< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرمة _ النوع الثالث ( بيع ما لا منفعة فيه).

كنا في هذه الروايات الواردة في الباب الثالث من أبواب ما يكتسب به وتقدم أن الرواية الأولى على مبنى الكلية والشخيصة في الأموال ومالية الأموال هي نص في الثمن الكلي وليست في الثمن الشخصي وإن اوّلها الكثير أو الأشهر وحملوها على الثمن الشخصي ولكن هذا خلاف الظاهر بمقتضى ما مرّ بنا من أنَّ الكلية والشخصية في العوض تدور مدار الارتكاز المالي وليست تدور مدار ظاهر آلية التخاطب أو ما شابه ذلك لذلك عبر ( رجل اشترى من رجل ضيعة أو خادماً بمال ) فالمال صفة كلية ، الثمن ملحوظ فيه مالية التي هي صفة كلية وليس ملحوظ فيه أوصاف الصفات الشخصية كما هو الحال في القيمي، هذه الرواية الأولى وقد رواها الشيخ الكليني والشيخ لطوسي أيضأً بسند آخر للصفا.

الرواية الثانية: - موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:- ( لو أن رجلاً سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو أصدقها المرأة فإنَّ الفرج له حلال وعليه تبعة المال ) ، فهذه الرواة على العكش فهي تدل على صحة البيع، ( لو أن رجلاً سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو اصدق المرأة فإنَّ الفرج عليه حلال وعليه تبعة المال ) وتبعة المال يعني يصير مأثوماً، صواحب الوسائل يقول الأول الدال على البطلان دال على الشراء بعين المال والثاني محمول على الشراء في اليمة ذكره بعض الفقهاء ويقصد منه ابن ادريس.

فعلى كلٍّ هنا إذاً هاتان الروايتان متعارضتان أو بالحمل - بالجمع -.

ويوجد باب آخر نقرأه وهو الباب الرابع من أبواب ما يكتسب به الرواية الثانية في الباب هي موثقة سماعة، قال:- ( سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب مالاً من عمل بني أمية وهو يتصدق منه ويصل منه قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب ويقول إن الحسنات يذهبن السيئات، فقال أبو عبد الله عليه السلام إن الخطيئة لا تكفّر خطيئة وإن الحسنة تحط الخطيئة، ثم قال عن كان خلط الحلال حراماً فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحران من الحلال فلا بأس )، أما إذا كان حراماً بعينة فلا يسوغ، ومفادها إجمالا متقارب مع الرواية الأولى التي مرت، ولو أن دلالتها بشكل مبهم اجمالي وليس كصراحة الرواية الأولى التي مرت بنا في الباب السابع.

الرواية الثالثة في الباب الرابع من أبواب ما يكتسب به:- وفيها ارسال خفيف فهي موثقة غلى عبد الله بن بكير عمّن ذكره، وعبد الله بن بكير وإن كان فطحياً لكنه من الثقات ولا يرسل ليكون واسطة بينه وبين الامام عليه السلام إلا ما يعتمد عليه وهذا ما يعبر عليه المشهور بالإرسال الصوري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حلّه فلبّى نودي لا لبيك ولا سعديك ) يعني لا يقبل عمله ( وإن كان من حلّه نودي لبيك وسعديك )، بعض الأعلام أو الشهور التزم بذلك فقالوا حينما نقول إذا كان كلي يصح الصحة شيء والقبول شيء آخر، المشهور على أنَّ الصحة لا تلازم القبول، سـتأتي روايات كثيرة في أبواب عديدة دالة على أنَّ القبول مرهون بطيب المال لا المال الذي تم التعاقد عليه، افترض على مبنى المشهور تم التعاقد على كلي والكلي حلال في الذمة ولكنه دفع من الحرام دفع ثوب الاحرام من الحرام أو دفع اجرة بطاقة التذكرة أو دفع أجرة القافلة، فهو دفعه كلياً والكلي حلال ولكن الدفع من الحرا، أو في المهر المشهور شهرة عظيمة مع قولهم بالصحة ولكنهم قولون لأن القبول مرهوب بطيب المال الذي تم التعاقد عليه والذي تم التسديد به أيضاً، في حين يفصّلون في الصحة بين الكلي والشخصي ولكن في القبول لا يفصّلون وإنما يدور مدار حلية المال كلياً وتطبيقاً - تسديداً -، وقالوا حسب الأدلة أيضاً أن طيب الزواج وطيب الولد مرهون أيضاً بأن المال الذي يسدد به عنوان المهر وإن وقع المهر على الكلي هنا أيضاً الكلام هو الكلام في الفرق بين الصحة والقبول، الصحة والفرق بين الكلي والجزئي هذا في الصحة ولكن طيب النكاح وطيب الفرج وطيب الولد مرهون بحلية المال كلياً وتطبيقاً - تسديداً -، وهذا مسلّم وهذا اثر ثانٍ، الأثر الأول القبول وهو أثر أخروي والاثر الثاني أثر تكزيني دنيوي وأخروي وهو مرهون بالطيب وطهر المال، ويوجد أثر ثالث وهو أنه ( فأنبتها ربها نباتاً حسنا ) طيب الأكل تأثيره على روح الانسان وبدنه مرهون أيضاً بطيب المال كلياً وتطبيقاً، فلا ينفصلان.

فإذاً قبول الأعمال كالحج أو الصوم أو الصلاة وهو الأثر الأول مرهون كالساتر في الصلاة هذا كله مرهون بطيب المال لياً وجزئياً، وكذلك مهر الزوجة وطيب الولادة أيضاً مرهون بطيب المال كلياً وجزياًن الآثار الوضعية وهو أثر ثالث ورابع في الأكل أيضاً مرهون بطيب المال، المشهور مع أنهم فصلوا بين الكلي والجزئي إلا أنهم أقروا بأن الروايات في الأبواب دالة على هذا.

ومن باب الفائدة المعترضة:- إذا كان الذابح يكون مؤمناً أو يكون ناصبياً بالمعنى الأعم فهذا يؤثر على الذبيحة وهذا موجود في الروايات، المستضعف شكل والذي يؤمن بالجبت والطاغوت شكل آخر، ليس معلن العداوة إنَّ معلن العداوة أصلاً ذبحه ليس بصحيح ولكن ناصبي بالمعنى الأعم - المخالف - حتى على الذبيحة يؤثر، صلاح وعدم صلاح الذابح للذبيحة وجوده يؤثر، وجملة من القدماء عندهم الذبيحة لا تحل إلا من مؤمن أو مستضعف والمستضعف يعني الذي لا يأتم بالطرف الآخر وهو غير المؤمن ، فجملة من القدماء ولا أقول كلهم ولكن الكثير منهم أو جلهم يذهبون إلى هذا في باب الذبيحة، فالمهم عملية القبول أو الآثار التكوينية مسلّم أنها مرتبطة.

وهنا يوجد مبحث قبل أن نواصل الروايات في هذا الباب أو الأبواب الأخرى دعونا ننقحه وهو مطلب صناعي مرتبط بهذا البحث بحث المعاوضة بأموال حرام: -

القول الأول:- وقد مرّ بنا وهو قول المشهور، حيث قالوا وقد نقله صاحب الوسائل حتى ابن ادريس قالوا إن عقد على ثمن كلي فالبيع صحيح وإن عقد على عين المال فباطل، وقد مرّ بنا أن هذا التفصيل صغروياً فيه إشكال بغض النظر عن الكبروي أين العقد على الكلي وأين العقد على الشخصي ؟، النقد فيه صفة كلية حتى لو سلّمه عين نقد ولكن طبيعته ملحوظ فيه جهة كلية فماذا يريد أن يقول المشهور أو الأشهر ؟، الآن لنفترض أنَّ العقد وقع على الثمن الكلي فأصبح الثمن ديناً ثم بعد ذلك هو سدد الدين بمال حرام المشهور صناعياً يقولون هنا وقع عقدان وليس عقداً واحداً وقد مرّ بنا بحث العهد والعقد والعقدان هما عقد البيع وعقد تسديد الدين، الدين عقد أو أيقاع اختلف فيه الأعلام وهو بحث صناع حساس يؤثر على أبواب عديدة بغض النظر عن مسألتنا وهي المعاوضة بأموال حرام نفس هذا البحث الذي دخلنا فيه اليوم هو بحث مفيد سواء في هذه المسألة أو في مسائل أخرى في أبواب أخرى وهو أنه هنا يوجد عقدان عقد بيع وعقد تسديد الدين وهذا البحث نستطيع أن نعنونه بهذا العوان كقاعدة فقهية ما هي حقيقة تسديد الدين ؟ هو بحث صناعي مهم هل هو أيقاع أو هل هو عقد أو هو اكمال واتمام للعقد السابق؟ ثلاث أقوال أو احتمالات وهي مهمة ويؤثر في باب الخمس والهبة والارث، وفي باب الربا وفي ابواب عديدة وهي أنه ما هي حقيقة تسديد الدين.

نقطة أولى نذكرها في هذا البحث:- وهي أنه ما الفرق بين باب القرض وباب الديون، في اللمعة والشرائع على ما في بالي، هل الربا يختص بالقرض او بالدين أو بماذا فيوجد عندنا ربا الديون أو ربا القرض أو ربا المعاوضات، المكيل والموزون مثل طن حنطة بطن ونصف من الحنطة فهذا يسمونه ربا معاوضي وقد حرّمه الشارع، هذا يرتبط بالديون أو القرض وإنما يسمونه ربا المعاوضات، كل شيء مكيل وموزون من نفس الجنس لا يصح التفوت في الوزن ولا في الكيل لأنه ربا معاوضي، والربا المعاوضي شيء آخر، الدينار والذهب المسكوكين سكة ذهب بكسة ذهب أو سكة فضة بسكة فضة فهذا فيه تشديد من جهتين من جهة بيع الصرف ومن جهة أنه مكيل وموزون ففيه تشديدان من قبل الشارع أما إذا لم يكونا مسكوكين فقط ذهب بذهب يكون من جهة الربا المعاوضي، أما ما هي الديون والقرض وربا القرض والديون ما الفرق بين الديون والقرض؟ يقولون إن الدين ماهية وجنس عام يشمل القرض وغير القرض، الدين بالدقة أو الديون بالدقة هي تملك شخص لمال في ذمة شخص ثانٍ وله أسباب كثيرة، هذا هو الدين، إما بسب الاتلاف أو بسبب الغصب او بسبب عقود البيع أو الاجارة أو المضاربة أو المساقاة أو الجعالة، سبب تملك شخص أول مالاً في ذمة شخص ثاني أسبابه عديدة ليس هو القرض فقط وإنما القرض أحدها، فإذاً ما الفرق بين الدين والقرض؟ الدين جنس مسبب عام أعم من القرض وير أما القرض هو سبب خاص للدين، يعني يملّك المقرِض المديون مالاً بضمان بملك في ذمته، فالقرض أحد أسباب الدين، فلاحظ هذه هي بحوث الفقهاء التركيز المجهري التحليلي عندهم حول ماهيات المعاوضات أمر مهم، ما الفرق بين الوقف - من باب الاشارة الاجمالية لبحوث ماهيات المعاملات - والسكنى والعمرة أنواع السكن وقف عام ووقف خاص، التركيز في فهم الماهية الجنسية ما هي والماهية النوعية ما هي وأي نوع منها الماهية الصنفية أضيق من الماهية النوعية والالتفات إلى هذا مهم ومنها بحث الديون والقرض الربا القرضي ليس مخصوصاً بالدين القرضي بل يعم كل دين، فلو أردت أن تزيد عليه مقابل التأخير فهذا ربا قرضي يعني حكمه حكم الربا القرضي، أصلاً الربا القرضي تفريعه ورد في ذيل البيع فإن اليهود قالوا ( إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرّم الربا ) ، فالبائع يتقاضى تسديد الثمن من المشتري فيقول له انتهت مدة تسديد الثمن فتعال سددني الثمن فيقول له المشتري امهلني مدة مقابل أن أزيدك زيادة فهنا توجد حرمة، فلاحظ الربا القرضي ليس المقصود منه القرض بل مطلق الدين، مورد تشريع الربا القرضي هو في الديون الناشئة أو غيره فالدين إذاً وليد أعم من القرض وغيره، بخلاف القرض سبب خاص للدين ،جيما يقولون الربا القرضي حرام وهو الذي يسمونه الربا الضريح الذي هو حرب لله ولرسوله ( فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) ما لم ينته المرابي عن رباه وربا الدين ليس المقصود خصوص القرض بل ربا الدين والديون أهم، إذاً نكتة الدوين والقرض يجب ان نلتفت إليها، هذه جهة.

نأت إلى البحث الآن: - تسديد الدين - وليس القرض - هل هو عقد يعني هل هو معاوضة أو هو ايقاع أو هو اكمال للمعاملة، وما الفرق بين الاحتمالات الثلاثة وما هي الآثار؟ إن هذا البحث تترتب عليه آثار كثيرة في عموم أبواب المعاملات وفي الخمس والزكاة والارث وغير ذلك بحوث مالة وبحوث رياضية مهمة، كيف أنه عقد؟

قال القائلون بالقول الأول:- إنَّ هذا المديون حينما يسدد البيع سواء كان الدين من القرض او من الاجارة او دين من الجعالة هذا المديون حينما يسدد الدين للدائن ماذا يصنع ؟ يقولون هو يتعاوض فيقول أيها الدائن أليس تملك في ذمتي ديناً فهذا الدين الذي تملكه في ذمتي أنا أريد أن أملكه منك مقابل شيء نقد كاش، فهنا جعلت دميت مملوكة لك نوع من الرق فأنا أريد أن أسترجع ذمتي مقابل أن أعطيك عوضاً فالقول الأول يقول إنَّ تسديد الدين معاوضة يقل المديون ذمته من مالكية الدائن إلى ذمته مقابل أن يملّكه المال النقدي، قالوا هذه المعاوضة هي نوع من الصلح مثلاً فتسديد الدين نوع معاوضة كالصلح.

وتترتب عل هذا القول آثار سنبينها حتى في مسألتنا التي هي المعاوضة على أموال حرام وهذا أحد المسائل والأبواب بهذه القاعدة ويه قاعدة حقيقة تسديد الدين.

القول الثاني في تسديد الدين:- قالوا إنَّ تسديد الدين ايقاع وليس عقداً، يعني لا توجد فيه معاوضة وإنما المديون يطبق الدين الكلي الذي يفي ذمته وينزله على المال النقدي الشخصي، هذا التطبيق ايقاع ولا يحتاج إلى قبول، وفعلاً فتوى المشهور من ناحية هذه الزاوية وهي أنَّ الدائن ليس له أن يمتنع من أخذ الدين ، نعم إذا أراد أن يسقط الدين أو يبرئه فهذا بحث آخر أما أن يقول له الدين يبقى ولا أريد أن آخذه الآن فهذا ليس من حقه، فالدائن ليس من حقه أن يمتنع عن أخذ الدين مادام هو ليس في صدد اسقاطه، ولذلك المديون يستطيع أن يرمي بالمال امامه ويقول له هذا دينك، فلاحظ الفرق بين القول الأول والقول الثاني فإنه هنا تشخيص الدين بيد المديون وليس بيد الدائن ، بخلاف الأول الذي يكون فيه طرفية معاوضة، أما على هذا القول يصير تطبيق قهري صلاحيته بيد المديون وليس بيد الدائن بخلاف القول الأول مثلاً وهذا فرق بين الايقاع والعقد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo