< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/10/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : المكاسب المحرمة _ النوع الثالث ( بيع ما لا منفعة فيه).

وصل بنا المقام في التعاوض بالمال الحرام والقوال فيه إلى القول الثالث والقول الثالث يفصل بلحاظ أن هذه الذمة ذمة حقيقية أو حقوقية ناشئة من منشأ حرام أو من منشأ حلال ففي هذا القول المدعى فيه هو أن المنشأ تارة يكون حيثية تقييدية للذمة وتارة يكون المنشأ حيثية تعليلية، الآن كيف ندقق في موارد الحيثية التقييدية ونميزها عن موارد الحيثية التعليلية هذا يحتاج إلى تدبّر وتحليل وتدقيق هذا صحيح، ولكن على أية حال المهم هو هذا الفارق فمثلاً عقلائياً الآن في القانون الوضعي أن الذي يتعامل بذمة مالية ناشئة من الشخصية الحقوقية الاعتبارية الحيثية الحقوقية الاعتبارية هنا تقييدية، مثلاً تعامل كمدير بنك هذا لا يستطيع هذا المدير بعد الاستثمارات الطائلة يقول أنا أوقعت هذه التجارات أو الاستثمارات باسمي ولم تكن الجهات المالية الكبيرة تتعاوض معه كما هو زيد بن أرقم بل كانت تتعاوض معه بما هو مدير بنك فهنا الذمة المالية لشخصيته الحقوقية الاعتبارية حيثية تقييدية لأنها هي طرف التعاقد وليس طرف التعاقد شخصيته الحقيقية زيد بن أرقم، مثل ما مر بنا في باب النكاح المتعاقدان طرفي التعاقد وطبعاً المراد بطرفي النكاح المتعاقدان ليس المجريان للعقد لأنه قد يكون مجريا العقد وكيلين فالوكيل أداة وآلة للموكّل فالمتعاقد الحقيقي هو الموكل بل الولي أيضاً هكذا الوليان للزوجين يجريان العقد هما ليسا متعاقدين وإنما هما راعيان للمتعاقدين، ففي النكاح من باب المثال يقولون بان طرفي التعاقد ركن ولكن في البيع يقولون طرف التعاقد هما العوضان وليس المتعاقدين وطبعاً يوجد لغط ولو كان المشهور وهو الصحيح يقول بأن المالكين للعوضين هما طرفان بالتبع للتعاقد، فالمقصود لاحظ أنَّ في العقود بعض الموارد الحيثية التقييدية شيء وفي العقود الأخرى نفس هذا الشيء يصير حثية تعليلية وليس تقييدية، اكتشاف الحيثية التقييدية والحيثية التعليلية في العقود والمعاملات والمعاوضات أمر حساس ومهم، نعم مثلاً باب الوكالة ماذا يصنع باب الوكالة مع العقود هل يحمل المسؤولية للوكيل أو يحمّل المسؤولية للموكّل أو يفصّل في تحميل مسؤولية العقود بين الوكيل الموكّل يوجد لغط عند العلماء وعند القانونيين عموماً وهي بحوث مهمة، شبيه أنَّ الحيثية التقييدية في بعض الآثار والأحكام أين والحيثية التعليلية أين، على صعيد الاثبات أو على صعيد الثبوت ؟، مثلاً البائع نازع المشتري والمشتري قال أنا وكيل ولكن البائع قال له أنا لا يهمني أن تكون الوكيل ولكني ألزمك أنت لأنك نتن الذي تعاقدت هذا الالزام القضائي أو الفتوائي للوكيل بأن يقوم بالتزاماته ومسؤولياته في العقد هل على صعيد الاثبات أو على صعيد الثبوت؟ هذه كلها بحوث حساسة ومهمة يلزم الالتفات إليها ولسنا في صدد الخوض في كل تفاصيلها، ولكن لأجل بيان هذه النكتة وهي أن الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية تختلف في البحوث والعقود فيلزم أن يلتفت إليها، فهنا يقع الكلام الآن ، والعقود ايضاً ليست على منوالٍ واحد وإنما على أنحاء مختلفة، مثلاً الآن الرشوة التي تقع في المعاملات التجارية أو الصفقات التجارية الكبرى أو الصغرى أو الوسطى وليس كل رشوة حرام بل عندنا الرشوة في القضاء حرام، أما العامة فعندهم الرشوة في كل شيء حرام ، نعم هي مكروهة في غير القضاء نعم، الرشوة الحرام عند الامامية هي في باب القضاء أو باب الولاة مشهور علماء الامامية عندهم الرشوة حرام في هذين الموردين والقضاء واضح أما الولاة يعني أن هذا مسؤول بمسؤولية عامة كمدير شعبة أو غير ذلك والمفروض عليه أن يقوم بمسؤوليته ولكنه لا يقوم بها إلا أن يرشيه الانسان، في باب القضاء الراشي والمرتشي حرام أما في باب الولايات الذي ذهب إليه السيد الخوئي والسيد الكلبايكاني وغيرهم من الأعلام الراشي إذا كان ذي حق في غير باب القضاء كأن كان هذا حقي ولكنه لا يقوم بحقي كأن يكون عندي استحقاق خدمي ولكنه لا يقوم به ولو أنَّ الفساد المالي غير صحيح هنا الأعلام يقولون الراشي ليس عليه حرام لأنه يريد حقه أما المرتشي فالمسؤول إذا لم يقم بوظيفته فعليه يكون حراماً، بخلاف باب القضاء فإن الراشي والمرتشي حرام عليهما حتى في موارد الحق، حتى لوكان الراشي يرش القاضي والمحكمة لنزاع هو محق فيه وليس متردد بأنه محق فيه الطرف الآخر مبطل ولكن مع ذلك لا يجوز الرشوة في باب القضاء، أصلاً سبب نزول هذه الآية الكريمة التي نحن فيها ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الحكّام )، فأصل مورد نزولها هو في الرشوة في القضاء ولكن توجد روايات عنهم عليهم السلام شاملة للحاكم الوالي غاية الأمر في الحاكم الوالي الراشي المستحق لهذه الخدمة ولكن هذا المسؤول الذي لا يقوم بهذه الخدمة إلا بهذه الرشوة فحرام، ولو أنَّ هذا كطابع عام هو مرض ولكن الراشي هنا لا يسجل عليه إشكال شرعي إلا بعنوان شرعي أو عنوان آخر كإشاعة للفساد ولكن يحرم على المرتشي، نعم إذا كان المرتشي يقوم بخدمة زائدة أو خارجة عن المقرر له فالسيد الخوئي هنا يفتي في الجوا في باب الولاة وليس في باب القضاء في بحث الحكومة، فهو يفصل هذا التفصيل وإلى حد ما السيد الكبايكاني وغيرهما من الأعلام.

فالمقصود أياً ما كان لاحظوا في باب الرشوة بغض النظر عن الرشوة المكروهة والرشوة أو الرشوة الحرام أو الرشوة غير الحرام الراشي يرشي هذا لأنه مسؤول أو لأنه بيده الحل والعقد ولكن يرشيه من حيث شخصيته الاعتبارية الحقوقية وهذه حيثية تعليلية لها منشأ يعني تعطى الرشى والهدية كونه مسؤولاً، أما إذا لم يكن مسؤولاً فلا يعطيه ولكن هو حينما يعطيه صحيح بصفة أنه مسؤول ولكنه حينما يعطيه فهو لا يتعاطى ويتعاقد مع الموقع الحكومي وإنما تعاطى الناس مع زيد بن أرقم، هنا لاحظ الشخصية الحقوقية الآن بغض النظر عن كون هذا جائز أو حرام فكلامنا ليس في الحكم الشرعي أو القانون وإنما كلامنا في تشخيص البحث الموضوعي أين هي الحيثية التقييدية واين هي الحيثية التعليلية والتثبت والفرز بين هذه المواد ، فهنا يعطيه صحيح أنه صفته أنه مسؤول ولكن لا يعطيه لمقام المسؤولية يعني يبقى هذا في خزينة ميزانية هذه الدائرة كلا بل يعطيه شخصياً ولو بسب أنه مسؤول هنا غذاً الشخصية الحقوقية الاعتبارية حيثية تعليلية وليست تقييدية صحيح هي تعليلية ولكنها ليست تقييدية، هذه المسألة محل ابتلاء وبوجد مثال آخر استفتي فيه الأعلام وهو أنَّ الوكيل فالوكيل دلّال الكثير يقول أنا أريد رأس مال حتى أعمل ولكن يقال له كلا لا تحتاج إلى رأس مال وإنما تحتاج إلى خبرة ادخل في سوق أي سوق، سوق الأغذية او سوق النفط أو سوق الالبسة أو سوق الحديد إذا كانت عندك خبرة فنفس خبرتك هي راس مال نفس الوساطة هي نوع استثمار.

يوجد سؤال يوجه وهو وجود حتى في الروايات وهو أنَّ هذا الوكيل البائع يقول له لا تذهب إلى البائع جيم أو دال وإنما البائع ألف اعطيك هدية كذا وأنت اشتر مني فأنت تريد البضائع وأنا أعطيك هدية أخرى مقابل أن هذه الشركة التي تعمل فيها كأن أعطيك صفقة أسلحة مثلاً ولا تبقى على سوق المبيعات الجزء وإنما الكل مبالغ كبيرة ولكن الكل بحث آخر وإنما كلامنا تحت ذلك، فهنا الوكيل المتوسط أو الصغير هو عندما وكله الموكل هو تعاقد على أنه اشتري بهذا السعر ولكن اثنين من السعر لي فقال له لا بأس بذلك وأيضاً قال له أنا بشرط أن أحصل لك على البضاعة باقل سعر من السوق ويذهب إلى البائع ويقول له عندي طلب لشراء مبيعات كذا فإن أردتها فاعطني هدية حتى أجلبها لك فقبل بذلك واشتري منك وبشرط أنه اشترى هو لموكِّل بنفس السعر الذي أراده أو بسعر السوق أو أقل منه هنا هل يحل للوكيل أن يأخذ من الطرفين ؟ نعم يصح ذلك وهذا منصوص، ولماذا؟ لأنَّ هنا البائع وهذا على الوكالات الصغيرة والمتوسطة هنا يقولون هنا هو وكيل فهذه شخصية حقوقية اعتبارية وليست حقيقية وهو استثمر هذه الشخصية الحقوقية - الوكالة - وجنى منها هنا شخصيته الحقوقية الاعتبارية هل هي حيثية تقييدية؟ كلا ليست تقييدية وإنما هي تعليلية لإنَّ الهدية وقعت لشخص وإن كان بسبب كونه وكيلاً، هذا على صعيد الوكالات الصغيرة السوقية من بيع الفرد وليس بيع الجملة بلا شك عقلائياً يقولون بأن هذا هنا شخصية الحقوقية الاعتبارية الوكالة والوكيل هنا حيثية تعليلية وليست تقييدية فيملك ما أخذه ولا مشكلة وكذلك المتوسطة أما إذا ارتفعت وكان وزيراً أو معين وزيراً أو مديراً فهذه صفقات ضخمة كأن يشتري أجهزة كهرباء لكل الدولة أو صفقات أسلحة هنا الحيثية الحقوقية حيثية تقييدية أو تعليلية؟ القانونيون عموماً يقولون بأن الحيثية هنا تقييدية وليست تعليلية، فإذا صعدت كقوانين لا أظن في دولة من الدول تعتبر الحيثية هنا تعليلية وإنما تعتبرها تقييدية وما هو السر أن المشرّع الوضعي فصّل، فعقلائياً لماذا يفصّلون فإنه لابد من وجود منشأ لذلك ؟، توجد أمثلة أخرى يجري الاستفتاء فيها في نفس خضم هذه المباحث الآن شخص توجد عنده أموال ويريد أن يسافر فيخاف عليها فيعطيها وديعة لطرف آخر، والوديعة ليس اصطلاح، البنك الآن حينما يقول ودائع ماذا يقصد من الودائع فهل هي وديعة اصطلاحية؟ كلا، فانت حينما تودع البنك أموالك فهذه وديعة بالمعنى اللغوي أو بلحاظ الغاية وإلا فحقيقة الصورة ليست وديعة لأنه في الوديعة الودعي لا يتصرف في الوديعة ولا يتملكها أما الذي يجري في البنك، البنك يأخذها ويتصرف فيها ويمزجها مع سيولة خزنته ويعطيها للآخرين ويتملّكها فلا تكون وديعة فكيف سموها وديعة؟ يقصدون من الوديعة أن ذمة البنك صارت وديعة، يعني بعبارة أخرى فقهاء القانون الوضعي العقلائي يلاحظون أن الوديعة ليس كعقد وإنما الوديعة كغاية شيء كلّي يمكن اندراج القرض فيه للمقترض الذي تكون ذمته قوية وفي هو بذمته، إذا طلب ذمة قوي جداً فبدل أن تكون أموال المالك متشخصة في أعيان خارجية يستبدل المالك هذه الأعيان المتشخصة لنه قد يصير انفلات أمني فلا يستطيع ان يحفظها بينما إذا ملّكها الدولة فالدولة سواء ذهبت أشخاصها أو لم تذهب أشخاصها ذمتها قوية فهنا يؤمّن المالك أمواله بدلا من أن تكون أموالاً شخصية يبدلها إلى بدل وهو ذمة الدولة أو ذمة شخص يستطيع أن يفي، وهذا وديعة بالمعنى العام اللغوي، يعني يكون في أمن وتأمين وليس وديعة اصطلاحية، فلاحظ هذه الوديعة - وأنا لا أريد الدخول في تفاصيل المثال ولكن يلزم الالتفات إلى الحيثيات - فهذه الوديعة في الجانب الكلي هي وديعة وليست في الجانب الكلي أما في الجانب الشخصي هي قرض، في الجانب المالية الكلية هي وديعة وهذا صحيح، ولكن نحن لا نتكلم في هذا، فهنا صار النظر المالي في باب سوق المال ينظر إلى الحثية الكلية بشكلٍ وينظر إلى الحيثية الشخصية بشكلٍ آخر، فهاتان حيثيتان في البحث، ولماذا نثير هذا البحث؟ الآن ستأتينا الروايات في بيع المال الحرام والمعاوضة على المال الحرام بعض الروايات تنظر إلى الحيثية الكلية وبعضها تنظر إلى الحيثية الشخصية، وهذا بحث حساس وصعب ومعقد يجب أن نركز عليه، سينفعنا في المقام وفي أبواب فقهية كثيرة، التفرقة بين الحيثية الشخصية والحيثية الكلية في الشيء الواحد، في باب الخمس الذي هو من الأبواب الصعبة ربما أساتذة وغير لك طول عمرهم يبحثون ولكن حينما يصلون إلى أبحاث الخمس تصير عندهم غفلات عجيبة غريبة سببها الدقة والصعوبة في باب الخمس في هذه الحيثيات المالية، حتى أنه طبعت كتب فيها غفلات عجيبة سببها صعوبة البحث، الآن لاحظوا في الخمس موضوع الخمس - ولا أريد التشعب وإنما كلامنا فقط في التفرقة بين هذه الجهة الكلية عن الجهة الشخصية لا أكثر في بحث الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية ونحن أيضاً في بحث المال الحرام والمعاوضة على المال الحرام - ففي الخمس كمثال الخمس يعتمد على ركنين في الموضوع نعم توجد جهات كثيرة ولكن هاتين الجهتين هما الأهم هما جهة المالك هذا عنوان والعنوان الثاني هو الربح أي كونه ربحاً، فالخمس هو فاضل أرباح المؤونة، هل الخمس كموضوع للخمس يتأثر بشخص العين ؟، الخمس موضوعه قائم بالجهة الكلية في العين، المالية شيء كلي والملك شيء كلي، الملك ملك الكلي فالملك أيضاً يرتبط بالشخص ولكن يرتبط بالجهة الكلية ويرتبط بالربح فلو تم التعاوض وتبدل للعين بعينٍ أخرى، لكن الكثير من الفقهاء حصل عندهم اشتباه ظناً منهم أنَّ الخمس يتعلّق بشخص شخيص العين وهذا أكبر اشتباه في باب الخمس، الخمس باب فقهي وهو في منطق أهل البيت عمدة الزكاة هو الخمس وليس الزكوة ) ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكوة ) ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكوة ) المراد به الخمس، الصدقة لا بمعنى اعطاء الناس وإنما صدقة نظيفة ، فالخمس شيء عظيم، هم الأئمة بينوا أن الصدقة أو الزكاة بالمعنى العام وليس بالمعنى الأخص هذا الخمس الذي هو حساس الكثير يتوهم أنَّ الخمس موضوع قائم بشخص العين وهذا اشتباه ويسبب التباس وارباك في أمور كثيرة، إذا استطعت أيها الباحث أن تميز الجهة الكلية عن العين عن الجهة الشخصية تضبط باب الخمس المعقّد، لأنَّ الخمس قائم بالمالية، الآن مثلاً التاجر يقال له كم راس مالك أو كم السيولة التي عندك فيقول مليار مثلاً فهل المليار قائمة بشخص اعيان؟ كلا وإنما هو يبدلها دائماً ولكن المعدل كله مليار فيقول لا ربحت السنة ولا خسرت، فهو لا يلاحظ شخص الأعيان وإنما يلاحظ معدل القيمة والقيمة المالية ليست قائمة بشخص الأعيان وإنما هي مثل الشيء الكلي الجاري السيّال في أعيان عديدة - يتحرك -.

ولماذا نطرح هذه البحوث؟

لأنه في باب المعاملات والمعاوضات أحكام على وتيرتين، كيف أنَّ الحيثية تقييدية تعليلية أيضاً الأحكام هكذا، فتارةً تنصبُّ على الجهة الكلية وأخرى تنصبُّ على الجهة الشخصية، أما أنه كيف نميز ذلك؟ سيأتي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo