< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/10/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرمة _ النوع الثالث ( بيع ما لا منفعة فيه).

كنا في النوع الثالث من أنواع المكاسب المحرمة التي عنونها الشيخ الأنصاري وهو بيع أو التعاوض والمعاملة على ما لا منفعة فيه ، فمر نقطة تمهيدية وإن كنا دخلنا في البحث وجوه بطلان هذه المعاملة عند الأعلام ولكن توجد نقطة تمهيدية مهمة وربما تكون أهم حتى من هذا المبحث وهي أنَّ ما لا منفعة فيه هل هو بحسب الواقع أو بحسب علم العقلاء وهل وصف المالية هل يدور مدار الوصف النسبي أو الوصف الثابت الواقعي ، من هذا القبيل انجرّ الحديث وهذا مبحث مهم في مالية الأموال في المعاملات ووصف الأعيان التي تقع عوضاً وأعواض في المعاوضات ، فكيف يكون للعلم دخل في صفة ثبوتية ؟ ، علم العقلاء بالمنفعة ، مثلا مدة من القرون العقلاء يبنون على أن هذا الشيء ليس له منفعة ثم بعد ذلك يقف العلم على أن هذا الشيء له منفعة هنا تحدث مالية للشيء ، فكيف تحدث مالية للشيء وهي صفة ثبوتية تتأثر بالعلم مع أن العلم ليس له دخل ؟ ، كان النقاش حول هذا المطلب ومرت بنا أمثلة عديدة أن العلم في حين هو طبع العلم والظن والاحتمال هذه الأمور التي يعبرون عنها بالإدراكية طبعها أنها كاشفة محضة طريقية محضة وآثارها أو الواقع لا يتأثر بها ، بل الواقع هو في نفسه وهي ليس لها دور في الواقع إلا الكشف المحض ، هذا نعم بحسب غالب الآثار ، فبحسب غالب الآثار الطرق الظنة هي هكذا ، ولكن يستثنى من هذا المجال جملة من الآثار في ابواب فقهية او اصولية أو اعتقادية إنَّ العلم رغم كونه طريقياً إلا أنه يؤثر وله موضوعية ذاتية في تلك الآثار ، فالميرزا النائيني في مبحث حجية القطع واليقين والعلم صوّر القطع الموضعي على نحو الصفتي يعني الآثار التي للقطع دخالة موضوعي أن يكون القطع الصفتي ، ولكن الصحيح بحسب جملة من المحققين قالوا حتى القطع الطريقي المحض يمكن أن يتصور له صفتي ، طبعاً الكمباني مثلاً قال إنَّ درجة الكشف في العلم هذه الدرجة في حين هي مأخوذة من الكاشفية ولكنها صفتية ، وهذا كلامه لا بأس به ، إنَّ نفس الطريقية هي صفتية وهي طريقية يعني لها موضوعية ، ولكن يمكن تصوير الطريقية حتى غير درجة الكشف هو ، الكشف سبب موضوعي - يمكن أن يكون - ، ومرّت بنا أمثلة عديدة في القضاء وغيره وهلم جرا ، حتى في باب الاقرار ، وحكم القاضي أيضاً مرّ بنا فهو في حين هو طريقي وفي حين هو موضوعي ، وكيف يكون موضوعياً ؟ يعني مثلاً المحق إذا قضى القاضي بحسب الموازين الظاهرية على خلاف حقه والقاضي لم يخطئ في الموازين ولكن الموازين الظاهرية لا تسعف هذا المحق وإنما تسعف المبطل ، وهذا يمكن ، لأنَّ الموازين والأحكام الظاهرية قد تخطئ فحينئذٍ ماذا يصنع هذا المحق ؟ يقولون ليس له أن يتصرف بحسب الواقع بل يجب عليه أن يتصرف حسب حكم القاضي ، لأنَّ حكم القاضي في حين كونه طريقياً بلحاظ الكثير من الأحكام ولكن بلحاظ التزام المتنازعين بحكم القاضي سيما الذي حكم القاضي عليه وإن كان هو محقاً هنا حكم القاضي له موضوعية ، فعلى كلٍّ هذه أمور يلزم أن نلتفت إليها.

لذلك هناك مثال لم نتعرض إليه ولا بأس أن نتعرض إليه ذكره السيد الخوئي في حاشية أجود التقريرات مثلاً في باب الصلاة أو الطواف أو السعي أو خلل الحج أو خلل جملة من الأبواب في المركبات والعبادات وردت الأدلة ان المكلف إذا عجز يسوغ له المركب الناقص في الطواف أو في السعي أو في الرمي أو في الصلاة ، فيوجد نقاش عند الفقهاء أنه هل الجهل يمكن أن يكون معجّزاً ؟ إذا كان الجهل معجّزاً - الجهل المركب - فحينئذٍ هذا أيضاً يندرج في العاجز فيشرع وصحّ منه المركّب الناقص ، هناك السيد الخوئي قال نعم أنَّ العلم صحيح أنه طريقي محض ولكن في جملة من الموارد مؤثر في القدرة لأن القدرة تتقوم بالعلم والقابلية وليس بالقابلية فقط بل بالعلم أيضاً ، فهذه نكتة مهمة وهي أنَّ العلم في حين أنه طريقي محض وكاشفية ولكن يمكن أن يتصور له دور ثبوتي ، وما نحن فيه هكذا في باب المنافع حينما يقال شيء لا منفعة له ليس بحسب الواقع وإنما بحب علم العقلاء فبالتالي لا يبذلون بإزائه المال ، فمن هنا المالية في حين هي صفة ثبوتية ولكنها ليست ثبوتية بقول مطلق وإنما هي ثبوتية بحسب إدراك العقلاء ، لا سيما أن المالية صفة اعتبارية وليست صفة تكوينية وإن كانت المنفعة صفة تكوينية ، ولكن المراد مما لا منفعة له يعني بحسب ادراك وقدرة العقلاء ، فلا ينقض بأنه سيأتي في قرون لاحقة يكتشفون فيه منفعة فينكف أنَّ الموضوع ليس مما لا منفعة له ، كلا فإنَّ هذا لا ينكشف وغنما يتبدل الموضوع من شيء لا منفعة له إلى شيء له منفعة حسب قدرة ودرك العقلاء فتكون له مالية ، فهذه نكتة لا بأس بها تنفع في مباحث كثيرة في المعاملات حتى في مباحث أخرى مثل النكاح أو القضاء وغيرهما.

ما هي الوجوه التي استند إليها الأعلام في البطلان الوضعي لبيع ما لا منفعة له:- هناك جملة من الوجوه:-

الوجه الأول:- إنَّ ما لا منفعة لا مالية له وما لا مالية له لا تقع عليه المعاوضة فبالتالي لا تتحقق ماهية المعاوضات ومنها البيع حينئذٍ.

ونذكر نكتة مرت بنا مراراً وهي مؤثرة وخطيرة:- وهي أنَّ المعاوضات أو المعاوضة هي جنس للبيع ولا تختص المعاوضات بالبيع بل الاجارة معاوضة والقرض معاوضة ، وهل القرض معاوضة فإنه لا يوجد فيه عوضان ؟ كلا بل يوجد فيه عوضان لأنه يملّكه هذا المال عوضاً عن كلّي في الذمة في ذمة المقترض فيصير تعاوضاً غاية الأمر هم يعبّرون في باب المعاملات عندنا عوض واقعي وعندنا عوض المسمّى مثل المهر المسمّى ومهر المثل ، فمهر المثل مهر واقعي مثلا أما المهر المسمّى أي الذي عيّنوه ، فالعوض أيضاً هكذا في بعض الأحيان يوجد عوض قهري واقعي ويوجد عوض مسمّى يعني عُيِّنَ بسبب المعاوضة فالقرض أياً هو معاوضة ولكن بعوضٍ واقعي قهري ، بل قال الفقهاء إنه حتى في بعض الضمانات هي معاوضة فإن ( من أتلف مال الغير فهو له ضامن ) حتى هذه هي من باب المعاوضة ولكن يعبّرن عنها بالمعاوضات القهرية ، فالمهم المعاوضة جنس ماهوي أعم من البيع ولا يختص بخصوص البيع ، طبعاً الهبة ليست معاوضة ، هي عقد ولكن ليست معاوضة ، فمنه نلتفت إلى أنَّ العقد أعم من المعاوضة ، وهذا ربما مرّ بنا في بداية المكاسب المحرمة ، الهبة عقد ولكنها ليست بمعاوضة ، فيمكن أن تكون هبة معوّضة فتصير معاوضة ولكن الهبة التي ليست معوّضة هي عقد ولكن ليست معاوضة ، هذه الأجناس الماهوية للمعاملات تشخيصها والتدقيق فيها في غاية الأهمية ، الشيخ الأنصاري في مبحث البيع ذكر جملة من القواعد والأحكام في المعاوضات في البيع بتوسط عموم ماهية المعاوضات لا خصوص البيع ، وهذه مرت بنا ويلزم أن نستذكرها دائماً ، ومرت بنا قريب لهذا المطلب جدل عند الفقهاء وحتى عند اللغويين ما الفرق بين التجارة وبين البيع ﴿ رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله ﴾ فما الفرق بين التجارة والبيع فهل هما جنس ونوع أو هما مترادفان ، الآن في العبير العصري ربما يعبّرون عن التجارة بالاستثمار ، أو قد يستعملون الاستثمار فيما هو أعم من التجارة ، مثلاً إيجار البيوت هو استثمار ولكن قد لا يقولون عنه تجارة ، الخمس بعد فاضل أرباح المكاسب أو التجارة أو الاستثمار ، فأيَّ من العناوين هو الضابطة ؟ ، فلاحظ أنَّ هذه العناوين حساسة في بحث الماليات تأتي دائماً فيجب ان ندقق فيها.

فعلى أي تقدير المعاوضة على ما لا منفعة له ليس خصوص البيع وإنما المعاوضة فالمعاوضة على ما لا منفعة له باطلة ، وكذلك الهبة باطلة ، أصلاً افترض أنه لا منفعة له لا شخصية ولا نوعية فما معنى أن تهبه ؟!! ، فلاحظوا كما مرّ بنا في بدايات بحث المكاسب المحرمة أو حتى ما بعد البدايات أيضاً مرّ بنا مراراً أنَّ المالية شيء أعم من المعاوضات ومن العقود ، مثلاً قد تكون حبة حنطة يمكن هبتها إلى الطرف الآخر أو لا ؟ ، فلاحظ يوجد عندنا عنوان الملكية وعنوان المالية وعنوان العقد وعنوان التجارة وعنوان البيع عناوين مختلفة عن بعضها البعض ولك له حسابه ، الآن الأرض التي يحجّرها المسلم في الأرض الموات فهو لم يملكها ولكن له حق التحجير أو له حق السبق فالملكية ليست موجودة ولكن المالية موجودة ويمكن التعاوض عليها وهبتها ، هنا قالوا مالا منفعة له الآن مثل حبّة الحنطة فالحبة الواحدة لا منفعة لها ، نعم إذا اجتمعت مع حبات أخرى فتصير لها منفعة ولكن هي وحدها لا منفعة لها ، بخلاف الحشرات التي لا يعلم العقلاء بعدُ بمنافعها وهذا لطيف ، وهي لفتة معرفية لا بأس أن نعرفها ، وهي أنَّ الكثير مما له منفعة بحسب نظام ومنظومة الطبيعة والطبائع البشر لا يكتشفون منافعها لا أنه لا منفعة لها وغلا فالله عز وجل لا يخلق شيئاً غلا لحكمة وغاية وإنما البشر لا يكتشفون هذا الشيء ، فالله تعالى حكيم بالغ الحكمة ﴿ وما خلقنا السموات والأرض باطلاً ذلك ظن الذين كفروا ﴾ وباطل يعني ليس له غاية ليس له هدف وليس له حكمة.

فإذاً المالية والملكية والمنفعة ما لا منفعة له هو أنواع ، مثل الآن أحد وجوه بطلان بيع النجاسات القذرة أنها لا منفعة لها ، وهذا البحث مرّ بنا فهي من جهة حرمة نجاستها ومن جهة أنها لا منفعة لها ، وطبعاً لا منفعة له بحسب علم البشر وإلا فإنه يوجد في الروايات أنَّ هذه العذرة مع نجاستها وحرمتها معروف في العلوم الغريبة أنه يمكن صناعة الذهب منها ، فأسهل مادّة لصناعة الذهب بالكيمياء القديمة - وليست في علم الكيمياء الحديثة - هي عذرة الانسان ، أما كيف فهذا بحث آخر ، ولكن على أي تقدير حتى قضية الأسمدة الآن أو غير ذلك ، فعلى أي حال ما لا منفعة له أنواع ، فحينما يقولون المعاوضة لا تصح عليه مقصودهم ليس المعاوضة فقط بل حتى العقود كالهبة ايضاً لا تصح ، الآن حبّة حنطة يمكن أن تهبها أو لا تهبها عقلائياً ، الملكية لا تقرّر في حبّة الحنطة وإنما حق الاختصاص يعني ملكة ضعيفة وقد مر بنا أن الحق هو سلطنة ضعفة ، لأن الحق يوجد فه نزاع عليم بين الفقهاء وهي أنه ما هي حقيقة الحق - الحقوق المختلفة - مطلق الحق كجنس لحقوق ما هي حقيقته وقد نقلنا كلام السد اليزدي أن سلطنة أو سلطان ، فالسلطنة إذا صارت قوية صارت ملكاً ، أما إذا ضعفت فتسمّى حقاً ، فهذه حبّة الحنطة فيها حق ويصير نوع من الهبة في الحق فهذا قابل للتصوير ، لكن إذا كانت أموراً خسيسة جداً فلا معنى للهبة أو المعاوضة عليها.

فالمهم اجمالاً ما لا منفعة له مع اختلاف أنواع ما لا منفعة له أصل الملكية غير مقررة ، فقد يصوَّر الحق وقد لا يصوَّر حتى الحق ، فإذا لم يصوّر الحق ولم تصورّ الملكية ولم تصوّر المالية فالتعاوض يكون على ماذا والتعاقد يكون على ماذا والبيع يكون على ماذا ؟! فاصلاً الموضوع يكون منتفياً.

والسيد الخوئي تبعاً لأستاذه الكمباني أشكل على هذا الاستدلال حيث قال:- نحن لا نقبل بأنَّ البيع هو تبادل المالين ، فلا ينحصر البيع أو المعاوضات عموماً لا تنحصر بتبادل مالية الشيئين ، بل حتى لو كان الشيئين ليس لهما مالية مطلق التبديل قابل للتصوير.

وهل التبديل في ماذا ، فهل التبديل هو في الملكية فالمفروض أنَّ العقلاء لا يعتبرونها ، وكذلك المالية ليست موجودة فالتبديل في ماذا فهل هو تبديل جغرافي ؟!! ، القصود أنه افترض أن المعاوضة أو البيع هو تبادل في المالين فإذا كان شيئاً ليس له مالية وليس له مالية فهل هنا تبادل جغرافي فذها الجوهر الخارجي العين ينتقل من يده إلى يد ذاك ، كخنفساء مثلاً أبادلها بخنفساء أخرى عنده فهل هذا بيع ؟!! كيف يكون بيعاً ؟!! وهل هو نقل اعتباري أو نقل خارجي فإنَّ البيع ليس نقلاً خارجياً وإنما هو نقل اعتباري ولكن اعتباري في ماذا ؟!

فعلى كلٍّ هذه الدعوى من الكمباني أو السيد الخوئي غير قابلة للتصديق.

طبعاً ربما يستشهد الكميان أو غير بـ ﴿ فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ﴾ و ﴿ إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ﴾ فما هو هذا الشراء فإنَّ هذه لا مالية لها فما هو الشراء وما هو البيع فالبيع بأي معنى هنا فهل هو استعمال مجازي ؟ ، هنا الأصفهاني أو الخوئي يريد أن يصوّر أنَّ الاستعمال حقيقي وليس مجازي ، البيعة لإمام المسلمين ، البيعة مأخوذة مادةً من البيع فما هو التعاوض الموجود في البيعة ؟ نعم يوجد نوع تعاوض ، مقابل أنك توالي وتعقد العهد على أن تطيعه وتنقاد إليه وتلتزم إليه وهو في المقابل يرعاك دينا وآخرة مثلاً ويؤمن لك ضمان اجتماعي في بيت المال ومن هذا القبيل أو بلحاظ حتى الآخرة ، فأياً ما كان استعمل البيع والمعاوضات في الأمور المعنوية ، والمرحوم الاصفهاني يصير على ان هذا ليس استعمالاً مجازياً وإنما هو استعمال حقيقي مما ينبه على ان هذه العناوين لا تتقون بالمالية والملكية هكذا استشهد المرحوم الاصفهاني.

وهذا الذي ذكره صحيح ، وهذا طبعاً مبحث لا يؤثر فقط في المعاملات والفقه وإنما يؤثر أيضاً في العقائد ، فهذه العناوين للمعاملات قابلة للتصوير في باب العقائد أو لا فإنَّ هذا بحث مهم ؟ ، من أواخر طب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه امر علي بن أبي طالب عليه السلام أن يبلغ الناس نيابة عنه ثلاث جمل ( لعن الله من منع أجيراً أجرته ) و ( لعن الله من أبق من موالية ) و ( لعن الله من عقَّ والديه ) فخفَّ حال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله الناس أنَّ هذا الذي بلّغه عنك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ما هو معناه فنحن في حالة رحيلك يا رسول الله فالأحكام الفرعية ما دورها ؟! لأنه أمرٌ وخطبٌ يزعزع ركن الدين لأنه سيد الأنبياء فما معنى هذه الأحكام الفرعية وهل هذا وقتها ؟ ، وكأنما تعجب الناس وتساؤل الناس من وصايا النبي هذه ، فالمقام هو مقام تحديد مصير عقيدة الناس ومسيرة الأمة وليس مقام مسائل فقهية فرعية ، فلاحظ هذه هي فطرة الناس ، وهي فطرة ممتازة وهي أنه في القضايا الخطيرة تكون العقدية هي خارطة الطريق وليس الفروع ، فعلى كلٍّ هذه لقطة قابلة للتحليل الكبير ، ففسّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ هذه العقود من اجارة وعبيد وموالي وصلة رحم المراد بها ليس النطاق الفقهي بل المراد بها النطاق العقائدي ، ( أنا وعلي اجيرا هذه الأمة فمن منعنا ..... ) نفس القرآن الكريم استعمل الولاية بمعنى الأجرة ، فلماذا قل ﴿ قل لا أسألكم عليه أجراً ..﴾ فهل هذا مجاز؟ كلا إنه ليس مجازاً ، فهذا بحث مهم جداً لا نستطيع الخوض فيه الآن وهو ارتباط الماهيات الفقهية بالماهيات العقائدية وهي بابة خطيرة خداً ونحن لا نريد الخوض فيه ولا نريد أن نذكر ما هي آثاره ، طبعاً الكثير من الأبحاث الفقهية ليست مأنوسة بهذا الارتباط ولكن الأصفهاني يصير على ذلك وكذلك السيد الخوئي يصر على أنَّ هذا استعمال حقيقي.

وهنا بيت القصيد حتى نرى أنَّ دعوى السيد الخوئي صحيحة أو لا تبعاً أو وفاقاً لأستاذه الأصفهاني ، وهو أنَّ استعمال الماهيات الفقهية في القعائد هل هو استعمال مجازي أو حقيقي ؟ الأصفهاني يصرّ على أنه حقيقي ، والسيد الخوئي أيضاً يصرّ على أنَّ الاستعمال حقيقي ، منها يستكشف السيد الخوئي والسيد الأصفهاني بأنه إذاً المالية غير مقوّمة في البيع أو المعاوضات ، هذه خلاصة ردّ الأصفهاني والسيد الخوئي على هذا الاستدلال مع انه استدلال فقهي.

وأنا عرضت هذا المطلب الآن لأنَّ هذا المبحث له آثار عجيبة على علم الكلام وعلى علم الفقه ، فإنَّ الكثير من المشي الفقهي ليس ملتفتاً ولا يتصور أنه يوجد ربط بين العقائد وبين فقه الفروع ، فهذا ضرب من التصوير الشعري ، الكثير من الأبحاث الفقهية عندهم أن هذا ضرب من التصوير الشعري يعني استعارة أو مجاز ولا حقيقة لها ، لا ربط بين الماهيات الفقهية والماهيات العقائدية ، وأنا لا أريد الدخول في البحث ولكن اسم البحث لا ينسى لأنه ينفع في موارد عديدة موارد عقائدية وتفسيرية وعلوم دينية وينفع حتى في الفقه ، ولكن نذكر اسم المبحث فقط أما كيف هو بسطه وأين هو فالآن ليس مجاله ، اسم المبحث هو هذا وهو أنه هل الماهيات الفقهية لها تطبيق على المبحث العقائدي أو لا ؟ هذا المبحث إذا أرتدتم أن أذكر لكم مصادره من دون الدخول فيه فقد بحثه الأصوليون في صاول الفقه يسمونه بحث الاعتبار واعتباريات ، والعلامة الطباطبائي إلى حدّ ما تعرض إليه في رسالة الاعتباريات.

واجمالاً الآن نحن نسلّم ما أصر عليه الأصفهاني والسيد الخوئي في هذه الجهة وهي أنَّ الاستعمال هنا ليس مجازياً وإنما هو حقيقي ولكن رغم ذلك نقول هو لا يثبت مدّعى الأصفهاني والسيد الخوئي بأنَّ البيع في هذه الموارد يتحقق من دون مالية فإنَّ هذا لا يمكن مع أنه استعمال البيع في الموضوعات أو الأبواب العقائدية هو استعمال حقيقي وليس مجازياً ، فهو ليس استعارة ، بل هو اجارة صحيح ومعاوضة صحيح ولكن مع ذلك لا يثبت المدّعى ، فإذا كانت الماهة هناك تنطبق من دون مالية كيف هنا ؟!! ، كلا هي المالية موجودة حتى هناك والملكية موجودة هناك أيضاً ولكن سنخ الملكية والمالية هناك تختلف عن سنخ الملكية والمالية في فقه الفروع ، يعني الغفلة التي صارت عند الأصفهاني أو السيد الخوئي والكثير من تلاميذ الأصفهاني أنهم قاسوا الملكية الموجودة في الفروع على الملكية الموجودة في العقائد والمالية الموجود في الفروع على المالية الموجودة في العقائد وهذا القياس ليس في محلة لا أنه في باب العقائديات ليست هناك ملكية ولست هناك مالية ، كلا بل هناك ملكية وسلطان فغن الانسان سلّطه الله تكويناً على نفسه فيمكن أن يبذل مهجته في سبيل الله ، في زيارة سيد الشهداء ( بذل مهجته ) ما معنى أنه بذل مهجته ؟ إنه عنده سيطرة على مهجته ، كيف أنَّ الأجير حينما يريد أن يملّك منفعته للمستأجر هذا السلطان الموجود عند الأجير على منفعة نفسه هل هو تكويني أو اعتباري ؟ قال الفقهاء إنه سلطان تكويني فإذا كان تكوينياً فلا يحتاج إلى أن تفرضه اعتبارياً ، فنفس هذا التكويني يصحح معاملة ايجار الحر لمنافع نفسه ، هناك أيضاً هذا الذي يبذل مهجته ﴿ إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ﴾ فنفس الانسان طبقات وليس الانسان نفس فقط بل الانسان عقل وروح هذا الانسان الذي هو طبقاته الفوقية هي تعاوضه على طبقاته النازلة مع الله ، سلطنة تكوينية موجودة ، ملكية تكوينية موجودة وليست ملكية اعتبارية فإنه لا يحتاج إلى ملكية اعتبارية ، المالية أين هي موجودة ؟ أصلاً معنى المالية والمال هو الميل والرغبة ، والميل والرغبة أيضاً موجودة بل في العقائد أشد من غيرها ، فهو يرغب في جنّات وحور وقصور وجزاء وحسنت مستقراً فهو يرغب فيها ، والنفس أيضاً مما يرغب فيه ، أنفس نفيس على ذات الانسان هو نفسه التي بين جنبيه فهي بهذا المعنى لها مالية.

فإذاً هذه الموارد التي نقض بها الأصفهاني والسيد الخوئي على أنَّ المعاوضات أو البيع لا يتقوم بالمالية كلا بل هو يتقوّم حتى في العقائد والماهية واحدة وليس الاستعمال مجازياً كما قال هذان العلمان ولكن الملكية موجودة والمالية موجودة ، فهذا النقض غير صحيح فاستدلال المشهور يكون صحيحاً هنا ، ففي ما لا منفعة له لا يتحقق البيع الاعتباري.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo