< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرمة _ النوع الثالث ( بيع ما لا منفعة فيه).

كنا في بحث المعاوضة على المال الحرام وكنا في صدد قراءة الروايات الواردة فهذا المجال في أبواب ما يكتسب به الباب الثالث، الرواية الأولى كنا فيها وقد أتممناها حيث أجاب عليه السلام ( لا خير في شيء أصله حرام ولا يحل استعماله )، هنا هذه الرواية نتدبر فيها أكثر هل موردها بيع الكلي لأنه رجل اشترى من رجل ضيعة أي عقاراً بمالٍ أخذه من قطع طريق أو سرقة فهنا حرام الآن مراده من ( بمال ) هل أوقع هذا البيع بمال شخصي أي هل اوقعه بثمن شخصي أو بثمن كلي ؟ فهل يحل له ما يدخل عليه بسبب المال الحرام؟ فالسؤال أعم من الكلي ولشخصي ، وقد مر بنا شخصية العوضين أو كليتهما ليس كما قد يفترضه جملة من الأعلام أنه إذا عين الثمن في بدء المعاملة فالثمن شخصي وإذا جعل الثمن في بدء المعاملة كلياً فالثمن كلياً وربما الرائج في الكثير من كلمات الأعلام هو هكذا، ولكن يوجد قول آخر سبق وإن تعرضنا إليه وهو الأصح عند التدبر وهو أنَّ الثمن إذا كان قائم بخصوصية العوض وبخصوصية الثمن فيقال الثمن شخصي أما إذا لم يكن قائم بخصوصية الثمن ولو سلّم الثمن ولكن من الواضح أنَّ هذا النقد ليس له خصوصية ولذلك يمكن للمشتري أن يأخذ الثمن ويبدله بمال آخر لأنه بأصل البيع ليس قائم بثمن ونقود خاصة معينة، لأن نفس النقد مثلي ما الفرق بين البيع المثلي والبيع القيمي ؟ البيع القيمي يقولون البيع قائم بشخص الشيء لأن قيمته تختلف عن بقية الأمور هو عين سيارة كعوض أو عين عرصة خاصة كعوض فهذا قيمي وليس له مثل فهنا واضح أن البيع من ناحية هذا العوض يكون شخصياً وهذه نكتة يلزم أن نلتفت إليها وهي أن معاوضة واحدة، فالمعاوضة فيها عوضين عوض ومعوض أو معوضين وعوضين، فهل المعاوضة فيها عوض ومعوّض أو عوضين ومعوّضين ؟

يقولون في النظرة الأولى عوض ومعوّض ولكن بالنظرة الدقيقة هما معوّضين وعوضين، لأن كل معوّض في قباله عوض ونفس ذاك العوض هو معوّض بالآخر فهما معوّضين وعوضين، البائع معوّضه المبيع والعوض هو الثمن أما المشتري هذا ثمنه الذي هو ملكه معوض بالمبيع فلذلك يطلقون على كلا الطرفين عوضين يعني معوضين موجودين وهذا يصح، في عالم المعاوضات والمعاملات يقولون المعاملة والمعاوضة - وربما سبقاً أشرنا إليه اجمالاً، ولكن هنا نضيف شيئاً من التفصيل - المعاوضات والمعاملات بالدقة هي ليست معاملات بسيطة وإنما هي معاملتين البيع نفسه معاملتين وليس معاملة واحد بالقدة التحليلية الماهوية، مر بنا الاشارة إلى هذا المطلب لماذا العقد عقداً ولم يسمى عهداً ، البيع يسمى عهداً وكذلك الاجارة أو حتى القرض أو الوصية أو المضاربة يسمى عهداً ( أوفوا بالعهد ) فهو يسمى عهداً ولكن لماذا يسمى عقداً أيضاً ؟ يسمى عقداً لأنه في العقدة، العقدة وهي ربطة تربط شيئاً بشيء آخر، سمي العقد عقداً لأنَّ فيه عقد وارتباط ورطبة تربط عهداً بعهد، فالبائع يلتزم للمشتري بأن يملّكه الميع في قبال أن يلتزم المشتري للبائع في أن يملّكه الثمن، فعهد مقابل عهد وربط العهدين يسمّى عقداً، فالعقد هو ربط بين عهدين بين التزامين، سمي العقد عقداً هكذا، فإذا قيل العقد عهدٌ صح ذلك ولكنه ربط بين عهدين، العقد هو التزام في مقابل التزام والالتزام هو العهد، وهذه نكتة تترتب عليها بحوث كثيرة في البيع والاجارة والقرض وفي موارد عديدة، القرض عهد أو عقد ؟، بحوث البنوك أو الربا كثيراً تتأثر بهذا البحث، القرض عهد بسيط أو هو عقد فيه عهدين، قالوا هو عقد وليس عهداً بسيطاً أما كيف ذلك فهذا بحث آخر، الهدية والهبة عقد او عهد ؟ ولماذا يسمون الهدية والهبة والنحلة عقدٌ فهذه طبق واحد فلماذا وهي ليست كالاجارة والبيع، وأنا عماً توسعت الآن في تحليل ماهية العقد العهد والشرط والالتزام لأنه لها ربط في بحثنا بالجهة الكلية والجهة الشخصية ، فلماذا يسمون الهبة عقد ظ التحليل افقهي وصلوا إلى هذه الجهة وهي أنه ليس فقط البيع عقد، لأن البائع يملّك المشتري المبيع والمشتري يملّك البائع الثمن، بل بالتحليل الدقيق وجدوا في البيع تمليكين أما في الهبة تمليك واحد فماذا تسمونه عقداً فهو عهد من طرف واحد فلماذا تسمونه عقداً فعليكم أن تسمّونه ايقاعاً ؟!، فأخذوا يحللون مجهراً عقلي فقهياً علمياً فقالوا حتى التمليك الواحد هو عقد وليس عهداً، وكيف التمليك الواحد كالهدية، البيع كأنما هو هدية معوّضة أي تمليكين، دقق الفقهاء فقالوا كلا بل التمليك الواحد هو فيه طرفان وليس طرفاً واحداً ولذلك هو عقد فصار عقد بعقد عقدان يربطان بعقدٍ فوق، إذا كان التمليك الواحد عقداً فعقد العقد بعقد صار عقد فوقاني، إذا كان التمليك الواحد عقداً، فالتمليكين صار ربط عقد بعقد وهذا يعبرون عنه تضخم المعاملات والعقود، وتضخمها يعين فميا يعنيه يعني توسعها، وإذا كانت هذه الكملة في كلمات حواشي المكسب لسود وفحول محشي المكاسب الكبار يعبرون وحتى صاحب الجواهر معاملة فوقانية، وفوقانية يعني مثل الخيمة وهي تشمل على عقود داخلها، وكيف يكون التمليك الواحد عقداً فما معنى أن يكون التمليك الواحد عقداً كالهدية ؟ يقولون التمليك كيف هو التلقيح بين الرجل والمرأة فالرجل يخرج ولكن المرأة إذا لم تستقبل لا يتم الجنين فيلزم أن تستقبل المرأة المتملّك منفعل والمملِّك فاعل، فدائماً الفاعل يحتاج إلى منفعل، فإذاً هي عملية مركبة بين فاعل ومنفعل، لأن هذا المنفعل لو أبى أن يتملّك لا يتم الملك وليس من حق أحد أن يدخل في حيطة ملكيته وشؤونه ملك هو لا يريده، فهو ليس مثل الارث، فإنَّ الارث تمليك قهري وهذا ليس تمليكاً قهرياً، فلاحظ أن نفس الاستجابة والقبول مثل استجابة المرأة مثلاً لماء الرجل مع أنه فاعل وليسا فاعلين، ففاعل ومفعول بهذا المعنى وإن كان يقولون الرجل منفعل والمرأة فاعل هذ في التحليل الفيزيائي والفسيولوجي ولكن نحن لا نريد الدخول في هذه التفاصيل وإنما اجمالاً هذا المطلب، كما يقال الطفل يستعطف الأب ولكن الأب ايضاً منفعل عن الطفل، فحينئذٍ التمليك الواحد بالقدة هو فعل شخصين وليس فعل واحد غاية الأمر فعل غير متابه الأطراف أحدهما فاعل والآخر منفعل، فإذاً رأوا أن نفس الهدية أيضاً هي عقد بالدقة خروج الملك من المالك الواهب أو البائع، فلولا أنّ المشتري يقبل وستقبل المبيع لا يدخل المبيع في ملك المشتري.

فإذاً انتقال المبيع من البائع إلى حوزة ملكية المشتري لا تتم بمجرد ارادة البائع، بل لابد من ارادة من المشتري، فنفس عملية نقل البيع هي عقد بمجرده من طرف المبيع كذلك المشتري عندما يلتزم ينل الثمن للبائع من دون أن يقبل البائع دخول الثمن في ملكه المشتري لا يستطيع أن يرغم البائع على دخول الثمن في ملك البائع، فإذاً عندنا هنا عقدان مثل أن تقول هبتان ربطتا معاً عقدي هبة وعقدي مليك عقدا وربطا مع بعضهما البعض ، هذه التحليلات صحيحة وليست تخرصات من الفقهاء والقانونيين ويترتب عليها آثار في بحوث الكثيرة ما الفرق بين باب الارث وباب البيع وغير ذلك، في الوصية تارة الوصية عقدية يعني لابد من قبول الموصى له وتارة الوصية عهدية رغم عليه يقبلها ويلزم أن يعمل بها، فمتى تكون عهدية فلا تتوقف على قبوله وتارة تتقوف على قبوله وهذا موجود في باب الوصية، فلاحظ أنَّ باب المعاملات هناك هيكل كلّي وقاعدة كلية يلزم أن نركّز عليها، وإلا فلا نستطيع أن نغوص في باب المعاملات باباً باباً، فهذه قواعد كلية مهمة بها استطاع الفقهاء أن يفهموا نكات الأدلة والروايات والضوابط والآثار.

نرجع إلى مبحثنا: - كلية البيع بماذا وشخصيته بماذا ؟، نرجع نفس إلى ما كنا فيه ونستثمره كلية البيع الاجارة كلية او شخصية وبماذا وغير ذلك من المعاملات كلية بماذا وجزئية بماذا؟، لأنَّ أصحاب القول الأول في المعاوضة على المال الحرام الذي هو قول المشهور تبييض الأموال وغسيها قالوا إن كان كلياً فنعم وإن كان شخصياً فهو باطلن فتعالوا لنعرف الشخصي والكلي على مدعاكم فما هو الكلي والشخصي؟ كيف يصير البيع كلياً وكيف يصير شخصياً، هنا نكتة يلزم أن نركز عليها وهي مهمة وهي أن العقد الواحد هل هو عقد واحد أو عقدين؟ بالدقة هو ليس فقط عهدين وإنما هو أربعة عهود، البيع عقدٌ ولكن كما مر بنا البيع الذي هو معاوضة يمكن أن يفرض عقدين أو لا؟ البيع نفسه يمكن أن يفرض عقدان فيصح أن يقال إنَّ البيع من جهة كلي ومن جهة أخرى شخصي، مثلا من ناحية المبيع البيع شخصي لأن العرصة واحدة والعقار واحد والسيارة مشخصة أما من جهة الثمن كلي أو العكس قد يكون الثمن شخصياً المبيع كلياً، ومتى يصير المبيع كلياً؟ إذا كان المبيع مثلياً، أما إذا كان المبيع قيمياً فيصير المبيع شخصياً، وهنا توجد وقفة مهمة وحساسة وهي أن أبيع الواحد قد يكون كلياً كلياً وقد يكون شخصياً شخصياً وقد يكون كلياً شخصياً أو شخصياً كلياً، أربع صور، وهذه تترتب عليها آثار وليس قصة ترف أفكار وإنما تترتب عليها آثار، حصرية العقد أين وغير ذلك فيلزم أن نلتفت إلى ذلك، فإنَّ كلي شخصي قابلة للتصوير، ولندرس القضية ويه ان كلية البيع أو العوض سواء كان بيعاً أو اجارة أيضأً هكذا اجارة كلية أو شخصية والثمن شخصي أو كلي، فكل هذه قابلة للتصوير، وكذلك المضاربة والمساقاة والجعالة وغير ذلك، باب الماليات الكلية أين ؟ الكلية في المثلي والشخصية في القيمي، وربما مرة دخلنا في معنى القيمي والمثلي وهذا اربك الكبار ومرة من المرات في مباحث المكاسب المحرمة صار غوص فيه ولكن ليس بشكل كامل والآن أيضاً لا أريد الدخول فيه ولكن الآن بحث ما هو ضابطة المثلي وما هي ضابطة القيمي وهي قاعدة خطيرة تؤثر على بواب المعاملات والارث والخمس والزكاة وغير ذلك، ففي الماليات الكلية في المثلي والشخصية بالقيمي، ومرّ بنا أنَّ النقد طبيعته مثلي وليس قيمي، فالنقد متماثل كدينار أو دولار أو جنيه فهو مثلي وليس قيمي، فإذا كان النقد مثلياً وجعل عوضاً في الاجارة أو في البيع أو غير ذلك فهل يتبدل ويصير شخصياً ؟، هو بيعه من جهة المالية مثلي بحسب أغراض العقلاء النوعية والتي تدور المعاملات على مدارها، ينقلب سواء سلمت اولاً انت ذهبت تشتري الاحرام لماذا دفعت المال أولاً بل استلم احرام الحج أولاً حتى يصير الثمن كلياً ثم سدده درءً لشبهة ربما تخميسك ليس بصحيح أو أنك ناسي الخمس أو ناسي حقوقاً أخرى، فدفع الثمن أولاً لا يقلب الثمن الذي سلمته إلى البائع إلى ثمن شخصي وإن قال الكثير من الأعلام بذلك، ولكن بالدقة بحسب الأغراض النوعية في المعاملات هذا الثمن ليس واقعاً على شخص هذه الورقة النقدية، لذلك لو صار نزاع واحتجاج بين البائع والمشتري يحج أنه شخص من جهة النقد كلا بل هو ليس شخصياً ، فلاحظ أن نقد الثمن غير أن الثمن شخصياً، المثلي قد يشترط فيه الإقباض، المثلي أليس كلياً فكون العقد كلياً لا يعني انه لا يشترط الانقاد والقبض واشتراط القبض لا يعني أن المبيع ليس كلياً، إذاً بين نقد الثمن وكلية الثمن لا تنافي في البين، أنقه يعين اقبضه، احد معاني النقد الاقباض لا ينافي أنه مثلي ولكي، حينئذٍ حتى لو سلم الثمن قبل المبيع إذا جعل الثمن فقال له أنا اشتري هذه السيارة الشخصية منك ايها البائع بهذه السيارة ثمناً لها فهذا ثمن شخصي واضح، لأنَّ المفروض أن الثمن قيمي وليس مثلياً، وقد يكون المبيع كلياً، كما لو قال له سيارة نوع كذا موديل كذا ولكن الثمن هو هذه السيارة الشخصية فهنا المبيع كلي والثمن شخصي، أما كلامنا في النقد ففي النقد الثمن حتى لو سلّمه أولاً هو كلّي.

وأنا ذكرت هذه المقدمة لأجل أن نشرح الرواية، قال ( اشترى ضيعة ) فالضيعة شخصي وسواء كلياً أو شخصياً واشترى خادمة يعني جارية تخدمه فهذا المبيع شخصي ( بمال حرام ) فهذا المال المراد به شخصي أو كلي ؟، لأنَّ العلماء اصحاب القول الأول الذي هو قول المشهور حملوا الرواية على أنه بيع بثمن شخصي لأنَّ الامام عليه السلام قال ( لا خير في شيء أصله حرام ولا يحل استعماله ) فهنا ما هو مراده هذه الرواية التي هي عالية السند ومعتبرة السند حملوها على الثمن الشخصي ولكن ما الوجه في ذلك ؟، لو كنّا نحن والرواية ولم ندخل في بحث القواعد، نعم دخلنا في بحث القواعد ولكن لم نربط بين القواعد بالروايات، هنا قالوا لعل هنا المراد انه سلّمه المال في بدء المعاوضة يعني اشتري منك هذه الضيعة بهذا المال ولكن حتى لو قال ( هذا المال ) هل يوجب تشخيص وشخصنة المال فيكون البيع شخصياً، وقد مرّ بنا أنَّ الكلية والشخصية تدور مدار المالية، فدعوى أنَّ هذه ليس في الثمن الكلّي مشكل ومع ذلك الرواية تقول ( لا خير في شيء اصله حرام ) فلو كنا نحن و ( لا خير في شيء أصله حرام ) فقد يكون له آثار، ليس يتعرض لأصل البيع وإنما يتعرض إلى تبعات هذا البيع، ولكن بعد ذلك قال ( ولا يحل استعماله ) فهذا واضح ، فقد يقال إنَّ ( لا خير ) قد تتناسب مع الكراهة، أو ليس الكراهة وإنما تتناسب مع الآثار التكليفية والتبعات ولا ترتبط بالمعنى الوضعي التي ترتبط بصحة وفساد البيع، ولكن بعد ذلك حينما يقول ( لا يحل استعماله ) فهذا فساد وضعي واضح وليس فساداً تكليفياً، فإذاً بجمع هذ الترتيب انصافاً الرواية ظهورها ظهور قوي في كون الثمن كلياً ولكن مع ذلك يقول عليه السلام هو باطل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo