< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

41/01/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة في حكم تبييض وغسيل الأموال

كان أصل البحث الذي كنا فيه هو النوع الثالث الذي عقد الشيخ الأنصاري الكلام عنه وهو بيع ما لا منفعة له وهل هو باطل أو غير باطل فأصل البحث كان في النوع الثالث، بغض النظر عن البحث في المصاديق لأن المصاديق التي ذكرها الأعلام الفقهاء المتقدمون ليست منصوصة كلها وإنما جلها ذكروها من باب المصداق لما لا منفعة له، ومرّ بنا من بداية مباحث المكاسب المحرمة إلى موضعنا هذا حتى الموارد التي ترد فهيا نصوص بالندرة أو قل غالباً ما يحملوا ويستظهر مفادها الفقهاء أنها ناظرة إلى الضوابط الكلية والقواعد الكلية في باب المعاملات وليست تعبدات خاصة لتلك الموارد الخاصة، في باب المعاملات غالباً غلبة عظيمة عند الفقهاء هذا الديدن أن الأدلة الخاصة بلسانٍ خاص لا يحملون مفاد هذا الخصوص ولا يستظهرون منه أنه تعبّد خاص بل يحملون هذا اللسان على أنه طبق الضابط العامة، هكذا ديدنهم في باب المعاملات والايقاعات على هذا المنوال، سواء خاص في مقابل عام - تخصيص - أو لسان خاص موافق للعام، لأن اللسان الخاص إما أن يكون مخصصاً لعموم أو لسان خاص متطابق للعموم، الخاص والمقيد إما أن يكون مخلف للجهة في العام فيسمى تخصيص ويسمى تقييد يعني أحدما سالب والآخر موجب أحدهما مثبت والآخر نافي وهذا هو المعروف بالتخصيص والتقييد، هذا إذا تخالف حكم الخاص والعام يسمى تخصيص ويسمى تقييد، وتوجد حالة أخرى للمطلق والمقيد وهي أن يتوافق المقيد والمطلق الآن يحمل العام على الخاص أو يحمل العام على الخاص فهذا بحث آخر، هذا البحث الثاني يسمّى باب الحمل، إما حمل العام على الخاص أما حمل الخاص على العام، إذاً في باب التخصيص والتقييد في الباب الأول من باب من حالات المقيد والمطلق، ففي الباب الأول يوجد تخالف بين الخاص والعام أ المطلق والمقيد سلب وإيجاب ونفي واثبات وهلم جرا، هذا هو المعروف، سواء كان في باب العبادات أو المعاملات أو العقود أو الايقاعات أو الأحكام أو القضاء والحدود أياً ما كان حكم فقهي أو حكم أصلي، طبيعة الخاص والمقيد له حالتان، حالة أنه يكون مخالفاً للمطلق أو العام فيسمّى تخصيصاً أو تقييداً، وحالة متوافق مع العام والمطلق وهذا الذي المتوافق مع العام أو المطلق يسمّى باب الحمل، يعني إما أن تحمل العام على الخاص أو تحمل الخاص على العام فتحمل أحدهما على الآخر ، في المتوافقين يعبر عنه الأصوليين بباب الحمل وفي المتخالفين يعبرون عنه بالتخصيص والتقييد، هذا شأن الخاص والمقيد والعام فإن لهما حالتان، التخصيص والتقييد تضييق أما باب الحمل فقد يكون تقييداً وقد يكون توسعة، هذا الذي ذكره الأصوليون في باب العام والخاص من الحالتين هو على مقتضى القاعدة الأولية إلا أنَّ الفقهاء قالوا إنَّ هذا الناموس وذكروه حتى علماء البلاغة فإنَّ بحث العام والخاص ذكره علماء البلاغة في مبحث علم المعاني فإنَّ علم البلاغة يتكون من ثلاثة علوم علم المعاني وفعلاً يختلف سنخاً عن علم البيان فيوجد اختلاف سنخي عن البيان وعلم المعاني وكليهما يكوّن علم البلاغة، وعلم البديع والبديع هو زركشة الألفاظ وديكورها، فثلاث أسناخ من العلوم، فالمهم في بحث علم المعاني من علم البلاغة الذي هو - أي علم البلاغة - ثمان أقسام أحد مباحث علم المعاني والذي هو علم مهم جداً لأنه يغوص في صيرفة المعاني، البيان هو صيرفة البيان والحكاية وهومهم ولكن البيان أهم وذلك قدمه العلماء على علم البياني وهو صيرفة المعاني وهو لم يختص باللغة العربية بل وليس مختصاً باللغة الانسانية بل حتى الملائكة ينفعهم المعاني وكذلك الجن، لأن أي مخلوق يتعاطى مع المعاني ينفعه علم المعاني فهو لغة مشتركة لكل روح ذي شعور، وهو غير علم البيان، في احد المباحث في علم المعاني وعلم البلاغة مبحث العام والخاص وهذا ما ذكره علماء البلاغة من أنَّ علاقة العام بالخاص علاقة المقيد بالطلق حالتان حالة التخصيص والتقييد وحالة حمل أحدهما على الآخر إما حمل العام على الخاص أو بالعكس بشرائط موازين، هذا هو مقتضى القاعدة الأولية التي قررها البلاغيون والأصوليون، أصلاً مباحث الألفاظ في علم الأصول هي مباحث علم البلاغة تعمقت أكثر فصار علم الأصول قسم الالفاظ فلذلك يوجد ترابط وطيد بين مباحث الالفاظ في علم الأصول وعلم البلاغة ونستطيع أن نقول إن علم الأصول هو تطوير لعلم البلاغة، وهذا شيء مسلّم، ما الحجج ؟ الحجج بالدقة في الأصل هي علم كلام، لذلك هنا صلة ووطيدة بين مبحث الحجج في علم الأصول وعلم الكلام وغالباً الذي يكون قوياً في علم الكلام يصير قوياً في الحجج أو علم المنطق مثلاً أيضاً هو دخيل، فالذي يكون قوياً فيعلم البلاغة يكون قوياً في مباحث الألفاظ، هذه تناسبت يجب أن نلتفت إليها، إجمالاً فهذا قرره علماء الأصول وهذا يسمونه اسرار مناهج علم الصول وعلم الأصول علم مهم وهو منطق المعرفة الدينية، فإذاً هناك بين العام والخاص والمقيد والمطلق حالتان قررت في علم البلاغة وقررت في علم الأصول، قال الفقهاء هذا الذي قرره علماء البلاغة والأصول هو مقتضى القاعدة الأولية ولكن يرفع اليد عنه في أبواب منها أبواب المعاملات والايقاعات، أبواب المعاملات والايقاعات بدل ما نحمل العام على الخاص نحمل الخاص على العام غالباً، وهذه نكتة مهمة، ففي الايقاعات والعقود غالباً يحمل الخاص أو المقيد الموافق على العام لا العكس، وألان رأيتم من حين بدانا مبحث المكاسب إلى الآن الفقهاء الأعلام الأولون والاخرون لم يحملوا الأدلة الخاصة على أنها خاصة وغنما حملوها على الضوابط العامة وهذه نكتة مهمة في باب المعاملات وباب الايقاعات.

ولا بأس من باب تتميم الفائدة وبحثنا الآن في المعاملات النوع الثالث بيع ما لا منفعة فيه ولكن بذكر فائدة معترضة مادمنا قد تعرضنا إليها: - أيضاً الفقهاء قالوا بأنَّ باب التخصيص والتقييد - أي الحالة الأولى - لا يعمل بها في المندوبات والمكروهات، أليس إذا تخالف الخاص والعام يعمل بالتخصيص أو التقييد، ولكن في باب المندوبات العبادية وغير العبادية عموماً وفي باب المكروهات لا يعمل بقاعدة التخصيص والتقييد الحالة الأولى غالباً ولكن في بعض موارد المندوبات يعمل بها ولكن قليلة جداً، ولماذا؟ هناك نكات كثيرة ذكرها الفقهاء لا نريد التعرض إليها، دأب الفقهاء في باب المندوبات انهم يحملون التقييد والتخصيص على مراتب الطبيعة، زيارة عاشوراء مائة لعن ومائة سلام، هذه المائة قيد ولكنه قيد يحمل على المراتب فحتى لو تأتي به مرة واحد يكفي، زيارة عاشوراء لا آتي بها كلها وإنما آتي بنصفها فكأنها تكرار وهي ليست تكرار ولكن ظاهرها أنها تكرار، نصف الزيارة ظاهرها انها تتكرر مع نصف الزيارة الآخر ولكن باطنها ليس تكراراً وإنما لها عنى آخر، فإذا لم تستطع أن تأتي بكامل الزيارة فأت بنصفها، أليس الزيارة واحدة؟ نعم لوكن تحمل على المراتب فيدور الأمر بين عدم الزيارة أصلاً أو أن تزور نصفها فعليك أن تأتي بالنصف، وهذا ليس من باب الكسل ولكن مع ذلك ليس فقط ان المسور لا يسقط بالمعسور ولكن من باب أنه حتى الشيء اليسير أفضل من العدم، مثلاً يقول لا يوجد عندي وقت للزيارة فنقول له اقرأ سطرين منها أفضل من ترك الزيارة أصلاً، أو يقول لا استطيع أن أصلي ثمان ركعات نافلة الظهر فنقول له على الأقل ائت بركعتين أو أربع ركعات أوست ركعات افضل من أن تتركها كلها، طول حياتك لا تترك نوافل الظهر فلا أقل ائت بركعتين أفضل من أن تنعدم النوافل عندك، طبعاً نوافل الظهر أعظم من نوافل العصر بكثير، نوافل الظهر التي هي ثمان ركعات يمكن أن تعدل صلاة الليل وتسمى صلاة الأوابين، يعين اهميتها اشد كثيراً من نوافل العصر، فدأب الفقهاء في باب المندوبات والمكروهات عبادية كانت أو غير عبادية على ذلك، يقال ما الدليل على المشروعية في باب المندوبات ؟ نقول إنه في باب المندوبات لا يحتاج إلى دليل خاص على المشروعية، طبيعة المندوبات هي مراتب ولا يشترط أعلى المراتب، طبيعة باب المندوبات عند الفقهاء والمكروهات مراتب ولا يحملونها على التضييق، إذاً هذا نظام العام والخاص بحالتيه يرفع اليد عنه في أبواب يعني ترفع عنه اليد في أبواب غالباً وليس دائماً، كذلك في باب المعاملات والايقاعات الخاص حتى الموافق لا يحملون العام عليه، لاحظوا أنَّ باب الحمل غير باب التخصيص والتقييد، فإذا حملت العام الموافق للخاص على الخاص فقد ضيقت العام، ( اعتق رقبة ) كفارة معينة ( اعتق رقبة مؤمنة ) فإذا حملت عتق الرقبة على الرقبة المؤمنة فقد ضيقت أما إذا عكست وحملت الرقبة المؤمنة على أنها أفضل الأفراد فحملت الخاص على العام وعطفت الخاص والموافق على العام فحينئذٍ سوف أوسع من دلالة الخاص ولم أضيّق، في باب المعاملات الايقاعات غالبا الفقهاء يتحينون الفرضة العلمية من الأدلة الخاصة أنها تحمل على الضابط العامة وتكون تلك الأدلة الخاصة منبهة على قواعد كلية لا أنها خاصة بخصوصها، وعادة المشي الصناعي الفقهي للفقهاء في باب المعاملات أن يحملوا الخاص على العمومات، إذا أتى فقيه وجمد على ظاهر لسان خاص في مورد معين من باب المعاملات يعتبرونه كأنما هو مشي علماء حديث وليس فقهاء فإن الفقيه يجب أن يحلل وعند تضلع في تفسير المتن.

إذاً في باب المعاملات الأدلة الخاصة نادراً ما يجمد عليها الفقهاء بل يوسعون دلالتها ويعطفون الخاص على العام ويفسرونها بالضوابط والقواعد العامة لذلك في مبحث بيع ما لا منفعة فيه وهو النوع الثالث الذي نحن فيه من كلام الشيخ الانصاري، المصاديق التي ذكرها الفقهاء أغلبها غير منصوص وحتى المنصوص منها الخاص لا يحملونه على الخصوصية في زمن النص أو في زمن الفقهاء القدماء نكات هذه الأمور لا منفعة فيها ولكن الآن استجد في البيئات البشرية آليات انتفاع اخرى وظروف انتفاع اخرى من هذ الأمور، قال ابن زهرة أجمع عملاء الامامية وهكذا الشيخ في المبسوط ظاهره ونقل الشيخ الأنصاري أنه في السباع والعقارب والحيّات مما لا منفعة فيه لا يصح البيع والبيع يكون باطلاً، ولكن الآن هذه الموارد إذا استجدت فيها منافع متينة فما المانع في ذلك؟! وهذا ليس من باب تبدل الحكم الشرعي والشريعة وإنما من باب تبدل الموضوع فيتبدل الحكم، تبدل الحكم بتبدل الموضوع هذا ليس تغييراً في الشريعة وإنما يعبرون عنه ديناميكية وحيوية وحركية الشريعة، فهي متحركة تواكب كل زمن، وهذا هو دور الفقهاء أن يلتفتوا إلى تبدل الموضوعات ويدرسون البيئات الجديدة وهلم جراً، فهو أحد المسؤوليات الكثيرة التي تقع على عاتق الفقهاء.

فإذاً النقاش ليس في الصغريات والأمثلة فإنها قد تتبدل، إذا كان شيء في ظرف معين أو في بيئة معينة أصلاً لا منفعة فيه فيكون بيعه باطلاً أو المعاوضة المالية عليه باطلة كالصلح، وقد استدل لذلك بعدة أدلة وقد تقدم قبل التعطيل جملة منها وقد وصلنا وتوقفنا عند قاعدة يستدل بها لبطلان بيع ما لا منفعة فيه وهي آية ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾[1] ، وهذه الآية الكريمة عظيمة جداً في نظام المعاملات ونظام الاقتصاد الاسلامي، حتى بتعبير واعتراف خبراء اقتصاديين غربيين أنَّ هناك محاور عشرة أو عشرين أو ثلاثين حدّدها القرآن الكريم والعترة الطاهرة بل حدّدها سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم تعتبر غدد سرطانية في الاقتصاد أحدها ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ غير الربا وغير القمار وغير ذلك، وهذه الآن الأمراض المستعصية في الاقتاد العالمي الراهن، وأنتم تعلمون أنَّ الاقتصاد العاملي يعني أزمة عجيبة منذ خمس عشرة سنة وهو شبيه عاصفة تسونامي تتحرك، فإنَّ الاعصار تارة يتحرك على هذا البلد وتارة على ذاك البلد فيرفع البلد ويسقطها وعجيب أنه أسقط دولاً والآن هذا الاعصار ماسك برأس الأفعى، فعلى أية حال أكبر بلد مديون ديوناً مهولة ( وحسبوا أن لا تكون فتنة ) فإن هذا تشريع إلهي فكيف تعانده؟!! وترى النتيجة أنه أثّر عليهم وفعل ما فعل بهم، فمن المحاور المهمة التي يؤكد عليها القرآن الكريم والاقتصاد الاسلامي يعني هذه الآية الكريم التي تتعامل معها أيها الباحث لا تتعامل معها كقاعدة فقهية فقط أو دليل فقهية فقط في مسألة أو مسألتين وإنما هي محور تبني منه أعمدة لبناء كامل عن الاقتصاد الاسلامي، وهذه نظرة مهمة، فإذا طولب الباحث ببحوث حول منظومة الاقتصاد الاسلامي أحد المحاور هي هذه القاعدة ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ هذه القاعدة - الآية الكريمة العظيمة اختلفت أقوال الفقهاء والمفسّرين فيها وكدأبنا غالباً كل الأقوال تشير إلى زوايا مختلفة من الآية الكريمة كما هو الغالب، أحد العناوين العصرية لهذه الآية الكريمة المعجزة هو غسيل الأموال وتبييضها، وقد دخلنا في بحث غسيل الأموال بهذه المناسبة وإلا فأصل بحثنا كان في النوع الثالث وهو بيع ما لا منفعة فيه ولكن بهذه المناسبة دخلنا في بحث قاعدة هذه الآية الكريمة، يعني أحد القواعد المهمة التي تستفاد من هذه الآية الكريمة هي قاعدة غسيل الأموال أو تبييض الأموال ودخلنا شوطاً طويلاً في هذا المبحث وتفاصل كثرة ووصلنا إلى هذا الجانب فيه وهو عدة شقوق وتفصيلات، وبعبارة أخرى إنَّ هذه المسألة التي هي غسيل الأموال وتبييضها بحثها الفقهاء في أبواب عديدة، وإذا أردت أن ترى مسألة ابتلائية معاصرة وتستخرج عروقها من كلمات الفقهاء فعليك بالتفتيش في عدّة أبواب فتجد أنَّ هذه المسألة المعاصرة الخطيرة قد تعرض لها الفقهاء في عدّة أبواب، فتعرضوا لها في باب المضاربة وتعرضوا لها في باب القرض والدين وتعرضوا لها في أبواب المكاسب المحرمة ة وهذه الأبواب المتعددة التي تعرضا فيها لهذه المسألة في كل باب تعرضوا إلى فقرة منها، فالباحث الحاذق يجمع الفقرات ويؤلف رسالة ابتلائية جديدة في تبييض الأموال أو غسيلها أو عنوان عصري آخر وهو الفساد المالي، فغنها قد بحثها الفقهاء في أربعة أو خمسة أو ستة أبواب فاجمع كلماتهم فتصير عندك قاعدة جيدة، ونحن تناولنا جملة من كلماتهم في الأبواب وربما نعيدها للتذكير بفهرستها فقط ثم نواصل ما بقي منها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo