بعض الأخبار) ، فالسيد اليزدي يشير إلى نفس الباب.

إذاً محل الملحمة الصناعية أين هي، فمرحلة التحليل الصناعي مهمة فإنَّ مرحلة التحليل الصناعي شيء مهم، يدّعي المدعي أنه أصولي، فلو كنت أصولياً فلابد أن يكون عندك تحليل صناعي، أما إذا لم يكن عندك تحليل صناعي فكيف تكون أصولياً؟!! ما فرق منهجك عن منهج الاخباري؟! فإن الاخباري منهجه سطحية الألفاظ، ولو أنَّ هذا ليس منهج محققي الاخباريين وإنما جمهور الاخباريين، فالأصولية والاخبارية ليس بالادعاء وإنما هي في واقع المنهج، أن تحلّل تحليلاً صناعياً، وسنواصل غداً إن شاء الله تعالى، لأنه هنا يوجد بيت القصيد في البحث.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo