< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :المكاسب المحرمة _ النوع الثالث ( بيع ما لا منفعة فيه)، قاعدة غسيل الأموال.

وصل بنا المقام في قاعدة الاتجار بالمال الحرام إلى أن إنشاء الالتزام وإنشاء الصحة بعد مغايرتهما للصحة وللزوم نفسها إنشاء اللزوم يعني فيما يعنيه قصد الالتزام، طبعاً هو ليس قصد الالتزام فقط، إنشاء الالتزام استعمال لفظي بداعٍ جدي، مثل ما يقول بعت أو اشتريت فهذا استعمال للفظ في المعنى ولكن لابد أن يكون بداعي جدي فإذا لم يكن بداعٍ جدي لا يتحقق الانشاء أو يقول إنه يكون إنشاء استهزائي، الانشاء ربما ذكروا له ربما عشرة دواعي، فيوجد إنشاء بداعي الإخبار ويوجد إنشاء بداعي التهكم ويوجد إنشاء بداعي الاستهزاء ويوجد إنشاء بداعي السؤال وهلم جرا، فالإنشاء له دواعي ومتى يكون إنشاء الصحة إنشاءً ؟ يكون إنشاءً إذا كان القصد فيه جدياً، ومعنى الجدية في الصحة ما هو ؟حينما يقول تبدل عين بمال مثلاً في البيع ما هو المعنى الجدي وأن يكون هذا الاستعمال جدياً، فجداً والمراد الجدي يعني إرادة التزامية، الجد هو نوع من الارادة الالتزامية، ونكرر ونقول لا نخلط بين اللزوم وبين إنشاء الالتزام فالالتزام شيء واللزوم شيء آخر فإنَّ اللزوم حكم وضعي للعقود والصحة حكم وضعي للعقود والمعاملات، الصحة وجود الماهية سواء كانت ماهية عقد أو ماهية إيقاع، واللزوم مر بنا يعني بقاء ما هو موجود وعدم قابليته للزوال فهو معنى وضعي، فاللزوم كحكم وضعي يختلف عن الالتزام، فإن اللزوم هو فعل الشارع وأما الالتزام فهو فعل المتعاقد، والكلام هنا وهو أنَّ الالتزام الذي هو نوع تعهد مثل الارادة الجدّية فإنَّ الالتزام نوع تعهد، يعني إذاً أي ماهية معاملية أو إيقاعية إذا لم تستبطن إرادة جدية - أي التزام - فالجدّي ملتزم بما يريد فيتبين أن إنشاء الصحة فضلاً عن إنشاء اللزوم لابد له من التزام، يعني قصد الفواء بعبارة أخرى وقصد القبض والاقباض حتى في الهبة فإنه في الهبة إذا لم يكن يتعهد لا فقط ينشئ ويوجد تمليك العين الموهوبة للموهوب بل لابد أن يكون عنده التزام، فإنَّ العقلاء يقفون ويطلعون إذا كان ليس عند ارادة جدّية وليس عنده التزام فلا يعتبرون هذا إنشاءً لوجود وإيجاد عقد الهبة.

فإذاً هناك تفكيك بين الصحة كحكم وضعي واللزوم كحكم وضعي فهما حكمان شرعيان وضعيان قابلان للانفكاك، أما السبب لهذين الحكمين وهو إنشاء الصحة وإنشاء الالتزام فليس يمكن أن ينفكا، فذلك لابد أن نفرّق بين اللزوم كحكم شرعي وضعي وبين الالتزام الذي هو فعل المتعاقد وبين الصحة وهي حكم وضعي شرعي معناه اعتبار الشارع أنَّ ماهية هذا العقد موجودة، فالصحة يعني الوجود في أفق اعتبار المعتبر الذي صحح المعاملة، فالصحة واللزوم أمران قابلان للانفكاك، عقد صحيح ولكن ليس بلازم وإنما هو خياري يمكن أن يفسخ ويوجد عقد صحيح ولازم مثل النكاح أو عقد البيع بعد فترة الخيار( البيّعان بالخيار ما لم يفترقا )، فاللزوم قابل لأن ينفك عن الصحة، فيوجد خلط حتى في اقوال البعض في النقض من قبل البعض على البعض الآخر فإنَّ اللزوم غير الصحة وكليهما غير إنشاء الصحة وإنشاء الالتزام، الدعوى المقرر الآن في المقام تثبيت مدعى الوحيد البهبهاني أنَّ قصد الوفاء قصد الالتزام وهذا دخيل في الصحة، ندقق فنرى عناوين أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة مختلفة عن بعضها البعض فيجب أن لا نخلط بينها، القبض والاقباض الخارجي شرط في بعض العقود، أما قصد القبض فهو شيء آخر ، اللزوم الوضعي شيء والالتزام من المنشئ للصحة شيء آخر، الصحة كوجود لماهية العقد تختلف عن إنشاء الصحة من المنشئ للصحة شيء آخر، الصحة كوجود لماهية العقد تختلف عن إنشاء الصحة عد المتعاقدين فهذه العناوين يلزم أن نفرّق بينها، لذلك فرّق الوحيد البهبهاني بين هذه الصورة الرابعة في عامل المضاربة عن الصورة الثالثة.

وقد يرد تساؤل على هذا التنظير قبل أن نقرأ روايات باب الدين:- وهو أنه ما الفرق بين كيفية إنشاء العقد بين العقود الجائزة والعقود اللازمة فإن بعض العقود هي جائزة مثل الهبة في غير الموارد الأربع التي هي تلف العين الموهوبة أو لذي رحم أو مشارطة أو عين معوّضة فغير هذه الموارد دلت النصوص على أن الهبة ليست لازمة، الوكالة ليست لازمة، حتى القرض ليس لازماً، فهو بمعنى لازم ولكنه ليس بلازم ولا نريد الخوض فيه الآن، وعندنا مجموعة من العقود ليست لازمة وإنما هي جائزة، وهذه القاعدة أقحمتنا في بحوث كلية في المعاملات وهي نفيسة وخطيرة، وعندنا كما مر عقود إذنية وعندنا عقود جائزة وعندنا عقود لازمة فيجب أن نفرق بين أقسام هذه العود كما أنه عندنا معاوضات وغير معاوضات وعندنا إيقاعات وعندنا عقود، ومرّ أمس أذونات جمع أذن الآن في القانون يعبرون عنه هكذا ايضاً، يعين هي عقود إذنية، وعندنا إذنٌ وعندنا عقود إذنية وعقود جائزة وعقود لازمة، ومر بنا أن العارية والوديعة والوكالة يمكن أن يقوم الإذن مقامها ويمكن أن تكون عقداً، فالمهم أنه يوجد عندنا أذونات وعندنا عقود إذنية وعندنا عقود جائزة وعندنا عقود لازمة فما الفرق بينها ؟، ولا نريد الدخول في الفرق ولكن يلزم أن نلتفت إلى التقسيمات.

نعيد الاشكال: - فهو يقول في العقد الجائز كيف هو ينشئ الالزام والالتزام، فهو من أساسه جائز فكيف أنشئ الالتزام فأيّ تعهد هذا بل هو في نفسه جائز، إنَّ هذا تدافع وتناقض؟، نعم في العقود اللازمة بطبعها حتى لو كان في فترة الخيار طبعها لازم، البيع عقد لازم طبعاً حتى في فترة الخيار، لأنَّ طبعة لازم وإن كان بسبب الخيار طرأ عليه الجواز، وهكذا الصلح والاجارة والكثير من المعاوضات طبعها لازم وإن طرأ عليها الخيار هذه هي الأحكام الوضعية الطبعية الاقتضائية في العقود وإن كان الحكم الفعلي الآن هو الجواز ولكن هذا حكم فعلي في فترة الخيار، هذه هي حقيقة الخيار، ويوجد بحث صناعي معقد كيف نصوّر الخيار في العقود اللازمة وهذا هو تفسير من تفسيراته أن الخيار حكم جواز فعلي وليس بالضرورة أن يكون حكماً طبعياً اقتضائياً، بينما في بع العقود أصلاً هي في نفسها جائزة مثل الهدية، ليس الصدقة فإنَّ الصدقة طبعها لازم، والوقف لازم، أما الهدية النحلة جائزة والوكالة جائزة، وطبعاً في اصطلاح الفقهاء في كلمة العقود جائزة تارة يطلقونها في مقابل العقود الإذنية تارة مقابل العام فتشمل الإذنية، نعم يوجد فرق بين العارية والوديعة والكالة مع الهدية، العارية والوديعة والوكالة الإذن يقوم مقامها ولكن الإذن لا يقوم مقام الهدية، فيوجد فرق بين العقود الجائزة بالمعنى الأخص والعقود الجائزة بالمعنى الأعم، فيوجد عندنا اذونات وعندنا عقود إذنية وعندنا عقود جائزة وعندنا عقود لازمة، وهذا الاشكال يريد أن يقرر فيقول كيف أنت تقول إنَّ إنشاء الصحة في العقود فيه لزوم بل هو عقد جائز فكيف يقصد اللزوم، فلو كان في العقود اللازمة في البيع فهذا مقبول وإن كان الخيار موجوداً فيضح أن يقصد اللزوم ولكن إذا كانت العقود طبعها جائز كالعارية وكالوديعة والقرض، فالقرض مع أنه معاوضة إلا أنه من العقود الجائزة فتوجد عندنا معاوضات طبعها جائز كالقرض مع أنه معاوضة وعقد، فيوجد بين القرض وبين الوديعة والعارية، فهو معاوضة، فالإشكال أنه هذا كيف يقصد اللزوم والالتزام والحال أنه عقد جائز أو هو عقد إذني فكيف يكون العقد إذنياً ولكنه ينشئ اللزوم ؟

أجاب الفقهاء عن هذا الاشكال ومنهم السيد اليزدي: - توجد قاعدة توضح جواب هذا الاشكال وهي أنه قالوا هل يصح الاشتراط والشروط في العقود الجائزة؟ فالعقد جائز ولكن يشرط فيه، نعم هو عقد جائز ويشترط فيه، مثلاً في العارية يشترط المستعير على المعير، وإن كانت العارية عقد جائز من الطرفين فهل يجوز أن يشترط أحدهما أو كليهما فيه؟ السيد اليزدي يبني على أنه نعم يصح الشروط في العقد الجائز، وهذه قاعدة خطرة، فقاعدة الشروط هي قاعدة خطرة ومعقدة تعال زيادة عليها قاعدة الشروط في العقود الجائزة، ولم يكتفوا بذلك وإنما أثاروا هذا البحث في العقود الإذنية كالعارية والوديعة والوكالة، فقالوا إنه يصح حتى في العقود الإذنية ثم صعدوا الكلام وقالوا يصح حتى في الإذن الذي هو ليس عقداً، وهذا بحث صعب الدخول فيه يبحثه الشيخ الأنصاري في آخر الخيارات، ولكن نذكر فهرست، أيضاً من بحوث قاعدة الشروط المرتبطة ببحثنا ونحن مجرد استعراض للفرسة قالوا هل يجوز الاشتراط في الايقاعات كالطلاق والعتق؟ يوجد جدل بين الفقهاء في ذلك وتوجد عليها نصوص، وهذه البحث كلها لا تعنينا وإنما فقط إثارة علمية، وما ربط هذا الكلام ببحثنا؟ ربطه هو أنَّ الاشكال نفسه الذي ذكر هنا يذكر في إنشاء الشروط في العقود الجائزة، عقد جائز فما معنى أن تشترط الالتزام فيه بأن تشترط على نفسك الالتزام به فما معنى هذا والحال أن العقد جائز في نفسه؟! تقول له استعير منك بشرط أن تشتري كذا، أو لا ترجع في العارية، أو مع العارية أشترط عليك كذا سواء كان من المعير أو مستعير وسواء كان من الودعي أو المودِع، فهو عقد جائز فلماذا تشترط عليه وما معنى الاشتراط؟ إنَّ هذا نفس الاشكال، إنشاء الصحة كيف يصير التزام في العقود الجائزة، وما هو الجواب؟

توجد أجوبة عديدة ولكن نذكر أبسطها حتى نواصل بحثنا في قاعدة الاتجار بالمال الحرام، والجواب أنهم قالوا نعم يصح الاشتراط حتى في العقد الجائزة وهذا معناه أنه مادام العقد الجائز باقياً لم يرفع ولم يُنفَ ويزيله أحد الطرفين هذا الشرط ملزم، فلا ينفك عن هذا العقد الجائز هاذ الشرط الملزم، أنت تستطيع أن تزيل الشرط بإزالة العقد الجائز ولكن ليس لك أن تزيل الشرط في العقد الجائز، الاشتراط صار نوعاً من الارتباط اللزومي بين الشرط والمشروط فيه وهو العقد الجائز، نعم يمكن لأحد الطرفين أن يعدم العقد الجائز ويزيله، ولكنه مادام العقد موجوداً فالشرط موجوداً، ألا ترى في عقد البيع في فترة الخيار يمتنع أن يشترط شروطاً لزومية أخرى كخياطة الثوب؟ لم يقل أحد أنه يمتنع، وكل البيوع فيها خيارات، وأقل تقدير فيها خيار المجلس ففي مفترة خيار المجلس ماذا يعني إذا قال له بعتك هذا الشيء بشرط أن تخيط لي الثوب فهل يقول أحد بسقوط الشرط؟ كلا لا أحد يقول بذلك إن كان العقد جائزاً، فأولاً هو جائز فعلاً وليس جائز طبعاً وليكن ذلك ولكن لا منافاة، فمادام البيع موجوداً فالخيار يصير أما إذا فسخت البيع ذهب شرط الخياطة أما إذا لم تفسخ البيع فأنت ملزم بالخياطة.

إذاً كون العقد جائزاً لا ينافي الالتزام، البعض يعبّر عن هذا الالتزام واللزوم يقول التزام محدود مقيد بوجود العقد الجائز، وهذا صحيح وهو تعبير متين، أنت اعتقدت أيها المستشكل أنَّ هذا الالتزام مطلق بلغ ما بلغ، ولكن نقول إنَّ هذا اشتباه، بل مادام العقد الجائز موجوداً، وبعبارة أخرى الصحة حتى لو كانت جائزة فهي درجة من درجات اعهد والالتزام، يعني مادام هذا العقد موجوداً مثلاً إذا وهب الواهب العين للموهوب وتصرف الموهوب فإذا قال له لماذا تصرفت في مالي فهل يستطيع الواهب أن يحاجج الموهوب ويستأثمه؟ كلا، لأنه تعهد بأنَّ هذا هبة في هذه الفترة فمادمت لم تُفسَخ فالملك للموهوب، لذلك إذا حصل نماء منفصل فهو ملك الموهوب، إذاً العقود الجائزة صحيح هي جائزة، حتى الإذن، فإذا أَذِنَ آذن لمأذونٍ وتصرف المأذون هل للآذن أن يحجج المأذون ويقول له لماذا تتصرف؟ كلا بل بالعكس فللمأذون أن يحتج على الآذن فيقول له أنت تعهدت، فحتى الإذن هو درجة من التعهّد، فالتعهّد درجات، وهذا مطلب ماهوي جنسي مهم في المعاملات أنَّ التعهّد درجات ولذلك قالوا إنَّ اللزوم الموجود في النكاح أقوى وأشد من اللزوم الموجود في البيع مع أنَّ البيع لزومي، إلى درجة أنهم قالوا في النكاح بأن اللزوم فيه كالناموس - عبادي - بخلاف البيع، وهذا مؤشر على أنَّ العهد درجات، وهذا الاشكال لا نستعجل فيه فإنَّ فيه تتمه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo