< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرمة _ النوع الثالث ( بيع ما لا منفعة فيه).

وصل بنا البحث إلى مالية الذمة في هذا القول الثالث، ونقلنا أنَّ الآن في القانون الوضعي عندهم أن الاعتبار المال إن كان ناشئاً من الحرام فهذه الذمة ليست ماليتها حلال أو أنَّ هذه الذمة ناشئة من حلال ولكن ليست ناشئة من الشخصية الحقيقية وإنما هي ناشئة من الشخصية الحقوقية فماليتها عندهم في الحقيقة التي يملكها هو الموقع الآن مدير مؤسسة معينة أو مدير بنك أو وزير يتعامل أو يعقد بما هو وزير في الدولة او ما شابه ذلك له ذمة مالية معينة كبيرة فإن ميزانية الدولة كبيرة وهذه ذمة مالية كبيرة وليس بالسهلة ولكنه لا يملك هذه الذمة المالية وإنما الذي يملكها هو الشخصية الحقوقية الاعتبارية لا هو بما هو زيد بن أرقم وإنما الذي يملك هذه الذمة المالية هو الموقع هنا الذمة المالية ليست حراماً بل هي حلال باعتبار أنه موقع شرعي سائغ ولكن مع ذلك هو لا يملك هذه الذمة المالية، بل الي يملك الذمة المالية هو الشخصية الحقوقية وليست الشخصية الحقيقية فمن ثم عند عرف العقلاء العصري الذمة لها شؤون أيضاً سواء كانت محللة أو محرمة وليست على منوال واحد تقدم بنا أمس ما ذكره الفقهاء في باب المضاربة أنَّ عامل المضاربة تارة يوقع العقود لنفسه طبعاً يوقعها لنفسه وإن كان ليس نيته النهب والمصادرة ولكن يوقعها لنفسه فإنَّ صاحب المال لا يعرفه التجّار فيوقع المعاملة لنفسه ولكن مقصوده بهذه المعاملة التي يوقعها أنها في سياق المضاربة لا أنها في سياق غير المضاربة وتارة يوقع المضاربة في ذمة مالك المال وتارة يوقع المعاملة بشكل مبهم مردد أو ارتكازي، فالمهم توجد عدّة صور ذكرها الفقهاء في عامل المضاربة، وهذا مهم وهذا ليس فقط في بحث عامل المضاربة بل في كل وكيل يوقع عقداً وكّل فيه سيما في المعاوضات المالية ، يوقع عقداً كيف يوقعه، وهذا بحث حساس.

وتوجد فائدة ضمنية لا بأس بذكرها:- وهي أن من أوقعت له المعاملة هل يجب أني علم به الطرف الآخر او لا ؟ ، بائع ومشتري فالبائع او المشتري افترض ان أحدهما وكيل أو الاثنين وكيلان ولكن كل واحد منهما لا يخبر الآخر بأنه وكيل أو أحدهم أصيل والآخر وكيل ولكن لم يبرز أنه نشئ أن المعاملة لغيره وإنما ظاهر الحال أنه ينشئها لنفسه فهل تقع عن الأصيل أو تقع عن الوكيل ؟، لاحظوا في باب النكاح طرفي العقد الزوج والزوجة لابد من تعيين الطرفين، تقوم النكاح تعيين شخص الزوج وشخص الزوجة أما في البيع المهم تعيين المبيع وتعيين الثمن سواء كان كليا أو شخصياً ، ولماذا ؟ لأنَّ العوضين في اليع أو الاجارة أو القرض أو غير ذلك هما أساسيان، أما المتعاقدين أو قل المتعاوضين أساسيين أن لا ففيه اختلاف، مثلاً الآن هذه الدار العرصة الشخصية الوكيل يبيعها على مشتري والمشتري يعتقد أن هذا الوكيل هو مالك الدار فأوقعا البيع حينئذٍ ثمن العرصة هل ينتقل إلى الوكيل أو إلى مالك الدار؟ المسهور يقولون إن ثمن العرصة ينتقل إلى مالك الدار وإن نوى المشتري أنه يملّك الثمن للمتعاقد، وهل هذا يصير تدافعاً في الانشاء وواقع العقد ؟ يقولون كلا لا يصير تدافع لأنه في البيع والتجارة والمعاوضة يدخل المعوّض العوض من حيث خرج الآخر فهذه الدار خرجت ليس من الوكيل البائع وإنما خرجت من مالك الدار فالثمن يدخل حيث خرج منه المثمن وإن نوى المشتري اشتباهاً أنه يملّك العاقد ولكن هذا اشتباه لا يخل بجوهر ماهية البيع، إذاً في البيع او المعاوضات أو الاجارات المالية العوضين أساسيين، بحث بيع الفضلي وغيره تأتي كل هذه النكات فيه، وهذا جيد ولكن ماذا في بيع الكلي في الذمة سواء كان مبيعاً أو ثمناً ؟، العض له موضوعية في البيع لا المتعاقد ولكن الذمة المالية المتعاقد له دور فيها لأن ذمة من لها مالية وعهدة من ؟، مثلاً ربما مالك المال لو أراد أن يأتي ويتعاقد ففي السوق ربما لا يطمئنون ويعتمدون عليه ولكن هذا الدلال صاحب سمعة في السوق فالمشتري و البائع يقول له انا اتعاقد بثمن في ذمتك أنت وليس علاقة بالغير لأني أعرف أنك التزمت به ولو جاءني ذلك الشخص فلا علاقة لي أما أنت فبما أنك لك اعتبار باصطلاح السوق لك شرفية مالية وهذا اصطلاح بنكي فحينئذٍ تعاقدت معك أما ذاك الشخص فلم أتعاقد معه على هكذا مبلغ معيّن ولو تراجعون حث المضاربة في العروة الوثقى فالبحث موجود فيها، وأنا عمداً أكثّر الأمثلة حتى ابين قضة الذمة المالية كيف لها أمثلة وصور، هنا قالوا إن هذا الوكيل إنما اوقع في ذمته ليس لأجل نفسه حتى لو هو تعهد جعل ذمته طرف العوض ولكن ليس قصده أن يكون طرف عوض وإنما قصده أن يكون بما هو وكيل مثلاً فهنا قال الفقهاء هل تكون ذمته طريق ومرآة لذمة المالك الموكّل أو لا ؟ ، تارة الوكيل يشتريه في ذمته كأنما الوكيل يداين الموكل فيجعل ذمته مديونه لأن الوكيل يدفع من جيبه ومن جيبه بمعنى أنه جعل ذمته ثمناً فكأنما سدّد البيع ولكن هو يرجع على الوكيل فيقول له أنا كأنما دفعت لك الثمن أنا الوكيل داينتك أيها الموكِّل، ولماذا ؟ لأنه جعل ذمته مملوكة للبائع فهذا سداد وإقراض من الوكيل للموكِّل، وهذا بحث معقد اثرناه لكي نبيّن أنَّ الذمم كيف منوال اجرائها، فعلى كلٍّ لا نريد الغوص كثيراً فإن هذه التفاصيل لا ترتبط بهذا البحث بل أصل البحث هو مالية الذمة وإن كانت هذه البحوث حساسة في البيع والاجارة والمضاربة والوكالة ولكن اجمالاً هو هذا لمطلب وهو أن الذمة لها مالية.

خلاصة مدعى العرف العقلائي ما هو وسندخل في دلليه قليلاً قليلاً؟ خلاصته هي أن هذه المالية التي للذمة يلاحظ منشؤها هل الشخصية الحقيقية أو الشخصية الحقوقية الاعتبارية وهذا الاعتبار صحيح او غير صحيح، هو يملك او لا يملك فهنا تود بحوث كثيرة أصلاً بحوث الذمة المالية في البحوث الاكاديمية توسعوا فيها كثيراً لأنها محل بحث وابتلاء كثير، حتى علماؤنا الأعلام في بحث المضاربة والوكالة، فهو بحث وعر.

ودعونا نشرح استدلال هذا القول العقلائي المعاصر نشرحه في البداية كدلالة حتى يتبين المطلب أكثر:- لماذا العقلاء إذا كان شخص مستواه المالي قليل لا يتعاقدون معه تعاقد على أموال ضخمة في الذمة ؟، افترض أن انساناً قليل البضاعة من الجهة المالية وجاء تاجر ثري جداً وتعاقد معه بصفقات بالمليار فهل يسمي العقلاء هذا بيعاً ؟ يقولون هذا ليس بيعاً وإنما لعب ولهو لأن هذا الشخص لا قدرة له مالية على سداد هذا المبلغ، وما يعني أنه لا توجد عده ذمة مالية فإذا كانت الذمة فرضاً فهذا يفرض حتى للو كان فقيراً وحتى لوكان عاجزاً ؟، إذاً هذه الذمة المالية وجودها ليس مجر الفر والتدير ومجرد الالتزام، طبعاً العهدة شيء آخر مر بنا التمييز بين العهدة والذمة، فالعهدة وعاء للأحكام التكليفية والذمة وعاء للأحكام الوضعية، والآن كلامنا في الذمة المالية، والكلام في العهدة شبيه للذمة أيضاً يأتي ولكن لا نري أن نثير بحث العهدة الآن وإنما نريد أن نثير بحث الذمة، الآن مثلا من باب مثال الذمة لو أن فقيراً من الفقراء سبّب اتلاف باخرة بالمليارات عمداً أو جهلاً أو سفاهة بأن ضغط على زر فسبَّب اتلاف هذه الباخرة أو انهدام هذه البناية وهو فقير الحال فهلي قول العقلاء هو ضامن ؟ كلا، ليس أنه بريء الذمة يعني ضامن بأنه مديون؟ قولون هذا دين تلف لأن هذ الفقير أصلاً ذمته ليس لها وعاء ودرجة بحيث يعتبرون هذه السفينة أو المبنى في ذمته بل يقولون هذا تلف ولا يمكن المتابعة، نفس هذا المبلغ الكبير أصلاً تلف لا أنه انتقت إلى ذمته لأنه لا توجد عنده ذمة، وما معنى أن ليس عنده ذمة؟ القدرة على التسديد ليست وجودة عنده، غذاً نلاحظ أن الذمة تكونها ونشوئها ومقدارها يرتبط بقدرة الشخص، علَّة ومعلول سبب ومسبب ومن دون وجودة أصلاً لا يمكن ذلك وإنما يعتبرونه تالفاً ولا وجود له.

إذاً الالية في ذمة الأشخاص لا تناط بالتزام الشخص فقط وفرض الشخص صاحب الذمة فقط بل تناط بنظر العقلاء بلحاظ قدرة صاحب الذمة نفسه، هذا المقدار تقريباً بيّن لدى أكثر الأعلام أنَّ الذمة المالية مثل انسان الآن يأتي يستقرض قرضاً فأنت تعلم ان هذا الشخص لا توجد عنده قدرة على التسديد ثلث المبلغ لا يستطيع أن يسدده فهذا هل هو يستقرض أو أنه يستوهب ؟!، هو يعلم ويعلم أنك تعلم فهل هذا قرض أو استيهاب؟ صورة هو قرض ولكنه استيهاب لأن الذمة بلحاظ القدرة فإذا لم تكن القدرة موجودة فليس هناك قرض، القرض أن تعطي المبلغ في مقابل أن تأخذ في ذمته وهو لا توجد عنده ذمة.

إذاً الذمة مرتبطة بالقدرة سبب ومسبب فإذا لم تكن القدرة موجودة عند العقلاء لا يعتنون بهذه الذمة المالية، فالقدرة إذا لم تكن موجودة فلا توجد ذمة، يقع الكلام الآن في خطوة اعقد من هذه فإن هذه الخطوة شيء سهل أما الخطوة اللاحقة معقدة وهي ان الذمة تارة للشخصية الحقيقية وتارة الذمة للشخصية الحقوقية يعني بما هو مدير مؤسسة أو بما هو وزير أو بما هو ولي وقف هل الشخصية الحقوقية - بعبارة مختصرة وجزلة - الاعتبارية مدير بنك أو مدير مؤسسة أو وزير هل هي حيثية تقييدية او حيثية تعليلية ؟ ، تقييدية يعني أنَّ الذمة في الحقيقة هي ذمة مدير البنك وليس ذمة زيد بن أرقم وهو يتعامل مع البنوك وهذا بنك دولي عالمي عنده مليارات وهو أصلاً ليست عنده هذه القدرة وإنما القدرة لمؤسسة هنا واضح أنَّ الحيثية تقييدية يعني بالدقة الذمة ليست ذمة زيد بن أرقم وإنما ذمة المؤسسة والعنوان، فالمالك لهذه الذمة هو المؤسسة أو العنوان الاعتباري أو الوزارة ما شئت فعبر وليس المالك نفس هذا الشخص، هذه صورة، وما هي الحيثية التعليلية وإن كان للحيثية التعليلية اصطلاحات عديدة وكذلك التقييدية ولكن الآن نحن وراء الاصطلاح المعروف الدارج وليس وراء كل الاصطلاحات والمعاني، فالحيثية التعليلية هي الآن الوارث يرث من أبيه، الولد للميت فالذي يرث هو عنوان الولد أو الولد الذي اسمه زيد بن أرقم ؟ طبعاً زيد بن أرقم وإن كان إرث زيد بن ارقم وتملّكه لهذه التركة الضخمة بسبب الولدية - عنوان الولد - ولكن عنوان الولد هنا ليس حيثية تقييدية وإنما هي حيثية تعليلية، وتعليلية يعني الرحم وأسباب الرحم واسباب الولادة صار سبباً في إرث زيد بن أرقم من الميت، الميت اسمه أرقم بن أرقم فارقم بن ارقم الأب ورّث ابنه زيد أرقم بسبب عنوان البنوّة أو الولدية فهنا العنوان ليس مالكاً وإنما المالك هو زيد بن أرقم، إذاً هناك العناوين تارة أو مثلاً العناوين الاعتبارية ولا يشترط العناوين التكوينية فإن الولد عنوان تكويني، وهنا نكتة حساس العناوين الاعتبارية تارة هي حيثيات تقييدية لمالية الذمة ففي الحقيقية نفس العنوان هو المالك هو الذمة مثل مدير البنك أو الوزير وهلم جرا وتارة العنوان يكون حيثية تعليلية فهذه على كلٍّ جملة صور وأنواع للذمة المالية أحببنا أن نذكرها حتى تستوفي القسام إلى حدّ ما.

نرجع إلى قضية المنشأ للذمة المالية إذا كان محرماً أو محللاً: - وقبل أن نشرح هذا المبحث العرفي شخص يقول لماذا تبحث في العرف؟ سنأتي إلى الروايات ولكن الروايات تقرأ من خلال النكات العرفية، الآن مبحث مرّ بنا وهو شراء المغنية ويوجد فيه نص فتارة أنت تشتري المغنية بقيمة أنها مغنية فكل البيع باطل ولا يصير تبعّض صفقة لأنَّ الغناء حرام وهذه المالية الناشئة من الحرام الشارع يفسدها، وتارةً أنت تشتري الجارية بمالية أنها جارية وبقية المنافع للجارية، الخدمة وغير ذلك فماليتها بهذا اللحاظ أقل من مالية أنها مغنية هنا يقول الفقهاء البيع صحيح ومنصوص، وذاك البيع حرام ومنصوص أنه حرام، فيقع السؤال هنا وهو أن المالية في الصورة الأولى التي كتبت للجارية المغنية الغناء هناك حيثية تقييدية أز تعليلية ؟ إنها حيثية تعليلية، لأنَّ هذه المالي ليست لوصف الغناء فإنَّ الوصف ليست له مالية عند الفقهاء وإنما الموصوف له مالية، هنا رغم أن الحيثية تعليلية وليست تقييدية مع ذلك المالية اعتبرها الشارع معدومة، وهذا كمثال وإلا فتوجد أمثلة كثيرة مرت بنا وذكرنا أن المكاسب المحرمة أعظم خطورة حتى من بحث البيع لأنها بنى وقواعد البيع والمعاملات كلها في مبحث المكاسب المحرمة مثل تعقيد بحث المالية ، فهنا الغناء ولو أنه حيثية تعليلية وليست تقييدية والغاء افترض أه صفة محرمة ولكن مع ذلك هذه المالية التي تسند إلى الجارية بسبب وصف محرم هذه المالية حرام عند الشرع ليس في خصوص الغناء وإنما قال الفقهاء هذا شيء سيّال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo