< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/10/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرمة _ النوع الثالث ( بيع ما لا منفعة فيه).

كنا في عبارة السيد اليزدي في عامل المضاربة، حيث ذكر الأعلام أنه يمكن أن يصوّر عامل المضاربة وكيلاً وهذا بحث لطيف، وهو أنَّ المضاربة فيها ماهية الوكالة وزيادة، السيد الكلبايكاني وكذلك السيد اليزدي وجملة من محشي العروة سبق أن ذكرت أن الأنس بكتاب العروة يعطي دفعة للاجتهاد وهذا مرسوم في حوزة النجف من العمالقة البار الذين أدركناهم وهذا عن أساتذتهم ومشايخهم، يعني الانسان يتعود في مسألة أو فرع من الفروع لا يفق عند المنهاج أو المسائل المنتخبة بل عليه أن يرجع إلى العروة ليحرك بحثه وحينما يراجع العروة ينظر إلى الحواشي والتعليقات قليلاً قليلاً يرى الفارق ويقارن والحوالات التي يذكرها السيد اليزدي من هذا الفرع إلى فرع آخر فيعوّد نفسه والالمام بالعروة والحوالات التي فيها والحواشي التي فيها يعطي جرع قوية مركزة للتدريب على الاجتهاد، لأنَّ الحواشي التي فيها حقيقة عبارة عن نتائج مركزة لاستنباطات لأنظار مختلفة، فهذا باب مهم لبناء ملكة الاجتهاد عند الانسان، وهذه فائدة مرت بنا سابقاً.

نعود:- إنَّ السيد الكلبايكاني وجملة ممن سبقه والسيد اليزدي ومن محشي العروة ينبهون على أن الكثير من المعاملات عبارة عن تركيب ماهوي لمعاملات بسيطة أخرى - وهذه نكتة نفيسة جداً -، أي أنَّ المعاملات طبقات تبدأ من معاملات بسيطة وتتركب فيما بين بعضها البعض فتحدث أنواع وتنوعات من المعاملات وهذه نكتة مهمة جداً، والملفت للنظر وهذا الكلام صراحة من الأعلام هو عمود فقري لباب المعاملات، حتى يغطي بحث المسائل المستحدثة والعقود المستحدثة وهلم جرا، لأنَّ الكثير من الماهيات الجديدة المعاملات كالتأمين مثلاً وهلم جرا من أنواع العقود فإن عقد التأمين صار عقد مالي استثماري جديد، كيف عندنا باب التجارة وباب البورصة أو باب الزراعة التأمين نفسه عبارة أخرى صار باباً استثمارياً مستقلاً ما هو التأمين وما هي أنواعه كيف نحلحل عقود وأنواع وماهيات الـتأمين ؟، والعقود الأخرى كثيرة، الاستصناع وغير ذلك فتوجد عقود متعددة الآن.

فالعقود والمعاملات طبقات كيف أنَّ الماهيات في كل شيء أجناس، جنس عالي وجنس متوسط، أجناس متوسطة ثم يصل إلى نوع، ثم إلى أنواع، وحتى الاجناس المتوسطة هي أنواع بلحاظ ما فوقها وأجناس بلحاظ ما دونها، فقضبة أنه جنس أو نوع أمر نسبي فبلحاظ ما فوقه هو نوع وبلحاظ ما دونه هو جنس، العاملات هكذا، وقد مرّ بنا قبل اسبوع أو أسبوعين فرق العقد عن العهد أنَّ العقد مركب والعهد بسيط هذا في كلام الأعلام، ثم ذهب الأعلام إلى العهد فوجدوا أنه ليس كله بسيط بل مركب مثل الهبة فهي عقد نفس التمليك الواحد راوه مركباً ، الواهب والموهوب فاعل وقابل فرأوا أنه مركب، هذه التحليلات في باب المعاملات ضرورية مصيرية، حتى لأهل الفضيلة لا المجتهدين فقط حتى يستوعب باب المعاملات، لماذا ف النصوص الواردة في باب المعاملات يعبر الشارع عن المعاملات بأنها شرط، وشرط هنا بمعنى العهد ( المؤمنون عند شروطهم ) أي عند عهودهم، وعجيب أنا فهمنا من الشرط أنه ذنب وتبع، كلا أحد أدلة المشهور على العمومات الأولية عند المشهور شهرة عظيمة المؤمنون عند شروهم عين مفاد ( أوفوا بالعقود ) بل وأعم منه، لأنَّ العقود عهد مركب أما ( المؤمنون عند شروطهم ) أعم من كونه عهد مركب أو غير مركب، ( أوفوا بالعهد إنَّ العهد كان مسؤولا ) أعم من العقود.

فالمقصود أنه يجب أن نلتفت غلى هذا المطلب وهو أن تحليل باب المركبات شيء عجيب من أسرار باب المعاملات كلما تضلع الفقيه أو الباحث في تحليل ماهيات المعاملات كلما صار قوياً فطناً، لذلك هنا المضاربة هل هي مضاربة أو هي وكالة وأو هي وجارة، نعم مقابل أن الوكيل يقوم بعمل الموكّل يستأجره فهي في نفس الوقت اجارة ووكالة، لأن هذا النمط من العمل لا يتم إلا من دون وكال فيحتاج إلى وكالة ومأذونية وكيف الأجرة؟ الأجرة ليست معينة وإما لها تقدير متحرك نصف الربح أما ثلثه فهذا الثلث والنصف والسدس الربح قالب متحرك وليس مائة دينار أو خمسين دينار، فرق الاجارة المعهودة عن هذه الاجارة هو هذا الضابط.

فلاحظ أنَّ المضاربة حينما تدخل فيها ترّحها شرائح، جنس واحد جنس اثنين جنس ثلاثة الجنس مع كم نوع، وهذا ينبه على أن الشرع قد يرتب آثار على الجنس الفوقي وقد يرتب أثر على الجنس الوسط وقد يرتب آثار خاصة وتعبد خاص على النوع التحتاني، ولا يكتفي الشارع بترتيب الآثار على الجنس العالي، وهذا البحث الذي ذكرناه هو معركة عملية صناعية بين محشي العروة في أبواب المعاملات، الجزء الثاني من العروة الذي يبدأ من أواخر الصلاة إلى النكاح فيه كتب صناعية نفيسة كالمضاربة الاجارة والمزارعة والمساقاة وغير ذلك فهو مع الحاشي يكون مادة دسمة في البحث، وهذه فائدة معترضة مهمة اضطررنا إلى ذكرها.

نرجع إلى كلام السيد اليزدي:- السيد اليزدي يشرح عمل عامل المضاربة بأنه وكيل وأجير، فهو وكيل وأجير أيضاً، شبيه بالدلال فالدلال وكيل وأجي يأخذ اجرة الدلالة، فوصلنا نحن إلى الصورة الرابعة التي ذكرها السيد اليزدي وهو نفس الصورة السابقة وهي أن يقصد الشراء لنفسه في ذمة نفسه لنفسه مع ضميمة شيء ثالث مع ضميمة شيء ثالث وهو مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين عقد الشراء، وهذا هو فرق الصورة الثالثة عن الصورة الرابعة حتى يكون الربح له فقصد في نفسه حيلةً منه ، هنا اقوال هل تصح أو لا، والصورة الثالثة ماذا كانت؟، فدائماً التدقيق في فرض المسألة أهم بالدرجة الألى من البحث في حكم المسألة فالكثير من التعقيد في المباحث العلمية، لأنَّ الانسان يستعجل في الذهاب إلى أدلة المحمول قبل أن ينقّح الموضوع، وتنقيح الموضوع والتثبت منه يعبّد نصف الطريق إلى فعهم محمول المسألة حكم المسألة، حسن السؤال نصف الجواب، حسن السؤال يعني فرض المسألة وتصور موضوع المسألة.

فعلى كلٍّ هذا بحث مهم، الابهامات والنزاعات حتى التفاوض وسمعتم بعلم التفاوض وهو علم ساسي ويقال إنه من العلوم المعجزة في البشر وهو علم التفاوض، علم التفاوض يقول لماذا أنتم تتخاصمون لأجل ماذا هو يفهم مرادك وأنت أيضاً لم تفهم مراده فلا تناقض بينكما، فهذا يعتقد بأنَّ هذا العمل لا يمكن وذاك يعتقد بأن هذا العمل لا يمكن والحال أنه يمكن، أكثر نزاعات البشر الأسرية والاصدقاء والدول هو بسبب سوء التفاهم يعني هذا لا يعلم ماذا يريد ذاك وذاك لا يعلم ماذا يريد هذا وهذا لا يعلم ما هي السماحة الموجودة وذا لا يعلم ما هي المساحة الموجودة فتصير ضجة بينهما، علم التفاوض يقول له أنت إذا كنت تريد هذه الحدود فهي لا تتنافي فذاك يريد تلك الحدود فيقول له أنا بنائي أنه يريد أن يأخذ هذه الحدود وهذا خطأ وارتباك، لو تقرأون المقالات في علم التفاوض على الانترنيت تجدون أنه علم عجيب، شخص من نجوم هذا التخصص هذا التخصص في الشرق الوسط كتب كتاباً بأن أحد العلوم المعجزة عند علي في نهج البلاغة هو هذا، هذا الكاتب الذي هو فلسطيني اكتشف اعجاز علمي في الوقت الحاضر في نهج البلاغة عند علي بن أبي طالب، إنَّ علم التفاوض عند علي بن أبي طالب لا يدانيه ما توصل إليه علم البشر في علم التفاوض والفاصل كبير، وقد بينه بأدلة، وهو بيّنه باللغة الانكليزية وأيضاً بالغة العربية، فعل كل هذ هي معجزة نهج البلاغة، فنهج البلاغة فيه معاجز علوم ونحن في الحوزة العلمية ليس تخصصنا العلوم المختلف وإنما النحو والصرف وبعض القوانين التفسيرية إذا وهلم جرا لا أن نتصارع مع نهج البلاغة، بينما هذا عنده تخصص خاص في علم سحري اعجازي جديد عند البشر يقول إنَّ نهج البلاغة مذهل في هذا الجانب، فالإنسان لابد أن تكون عنده قابلية حتى يفهم هذا، وطبعاً يشير إلى أنَّ هذه العلوم مستمدة من سيد الأنبياء ومن القرآن ولكن من الذي فهمها واستخرجها من القرآن الكريم غير علي بن أبي طالب، هذا جانب مهم في علم المفاوضات.

فالمقصود هذا المطلب، وهو أن فهم المطلب مهم، يعني أحد دلائل اتقان الفاضل أو المجتهد أو الفقيه للمنهج العلمي أن يتثبت في الموضوع، فلا تستعجل بل عليك أن تتثبت وترى ما هو الموضوع، فتارةً هذا السائل حينما يسأل يعبر بشيء غير السؤال الذي يريه فأنت لا تتسرع في الجواب التفت إلى ماذا يردي فقد يخونه التعبير وغير ذلك فهذه نكات مهمة جداً، يقال إنَّ من أحد ميزات السيد أبو الحسن الاصفهاني أنه كان أعلم اهل زمانه في التثبت في الموضوع ويغبطه عليه أقرانه، فهو عنده حذاقة وفطنة علمية وفراسة في استخراج حقيقة الموضوع في الأسئلة وفي الموضوع، فهنا الآن ما الفرق بين الصورة الثالثة التي ذكرها السيد اليزدي وبين الصورة الرابعة، أمس ذكرنا أنه قصد الشراء في ذمة نفسه لنفسه وما هي ذمة نفسه لنفسه؟ مّر بنا ذلك، الآن لاحظ ذمة لنفس لنفسه وقصد التسديد من مال الغير أما في الصورة الثالثة لم يقصد التسديد من مال الغير ولكن استجد له أن يسدد من المال الحرام، أما هنا هو من الأوّل قصد البيع في نفسه لنفسه بضميمة شيء ثالث وحيثية ثالثة وهو قصد التسديد من مال الغير، هنا يقع العقد لمن؟ في الصورة التي سبقت قالوا مسلّم أنَّ العقد يقع للعامل لأنه قصد البيع في ذمة نفسه لنفسه ولكنه لم يقصد التسديد من الحرام ولكن الاعلام صححوا البيع لنفسه ولكن نحن تأملنا في ذلك على التصوير الذي ذكرناه على الصور الرباعية التي للذمة، هذه الصورة الرابعة إذاً فيها حيثية أخرى تختلف عن الصورة الثالثة، هذه الصورة الرابعة كم قول فيها؟ الآن ثبتنا الموضوع فنذهب إلى المحمول والمحمول فيه اقوال قول بالصحة قول البطلان وقول ثالث ذهب إليه الوحيد البهبهاني وبعض محشي العروة وجملة من الأعلام هو أن هذا البيع يقع لمال المال ولا يقع لنفس الأجير عامل المضاربة الوكيل، نعيد عبارة السيد اليزدي ( الرابع كذلك ) يعني يقصد عامل المضاربة الوكيل البيع قصد في ذمة نفسه لنفسه ولكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء حتى يكون الربح له فقصد نفسه حيلةً منه هنا توجد أقوال، وعليه يمكن الحكم بصحة الشراء وإن كان عاصياً في التصرف بمال المضاربة، هذا هو القول الأول في هذه الصورة الرابعة، ( وضامناً له بل ضامن للبائع أيضاً لأنه لم يسدد دينه لأنه أعطاه مالاً حراماً فيكون ضامناً له ) فالبائع يملك الثمن في ذمة المشتري، حيث أنَّ الوفاء بمال الغير غير صحيح، فليس هو وفاء ويصير ملكاً للبائع وإنما يبقى على ملكية صاحب المال المغصوب، هذا هو القول الأول إذاً فهو صحيح وعلى عامل المضاربة تبعة المال.

القول الثاني: - القول بالبطلان ( ويحتمل القول ببطلان الشراء ) ولماذا ؟ لأنَّ رضا البائع مقيد بدفع الثمن، والمفروض أنَّ الدفع لمال الغير غير صحيح مثل السرقة، لما ورد في الأخبار على أنَّ من استقرض ولم يكن قاصداً للأداء فهو سارق، هذا هو القول الثاني هو نظرية ثانية وهي مهمة أيضاً ولها دلائلها ولست خاصة بالمضاربة بل هي في مطلق الاتجار بالمال الحرام وبمطلق غسيل الأموال وتبييضها أنَّ الأموال الحرام لا يمكن أن تغسلها وتطهّرها بأنَّ تجري عليها معاملات فلا تبيّض، بل حتى التبييض والغسيل لا يطهرها وإنما حتى الغسيل يتنجّس، غسيل الأموال هكذا هو، وهذه نظرية ثانية ، لاحظ أنَّ المشهور قالوا إذا كان البيع كلياً يصح، بينما نحن خالفنا المشهور حيث قلنا توجد أربع صور لمالية الذمة وقد مرّ بنا، هذا القول الثاني الذي تبنيناه ليس تبنّياً نهائياً ، صحيح أنَّ هذا التفصيل صحيح ولكن ليس معنى ذلك أن لا نضم إليه تفصيلات أخرى، أما هذا القول الثالث فهو يقول إنَّ أصل الاتجار بالمال الحرام لا يصح فلا يمكن تغسيل الأموال ولا يمكن تبييضها، بل كل المعاملات التي تجريها ولو كانت كلياً في الذمة تبقى باطلة.

وطبعاً هذا القول بالبطلان هو يقول بالبطلان في أي صورة هل الصورة الثالثة أو الرابعة؟، المضاربة مثال وإلا فالبحث أعم من المضاربة والبيع والخمس والزكاة، هذه الصور التي يذكرها السيد اليزدي في المضاربة ليست مرتبة بالمضاربة فقط بل هي في مطلق الاتجار بمال الغير ومنه القاعدة التي نحن فيها، هذا القول بالبطلان هي نظرية الثالثة في قاعدة الاتجار بالمال الحرام، هذه القاعدة لا تقول بالبطلان مطلقاً وإنما تقول بالبطلان في الصورة الرابعة لا في الصورة الثالثة وهي أن يقصد حين العقد أن يسدد من المال الحرام، فالبحث حسّاس ومجهري ومهم، وبتخيلي أنَّ هذه قاعدة ابتلائية الاتجار في المال الحرام تبحث في الزكاة وتبحث في الخمس وتبحث في المضاربة وتبحث في المكاسب المحرمة وتبحث في البيع وتبحث في الوقف وتبحث في باب الوصية فهي قاعدة عامة وهي الاتجار بمال الغير أو قل بالمال الحرام أو المال المغصوب أو المال غير المأذون به عبارات متعددة لقاعدة واحدة، أنظر كيف أنها قاعدة واحدة مكررة في أبواب عديدة الفقهاء عندهم حذلقات مجهرية في الأبواب حول قاعدة واحدة، تصفّح الأبواب الفقهية يعطي عارضةً للباحث.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo